المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الأوّل

248

التعهّد، أو عبارة عن الاعتبار بمعنىً يشمل مسلك جعل السببيّة الواقعيّة؟(1).

فإن قلنا بالأوّل، بمعنى: أنّ المتكلّم متعهّد بأن لا يتكلّم بكلام إلاّ إذا أراد معنى ذلك الكلام مثلاً، فقد أوجدنا بهذا التعهّد الملازمة بين وجودين خارجيّين: أحدهما: وجود اللفظ، والآخر: وجود المعنى خارجاً، أعني: وجود إرادة المعنى حقيقةً في نفس المتكلّم. ومتى ما عرفنا الملازمة بين وجودين خارجيّين، فلا محالة تصبح المعرفة بأحدهما سبباً للتصديق بالآخر. وهذا معنى الدلالة التصديقيّة.

وإن قلنا بالثاني، كان من المستحيل أن تكون الدلالة الوضعيّة تصديقيّة، ولا تعدو عن كونها تصوّريّة؛ وذلك لأنّ هذا الاعتبار إن أوجد مجرّد القرن بين صورة المعنى وصورة اللفظ في الذهن مثلاً، من دون إيجاد ملازمة خارجيّة بين وجود اللفظ ووجود الإرادة في نفس المتكلّم، فمن الواضح أنّ هذا غاية ما يترتّب عليه هو انتقال الذهن من إحدى الصورتين إلى الاُخرى، ولا معنى للكشف عن وجود الإرادة خارجاً والتصديق بها؛ لأنّ التصديق بها إنّما يكون عن طريق معرفة وجود ما يلازمها خارجاً، حتّى يكون وجود هذا الملازم برهاناً على وجودها، وبدون ذلك لا نملك أيّ برهان على وجودها حتّى تتمّ الدلالة التصديقيّة، ومجرّد الاعتبار أو القرن في الذهن بين صورة اللفظ والمعنى ليس برهاناً على وجود المعنى وإرادته في نفس المتكلّم، وأمّا إن كان هذا الاعتبار عبارة عن إيجاد الملازمة بين إيجاد اللفظ وإرادة المعنى، فهذا عبارة اُخرى عن التعهّد بأن يريد المعنى عند ذكر اللفظ، فقد رجعنا إلى مسلك التعهّد.


(1) أي يشمل نظريّة القرن الأكيد.