94

وعن أبي عبدالله(عليه السلام): «إن أردت أن يكثر مالك فأكثِر من الوقوف على الصفا».

ويستحبّ أن يسعى ماشياً، وأن يمشي على سكينة ووقار حتّى يأتي محلّ المنارة الاُولى، فيهرول إلى محلّ المنارة الاُخرى، ثُمّ يمشي على سكينة ووقار حتّى يصعد على المروة، فيصنع عليها كما صنع على الصفا، ويرجع من المروة إلى الصفا على هذا المنهج أيضاً.

 

أحكام السعي:

104 ـإذا ترك السعي عامداً، أي: من دون نسيان أو غفلة حتّى مضى الوقت بفوات الوقوف بعرفات عليه، بطلت عمرته وإحرامه، وبالتالي بطل حجّه، سواء كان عالماً بوجوب السعي أو جاهلاً بذلك.

وإذا نقص من أشواط السعي عامداً كان كمن ترك السعي عامداً.

وإذا ترك السعي نسياناً أتى به عند التذكّر حتّى لو كان ذلك بعدالفراغ من الحجّ، وإن لم يتمكّن منه مباشرة ولو للحرج والمشقّة لزمته الاستنابة.

وإذا نقص من أشواط السعي نسياناً تدارك ذلك متى تذكّر بإكمال السعي وتكميل نقصانه، ولايجب استئناف سعي كامل وإن كان هو الأحوط استحباباً في حالة عدم صدور أربعة أشواط كاملة عنه في سعيه السابق.

95

 

 

الواجب الخامس: التقصير

 

105 ـوهو الواجب الخامس والأخير في عمرة التمتّع، ومعناه: أخذ شيء من ظفر يده أو رجله أو شعر رأسه أو لحيته أو شاربه، ولا يكفي النتف عن التقصير، ولا يجزئ حلق الرأس، بل يحرم عليه الحلق. وتجب فيه النيّة، وصورتها مثلا: اُقصّر للإحلال من عمرة التمتّع قربة إلى الله تعالى.

106 ـ وموضعه بعد الفراغ من السعي، ولكن لاتجب المبادرة إليه بعد السعي، ويجوز في أيّ مكان شاء، سواء كان في المسعى أو في منزله أوفي غيرهما.

 

107 ـ حكمه وأثره:

وحكمه: أنّ من ترك التقصير عمداً، أي: من دون نسيان فأحرم للحجّ بطلت عمرته، وتحوّل حجّه من حجّ التمتّع إلى حجّ الإفراد، ولو كان حجّه حجّة الإسلام فقد حصل العلم الإجمالي إمّا بتبدّل وظيفته في حجّة الإسلام إلى الإفراد، أو أنّ تعمّده في ترك التقصير لم يقلب وظيفته في حجّة الإسلام إلى الإفراد، وإنّما قلب حجّه هذا إلى الإفراد، فيجب عليه عملاً بالعلم الإجماليّ أن يأتي بعمرة مفردة بعد الحجّ ـ والأحوط وجوباً أن تكون العمرة المفردة بعد

96

أيّام الشريق ـ ويعيد حجّ التمتّع في السنة القادمة.

ومن ترك التقصير نسياناً فأحرم للحجّ صحّت عمرته، والأحوط التكفير عن ذلك بشاة.

وأثره: أنّه يوجب تحليل جميع ما كان يحرم على المعتمر بسبب إحرامه من محرّمات الإحرام المتقدّمة عدا الحلق، فإنّ الأحوط للمعتمر أن لايحلق ولو أحلّ بالتقصير خلال شهر ذي القعدة وما بعده إلى حين الإحرام للحجّ، وإذا حلق عامداً عالماً كفّر بشاة.

وإذا انتهى المعتمر من التقصير فرغ من عمرة التمتّع، واستمتع فترة التحلّل.

ويحرم عليه على الأحوط الخروج من مكّة، إلّا لحاجة مهمّة، فإذا كانت له حاجة مهمّة تقتضي الخروج كالذهاب إلى منى لترتيب اُمور الحجّاج أو الاشتراك في جلسة ضروريّة هامّة أو نحو ذلك، وجب أن يكون خروجه مع الوثوق بالرجوع وإدراك الحجّ؛ لأنّه مرتهن بالحجّ، فلو لم يثق بذلك لم يجز له الخروج.

وقد ألفتنا النظر في آخر الفقرة (20) إلى أنّه لو خرج من الحرم بعد عمرة التمتّع ورجع في غير الشهر الهلاليّ الذي اعتمر فيه فلا بدّ لكي يصحّ حجّه تمتّعاً أن يعيد عمرة التمتّع ولو بالإتيان بعمرة مفردة وقلبها بعد إتمامها إلى عمرة التمتّع(1).



(1) وذلك لصحيح حمّاد بن عيسى الوارد في الوسائل 11 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، الباب 22 من أقسام الحجّ، الحديث 6، الصفحة: 303.

97

الفصل الثاني

1

 

 

حجّ التمتّع

 

 

○ أعمال الحجّ ( حجّ التمتّع )

○ إحرام الحجّ.

○ الوقوف بعرفات.

○ الوقوف بالمشعر (المزدلفة).

○ واجبات يوم العيد وبعض مستحبّاته.

○ رمي جمرة العقبة.

○ الذبح أو النحر في منى.

○ الحلق أو التقصير.

○ طواف الحجّ وصلاته والسعي.

○ طواف النساء وصلاته.

○ واجبات منى بعد نهار العيد وبعض المستحبّات.

