161

الفصل السادس

 

 

 

الاستنابة في الحجّ والوصيّة به

 

 

 

 

 

162

 

 

 

 

181 ـ تجب الاستنابة في الحجّ بمعنى: إرسال شخص آخر للحجّ عنه في حالتين:

الاُولى: إذا كان الإنسان موسراً، ولم يتَح له أن يحجّ لمرض أو أيّ عائق آخر، أو اُتيح له ذلك ولكنّه تسامح ولم يحجّ حتّى ضعف عن الحجّ وعجز عنه لسبب من الأسباب، فعليه إذا انقطع أمله في التمكّن من القيام المباشر بالحجّ أن يستنيب شخصاً يحجّ عنه، والأجدر به استحباباً أن يختار شخصاً لم يحجّ من قبل لينوب عنه. ولا يترك هذا الاحتياط فيما إذا كان ذلك الإنسان الموسر رجلاً.

والثانية: إذا وجب الحجّ على المكلّف بسبب الاستطاعة، ولم يحجّ إلى أن توفّي، وجب الإنفاق من تركته لتهيئة من يحجّ عنه، وتسدّد نفقات هذا الحجّ من تركة الميّت على الوجه التالي:

أ ـ إذا لم يكن الميّت قد أوصى بأن يحجّ عنه اُخرجت النفقات من التركة، ولكن في هذه الحالة لاحقّ للميّت إلّا في نفقات حجّة ميقاتيّة، إلّا أن لاتوجد حجّة ميقاتيّة.

والحجّة الميقاتيّة هي: الحجّة التي لاتكلّف النائب إلّا من

163

الميقات الذي يجب الإحرام منه، ونفقاتها أقلّ من الحجّة البلديّة التي تكلّف النائب السفر من البلد الذي كان المنوب عنه يعيش فيه.

فإذا أمكن وجدان شخص يسكن في الميقات أو على مقربة منه، واستئجاره للحجّ نيابة عن الميّت، أجزأ ذلك.

وفي كلّ حالة نقول فيها: إنّ نفقات الحجّ تخرج من التركة نعني بذلك: أنّ هذا الميّت لو كان قد أوصى بثلثه ليصرف في وجوه البرّ ـ مثلاً ـ فالواجب أوّلاً إخراج نفقات الحجّ من التركة ككلّ، ثُمّ تقسيم الباقي إلى ثلاثة أقسام، وتخصيص قسم منها للميّت وفقاً للوصيّة.

ب ـ إذا كان الميّت قد أوصى بأن يحجّ عنه حجّة الإسلام من تركته، وجب الإنفاق من التركة على حجّة بلديّة، ولكن إذا خالف الوصيّ أو الوارث ودفع عن الميّت حجّة ميقاتيّة من أجل أنّها أرخص، برأت بذلك ذمّة الميّت، ولاتجب إعادة الحجّ.

ج ـ إذا كان الميّت قد أوصى بأن يحجّ عنه حجّة الإسلام، وأوصى ـ أيضاً ـ بإخراج ثلث التركة لأغراض اُخرى، فوصيّته نافذة، ويجب الإنفاق من التركة على حجّة بلديّة عنه، ثُمّ إخراج ثلث الباقي من التركة تنفيذاً للوصيّة.

د ـ إذا كان الميّت قد أوصى بأن يحجّ عنه حجّة الإسلام، وأن تؤدّى عنه اُمور اُخرى من صلاة أو صيام أو وجوه البرّ والخير على

164

أن يسدّد ذلك كلّه من الثلث، فإن اتّسع الثلث لذلك كلّه فهو المطلوب، وإن لم يتّسع إلّا لنصف النفقة التي تتطلّبها كلّ تلك الاُمور الموصى بها، اُخرج نصف نفقة الحجّ من الثلث، واُخرج النصف الآخر من باقي التركة.

182 ـ وإذا علم الوارث بأنّ مورّثه كان مستطيعاً، وقد وجب عليه الحجّ، ولم يعلم بأنّه حجّ أم لا، وجب عليه أن يتنازل عن مقدار من التركة بالقدر الذي يفي بحجّة ميقاتيّة عنه في الأقلّ، فيحجّ عنه من تركته.

183 ـ ومن مات وعليه حجّة الإسلام تجب المبادرة إلى الاستئجار عنه في سنة موته، ولايجوز تأجيل ذلك إلى سنة اُخرى. ولايسوّغ التأجيل أن لايجد الوارث أو الوصيّ في تلك السنة إلّا من يحجّ باُجور الحجّة البلديّة؛ إذ يتعيّن عليه في هذه الحالة دفع اُجور الحجّة البلديّة من تركة الميّت.

وكذلك إذا اقترح الأجير اُجرة أكبر ممّا هو مقرّر عادة للنيابة في الحجّ، ولم يوجد من يقبل بأقلّ من ذلك، فإنّ الواجب تلبية اقتراحه، ولايسوّغ التأجيل إلى سنة اُخرى.

