المولفات

المؤلفات > فقه العقود ج1

83

الأوّل: شخصيّة بيت المال. ففي بيت المال الذي هو خزينة الدولة العامّة جاء الشرع الإسلامي بنظريّة فصل بيت المال العامّ عن مال السلطان وملكه الخاصّ، فاعتبر الشرع بيت المال جهة ذات قوام حقوقي مستقلّ يمثّل مصالح الاُمّة في الأموال العامّة، فهو يَملِك ويُملَك منه وعليه ويستحقّ الزكاة الخالية عن إرث أو وصيّة، ويكون طرفاً في الخصومات والدعاوى، ويمثّله في كلّ ذلك أمين بيت المال بالنيابة عن السلطان.

بل إنّ بيت المال يقسّم إلى أقسام وفروع كلّ منها يعود إلى جهة من الحقوق والنفقات، ويكاد يعتبر كلّ قسم من أقسامه ذا شخصيّة حكميّة منفصلة عن شخصيّة القسم الآخر ضمن الشخصيّة الكبرى لبيت المال العامّ، لأنّ لكلّ قسم استحقاقات وأحكاماً تخصّه، فلا ينفق من قسم فيما يعود إلى آخر على سبيل الخلط، بل على سبيل القرض بين تلك الفروع، كما عليه الفكرة الماليّة القانونيّة الحديثة في تنظيم خزينة الدولة العامّة وفروعها.

الثاني: شخصيّة الوقف. فنظام الوقف في الإسلام قائم على أساس اعتبار شخصيّة حكميّة للوقف بالمعنى الحقوقيّ الحديث، فللوقف ملك محجور عن التمليك والتملّك والإرث والهبة ونحوها، وهو مرصد لما وقف عليه الوقف يستحقّ ويُستحق عليه، وتجري العقود الحقوقيّة بينه وبين أفراد الناس من إيجار وبيع وغلّة واستبدال وغير ذلك، ويمثّله في كلّ هذا المتولّي، ويكون المتولّي مسؤولا عن صيانة حقوق الوقف تجاه السلطة القضائيّة، ويشتري المتولّي للوقف ما يحتاج إليه، فيملكه الوقف ويدفع ثمنه من غلّته، وكذلك يستدين المتولّي لجهة الوقف عند الحاجة بإذن القاضي.

الثالث: شخصيّة الدولة. فقد قرّر الفقهاء من الأحكام لتصرّف السلطان ما لا يمكن تفسيره إلّا باعتبار أنّ الدولة شخصيّة حكميّة عامّة، ويمثّلها في التصرّفات والحقوق والمصالح رئيسها ونوّابه من سائر العمّال والموظّفين في فروع الأعمال كلّ بحسب اختصاصه في كلّ من النواحي الخارجيّة والداخليّة والماليّة.