المولفات

المؤلفات > اُصول الدين

20

وحاصل الفكرة التي يفترض إشارة هذه الآيات إليها هو أنّ الإنسان قد يبتعد عن الفطرة فيغطّي عينَ قلبه غشاءُ المادّيّات فيغفل عن الله تعالى، ولكن تنجلي فطرته لدى زوال هذا الغشاء بسبب انقطاعه عن المادّيّات بمثل عروض حالة الغرق على سفينة في البحر إذ لا منجي إلّا الله تعالى، فتتيقّظ فطرته وتنفتح بصيرته ولا يرى إلّا الله سبحانه وتعالى.

بل تلحق بهذه الآيات مطلق آيات الالتجاء إلى الله لدى الضرّ من قبيل:

1 ـ ﴿وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ﴾(1).

2 ـ ﴿فَإِذَا مَسَّ الاِْنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْم﴾(2).

3 ـ ﴿وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾(3).

وعندي أنّ كلّ هذه الآيات لا تدل على فطرية التوحيد ووجود الله سبحانه وتعالى عدا آيتي الفطرة والصبغة؛ لأنّ ما مضى من الآيات الاُخرى قابل للحمل على معنى آخر، وهو أنّ الإنسان بلغ في مستوى كفرانه وطغيانه أنّه على رغم من يقينه بالله ـ بأيّ سبب من الأسباب ـ تراه يعترف به ساعة انقطاع جميع الحيل المادّية ثمّ يرجع إلى غيّه من كفر أو كفران لدى انتهاء الاضطرار، من قبيل ابن يلتجئ إلى أبيه في ساعة الاضطرار ولكنه يطغى عليه في ساعة الإحساس بالاستغناء، أمّا أنّ ثبوت الله أو التوحيد عنده هل كان على أساس


(1) س 30 الروم، الآية: 33.

(2) س 39 الزمر، الآية:49.

(3) س 10 يونس، الآية: 12.