○ المبيت في منى.

○ رمي الجمار.

 

 

 

98

 

 

 

إحرام الحجّ

 

108 ـ الإحرام للحجّ هو الواجب الأوّل من واجبات حجّ التمتّع، وإليك خصائصه:

أوّلاً: مكانه، يجب أن يكون الإحرام لحجّ التمتّع من مكّة من أيّ موضع شاء، ويُستحبّ أن يكون من المسجد الحرام في مقام إبراهيم أو حجر إسماعيل. ويراد بمكّة هنا: البلد على امتداده، فالأحياء الجديدة التي تشكّل الامتداد الحديث لمكّة وتعتبر جزءاً منها عرفاً يجوز الإحرام فيها، ولا يجوز الإحرام في بلدة أو قرية اُخرى لها عنوانها المتميّز، وإن اتّصلت بمكّة عن طريق توسّع العمران. نعم الأحوط وجوباً أن لا يكون إحرامه من امتدادات مكّة الواقعة اليوم خارج الحرم.

ثانياً: زمانه، يجب عليه أن يحرم قبل ظهر اليوم التاسع من ذي الحجّة على نحو يتمكّن من إدراك الوقوف الواجب بعرفات، والأفضل أن يحرم في اليوم الثامن، ويمكنه أن يحرم قبل اليوم الثامن بيوم أو يومين أو ثلاثة، بل قبل ذلك أيضاً، وإن كان الأحوط

99

استحباباً عدم التقديم على اليوم الثامن بأكثر من ثلاثة أيّام.

ثالثاً: نيّـته، وصورتها مثلاً: اُحرم لحجّ التمتّع من حجّة الإسلام قربة إلى الله تعالى. وإذا كان نائباً ذكر اسم المنوب عنه، وإن كانت الحجّة مستحبّة أسقط كلمة (حجّة الإسلام).

رابعاً: كيفيّـته، يتّحد إحرام الحجّ مع إحرام عمرة التمتّع في الكيفيّة والشرائط والعناصر التي يجب توفرها فيه، والتي تقدّم توضيحها في الفقرة ( 42 ) و ( 43 ) وما بعدهما، ولااختلاف بين الإحرامين إلّا في النيّة.

والأحوط لمن أحرم لحجّ التمتّع أن لا يطوف طوافاً مستحبّاً قبل الخروج إلى عرفات، فلو طاف جدّد التلبية بعد الطواف رجاءً.

خامساً: حكمه، من تركه عالماً عامداً لزمه التدارك، فإن لم يتمكّن من التدارك قبل الوقوف بعرفات فسد حجّه.

ومن تركه جاهلا بوجوبه، وأتى ببقيّة المناسك، فإن لم يعلم إلّا بعد الفراغ من الحجّ، صحّ حجّه، وإن علم في أثناء الحجّ فمع إمكان الرجوع إلى مكّة والإحرام منها، يجب، ومع عدم الإمكان لضيق الوقت أو لعذر آخر يحرم من الموضع الذي هو فيه.

ومن تركه نسياناً وتذكّر رجع مع الإمكان، وإلّا أحرم في موضعه إذا كان لم يتجاوز عرفات، وإن تجاوزها أحرم من موضعه أيضاً، لكن صحّة حجّه ـ حينئذ ـ لا تَخلو من إشكال.

100

آداب إحرام الحجّ

109 ـ إحرام الحجّ يشارك إحرام العمرة فيما له من آداب ومستحبّات، وقد تقدّم ذكرها في إحرام العمرة الفقرة (56) ويُستحبّ أن يكون الإحرام للحجّ من المسجد الحرام، وأن يكون في اليوم الثامن من ذي الحجّة، ويُستحبّ له المبيت في منى ليلة عرفة، والتوفّر في تلك الليلة على العبادة وعلى الصلاة في مسجد الخيف والتعبد فيه، فإذا قضى ليلة هناك، وطلع الفجر صلّى صلاة الصبح في منى، وعقّب إلى طلوع الشمس، ثُمّ اتّجه إلى عرفات مارّاً بمنطقة في حدود منى تسمّى بــ (وادي محسّر) ولا بأس بأن يخرج من منى قبل طلوع الشمس، ولكن ينبغي أن لا يتجاوز وادي محسّر قبل طلوع الشمس، ولا إثم عليه لو تجاوز، ولو شاء أن يخرج من منى قبل طلوع الفجر فلا إثم عليه أيضاً، غير أنّ ذلك مكروه. كلّ هذا فيما لو اتّجه من مكّة إلى منى، وأمّا إذا سلك إلى عرفات طريقاً آخر لا يمرّ بمنى، كما هو الغالب في الطريق العامّ للحجّاج في الفترة المعاصرة، فلا إثم عليه.

وعلى أيّ حال، فإذا توجّه الحاجّ إلى عرفات قال: «اللّهمّ، إليكَ صَمَدْتُ، وإيّاك اعتمَدتُ، ووجهَكَ أردْتُ، فأسألك أن تُباركَ لي في رِحْلَتي، وأن تَقْضِي لي حاجَتي، وأن تَجعَلنِي مِمّن تُباهي بِه اليوم مَن هو أفْضلُ منِّي».

ويُستحبّ أن يكرّر التلبية إلى أن يصل إلى عرفات.

101

 

 

الوقوف بعرفات

 

110 ـ الواجب الثاني من واجبات حجّ التمتّع الوقوف بعرفات. والمراد به التواجد بعرفات من دون فرق بين أن يكون راكباً أو راجلا واقفاً أو قاعداً أو على أيّ حالة اُخرى.

