المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

55

منها: ما أشرنا إليه من أنّ سرّ الحياة بقي غامضاً لدى البشرية وسيبقى غامضاً، ولئن اجتمعت الجنّ والإنس على خلق ذباب ما فعلوه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوب﴾(1).

وقد ورد في نهج البلاغة قوله(عليه السلام): «ولو اجتمع جميع حَيَوانها من طيرها وبهائمها وما كان من مُراحها وسائمها وأصناف أسناخها وأجناسها ومتبلّدة اُممها وأكياسها على إحداث بعوضة ما قدرت على إحداثها، ولا عرفت كيف السبيل إلى إيجادها، ولتحيّرت عقولها في علم ذلك، وتاهت وعجزت قواها وتناهت ورجعت خاسئة حسيرة عارفة بأنّها مقهورة مقرّة بالعجز عن إنشائها مذعنة بالضعف عن إفنائها»(2).

ومنها: أنّ الحياة وعلى الخصوص الحياة الإنسانية أصبحت مظهراً قويّاً من مظاهر الله تعالى، حيث تحمل معها بنسبة القطرة من البحر أو أقل بعض صفات الله تعالى من علم وإرادة واختيار وما إلى ذلك.

ومنها: الهوّة السحيقة الموجودة بين الحياة والمادّة، فواضح أنّ الحياة مرتبة أعلى وأشرف وألطف وأدقّ من الوجود بالقياس إلى المادّة، فيستحيل أن يكون خالقها وبارئها هو المادّة؛ لأنّ الناقص لا يخلق الكامل، فخالق الحياة وبارئها هو الله جلّ جلاله سواءٌ فرض ذلك مباشرة، أو فرض جعل الله سبحانه لمادّة من الموادّ مقدّمة إعدادية لنفخ الروح وإعطاء الحياة.

أمّا الذي دلّ عليه العلم الحديث فهو أمر أصبح اليوم من المسلّمات، وهو: أنّ الكائن العضوي أو الحيّ ـ حتّى في الحياة النباتية فضلاً عن الإنسانية


(1) س 22 الحج، الآية: 73.

(2) نهج البلاغة، الخطبة 186.