المولفات

المؤلفات > الفتاوى الواضحة

64

هادفاً، ولكنّ الهدف هنا لا تعيشه هي من خلال نشاطها الطبيعي والفيسيولوجي الخاصّ، وإنّما هو هدف الصانع الخبير؛ ولمّا كان الإنسان كائناً هادفاً ترتبط مواقفه العملية بأهداف يعيها ويتصرّف بموجبها، فهذا يفترض ضمناً أنّ الإنسان في مواقفه العملية هذه ليس مسيّراً وفق قانون طبيعيّ صارم، كما تسقط قطرة المطر في مسار محدّد وفقاً لقانون الجاذبية؛ لأنّه في حالة من هذا القبيل لا يمكن أن يكون هادفاً، أي يعمل من أجل هدف يعيش في داخل نفسه.

فلكي يكون الإنسان هادفاً لابدّ أن يكون حرّاً في التصرّف؛ ليتاح له أن يتصرّف وفقاً لما تنشأ في نفسه من أهداف، فالترابط بين المواقف العملية والأهداف هو القانون الذي ينظّم ظاهرة الاختيار لدى الإنسان.

كما أنّ الهدف بدوره لا يتواجد بصورة عشوائية، فإنّ كلّ إنسان يحدّد أهدافه وفقاً لما تتطلّبه مصلحته وذاته من حاجات، وهذه الحاجات تحدّدها البيئة والظروف الموضوعية التي تحيط بالإنسان، غير أنّ هذه الظروف الموضوعية لا تحرّك الإنسان مباشرةً كما تحرك العاصفة أوراق الشجر؛ لأنّ هذا يعطّل دوره ككائن هادف، فلابدّ للظروف الموضوعية إذن من تحريك الإنسان عن طريق الإثارة والإيحاء بتبنّي أهداف معيّنة، وهذه الإثارة ترتبط بإدراك الإنسان للمصلحة في موقف عمليّ معيّن، ولكن ليست كلّ مصلحة تحقّق إثارةً للفرد، وإنّما تحقّقها تلك المصالح التي يدرك الفرد أنّها مصالح له بالذات.

وذلك أنّ المصالح على قسمين: فهناك مصالح على خطٍّ قصير تعود بالنفع غالباً على الفرد الهادف العامل نفسه، ومصالح على خطّ طويل تعود بالنفع على الجماعة، وكثيراً ما تتعارض مصالح الفرد ومصالح الجماعة، وهكذا نلاحظ من ناحية أنّ الإنسان غالباً لا يتحرك من أجل المصلحة لقيمها الإيجابية، بل بقدر ما تحقّق له من نفع خاصّ، ونلاحظ من ناحية اُخرى أنّ خلق الظروف