111 ـ مكانه: يجب أن يكون الوقوف بعرفات.وكانت عرفات تبعد عن مكّة مسافة شرعيّة، فكان السفر إليها يوجب قصر الصلاة، وهي أبعد النقاط ـ التي يجب على الحاجّ أن يقصدها في حجّه ـ عن مكّة، ثُمّ يأخذ بعد ذلك بالاقتراب من مكّة، بالانتقال من عرفات إلى المشعر ومنه إلى منى، كما سيأتي إن شاء الله تفصيله.

وقد أصبح اليوم الفاصل بين مكّة وعرفات أقلّ من المسافة الشرعيّة باعتبار اتّساع مكّة، فلو نوى المسافر الإقامة بمكّة عشرة أيّام، ثُمّ سافر إلى عرفات، لم تقصر صلاته، نعم لو كانت نيّـته للإقامة بلحاظ مجموع أيّام مكّة وعرفات والمشعر ومنى، فهذه لاتعتبر إقامة؛ لتعدّد المكان(1).

 



(1) وقد يتّفق أنّ الحاجّ يقيم بمكّة قبل الأعمال عشرة أيّام، فيتمّ في

102

وعرفات: فسحة كبيرة من الأرض تعتبر خارج الحرم، وتتّصل حدودها به، ويفصل بينها وبين المشعر الحرام منطقة تسمى بـ (المأزمين).

ولعرفات حدود، وقد جاء في الأحاديث ذكر بعض الأماكن التي كان لها أسماء معروفة وقتئذ، كحدود لموقف عرفات، وهي: (بطن عرنة) و (ثويّة) و (نمرة) و (ذو المجاز).

وجملة من هذه الأسماء لا تزال أسماء لمسمّيات معروفة في



عرفات كما قلنا، ولكن يشكل أمره من حين التحرّك من عرفات حتّى رجوعه إلى مكّة حيث لاينوي المُقام عشرة أيّام بعد الأعمال بمكّة، فهل يقصّر من حين التحرّك من عرفات إلى الرجوع؛ لأنّ المشعر ومنى ومكّة كلّها واقعة في طريق رجوعه إلى بلده، فقد أصبح مسافراً، وعليه التقصير، أو يتمّ؛ لأنّه بدأ يرجع إلى محلّ إقامته، وليس الفاصل بينه وبين محلّ إقامته وهو مكّة بمقدار المسافة الشرعيّة، فعليه التمام؟

لاإشكال في أنّ مقتضى الاحتياط هو الجمع بين القصر والتمام.

ولكن الظاهر: أنّ الصحيح هو التفصيل بين ما لو أراد المرور بمكّة بوصفها في طريقه إلى بلده فحسب، أو أراد الرجوع إلى مكّة كرجوع المسافر إلى محلّ إقامته برغم علمه بأنّه لن يقيم مرّة اُخرى بمكّة وسوف تكون مكّة عملاً طريقاً له في رجوعه إلى بلده، ففي الفرض الأوّل يجب عليه القصر، وفي الفرض الثاني يجب عليه التمام.

103

الواقع المعاش ومنعكسة في الخرائط المختصّة، ولايزال مسجد نمرة متميّزاً حتّى الآن وقائماً، وبعضها غير واضح فعلا، وإن كان الموقف لايزال واضحاً في حدوده وعلاماته المنصوبة في أطرافه. ولايجوز الوقوف بتلك الأماكن والنقاط المحادّة للموقف، بل لابدّ أن يكون الوقوف فيما تحوطه تلك النقاط من مساحة، من دون فرق بين جبلها وسهلها، وإن كان الأفضل الوقوف في السفح في ميسرة الجبل.

112 ـ زمانه ونيّـته: الأحوط للحاجّ ـ في حالة الاختيار ـ أن يقف في عرفات من أوّل ظهر اليوم التاسع من ذي الحجّة إلى الغروب، ولكن الأظهر جواز البدء بالوقوف بعد الظهر بساعة إلى الغروب. والوقوف في تمام هذا الوقت واجب يأثم المكلّف بتركه، ولكن لايبطل الحجّ لو اقتصر على الوقوف برهة قصيرة خلال هذا الوقت وإن اعتبر آثماً؛ لعدم استيعاب المدّة، ويسمّى هذا بـ (الوقوف الاختياريّ).

ولايجوز للحاجّ الإفاضة من عرفات، أي: الخروج منها قبل غروب الشمس عالماً عامداً، وإذا خرج كذلك لم يفسد حجّه، ولكن عليه الرجوع، فإذا ندم ورجع فلا شيء عليه، وإلّا كانت عليه كفّارة جمل أكمل الخامسة ينحره في منى يوم العيد، وإذا خرج من عرفات قبل الغروب جاهلا أو ناسياً، وجب عليه الرجوع عند العلم أو التذكّر، فلو لم يرجع كانت عليه ـ على الأحوط ـ كفّارة أيضاً كما في العالم العامد في حالة عدم رجوعه. ولو لم يتمكّن الحاجّ أن

104

يدرك عرفات إلى أن غربت الشمس من اليوم التاسع أو فاته ذلك لنسيان أو جهل يعذر فيه، لزمه الوقوف برهة من الليل ليلة العاشر من ذي الحجّة، وصحّ حجّه. ويسمّى ذلك بـ (الوقوف الاضطراريّ).

