المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الأوّل

196


إلاّ أنّ الظاهر: أنّ هذا الكلام غير صحيح؛ وذلك لأنّ واقع طرفَي النسبة هنا من موجودات عالم النفس الحضوريّة؛ إذ إنّ أحدهما عبارة عن النسبة التامّة الكامنة في جملة المدخول، وهي النسبة التصادقيّة، والتي مضى: أنّها ليست خارجيّة، بل هي من مخلوقات عالم الذهن؛ لأنّ الموجود في الخارج إنّما هو الاتّحاد، لا التصادق، ومن الواضح: أنّ جميع مخلوقات عالم الذهن موجودة بالوجود الحضوريّ لدى النفس. وثانيهما عبارة عن نفس المستفهِم، ومن الواضح: أنّ النفس موجودة لدى النفس بالوجود الحضوريّ. نعم، بإمكان النفس أن تصوّر نفسها بواسطة الذهن، فيكون لها وجود حصوليّ أيضاً، ولكن النفس ـ على أيّ حال ـ حاضرة لدى نفسها بالوجود الحضوريّ، وإذا كان كلا طرفي النسبة موجودين بالوجود الحضوريّ لدى النفس، فبإمكان النفس ـ لا محالة ـ أن تخلق نسبة بينهما، وهي النسبة الاستفهاميّة، فالبرهان الذي مضت إقامته على تحليليّة النسب المأخوذة من الخارج لا يأتي هنا؛ فإنّ ذاك البرهان يمكن أن يبيّن ببيان: أنّ النسبة الذهنيّة التي تريد أن تحاكي الخارج لو كانت واقعيّة، لما كان يخلو أمرها من إحدى صور ثلاث: إمّا أنّها هي نفس النسبة الواقعيّة الأصليّة، أو صورة عنها (وبتعبير مشهور الفلاسفة: انتقلت ماهيتها من دون وجودها الخارجيّ إلى الذهن)، أو مماثلة لها.

والشقّ الأوّل باطل؛ لأنّ ما في الخارج يستحيل أن ينتقل بوجوده الخارجيّ إلى الذهن.

والشقّ الثاني باطل؛ لأنّ النسبة ليس لها تقرّر ماهوي قبل وجودها المندكّ في وجود الطرفين، أو قل: قبل وجود الطرفين، فكيف يصوّرها الذهن باستقلالها، أو تنتقل الماهية إليه؟! على أنّ أثر النسبة وهو إلصاق أحد الطرفين بالآخر وإبطال التفكّك إنّما هو لواقع النسبة، لا لصورتها.

والشقّ الثالث باطل؛ لأنّ نشأة الذهن تباين نشأة الخارج، فيستحيل لها أن تخلق المماثل لما في الخارج من دون أخذ الصورة، أو انتقال الماهية.