المولفات

المؤلفات > فقه العقود ج1

124

لا يصدق حتماً في جميع الحقوق كحقّ الأولويّة في مَن سبق في إشغال مكان فيالأوقاف العامّة. فمن الواضح أنّ العقلاء لا يوجدون بالخلق والاعتبار رابطة بين هذا الإنسان والمكان الذي أشغله، ولا يوجد هنا عدا الحكم التكليفيّ من جواز بقائه في المكان واستمراره في الاستفادة منه، وعدم جواز مزاحمة الآخرين له وإزاحتهم إيّاه إلى أن ينتقل هو من المكان، وما ينتزع من ذلك وهو عنوان اختصاصه بهذا المكان، فهذا المعنى الأوّل للحقّ وهي السلطنة الاعتباريّة قد يكون صحيحاً في الجملة.

ولكن يوجد في المقام منحىً ثان لتفسير الحقّ بما هو أوسع مصداقاً وأعمّ تطبيقاً من المعنى الأوّل، وهو تفسيره بأمر انتزاعيّ ينتزع من الأحكام التكليفيّة من الجواز وعدمه، والوضعيّة من النفوذ وعدمه، لا بأمر اعتباريّ جعل موضوعاً لتلك الأحكام، وذلك الأمر الانتزاعيّ عبارة عن عنوان اختصاص متعلّق الحقّ بذي الحقّ.

وقد فسّر الاُستاذ مصطفى أحمد الزرقاء الحقّ بذلك حيث قال: «الحقّ هو اختصاص يقرّر به الشرع سلطةً أو تكليفاً»(1)، وبكلمة (الاختصاص) تخرج العلاقة التي لا اختصاص فيها كإباحة الاصطياد والاحتطاب من البراري وحيازة المباحات وحقّ الانتخاب وما إلى ذلك.

وهذا المنحى في تعريف الحقّ يشمل مثل حقّ الولاية، ومثل حقّ الأولويّة في مَن سبق إلى مكان في الوقف العامّ، وسائر الحقوق الاُخرى.

ويقصد بكلمة (السلطة) في التعريف ما يرجع إلى تصرّف نفس الولىّ كما في حقّ الولاية على النفس، حيث يمارس الوليّ فيه سلطته على القاصر تأديباً


(1) الفقه الإسلاميّ في ثوبه الجديد 3: 11 الفقرة 3.