وأمّا نيّـته فيجب في الوقوف بعرفات النيّة، وصورتها مثلا: أقف بعرفات من الظهر إلى غروب الشمس لحجّ التمتّع من حجّة الإسلام قربة إلى الله تعالى. وإذا كان نائباً ذكر اسم المنوب عنه، وإذا كان حجّاً مستحبّاً أسقط كلمة (حجّة الإسلام).

 

آداب الوقوف بعرفات:

113 ـ إنّ يوم عرفات يوم دعاء وتضرّع؛ ولهذا يُرجّح للحاجّ أن يجمع بين صلاتي الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين؛ ليفرّغ نفسه بعد ذلك للدعاء.

ويُستحبّ أن يكون الواقف بعرفات متحلّياً بالسكينة والوقار، وأن يكون على طهارة، وأن يتعوّذ بالله، فقد جاء في الحديث: أنّ الشيطان لن يذهلك في موضع أحبّ إليه من أن يُذهلك في ذلك الموضع.

وينبغي للحاجّ أن لايشغله النظر إلى الناس عمّا يقتضيه ذلك الموقف الجليل من دعاء وعبادة، فيحمد الله ويهلّله ويمجّده، ويكبّر مئة مرّة، ويقرأ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد﴾ مئة مرّة، ويدعو بما أحبّ وبالمأثور من الأدعية، كدعاء الإمام الحسين في يوم عرفة، ودعاء

105

الإمام عليّ بن الحسين(عليهما السلام)في نفس اليوم. وسيأتي نصّ الدعائينفي آخر هذا الكتاب إن شاء الله .

ومن المأثور أن يقول: «اللّهمّ ربَّ المشاعِرِ كُلِّها، فُكَّ رَقَبتي من النَّارِ، وأوسِعْ عليَّ مِنْ رِزْقكَ الحَلالِ، وادْرَأ عنِّي شرَّ فَسَقَةِ الجنِّ والإنس. اللّهمّ، لا تمكُرْ بي، ولا تَخْدَعْنِي، ولا تَسْتَدرِجْني». ويقول: «اللّهمّ، إنّي أسألُكَ بِحَوْلِكَ وَجودِكَ وَكَرَمِكَ وَمَنِّكَ وَفَضْلِكَ يا أسمَعَ السامِعين ويا أبصرَ الناظِرين ويا أسرَعَ الحاسبين وَيا أرْحَم الرّاحمين، أسألُكَ أنْ تُصَلّي على مُحَمَّد وَآلِ مُحَمّد» ثُمّ يطلب حاجته.

ومن المأثور ـ أيضاً ـ أن يقول وهو رافع يديه إلى السماء: «اللّهمّ، حاجَتي إلَيْكَ الّتِي إنْ أعطَيْتَنِيها لم يَضُرَّنِي ما مَنَعْتَني، وَالتي إنْ مَنَعْتَنيها لم يَنْفَعني ما أعطَيْتَني، أسأ لُكَ خَلاصَ رَقَبتِي مِن النّارِ».

وتقول: «اللّهمّ، إنّي عَبدُك ومِلْكُ يَدِكَ، ناصِيَتي بيَدِك، وأجَلي بِعِلْمِكَ، أسألك أنْ تُوفّقَنِي لِما يُرضِيكَ عَنِّي، وَأنْ تُسلّم مِنِّي مَناسِكي الّتي أرَيْتَها خَلِيلَكَ إبْراهِيم(عليه السلام)، وَدَللتَ عَلَيها نَبِيَّكَ محمّداً صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه».

وتقول: «اللّهُمّ، اجْعَلْني ممّن رَضيتَ عَمَلَهُ، وأَطلْتَ عُمْرَه، وأحييتَهُ بَعْدَ الموتِ حَياةً طَيّبةً».

وكما ينبغي أن يدعو الإنسان في ذلك الموقف الشريف لنفسه كذلك يحسن به أن يدعو لإخوانه، فقد جاء في الرواية عن إبراهيم بن هاشم قال: «رأيت في الموقف عبدالله بن جندب ـ أحد ثقات الإمامين

106

الكاظم والرضا(عليهما السلام) ـ مادّاً يده إلى السماء ودموعه تسيل على خدّيه حتّى تبلغ الأرض، فلمّا انصرف الناس قلت: يا أبا محمّد، ما رأيت موقفاً قطّ أحسن من موقفك. فقال: والله ما دعوت إلّا لإخواني؛ وذلك لأنّ أبا الحسن موسى بن جعفر(عليهما السلام) أخبرني أنّه من دعا لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش: ولك مئة ألف ضعف مثله، فكرهت أن أدع مئة ألف ضعف مضمونة لواحدة لا أدري تُستجاب أم لا».

وإذا اقترب المغرب استحبّ للحاجّ أن يدعو بهذا الدعاء:

«اللّهمّ، إنّي أعُوذُ بِكَ من الفَقرِ، ومِنْ تَشتُّتِ الأمرِ، ومِنْ شرِّ ما يحدثُ بالليل والنّهار، أَمْسَى ظُلمي مُسْتَجِيراً بعفوك، وأمْسَى خَوفِي مُستَجيراً بأمانِكَ، وأمْسَى ذُلّي مُستَجيراً بعزّكَ، وأمْسَى وَجْهِي الفانِي البالِي مُسْتَجِيراً بِوجْهِك الباقِي، يا خَيرَ مَن سُئِل ويا أجودَ من أعطى، جلّلْني بِرَحمَتِك، وألبِسْني عافِيَتَكَ، واصرِفْ عنّي شرَّ جَمِيعِ خَلْقِكَ».

