المولفات

المؤلفات > فقه العقود ج1

85

أقول: إنّ جملة من الأمثلة التي ذكرها الاُستاذ الزرقاء لا تخلو من مناقشة:

فذكر بيت المال كشخصيّة معنويّة ثمّ ذكر الدولة كذلك مع التمثيل في ناحيتها الماليّة بما يجري في بيت المال لا يخلو من مسامحة. فلئن كان بيت المال عبارة عمّا يرجع للدولة أو لعموم المسلمين من مال فالشخصيّة المعنويّةّ إنّما هي شخصية الدولة أو شخصيّة عموم المسلمين لا شخصيّة بيت المال. وما ذكره من فرض شخصيّات حقوقيّة لفروع بيت المال فالواقع أنّ توزيع أموال بيت المال على عدّة شعب وأقسام يكون بشكلين:

الأوّل: ما لا يعدو ـ حتى عرفاً وعقلائيّاً ـ عن أن يكون مجرّد تنظيم للمصاريف، سنخ أنّ شخصاً تاجراً مثلا يمتلك أنواعاً عديدة من الأموال الكثيرة فلأجل تدقيق الحساب وتنظيم اُموره الماليّة يفترض عدّة حسابات لعدّة أقسام من ماله يصرف كلّ قسم في مصارف معيّنة، وإذا أراد صدفةً أن يصرف شيئاً ممّا خصّصه لقسم مّا في قسم آخر يفترضه كأنّه دَين لهذا القسم على ذاك القسم، ثمّ يوفّيه من أموال ذاك القسم، لا بمعنى أن يكون هذا دَيناً حقيقة، أو أن تكون لكلّ قسم شخصيّة حقوقيّة خاصّة به، بل بمعنى مجرّد ترتيب وتنظيم للحساب لا أكثر من ذلك.

الثاني: ما قد يتّفق من أنّ الجهة المالكة لبعض أقسام ما في بيت المال تختلف عن الجهة المالكة لبعض آخر، كما لو كان قسم من المال من أرباح الأرض الخراجيّة بناءً على أنّها ملك للمسلمين، وقسم آخر من الزكاة التي هي ملك للفقراء، وكما لو قلنا: إنّ الأقسام الثمانية لمصارف الزكاة يمتلك كلّ قسم منها ثمن الزكاة وتجب التسوية بينها في التقسيم، وهذا أيضاً لا يعني شخصيّة معنويّة لأقسام الأموال، وإنّما يعني شخصيّة معنويّة لتلك الجهات.

وما ذكره في الناحية الداخليّة للدولة ليس تكييفه المفهوم عرفاً وعقلائيّاً منحصراً بفرض شخصيّة معنويّة لمنصب الإمامة، بل يمكن تكييفه عرفاً وعقلائيّاً