المولفات

المؤلفات > الفتاوى الواضحة

65

الموضوعية لضمان تحرك الإنسان وفق مصالح الجماعة شرط ضروري لاستقراءالحياة ونجاحها على الخطّ الطويل، وعلى هذا الأساس واجه الانسان تناقضاً بين ما تفرضه سنّة الحياة واستقرارها من سلوك موضوعيّ واهتمام بمصالح الجماعة، وما تدعو إليه نوازع الفرد واهتمامه بشخصه من سلوك ذاتيّ واهتمام بالمنافع الآنيّة الشخصية.

وكان لابدّ من صيغة تحلّ هذا التناقض وتخلق تلك الظروف الموضوعية التي تدعو إلى تحرّك الإنسان وفق مصالح الجماعة.

والنبوّة بوصفها ظاهرةً ربّانيةً في حياة الإنسان هي القانون الذي وضع صيغة الحلّ هذه، بتحويل مصالح الجماعة وكلّ المصالح الكبرى التي تتجاوز الخطّ القصير لحياة الإنسان إلى مصالح للفرد على خطّه الطويل؛ وذلك عن طريق إشعاره بالامتداد بعد الموت، والانتقال إلى ساحة العدل والجزاء التي يحشر الناس فيها لِيُرَوا أعمالهم: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة شرّاً يَرَهُ ﴾(1)؛ وبذلك تعود مصالح الجماعة مصالحَ للفرد نفسه على هذا الخطّ الطويل.

وصيغة الحلّ هذه تتأ لّف من نظرية وممارسة تربوية معيّنة للإنسان على أساسها، والنظرية هي المعاد يوم القيامة، والممارسة التربوية على هذه النظرية عملية قيادية ربّانية، ولا يمكن إلّا أن تكون ربانيةً؛ لأنّها عملية تعتمد على اليوم الآخر، أي على الغيب، فلا توجد إلّا بوحي السماء، وهي النبوّة.

ومن هنا كانت النبوّة والمعاد واجهتين لصيغة واحدة، هي الحلّ الوحيد لذلك التناقض الشامل في حياة الإنسان، وتشكّل الشرط الأساسي لتنمية ظاهرة الاختيار وتطويرها في خدمة المصالح الحقيقية للإنسان.

 


(1) الزلزلة: 7 ـ 8 .