وإذا غربت الشمس دعا بهذا:

«اللّهمّ، لا تَجْعَلْهُ آخِرَ العَهْدِ مِن هذا الموقِفِ، وارزُقْنِيهِ مِنْ قابل أبَداً ما أبقَيتَني، وأقلبني اليومَ مُفْلِحاً مُنْجِحاً مُسْتَجاباً لي مَرحُوماً مَغْفُوراً لي بأفْضَلِ ما يَنْقَلِبُ بِهِ الْيومَ أحدٌ من وَفْدِك وحُجّاجِ بَيتِكَ الحَرامِ، واجْعلْني اليومَ مِنْ أكرَمِ وَفْدِكَ عليكَ، وأعطِني أفْضَلَ ما أعْطَيتَ أحداً مِنْهُم مِن الخَيرِ والبَرَكَةِ والرّحْمَةِ والرّضْوانِ والمغْفرةِ، وبارِكْ لِي فِيما أرجِعُ إليه مِن أهل أو مَال أو قَليل أو كَثير، وبارِكْ لَهُم فِيّ».

107

 

 

الوقوف بالمشعر (المزدلفة)

 

114 ـ وهذا هو الواجب الثالث من واجبات حجّ التمتّع. يجب على الحاجّ الوقوف بالمزدلفة بعد الإفاضة من عرفات، أي: الخروج منها عند الغروب متّجهاً نحو المزدلفة، ويُراد بالوقوف في المشعر التواجد كما مرّ في الوقوف بعرفات في الفقرة (110)، وتتّضح خصائصه فيما يلي:

مكانه: يجب أن يكون الوقوف في المزدلفة، وهي اسم لمكان يقال له: (المشعر)، وهو يبعد عن مكّة نحو عشرة كيلو مترات، ويُعتبر داخل الحرم. وحدّ الموقف طولا من المأزمين إلى وادي محسّر، وهما حدّان، وليسا من الموقف إلّا عند الزحام وضيق الوقت، فيمتدّ الموقف، ويشمل المأزمين، وهي المنطقة الواقعة بين المشعر وعرفات.

 

والمطلوب في المشعر أمران:

أحدهما: المبيت فيه ليلة العاشر. والمشهور بين العلماء أنّه واجب، والمقصود به: بقاء بقيّة الليل هناك، سواء نام أو لم ينم.

108

والآخر: الوقوف بمعنى التواجد في المشعر من طلوع الفجر يوم العيد ـ العاشر من ذي الحجّة ـ إلى طلوع الشمس.

والظاهر جواز الإفاضة قبيل طلوع الشمس، ولكن لايتجاوز ـ على الأحوط ـ وادي محسّر حتّى طلوع الشمس.

والوقوف بالشكل الذي ذكرناه وإن كان واجباً، ولكن الحجّ لايختلّ بالإخلال بالوقوف في بعض هذه المدّة؛ إذ يكفي لصحّة الحجّ أن يقف برهة من الزمن بين طلوع الفجر وطلوع الشمس ولو لم يستوعب المدّة. ويسمّى الوقوف بين الطلوعين بـ (الوقوف الاختياريّ).

نيّـته: يجب في الوقوف بالمشعر بين الطلوعين النيّة، وصورتها: أقف بالمشعر الحرام من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لحجّ التمتّع من حجّة الإسلام قربة إلى الله تعالى. وإذا كان نائباً ذكر اسم المنوب عنه، وإذا كان الحجّ مستحبّاً أسقط كلمة (حجّة الإسلام).

115 ـ حكمه: من لم يقف أصلا في المشعر بين الطلوعين ولو في بعض المدّة، يبطل حجّه. ويُستثنى من ذلك:

أوّلا: النساء والصبيان والخائف والضعفاء كالشيوخ والمرضى، فيجوز لهم الوقوف في المزدلفة ليلة العيد، والإفاضة منها ـ أي: الخروج ـ قبل طلوع الفجر إلى منى. والأحوط أن يكون ذلك بعد الوقوف فيما بعد منتصف الليل.

109

ثانياً: الجاهل بوجوب الوقوف بين الطلوعين، فإنّه إذا وقف ليلة العيد في المزدلفة، وخرج منها قبل طلوع الفجر جهلا منه بالحكم، صحّ حجّه، وعليه كفّارة شاة.

أمّا لو اكتفى بمسمّى الليل عن عمد وعلم ومن دون عذر من هذا القبيل، فالأحوط التكفير ببدنة وإكمال الحجّ، ثُمّ الإتيان بأفعال العمرة المفردة بعد أيّام التشريق، وبعد كلّ هذا فالإجزاء مشكل.

ثالثاً: من لم يكن متمكّناً من الوقوف بين الطلوعين في المزدلفة لنسيان أو لعدم توفّر واسطة نقل أو لغير ذلك، فإنّه يُجزيه أن يقف وقتاً ما بين طلوع الشمس إلى ظهر يوم العيد، ويصحّ حجّه حينئذ. ويسمّى هذا بـ (الوقوف الاضطراريّ).

 

آداب الوقوف بالمشعر

116 ـ ويُستحبّ للحاجّ عند الإفاضة ـ أي: الخروج ـ من عرفات إلى المشعر أن يتحلّى بالسكينة والوقار، ويستغفر الله، ويتضرّع إليه بطلب المغفرة بما يقدر عليه من كلام، وأن يؤجّل المغرب والعشاء إلى حين وصوله إلى المشعر، فيجمع بينهما بأذان وإقامتين.

