المولفات

المؤلفات > الشهيد الصدر سموّ الذات وسموّ الموقف

43

نألفه من قبل، فلاهو توضيح ولاهو شرح لما نأخذ من دروس عن أساتذتنا؛ فقد كان حديثاً تتخلّله عبارات هي بالنسبة لنا غير مفهومة، أوصعب فهمها، ولأوّل مرّة سمعنا فيها كلمة الماركسيّة، والامبرياليّة، والديالكتيكيّة، والانتهازيّة، وكلمات اُخرى أظنّها كانت تعني أسماء لفلاسفة وعلماء وشخصيّات لم يحضرني منها سوى اسم (فيكتورهوغو) و(غوته)، وغابت عني أكثرها؛ إذ مرَّ عليها زمن طويل قارب الأربعين عاماً، ولأنّها كلمات كانت في حينها يصعب علينا نطقها وتلفّظها، كانت غريبة علينا جدّاً، ولم نسمع بها أو بمثلها من الأسماء في كتبنا المدرسيّة، ولم نقرأ فيها إلاّ (إديسون) و (نيوتن) وغيرهما ممّن درسنا عنهم وعن اكتشافاتهم واختراعاتهم.

لقد كان يهيم في حديثه، ويسبح في بحر من الخيال والتسامي، أويغوص في بحر لجّيٍّ يلتقط منه العبارات والمعاني والأفكار.

لقد حملنا شوقنا إلى المعرفة أن نكرّر انضمامنا إلى مجموعته التي أطلق عليها اسم (الحوزة)، وكلّنا نرغب رغبة ملحّة في أن نفهم ما يتحدّث به. ونحن لاندري هل أنّ هؤلاء الصبية والأطفال المحيطين به يعون ويدركون ما يتحدّث به إليهم، ويتفهّمون ذلك؟. وهذا ما كان يثير اهتمامنا بقدر ما كنّا نرغب في التزوّد من معارفه آنذاك والتي كنا نراها أشياء جديدة علينا، ولكن فيها متعة ولذة وإن لم ندرك أكثرها، وكنّا نستزيده فيزيد، ونطلب منه أن يعيد علينا ماحدّثنا به قبل يوم، فيجيب دون أن يلتمس لنفسه عذراً، أو يقابلنا برفض.