المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

38

وأمّا المقدّمة الثانية: وهي أنّ الحادث بحاجة إلى علّة، فيقال في ذلك بحكم العقل البديهي.

وقد تقول: إنّ هذا يعني المصير إلى كون سرّ الحاجة إلى العلّة يكمن في الحدوث، في حين أنّ الوجه الفلسفي في بيان سرّ الحاجة إلى العلّة لا ينحصر بالقول بكمون سرّها في الحدوث، بل هناك نظريتان اُخريان وهما: الإمكان الذاتي والإمكان الوجودي، أمّا الإمكان الذاتي فهو ما مضى بيانه في البرهان الأوّل ووضّحنا تفرّعه على مبنى أصالة الماهية. وأمّا الإمكان الوجودي فهو ما سيأتي بيانه إن شاء الله في البرهان الرابع، وهو بيان متفرّع على أصالة الوجود؛ وعليه فهذا البرهان الثاني وهو برهان الحدوث مبتن على أحد المباني الفلسفية: وهو كون سرّ الحاجة إلى العلّة يكمن في الحدوث، كما أنّ برهان الإمكان الذاتي مبتن على مبنى أصالة الماهية، وبرهان الإمكان الوجودي مبتن على مبنى أصالة الوجود.

ولكن الواقع أنّ برهان الحدوث أوسع من برهان الإمكان بكلا معنييه، وأنّ العقل يدرك بالبداهة أنّ الحادث بحاجة إلى علّة، غاية الأمر أننا تارةً نلتفت إلى كمون نكتة الحاجة إلى العلّة في الإمكان بأحد معنييه فيصحّ لنا الرجوع إلى برهان الإمكان الذاتي أو الوجودي، واُخرى نغضّ النظر عن ذلك ولكنّا نقول: إنّ الحادث بحاجة إلى محدث ببداهة العقل سواء أكانت نكتة الحاجة هي الحدوث ـ كما هو أحد الوجوه التي تذكر ـ أو هي الإمكان بأحد المعنيين، فإنّ الحدوث سيستبطن الإمكان لا محالة؛ إذ لو كان واجباً لكان أزلياً ولو كان ممتنعاً لما حدث، وعليه فبرهان الحدوث أوسع من برهان الإمكان بكلا معنييه.

وأمّا المقدّمة الثالثة: وهي ضرورة الانتهاء في سلسلة العلل إلى القديم فلما مضت في البرهان الأوّل الإشارة إليه من استحالة الدور والتسلسل.