ويُستحبّ له إحياء ليلة العيد في المشعر بالعبادة، فقد جاء في الحديث: «وإن استطعت أن تُحيي تلك الليلة فافعل؛ فإنّه بلغنا أنّ

110

أبواب السماء لاتُغلق تلك الليلة لأصوات المؤمنين، لهم دويّ كدويّ النحل، يقول الله جلّ ثناؤه: أنا ربّكم وأنتم عبادي، أدّيتم حقّي، وحقٌّ عليّ أن أستجيب لكم. فيحطّ تلك الليلة عمّن أراد أن يحطّ عنه ذنوبه، ويغفر لمن أراد أن يغفر له».

ومن المستحبّ المأثور في هذه الليلة أن يدعو الحاجّ قائلاً: «اللّهمَّ، هذِهِ جمع. اللّهمَّ، إنّي أسألُكَ أنْ تَجمَعَ لي فيها جَوامِعَ الخيرِ. اللّهمَّ، لا تؤيّسْني مِن الخيرِ الذي سَألتُكَ أنْ تَجْمَعَهُ لي في قَلْبي، وأطْلُبُ إليك أنْ تُعرّفَني ما عرّفتَ أولِياءَكَ في مَنزِلي هذا، وأنْ تَقِيَني جَوامِعَ الشّرِ».

ويُستحبّ أن يُصبح على طهر، فيُصلّي صلاة الفجر، ويحمد الله ويُثني عليه، ويُمجّده ويُصلّي على النبيّ وآله، ويقول: «اللّهمّ ربَّ المَشْعَرِ الحرامِ، فُكّ رَقَبَتي مِن النارِ، وأوسِعْ عليّ من رِزْقِكَ الحلالِ، وادرأ عني شرَّ فسَقَةِ الجنِّ والإنْسِ. اللّهمّ، أنْتَ خَيرُ مَطلوب إليه، وخَيرُ مَدعوٍّ وخَيرُ مَسؤول، ولِكلِّ وافد جَائِزةٌ، فاجعَلْ جَائِزتِي في مَوطِني هذا أنْ تُقيلَني عَثْرَتِي، وتَقْبَلَ مَعذِرَتِي، وأن تَجاوزَ عن خَطِيئَتِي، ثُمّ اجْعَلْ التّقوى من الدّنيا زادِي».

ويُستحبّ للحاجّ التقاط الحصى من المشعر؛ لأجل رمي الجمرات في أيّام منى، وعددها سبعون لمن يرمي حتّى في اليوم الثالث عشر.

111

مقارنة عامّة بين الموقفين

117 ـ قد اتّضح ممّا تقدّم أنّ لكلّ من الوقوف بعرفات والوقوف بالمشعر وقتين: أحدهما اختياريّ، والآخر اضطراريّ، فبالنسبة إلى الوقوف بعرفات وقته الاختياريّ من الظهر إلى الغروب من اليوم التاسع، ووقته الاضطراريّ في ليلة العاشر. وبالنسبة إلى الوقوف بالمشعر وقته الاختياريّ بين الطلوعين من اليوم العاشر، ووقته الاضطراريّ من طلوع الشمس إلى الظهر من اليوم العاشر.

ولايصحّ الحجّ بالوقوف في الوقت الاضطراريّ إلّا حين يوجد اضطرار فعلا: بأن يكون الوقوف في الوقت الاختياريّ غير متيسّر.

وكلّ من أدرك الوقوف بالمشعر بوقته الاختياريّ أو وقته الاضطراريّ صحّ حجّه، سواء حصل على الوقت الاختياريّ لعرفات، أو على وقتها الاضطراريّ، أو لم يتمكّن من كلا الوقتين.

وأمّا من أدرك الوقوف بعرفات في الوقت الاختياريّ أو في الوقت الاضطراريّ، فيصحّ حجّه إذا كان قد أدرك إلى جانب ذلك الوقوف بالمزدلفة في أحد وقتيها، وإذا لم يدرك المزدلفة (المشعر) إطلاقاً لم ينفعه إدراكه لعرفات وحدها، وبطل حجّه، إلّا في صورة واحدة، وهي: أن يكون قد أدرك الوقت الاختياريّ لعرفات، وجهل الوقوف بالمشعر، ولكنّه مرّ بالمشعر مروراً في طريقه إلى

112

منى، فإنّه يكفيه ذلك، وعليه دم شاة على الأحوط(1).

وكلّما بطل الحجّ بسبب عدم الإدراك وجب عليه الإتيان بعمرة مفردة بنفس إحرام الحجّ، ويتحلّل بما يتحلّل به المعتمر(2)، ويجب أن يكون ذلك بعد أيّام التشريق(3).



(1) لصحيح مسمع الوسائل، الباب 16 من الوقوف بالمشعر، الحديث 1. أمّا حديث محمّد بن يحيى الخثعميّ الخالي من دم شاة فهو مرويّ تارة عن الصادق(عليه السلام) بلاواسطة، واُخرى بواسطة بعض أصحابه، فهو مصاب باحتمال الإرسال، وإنّما جعلنا ذلك احتياطاً لافتوى لإمكان الجواب عن ذلك باحتمال تعدّد روايتي الخثعميّ ـ راجع التهذيب 5، الحديث 992 و 993 ـ بسبب وجود فارق في عبارتي النقلين، فلو فرضناهما متعدّداً في حين أنّ غير المرسل قد حذف ذكر التكفير بشاة، فلقائل أن يقول: إنّ حذفه ظاهر في عدم وجوب دم شاة، فيحمل صحيح مسمع على استحباب التكفير.

