المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الأوّل

130

أقول: إنّ هذا الإشكال في غير محلّه. وتوضيح ذلك: أنّ الفناء له معنيان:

الأوّل: فناء العنوان في المعنون، والمفهوم في الواقع والمصداق، من قبيل فناء مفهوم النار الموجود في الذهن في واقع النار في قولنا: «النار حارّة»، وهذا في الحقيقة ليس فناء شيء في شيء؛ فإنّه لم يدخل في الذهن إلاّ مفهوم النار ويستحيل دخول واقع النار فيه حتّى يقال: إنّ هذا فنى في ذاك، فلو فرض ثبوت مفهوم النار في الذهن إذن فليس فانياً في شيء، ولو فرض فناؤه في النار الخارجيّة إذن لم يبق شيء في الذهن، وإنّما معنى الفناء هنا هو: أنّه نظر إلى مفهوم النار بالنظر التصوّريّ؛ ولذا حكم عليه بالحرارة، ولم ينظر إليه بالنظر التصديقي، وإلاّ لم يكن يرى إلاّ صورة ذهنيّة ليست لها أيّة حرارة. فالفناء هنا يكون بمعنى


لترك الأكل والشرب، أو كان الملاك في ذلك أنّ التبيّن يكون دليلاً على طلوع الفجر، أو أنّ المراد الجدّي هو طلوع الفجر. وأين هذا من الفناء المدّعى للمعاني الحرفيّة في المعاني الاسميّة؟!

هذا، وكان بالإمكان تقريب المطلب ببيان ثالث، إلاّ أنّ هذا البيان لا يتحمّله تعبير السيّد الخوئيّ(رحمه الله) الذي نقلناه عن تعليقه على أجود التقريرات، وهو أن يقال: إنّ المقياس في حرفيّة الحرف لو كان هو آليّة النظر، للزم أن تكون كلمة «الابتداء» مثلاً حينما ينظر إلى معناها بما هي حالة للسير بالقياس إلى البصرة كما في قولنا: «السير المبتدأ به من البصرة» حرفاً.

ولكن بإمكان الشيخ الآخوند(رحمه الله) أن يجيب على هذا النقض أيضاً بأنّ نفس التصوّر هنا لم يكن تصوّراً فنائيّاً واضمحلاليّاً في معاني الأسماء كما هو الحال في تصوّر معنى «مِن» في قولنا: «سرت من البصرة»، وإنّما كان المتصوّر بالتصوّر الاستقلاليّ معنى الابتداء المنتزع من السير والبصرة، وحاله حال سائر المفاهيم الانتزاعيّة الإضافيّة كالاُبوّة والبنوّة.