المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

250

بصورة لا تقبل الشكّ على أنّه لم يكن يؤمن بالشورى ولم يبن ممارسته الفعليّة على أساسها، والشيء نفسه نجده في سائر قطاعات ذلك الجيل الذي عاصر وفاة الرسول الأعظم من المسلمين.

نلاحظ بهذا الصدد للتأكّد من ذلك أنّ أبا بكر حينما اشتدّت به العلّة عهد إلى عمر بن الخطّاب، فأمر عثمان أن يكتب عهده، فكتب: (بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما عهد أبوبكر خليفة رسول الله إلى المؤمنين والمسلمين. سلام عليكم، إنّي أحمد إليكم الله. أمّا بعد، فإنّي استعملت عليـكم عمـر بـن الخـطّاب، فـاسمعوا وأطيعوا)(1).

ودخل عليه عبد الرحمن بن عوف فقال: كيف أصبحت يا خليفة رسول الله، فقال: أصبحت مولّياً، وقد زدتموني على ما بي أن رأيتموني استعملت رجلاً منكم، فكلّكم قد أصبح وارماً أنفُه، وكلّ يطلبها لنفسه(2).

وواضح من هذا الاستخلاف وهذا الاستنكار للمعارضة أنّ الخليفة لم يكن يفكّر بعقلية نظام الشورى وأنّه كان يرى من حقّه تعيين الخليفة، وأنّ هذا التعيين يفرض على المسلمين الطاعة، ولهذا أمرهم بالسمع والطاعة، فليس هو مجرّد ترشيح أو تنبيه، بل هو إلزام ونصب.

ونلاحظ أيضاً أنّ عمر رأى هو الآخر أنّ من حقّه فرض الخليفة على المسلمين، ففرضه في نطاق ستة أشخاص، وأوكل أمر التعيين إلى الستّة أنفسهم دون أن يجعل لسائر المسلمين أيّ دور حقيقي في الانتخاب. وهذا يعني أيضاً أنّ عقليّة نظام الشورى لم تتمثّل في طريقة الاستخلاف التي انتهجها عمر، كما لم


(1) انظر: تاريخ الطبري 3: 428 و429، ومختصر تاريخ ابن عساكر 18: 309 ـ 310.

(2) راجع تاريخ اليعقوبي 2: 24. وتاريخ الطبري 3: 429.