المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

42

وهنا ينبغي الالتفات إلى مغزى ما نقصده بالإمكان والوجوب، فلقد كان المقصود بهما في ما مضى من البرهان الأوّل بيان نسبة الوجود إلى الماهيّة بمعنى أنّ الوجود هل هو ذاتيّ للماهيّة وهذا هو الوجود الواجب، أو منبثق من شيء آخر لا من نفس الماهيّة ولهذا يحتاج إلى العلّة وهذا هو الوجود الممكن؟ أمّا هنا فلا نقيس الوجود بالماهيّة بل نلحظ ذات الوجود كي نقسّمه إلى الوجود الربطي ـ وهو الربط المحض والتعلق المحض ـ والوجود الاستقلالي، فالأوّل هو الممكن وليس إلّا مظهراً من مظاهر الثاني ووجوداً إشراقياً له أو قل: تجلّياً من تجلّياته، والثاني هو الواجب ولا يحتاج إلى علّة لفرض استقلاله لذاته، في حين أنّ الأوّل ليس له تحقق بذاته لأنّه عين التعلق والربط.

المقدّمة الثانية: إنّ وجود المادّة متى ما كان فهو دائماً من القسم الأوّل، أعني ممكن الوجود أو الوجود الربطي أو التعلّقي دون واجب الوجود أو الوجود القائم بذاته؛ وذلك لما مضى شرحه من أنّ المادّة متحرّكة ومتغيرة، وليس التحرّك والتغيّر إلّا الحدوث المستمر، ومن الواضح أنّ ذلك لا ينسجم مع الوجود الذاتي والمستقل.

المقدّمة الثالثة: إنّ الوجود الربطي أو التعلقي بحاجة لا محالة إلى ما يرتبط به أو يتعلّق به، أو قل: إنّ الوجود الإشراقي بحاجة إلى ما يشرق به، أو قل: إنّ الوجود الانبثاقي بحاجة إلى ما ينبثق منه.

المقدّمة الرابعة: إنّ هذا الانبثاق أو الربط أو الإشراق لا يمكن أن يتسلسل أو يدور فلابدّ من الانتهاء إلى واجب الوجود.

والمقدّمة الثانية من هذه المقدّمات إنّما احتجنا إليها لأننا كنّا بصدد أنّ المادّة ليست هي الواجبة الوجود، أمّا لو لم نكن بهذا الصدد وكنّا فقط بصدد إثبات واجب الوجود لم نحتج إلى المقدّمة الثانية وكفتنا المقدّمات الثلاث الاُخرى.