234

ظاهري، وفي الآخر على حكم واقعي؛ لأنّ دليل الولاية إن كان لفظيّاً فافتراض دلالته على هذين الأمرين يكون من سنخ استعمال اللفظ في معنيين، وإن كان عقليّاً فمن أين حكم العقل تارةً بالحكم الواقعي وأُخرى بالحكم الظاهري؟!

قلت: ليس الاختلاف في دلالة دليل الولاية سواء كان لفظيّاً أو عقليّاً وإنّما الدليل دلّ على نفوذ حكم الوليّ بمقدار ما له من قابليّة النفوذ، وإنما الاختلاف في نفس حكم الوليّ، فتارةً يقصد الوليّ تنجيز الواقع، أي أنّه يخلق حكماً ظاهريّاً، وأُخرى يقصد خلق الواقع بالشرح الذي عرفته، وكلّ منهما ينفذ بقدر ما يناسبه من النفوذ، ومن الطبيعي أنّ الأوّل لا يكون نافذاً إلاّ على من يحتمل موافقته للواقع، وأنّ الثاني يكون نافذاً على الكلّ؛ إذ لا يوجد واقع تُتوقّع موافقة حكم الحاكم أو مخالفته له، والحكم الذي صدر منه هو الواقع الذي يجب اتباعه،ولو كان الحكم الأولي هو الجواز فقد تبدلّ الجواز بسبب حكم الحاكم إلى الوجوب أو الحرمة.

 

حالة العلم بالحرمة:

 

نعم لو اعتقد الشخص أنّ حكم الوليّ إلزامٌ بأمر محرّم، كما لو اعتقد أنّ الجهاد حرام عليه؛ لأنّ الحرب فعلا حرب يائسة مثلا، وأنّ الدماء التي تراق تراق بلا فائدة، وأنّ حكم الوليّ لم يوجب تبدّل موضوع الحرمة عليه بافتراض أنّ المفاسد ستقع على أيّ حال سواء اتبعه هذا الشخص المعتقد بالحرمة أو لا؛ لأنّ الآخرين سيتّبعونه، واتباع هذا الشخص سوف لن يزيد في المفسدة، بل لعلّ مخالفته تزيد في المفسدة على أساس كونه سبباً لاختلاف الكلمة.

235

أقول: لو اعتقد الشخص الحرمة حتى بعد لحاظ صدور الحكم لم ينفذ عليه الحكم؛ لأنّ نفوذ حكم الوليّ إنّما هو في دائرة حفظ الأحكام الإلزاميّة للشريعة، فمن اعتقد بخروج حكم الوليّ عن هذه الدائرة لم يجز له اتباعه.

بقي هنا أمران لا بأس بالتنبيه عليهما:

 

حالة العلم بخطأ المستند:

 

الأمر الأوّل: قد عرفت أنّ الحكم الكاشف حكم ظاهريّ يسقط عن الحجّية لدى العلم بالخلاف، ويقع الكلام هنا في ما لو فرض أنّ الحكم الكاشف لم يعلم بمخالفته للواقع، ولكنه علم بخطأ مستنده فهل يكون نافذاً أو لا؟ مثاله ما لو حكم الحاكم بالهلال، ولم يعلم المكلّف بالخلاف ـ أي لم يعلم بعدم الهلال ـ لكنّه علم بخطأ مستند الحاكم ـ أي علم أنّ الحاكم اعتمد خطأً على بينة غير عادلة مثلا ـ فهل ينفذ الحكم هنا كما كان يقول بذلك أُستاذنا الشهيد (قدس سره)، أو لا؟ يمكن تقريب نفوذه ببيان أنّ نفوذ حكم الحاكم لم يكن على أساس الأمارية بنظر المولّى عليه كي يقال بسقوطه لدى انتفاء كاشفيّته بنظر المولّى عليه، بل كان على أساس الولاية غاية ما هناك أن الحكم لمّا كان ظاهرياً لم يمكن نفوذه مع العلم بالخلاف، والمفروض هنا عدم العلم بالخلاف، فلا مانع من نفوذه.

ولكن بالإمكان أن يقال بعدم النفوذ ببيان: أنّ الوليّ إذا كان لا ينظر إلاّ إلى تنفيذ الواقع وحفظه، فهو لا يريد حفظ الواقع بأكثر مما يحفظه حافظه ـ وهو المدرك الذي اعتمد عليه ـ فمع علم المكلف بخطأ ذاك المدرك لا مبرّر لنفوذ الحكم عليه.

236

وبكلمة أُخرى: كأنّ حكم الحاكم لم يكن طريقاً بالمباشرة إلى الهلال بل كان طريقاً إلى البيّنة العادلة التي هي طريق إلى الهلال، وقد انكشف لنا خطأ ذاك الطريق ومخالفته للواقع، فلا يثبت به الطريق إلى الهلال.

 

حالة العلم بخطأ القاضي:

 

الأمر الثاني: أنّ حكم القاضي في المرافعات يكون عادة بروح الحكم الكاشف، أي أنّ القاضي يريد تطبيق الحق ولا يريد إنشاء الحقّ وإيجاده، ولذا لو كان يعلم أحد المترافعين أنّه هو الظالم، ولكن تمّت المقاييس الظاهرية لدى القاضي بنحو حكم لصالح ذاك الظالم لم تجز له الاستفادة من حكم القاضي لصالح نفسه، بل يجب عليه إرجاع الحقّ إلى صاحبه، ولكن رغم أنّ هذا الحكم حكم كاشف لا حكم ولائي لا إشكال في نفوذه على المحكوم عليه ولو كان يقطع المحكوم عليه بأنه هو المظلوم، وأنّ هذا الحاكم لم يصب الواقع، والسرّ في ذلك هو أنّ لنفوذه دليلا خاصاً به غير أدلّة الولاية الدالّة عليه بالإطلاق، وذاك الدليل ظاهر في تنفيذ حكم القاضي خصماً للنزاع، ولا يتمّ خصم النزاع بغير هذا المستوى من النفوذ، ولم يكن ذاك الدليل ناظراً إلى مجرّد جعل حكم ظاهري يسقط بالعلم بالخلاف.

وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين.

 

17 / ربيع الثاني / 1410 هـ. ق

المصادف 26 / 8 / 68 هـ. ش

كاظم الحسيني الحائري