المولفات

المؤلفات > الشهيد الصدر سموّ الذات وسموّ الموقف

42

ويتقرّبون منه؛ وذلك بسبب سلوكه العقلانيّ معهم، وإضفاء حبّه وحنانه على من هو أصغر منه، واحترامه لمن هو أكبر منه، وكنّا نشعر ـ وإن كبرناه سنوات ـ لقد كان والله معجزة، وآية من آيات خلق الله، ولاأجدني مبالغاً مهما قلت عنه، وأطنبت في امتداحه، والثناء عليه، وتعداد حسناته وصفاته التي لم نجد نظيراً لها في سموّها لدى غيره من كلّ تلامذة المدارس.

كان ينتحي زاوية من زوايا المدرسة انفرد هو بها، ولم يقربها غيره احتراماً له، وذلك في كلّ استراحة بعد كلّ محاضرة في الصفّ، وكان يلتفّ حوله في تلك الزاوية عدد من أترابه التلاميذ ورفاق صفّه، أو من الصفوف العليا. كنّا نراقب هذا الاجتماع، ونرقبه وهو يتحدّث إلى المحيطين وكلّهم إصغاء له، يتحدّث إليهم بهدوء، ويلفّه هدوء، ويغطّيه سكون، والكلّ صاغون إلى حديثه، ساهمون مسحورون، وقد أثارت فضولنا هذه الحالة وهذا الاجتماع، فهممنا عدّة مرّات لأن ننضمّ إليهم، ولكنّ فارق السنّ ـ كما قلنا ـ كان يحول بين رغبتنا وبين تحقيقها.

وجاء ذلك الذي لم أنسه ولن أنساه، كان يوماً جديداً لم يمرَّ بنا مثله حين طغت علينا غريزة حبّ الاطّلاع، فاندفعنا ـ وكأنّنا مقادون ـ إلى حيث يعقد اجتماعه، وانضممنا إلى الثلّة التي كانت تحيط به، وقد كانت خطواتنا هذه مفاجأة له، سكت عندها قليلاً عن الحديث، وبعد أن ألقى علينا نظرات فاحصة كأنّه كان يريد أن يقول لنا: هل أستمرُّ في الحديث؟، وبعدها راح يواصل حديثه، حديث لم