المولفات

المؤلفات > الشهيد الصدر سموّ الذات وسموّ الموقف

50

يحضر عند الامتحان، فيؤدّيه، فينال الدرجة العليا، ولو كانت هناك درجة أعلى، لاستحقها بجدارة. وكنّا عند تغيّبه نستفهم من الإدارة عن السبب، فيكون الجواب الذي اعتدناه: أنّه يحضر دروساً خاصّة تشغله عن حضور المدرسة. كنّا نختاره وخاصّةً مدرّس الدروس الدينيّة في درس الصلاة إماماً يؤمّ زملاءه في الصلاة، فكان واللّهِ جديراً بها يؤدّيها بخشوع العابد الزاهد المتوجّه إلى ربّه العليّ الكريم. وكان يختار من بين طلاّب كلّ المدرسة؛ لإلقاء القصائد والكلمات في الصحن الكاظميّ الشريف منذ كان في الصفّ الثاني الابتدائيّ، وذلك في موكب العزاء الذي اعتادت المدرسة أن تنظّمه كلّ عام.

وليس عجيباً على مثل هذا الطفل أن يستظهر قصيدة تضمّ ثلاثين بيتاً أو أكثر، أو كلمة عن ظهر قلب خلال ربع ساعة بعدها يتلوها علينا بكلّ فصاحة متجنّباً اللّحن حتّى إذا قرئت له ملحونة.

كان شعلة ذكاء، وقدوة أدب، ومثال خلق قويم، ونفس مستقيمة. ما فاه والله بحياته في المدرسة بكلمة إلاّ وبعثت في نفس سامعها النشوة والحُبُور، وما التقت عيناه لفرط خجله مرّة عيني أحد مدرّسيه، فهو لايحدّث إلاّ ورأسه منحن، وعيناه مسبلتان. أحببته طفلاً صغيراً بريئاً، وأجللت فيه شيخاً كبيراً، لما ألمّ به من علم ومعرفة، حتّى إنّني قلت له ذات يوم: إنّني أتوقّع أن يأتي يوم ننهل فيه من علمك ومعرفتك، ونهتدي بأفكارك وآرائك، فكان جوابه بكلّ أدب واحترام، وقد علت وجهه حمرة الخجل: عفواً اُستاذ، فأنا لاأزال وسأبقى تلميذكم وتلميذ كلّ من أدّبني وعلّمني في هذه