وأيضاً بإمكانك أن تراجع روايتي الخثعميّ في الوسائل، الباب 25 من الوقوف بالمشعر، الحديث 5 و6.

(2) كما هو صريح صحيحي معاوية بن عمّار وصحيح حريز. الوسائل، الباب 27 من الوقوف بالمشعر، الحديث 1 و3 و4. والثالث مخصوص بحجّ الإفراد، والثاني يحتمل اختصاصه بحجّ الإفراد، لكن الذي يعمّم الحكم لمحلّ بحثنا ـ وهو التمتّع ـ هو صحيح معاوية الأوّل.

(3) لصحيح معاوية بن عمّار، الحديث: 3 من الباب 27 من الوقوف بالمشعر من الوسائل.

113

 

 

واجبات يوم العيد وبعض مستحبّاته

 

118 ـ فإذا طلعت شمس يوم العيد ـ العاشر من ذي الحجّة ـ على الحاجّ وهو في المشعر، انتهى ما عليه في هذا المكان،ولزمه التوجّه نحو منى، وهو يعني الاقتراب من مكّة؛ لأنّ منى أقرب إلى مكّة من المشعر، ولاتبعد عنها إلّا نحو ثلاثة كيلومترات، ويحدّها طولا من ناحية مكّة العقبة، ومن ناحية المشعر وادي محسّر.

وأمّا عرضاً فليس لها حدود واضحة، فكلّ ما سُمّي بـ (منى) في لسان أهل تلك البلاد فهو منى، والأحوط عدم التجاوز عن ذلك بالابتعاد عرضاً إلى نقاط يُشكّ في كونها من منى، ولكنّ الأقرب جواز افتراض كونها من منى عمليّاً، فكلّ ما يجب أن يُؤدّى في منى يجوز أن يُؤدّى في تلك النقاط(1).

 


(1) لو شُكّ في حدود منى كشبهة حكميّة فقد نرجع إلى إطلاقات الحلق والذبح ونحو ذلك وننفي الضيق؛ لإجمال المخصّص المردّد مفهوماً بين الأقلّ والأكثر. وهذا ما فعله اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) في تعليقه على كتابه (موجز أحكام الحجّ).

114

ويجب على الحاجّ أن يقوم بثلاثة أعمال في نهار يوم العيد في منى، وهي: رمي جمرة العقبة، والذبح، والحلق أو التقصير، ونذكرها فيمايلي تباعاً إن شاء الله:

 

رمي جمرة العقبة

119 ـ وهو الواجب الرابع من واجبات الحجّ، و(جمرة العقبة)



وأمّا مع فرض عدم وجود إطلاقات من هذا القبيل فلاتبقى للتأمين إلّا البراءة عن الضيق. والظاهر: أنّ هذا هو منشأ إفتاء اُستاذنا الشهيد(قدس سره) بكفاية المبيت في الموارد المشكوك بشبهة حكميّة كونه من منى.

ولكن هذه البراءة قد يورد عليها: أنّها تصطدم بمشكلة، وهي: أنّنا لو حلقنا في المورد المشكوك فقد شككنا في الخروج عن الإحرام، فيجري استصحاب بقاء الإحرام أو استصحاب حرمة المحرّمات.

والجواب: أنّ الإحرام إن هو إلّا ما تحقّق منه من تحريم المحرّمات على الشخص أو فرض الحجّ أو العمرة على الشخص، وقد شككنا في مقدار ما أوجب ذلك من الحرمة علينا، فهل أوجب حرمة المحرّمات بعد الحلق في المكان المشكوك، أو لا؟ وهذه الحرمات في طول الزمان انحلاليّة، فلايجري استصحاب الإحرام؛ لأنّه لم يثبت أنّ الإحرام حالة معنويّة كالطهارة والنجاسة ولااستصحاب حرمة المحرّمات؛ لأنّ أفراد الحرمة بلحاظ ما قبل الحلق وما بعد الحلق انحلاليّة.

115

اسم لموضع مخصوص، وهي واحدة من ثلاث جمرات، وتعتبر جمرة العقبة أقربها إلى مكّة، ولايجب في يوم العيد رمي سواها.

120 ـ الكيفيّة: وكيفيّة الرمي كمايلي:

أوّلا: تجب النيّة، وصورتها مثلا: أرمي جمرة العقبة سبعاً في حجّ التمتّع من حجّة الإسلام قربة إلى الله تعالى. وإذا كان نائباً ذكر اسم المنوب عنه، وإذا كان الحجّ مستحبّاً أسقط كلمة (حجّة الإسلام).

ثانياً: أن يكون الرمي بسبع حصيات، ولايجزئ الأقلّ من ذلك، ولا ضرر من الزيادة.

ثالثاً: أن يكون رميها على نحو التتابع لادفعة واحدة.

رابعاً: إيصالها إلى الجمرة بالرمي، فلايكفي وضعها على الجمرة، ولارميها مع سقوطها قبل الوصول إلى الجمرة، وإذا رمى وشكّ في إصابة الجمرة ألغى تلك الرمية من الحساب، ورمى مرّة اُخرى حتّى يستيقن بالإصابة.

وقد طوّلت الجمرات أخيراً إلى عدّة أمتار.

وقد أصبح قسم من أمتار جمرة العقبة خارجاً من منى، فالاكتفاء برمي المقدار الخارج من جمرة العقبة من منى مشكل.

