المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

34

سيأتي إن شاء الله من البرهان الرابع يناسب أصالة الوجود(1)، ونحن في هذا الكتاب لا يسعنا الحديث عن هذين المبنيين وتحقيق ما هو الحق في المقام، إذن بإمكاننا أن نضمّ دليلاً على وجوده سبحانه على مبنى أصالة الماهية في المادّة إلى دليل على وجوده سبحانه على مبنى أصالة الوجود، ونعتبر مجموع الدليلين دليلاً واحداً على المقصود مستوعباً لكلا الاحتمالين.

ولعلّ الفهم الأوّلي للعوام هو أصالة الماهية، بمعنى تمايل أذهانهم إلى واقع أصالة الماهية من دون أن يعرفوا المصطلحات.

فإن كانت الماهية أصيلة صحّ أن يقال: هل الوجود ينبع منها أو يلازمها، أو أنّ له علّة مستقلّة عن هذا الشيء؟ ويكون الإيجاب بالثاني؛ لأنّ العقل يرى أنّ الماهية بما هي لا يكمن فيها الوجود.

أمّا على القول بأصالة الوجود وكون الماهية حدّاً للوجود ولو حدّاً وجودياً ـ فضلاً عن القول بكونها حدّاً عدمياً ـ فلا معنى للتساؤل عن كون الوجود لازماً لحدّه أو نابعاً عنه وعدمه، بل لابدّ عندئذ من تفسير إمكان الوجود ووجوبه بتفسير آخر ينسجم مع أصالة الوجود، كما سيأتي إن شاء الله في البرهان الرابع.

ومن الغريب أني رأيت برهان الإمكان بشكله المناسب لأصالة الماهية حتّى عند بعض القائلين بأصالة الوجود، فقد ذكر الشيخ السبحاني حفظه الله حسب تقرير الشيخ حسن المكّي العاملي: «إنّ كلّ معقول في الذهن إذا نسبنا إليه الوجود والتحقّق، فإمّا أن يصح اتّصافه به لذاته أو لا. الثاني هو ممتنع الوجود كاجتماع النقيضين، والأوّل إمّا أن يقتضي وجوب اتّصافه به لذاته أو لا، والأوّل هو واجب الوجود لذاته، والثاني هو ممكن الوجود لذاته ...»(2)، وأنت


(1) ويناسب أصالتهما أيضاً.

(2) الإلهيّات 1: 61.