المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

23

ويتروّح إذا شاء باطناً فهو هذا، فقال له: وكيف ذاك؟ قال: جلست إليه فلمّا لم يبق عنده غيري ابتدأني فقال: إن يكن الأمر على ما يقول هؤلاء وهو على ما يقولون ـ يعني أهل الطواف ـ فقد سلموا وعطبتم، وإن يكن الأمر كما تقولون ـ وليس كما تقولون ـ فقد استويتم وهم، فقلت له: يرحمك الله وأيّ شيء نقول؟ وأيّ شيء يقولون؟ ما قولي وقولهم إلّا واحداً، فقال: كيف يكون قولك وقولهم واحداً وهم يقولون: إنّ لهم معاداً وثواباً وعقاباً، ويدينون بأنّ للسماء إلهاً، وأنّها عمران، وأنتم تزعمون أنّ السماء خراب ليس فيها أحد؟ قال: فاغتنمتها منه فقلت له: ما منعه إن كان الأمر كما تقول أن يظهر لخلقه ويدعوهم إلى عبادته حتّى لا يختلف منهم اثنان، ولمَ احتجب عنهم وأرسل إليهم الرسل؟ ولو باشرهم بنفسه كان أقرب إلى الإيمان به. فقال لي: ويلك! وكيف احتجب عنك من أراك قدرته في نفسك؟ نشوؤك ولم تكن، وكبرك بعد صغرك، وقوّتك بعد ضعفك وضعفك بعد قوّتك، وسقمك بعد صحّتك وصحّتك بعد سقمك، ورضاك بعد غضبك وغضبك بعد رضاك، وحزنك بعد فرحك وفرحك بعد حزنك، وحبّك بعد بغضك وبغضك بعد حبّك، وعزمك بعد إبائك وإباؤك بعد عزمك، وشهوتك بعد كراهتك وكراهتك بعد شهوتك، ورغبتك بعد رهبتك ورهبتك بعد رغبتك، ورجاؤك بعد يأسك ويأسك بعد رجائك، وخاطرك بما لم يكن في وهمك، وعزوب ما أنت معتقده من ذهنك. ومازال يعدّ عليّ قدرته التي في نفسي التي لا أدفعها حتّى ظننت أنّه سيظهر فيما بيني وبينه»(1).

إلى هنا عرفنا أنّ بعض الآيات والروايات تشير إلى فطرية التوحيد أو وجود الله تعالى المنسجمة مع قصد البداهة، أو كونه من قبيل القضايا التي


(1) البحار 3: 42 ـ 43، الباب 3 من كتاب التوحيد، الحديث 18.