المولفات

المؤلفات > الفتاوى الواضحة

821

وتجريديٍّ فحسب، بل هو مزاج من عقل وحسٍّ من تجريد وتشخيص. وحينما يراد من العبادة أن تؤدّي دورها على نحو يتفاعل معها الإنسان تفاعلا كاملا وتنسجم مع شخصيته المؤلّفة من عقل وحسٍّ ينبغي أن تشتمل العبادة نفسها على جانب حسّيّ وجانب عقليّ تجريدي؛ لكي تتطابق العبادة مع شخصية العابد، ويعيش العابد في ممارسته العبادية ارتباطه بالمطلق بكلّ وجوده.

ومن هنا كانت النية والمحتوى النفسي للعبادة يمثّل دائماً جانبها العقلي التجريدي، إذ تشدّ الإنسان العابد إلى المطلق الحقّ سبحانه وتعالى، وكانت هناك معالم اُخرى في العبادة تمثّل جانبها الحسّي.

فالقبلة التي يجب على كلّ مصلٍّ أن يستقبلها في صلاته، والبيت الحرام الذي يؤمُّه الحاجّ والمعتمر ويطوف به، والصفا والمروة اللذَانِ يُسعَى بينهما، وجمرة العقبة التي يرميها بالحُصَيّات، والمسجد الذي خُصّصَ مكاناً للاعتكاف يمارس فيه المعتكف عبادته كلّ هذه الأشياء معالم حسّية ربطت بها العبادة، فلا صلاة إلّا إلى القبلة(1)، ولا طواف إلّا بالبيت الحرام، وهكذا، وذلك من أجل إشباع الجانب الحسّي في الإنسان العابد وإعطائه حقّه ونصيبه من العبادة.

وهذا هو الاتّجاه الوسط في تنظيم العبادة وصياغتها وفقاً لفطرة الإنسان وتركيبه العقلي الحسّي الخاصّ.

ويقابله اتّجاهان آخران:

أحدهما يفرّط في عقلَنَة الإنسان ـ إن صحّ التعبير ـ فيتعامل معه كفكر مجرّد، ويشجب كلّ التجسيدات الحسّية في مجال العبادة، فما دام المطلق الحقّ


(1) وسائل الشيعة 3: 227، الباب 9 من أبواب القبلة، الحديث 2.