وأمّا باقي أمتار جمرة العقبة وكذلك جميع أمتار الجمرتين الصغرى والوسطى فيما سيأتي من اليوم الحادي عشر والثاني عشر، فالظاهر كفاية ضرب أيّ جزء منها بالرمي وإن كان

116

الأحوط استحباباً رمي الوسط المحاذي للجمرة القديمة.

خامساً: أن يقع الرمي بين طلوع الشمس وغروبها من اليوم العاشر، ويُستثنى من ذلك من سبق أنّهم مرخّصون في الإفاضة من المشعر، أي: الخروج منه في الليل؛ فإنّهم مرخّصون في الرمي ـ أيضاً ـ في تلك الليلة.

سادساً: أن تكون الحصيات مأخوذة من الحرم، ويُستثنى من الحرم المسجد الحرام ومسجد الخيف، وأن تكون أبكاراً، بمعنى: عدم العلم بأنّها كانت مستعملة في الرمي قبل ذلك.

121 ـ الأحكام: وحكم رمي جمرة العقبة أنّه واجب كما عرفت، وإذا تركه المكلّف نسياناً أو جهلا بالوجوب، ثُمّ التفت إلى الحال فله صور:

الاُولى: أن يتذكّر في نفس يوم العيد فيؤدّيه، ولاتجب عليه إعادة ما أتى به من أعمال الحجّ المترتّبة على الرمي كالذبح والتقصير والطواف.

الثانية: أن لايتذكّر إلى أن يمضي نهار يوم العيد، فيتذكّر في ليلة الحادي عشر أو نهاره، فيقضيه في نهار اليوم الحادي عشر، ويفرّق بينه وبين الرمي المفروض في ذلك النهار، ويقدّم القضاء على أداء وظيفة ذلك النهار جاعلا القضاء صباحاً والأداء عند الظهر على الأحوط، ولا تجب عليه إعادة ما أتى به من أعمال الحجّ.

117

الثالثة: أن يتذكّر بعد مضيّ اليوم الحادي عشر وقبل خروجه من مكّة، فيجب عليه أن يرمي، وإذا كان في مكّة والتفت وجب عليه الرجوع إلى منى والرمي، ولا تجب عليه إعادة ما أتى به من أعمال الحجّ، والأحوط وجوباً أن يبادر إلى الرجوع والرمي على نحو يحصل الرمي في أيّام التشريق التي تمتدّ من اليوم الحادي عشر إلى نهاية اليوم الثالث عشر من ذي الحجّة.

الرابعة: أن يلتفت إلى الحال بعد الخروج من مكّة والتوجّه نحو بلده، فلا يجب عليه الرجوع، بل الأحوط قضاؤه في السنة التالية في وقته مخيّراً بين الذهاب بنفسه أو الاستنابة.

وإن كانت أيّام التشريق غير منتهية، وأمكنه الرجوع والرمي في أيّام التشريق من دون حرج، فالأحوط وجوباً أن يفعل ذلك.

وإذا ترك المكلّف رمي جمرة العقبة وهو عامد في تركه وعالم بالأحكام وتسلسل المناسك ووجوبها، فإن استمرّ على تركه بطل حجّه، وإذا تداركه قبل مضيّ وقته صحّ، والأحوط أنّه يجب عليه ـ حينئذ ـ أن يعيد ما أتى به من الأعمال المترتّبة على الرمي، وأنّه تترتّب عليه كفّارة الحلق إذا كان قد حلق، وأنّه إذا كان قد طاف تجب عليه إعادة الطواف، وكان كمن طاف قبل الحلق أو التقصير ـ وسيأتي حكمه إن شاء الله في أحكام الحلق والتقصير ـ لأنّه طاف وهو يرى أنّ حلقه أو تقصيره باطل.

118

 

آداب رمي الجمرات ومستحبّاته

122 ـ في رمي الجمرات آداب يحسن بالحاجّ مراعاتها، فمن ناحية الشخص يُستحبّ أن يكون على طهارة، والمعروف أنّ الرامي يرمي جمرة العقبة وهو مستدبر للقبلة، ويرمي غيرها وهو مستقبل لها، ويُستحبّ أن يكون على بعد عشر خطوات إلى خمس عشرة خطوة من الجمرة عند الرمي.

ومن ناحية عمليّة الرمي يُستحبّ أن يضع الحصاة على إبهامه، ويدفعها بظهر السبّابة.

ومن ناحية الدعاء يُستحبّ له إذا جمع الحصيات في يده وتهيّأ للرمي أن يقول: «اللّهمّ، هَذهِ حصياتِي، فأحصِهنّ لِي، وارفَعْهنّ فِي عَمَلِي».

كما يُستحبّ له أن يقول في كلّ رمية: «الله أكبرُ. اللّهمَّ، ادحَرْ عنّي الشّيطانَ. اللّهمَّ، تَصْدِيقاً بِكتابِكَ وعلى سُنّةِ نَبيّك. اللّهمَّ، اجعَلْه لي حَجّاً مَبْرُوراً، وعَمَلا مَقبُولا، وسَعياً مَشْكُوراً، وذَنْباً مَغْفُوراً».

وإذا انصرف الحاجّ من الرمي إلى منزله في منى قال: «اللّهمَّ، بِكَ وَثِقْتُ، وعَليكَ تَوكّلْتُ، فَنِعْمَ الربُّ، وَنِعْمَ المَولى، وَنِعمَالنّصِيرُ».