المولفات

المؤلفات > الفتاوى الواضحة

820

ويؤمن هذا الاتّجاه بأنّ الإنسان يعيش تناقضاً داخلياً بين روحه وجسده، ولا يتكامل في أحد هذين الجانبين إلّا على حساب الجانب الآخر. فلكي ينمو ويزكو روحياً يجب أن يُحرّم جسده من الطيبات، ويقلّص وجوده على مسرح الحياة، ويمارس صراعاً مستمرّاً ضدّ رغباته وتطلّعاته إلى مختلف ميادين الحياة؛ حتّى يتمّ له الانتصار عليها جميعاً عن طريق الكفّ المستمرّ والحرمان الطويل، والممارسات العبادية المحددة.

والشريعة الإسلامية ترفض هذا الاتّجاه أيضاً؛ لأنّها تريد العبادات من أجل الحياة، فلا يمكن أن تصادر الحياة من أجل العبادات. وهي في الوقت نفسه تحرص على أن يسكب الإنسان الصالح روح العبادة في كلّ تصرّفاته ونشاطاته، ولكن لا بمعنى أنّه يكفّ عن النشاطات المتعدّدة في الحياة ويحصر نفسه بين جدران المعبد، بل بمعنى أن يحوّل تلك النشاطات إلى عبادات. فالمسجد منطلق للإنسان الصالح في سلوكه اليومي، وليس محدّداً لهذا السلوك، وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله)لأبي ذر: « إن استطعت أن لا تأكل ولا تشرب إلّا لله فافعل »(1).

وهكذا تكون العبادة من أجل الحياة، ويقدّر نجاحها التربويّ والديني بمدى امتدادها مضموناً وروحاً إلى شتّى مجالات الحياة.

 

3 ـ الجانب الحسّي في العبادة:

 

إدراك الإنسان ليس مجرّد إحساس فحسب، وليس مجرّد تفكير عقليّ


(1) ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وصاياه لأبي ذرّ: « يا أبا ذرّ ليكن لك في كلّ شيء نيّة حتى في النوم والأكل». بحار الأنوار 74: 84، الباب 4 من كتاب الروضة، الحديث 3.