المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الأوّل

135

وإن قصد الأوّل، وقال: إنّنا نسلّم أنّ معنى «من» هو حاقّ النسبة، ولكنّنا نقول: إنّ معنى الابتداء أيضاً هو حاقّ النسبة، قلنا: إنّنا سوف نبرهن على أنّ حاقّ النسبة لا يمكن أن يوجد في الذهن مستقلاًّ، ومن الواضح: أنّ مفهوم الابتداء يمكن تصوّره في الذهن مستقلاًّ.

هذا تمام الكلام في الجهة الاُولى، وبنسفها لم يبقَ موضوع للجهة الثانية، ولكن مع ذلك نقول:

وأمّا الجهة الثانية: فقد ذكر المحقّق الخراسانيّ(رحمه الله): أنّ قيد اللحاظ الآليّ ـ الذي فَرَض أنّه المميّز للحرف عن الاسم الذي يلحظ باللحاظ الاستقلاليّ ـ إنّما هو قيد في الوضع، وليس قيداً في الموضوع له، وذكر عدّة براهين لإثبات عدم كونه قيداً في الموضوع له، ونحن لنا هنا عدّة كلمات(1):

الكلام الأوّل: أنّه لا إشكال ـ بناءً على كون الفرق بينهما باللحاظ الآليّ والاستقلاليّ ـ في أنّه كما أنّ المتكلّم يكون تصوّره لمعنى «مِنْ» بنحو اللحاظ الآليّ دائماً كذلك السامع يكون تصوّره لمعنى «مِنْ» الذي يسمعه بنحو اللحاظ الآليّ دائماً، والنكتة في ذلك بناءً على كونه قيداً للموضوع له واضحة، حيث إنّ الوضع يدعو السامع إلى تصوّر المعنى بما له من قيود، وقد فرض تقيّد المعنى بنحو اللحاظ الآليّ. أمّا إذا كان قيداً في الوضع فيبقى ذلك بلا تفسير، فإنّ الوضع لا يدعو السامع إلاّ إلى تصوّر ما وضع له اللفظ، فلماذا يفترض أنّ السامع يتصوّر دائماً معنى ما يسمعه من كلمة «مِن» بنحو اللحاظ الآليّ؟!


(1) بعد غضّ النظر عن أصل أنّ تقييد الوضع إنّما يعقل على مبانيهم من فرض الوضع أمراً جعليّاً قابلاً للإطلاق والتقييد، ولا يعقل على مبنانا في فهم حقيقة الوضع.