المولفات

المؤلفات > الشهيد الصدر سموّ الذات وسموّ الموقف

220

الساعة الثانية والنصف ظهراً كنت نائماً في مكتبته، إذ انتبهتُ من النوم على صوت السيّد(قدس سره)، وهو يقول: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلىّ العظيم، إنّا لله وإنّا إليه راجعون. فظننتُ أنّ حدثاً جديداً قد حدث، فقلت له: سيّدنا خيراً إن شاء الله؟ فقال:

كنت أنظر إلى هؤلاء الأمن ـ الذين كانوا يطوّقون منزل السيّد الشهيد ويحتجزونه ـ فرأيتهم عطاشى، والعرق يتصبّب من جباههم، فتألّمت عليهم، ووددت لو كان بوسعنا سقيهم. فقلت: سيّدي، هؤلاء المجرمون حجزونا، وروّعوا عائلتكم وأطفالكم، فقال: ابني صحيح هذا الذي تقول، ولكنّ هؤلاء ـ أيضاً ـ يجب أن نرقّ عليهم؛ لأنّ هؤلاء إنّما انحرفوا إمّا لأنّ ظروفهم لم تكن مساعدة، أو لأنّهم لم يحصلوا على تربية صالحة، ولم يعيشوا في بيئة سليمة، ولو خُلّوا وطبعهم، أو وجدوا البيئة المناسبة والصالحة، لكانوا من المؤمنين والمتديّنين.

بهذه الروح الكريمة ينظر السيّد الشهيد إلى أعدائه، فهو سليل جدّه الحسين(عليه السلام) الذي جاد بما لديه من ماء على الجيش الذي قتله فيما بعد. وهكذا فعل السيّد الشهيد(قدس سره)؛ إذ سقاهم بواسطة خادمه (الحاجّ عبّاس) ماءً بارداً شربوه، وهم يحتجزونه.

وكأنّ حالة الصفاء الموجودة لدى السيّد والمتركّزة في أعماقه أثّرت ـ في فترة الاحتجاز لا شعوريّاً ـ بهؤلاء الذين يحتجزونه من حيث لايعلمون؛ إذ إنّ بعضهم اُعدموا بسبب مواقف شجاعة وجريئة أقدموا عليها من أجل السيّد الشهيد.