المولفات

المؤلفات > الشهيد الصدر سموّ الذات وسموّ الموقف

47

الأمر لذلك، وأخيراً اتّضح لي بأنّ هذه العناية لم يكن مبعثها لأنّه ينتمي لعائلة كريمة الحسب عرف كثير من أفرادها، واشتهروا بالعلم، والتقى، والورع، أو لأنّه يتيم فقد أباه وهو بعد صغير لم يبلغ الحلم، ولكنّ عنايته كانت موجهة إليه لأسباب اُخرى. فأحببت أن أتعرّف أكثر على هذا الطفل سيّما وأ نّني حديث عهد بالعلم في المدرسة المذكورة. وشاءت الصدف أن أنفرد بالسيّد المدير، فأستوضح منه عمّا كان يشغل تفكيري بشأن هذا الطفل، فأجابني: أرجو أن ترعاه كما يرعاه زملاؤك من الهيئة التدريسيّة، فقد سبق وأوصيتهم به خيراً؛ لأ نّني أتوسّم فيه أن يكون له مستقبل كبير باعث على التفاخر والاعتزاز بما يقوم به وبالدرجة العلميّة التي أترقّب أنّه سيصلها ويبلغها، فرحت أرقب هذا الطفل عن كثب، فأقرّبه إليّ، وأتحدّث معه كلّما سنحت الفرصة مظهراً إليه حبّي وودّي اللذين نميا مع الأيّام، بل الساعات، فصار محبّاً لي متعلّقاً بي لايفارقني في الصفّ أثناء الدرس أو بعده أثناء فترة الاستراحة.

وقد كان طفلاً يحمل أحلام الرجال، ويتحلّى بوقار الشيوخ، وجدت فيه نبوغاً عجيباً، وذكاءً مفرطاً يدفعانك على الاعتزاز به، ويرغمانك على احترامه وتقديره، كما شهدت كلّ المدرّسين ـ أيضاً ـ يكنّون له هذا الاحترام وهذا التقدير.

لقد كان كلّ ما يُدرَس في هذه المدرسة من كافّة العلوم دون مستواه العقلىّ والفكرىّ، كان شغوفاً بالقراءة، محبّاً لتوسيع دائرة معرفته، ساعياً بجدٍّ إلى تنمية مداركه ومواهبه الفذة، لا تقع عيناه