المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

27

من الإنسان هذا التعهد والميثاق في حالة شعور الإنسان وفهمه، وبما أنّنا قد نسينا ذلك ولا يمكن الاحتجاج بتعهد منسيّ من قبل المتعهّد فلابدّ من حمل الآية على معنى أنّ ذاك التعهد الشعوري كان سبباً في تكوّن الفطرة على التوحيد ووجود الله تعالى بأحد المعنيين، أعني فطرة العقل أو القلب أو قل: الإحساس البديهي أو المباشر والحضوري.

وامتياز هذه الآية عن آيات الفطرة أنّ آيات الفطرة لم نر فيها قرينة على إحدى الفطرتين بالخصوص: فطرة العقل أو فطرة القلب، أو قل: فطرة البداهة أو فطرة الإحساس الحضوري، فكانت الاُولى هي المتيقنة والثانية المحتملة، في حين أنّ آية الميثاق فيها قرينة على إرادة فطرة القلب أو الإحساس الحضوري، وتلك هي الإشارة إلى شخص الربّ سبحانه وتعالى بقوله: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُم﴾ فإنّ هذا لا يناسب فطرة العقل؛ لأنّ العقل ينتهي دائماً إلى فكرة كلّية وهي مثلاً وجود خالق موصوف بكذا وكذا، أمّا الانتهاء إلى المصداق والشخص فهذا إنّما يكون عن طريق الإحساس والحضور والشهود.

ويدعم ذلك بعض الروايات من قبيل ما رواه القمّي عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن ابن مسكان عن أبي عبدالله(عليه السلام) في قوله تعالى:﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ قلت: «معاينةً كان هذا؟» قال: «نعم فثبتت المعرفة ونسوا الموقف وسيذكرونه، ولولا ذلك لم يدر أحد من خالقه ورازقه»(1).

فإضافةً إلى تعبيره بالمعاينة تراه عبّر بقوله: «ولولا ذلك لم يعرف أحد من خالقه ومن رازقه»، وهذا التعبير يناسب معرفة شخص الخالق والرازق، وهي لا


(1) تفسير القمّي 1: 248.