المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الأوّل

198


ذهنه على مستوى الدلالة التصوّريّة، فتكون النسبة هنا تحليليّة، ولكن بما أنّ هذه الصورة الوحدانيّة صورة منتزعة من كلام مشتمل على النسبة التامّة، فالسامع ـ لا محالة ـ يتصوّر ويصدّق بوجود ذاك الكلام التامّ في نفس المتكلّم، فالفرق بين وضع السامع هنا ومن يتصوّر مثل «نار في الموقد» هو: أنّ الثاني لم يكن صورة منتزعة ممّا يشتمل على نسبة تامّة؛ إذ لا معنى للتماميّة والنقصان في النسبة الخارجيّة، وإنّما هما من صفات النسبة في النفس، ولو سمع أحد كلمة «نار في الموقد» من متكلّم، فانتزع صورة عمّا في نفس المتكلّم، فالموجود في نفس المتكلّم لم يكن نسبة تامّة كي ينتزع السامع صورة عن كلام مشتمل على النسبة التامّة. أمّا في المقام، فقد كانت النسبة واقعها عبارة عن نسبة تامّة في نفس المستفهم، والسامع انتزع بذهنه صورة عمّا في نفس المتكلّم من كلام مشتمل على نسبة تامّة، فستكون الدلالة التصوّريّة والتصديقيّة لدى السامع متعلّقة بالكلام التامّ لا محالة.

فإن قلت: إنّ النسبة الاستفهاميّة الواقعة بين النفس الحاضرة لدى نفس المستفهم ونسبة المدخول الحاضرة لديها أيضاً يستحيل أن تكون تامّة وواقعيّة؛ لأنّ هذا يساوق فرض الاثنينيّة بين طرفيها، في حين أنّ النفس بكلّ ما لديها من الاُمور الحاضرة أمر وحدانيّ بسيط، إذن فالنسبة التامّة لا تتعقّل إلاّ في عالم الذهن؛ لأنّ الذهن يصوّر صورتين مختلفتين عمّا في الخارج، ويخلق نسبة بينهما مع حفظ تعدّد الصورتين.

قلت: إن كان المقصود بهذا الكلام: أنّ الصور التي يلتقطها الذهن من طرفي النسبة متعدّدة حقيقة، فهذا غفلة عن أنّ ذاك الذهن أيضاً متّحد مع ما يأخذها من الصور، وهو أيضاً بسيط، فكيف يخلق النسبة فيما بين تلك الصور؟! فكما يقال في باب الذهن: إنّ بساطته لا تنافي نوع كثرة في عين الوحدة والبساطة، كذلك نقول في النفس: إنّ بساطتها لا تنافي نوع كثرة فيما بين الاُمور الحاضرة لديها في عين الوحدة، وليس الذهن الذي يصوّر الأشياء إلاّ مرتبة من مراتب النفس أيضاً.