المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

352

في يوم القيامة كتاباً منشوراً، ويكون الكتاب واضحاً جليّاً غير قابل للإنكار أو النقاش، وغير محتاج إلى القراءة والتفسير من قبل شخص آخر، بل أنت تقرأه وتحاسب نفسك به، وكفى بنفسك اليوم عليك حسيباً، ونظيره ما جعله الله في الدنيا بين جنبيك ـ وإن لم يكن بذلك المستوى من الوضوح ـ من قوّة الذاكرة من ناحية، والضمير أو الوجدان من ناحية اُخرى، فهما بمجموعهما يُقرئانك كثيراً من جزئيّات أعمالك، ويحاسبانك عليها ولا ترى لنفسك سبيلاً إلى الإنكار.

وفي الحديث عن خالد بن نجيح عن الصادق(عليه السلام): «إذا كان يوم القيامة دُفع إلى الإنسان كتابه ثُمّ قيل له: اقرأ. قلت: فيعرف ما فيه؟ فقال: إنّ الله يذكّره، فما من لحظة ولا كلمة ولا نقل قدم ولا شيء فعله إلّا ذكره كأنّه فعله تلك الساعة، ولذلك قالوا: ﴿يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا﴾ »(1).

والكلمة التي تشدّد في الآية المباركة التشويش والحزن والأسى على الذهن هي كلمة ﴿يَلْقَاهُ مَنشُوراً﴾؛ إذ يوجد فيها احتمال كون المقصود منشوراً بالنشر العلني، فيوجب الفضيحة على الملأ بسيئات أعمالنا إلّا من رحم الله، حيث ينهتك السر المرخى علينا في هذه الدنيا، وقد قال الله تعالى:﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِن قُوَّة وَلاَ نَاصِر﴾(2).

2 ـ قوله تعالى: ﴿إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِن قَوْل إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد﴾(3).

قيل: إنّ الرقيب يقصد به ملك اليمين، والعتيد يقصد به ملك الشمال، ولكن الأقوى القول الآخر وهو أنّهما وصفان لكلّ واحد منهما، فكلّ واحد منهما


(1) البحار 7: 315، الباب 16 من أبواب المعاد وما يتبعه ويتعلّق به، الحديث 10.

(2) س 86 الطارق، الآية: 9 ـ 10.

(3) س 50 ق، الآية: 17 ـ 18.