184 ـ قد يموت الشخص ويترك مالاً قد تعلّق به الخمس، ولم يؤدّه، كما أنّه لم يحجّ حجّة الإسلام في نفس الوقت، فيجب إخراج الخمس والإنفاق على الحجّ من الباقي، فإن لم يتّسع الباقي للحجّ

165

سقط، واكتفى بإخراج الخمس المتعلّق بذلك المال.

وإذا كان هذا الشخص قد أوصى بأن يحجّ عنه حجّة الإسلام من ماله على الرغم من أنّ ماله متعلّق للخمس، فعلى الوصيّ أن يدفع الخمس أوّلاً، ثُمّ ينفق على الحجّ من الباقي، ولايجوز له أن ينفق على الحجّ من المال الذي لايزال الخمس ثابتاً فيه.

185 ـ وإذا كانت التركة بمجموعها لاتتّسع للحدّ الأدنى من نفقات الحجّ، سقط الحجّ، وكانت التركة للورثة ما لم يوجد دين أو وصيّة، ولايجب على الورثة تكميل النفقة من مالهم الخاصّ، كما لايجب عليهم بذل النفقة للحجّ إذا لم يكن للميّت تركة إطلاقاً، سواء أوصى بأن يحجّ عنه أو لم يوصِ بذلك.

186 ـ إذا وجبت حجّة الإسلام على شخص، فمات قبل أن يحجّ، ولم يوصِ بالحجّ عنه، وتبرّع متبرّع بالحجّ نيابةً عنه دون أن يأخذ من التركة شيئاً، فالتركة للورثة، ولايجب عليهم أن يستثنوا مقدار نفقات الحجّ منها لمصلحة الميّت.

187 ـ وفي نفس الفرض إذا كان الميّت قد أوصى بإخراج حجّة الإسلام من ثلثه، وتبرّع المتبرّع بالحجّ عنه، فالظاهر رجوع المال إلى الورثة، وإن كان الأولى للورثة إذا كانوا جميعاً بالغين راشدين عدم إهمال الوصيّة رأساً، وصرف مقدار نفقات الحجّ من الثلث في وجوه الخير والإحسان.

166

188 ـ وقد تسأل: هل يجوز للورثة التصرّف في التركة قبل الاستئجار للحجّ إذا كان المورّث قد وجبت عليه حجّة الإسلام، ولم يؤدّها إلى أن مات؟

والجواب: إذا كانت التركة واسعة على نحو لايخشى عليها عادة، والتزم الوارث بتهيئة الحجّ النيابيّ المطلوب، جاز له التصرّف في التركة.

189 ـ وقد تسأل عن الحكم: إذا اختلف الورثة، فأقرّ بعضهم بأنّ على الميّت حجّة الإسلام، وأنكر الآخرون أو تمرّدوا، فماذا يصنع ذلك الوارث المقرّ المتحرّج في دينه؟

والجواب: أنّ هذا ليس عليه أن يسدّد كلّ نفقات الحجّ من نصيبه الخاصّ به، فإذا كانت نفقات الحجّ بقدر ربع التركة فليس عليه إلّا أن يبذل ربع ما عنده من أجل الحجّ، فإن اتّفق وجود متبرّع بسائر النفقة أدّى إليه ربع ما عنده، وإلّا فعليه أن يصرف المقدار المتعلّق بحصّته على الميّت في سبيل الخير.

190 ـ وإذا وجب الاستئجار لحجّة الإسلام عن الميّت وفقاً لما تقدّم في أوّل البنود من الحالة الثانية من الفقرة رقم (181)، وأهمل من كانت التركة في حيازته حتّى تلف المال، كان ضامناً، وعليه الإنفاق من ماله على الاستئجار للحجّ عن الميّت.

وإذا تلف المال المذكور في حيازة الوصيّ من دون تفريط

167

وإهمال، فلايضمن، ووجب الإنفاق على الاستئجار للحجّ عن الميّت من باقي التركة.

191 ـ وإذا أوصى الميّت بالحجّ عنه حجّة الإسلام، وبعد مدّة مات الوصيّ، ولم يعلم الورثة أنّه هل نفّذ الوصيّة أو لا؟ وجب إخراج المال الكافي للحجّ من التركة، ولا يسوغ الاعتماد على احتمال التنفيذ.

192 ـ وإذا كان الشخص قد حجّ حجّة الإسلام، وأوصى بأن يحجّ عنه حجّة اُخرى، اعتبرت نفقات ذلك من الثلث.

وإذا أوصى بحجّة ولم يعلم هل هي حجّة الإسلام أو غيرها؟ فإن كان الشكّ في وجوب الحجّ على الميّت واستطاعته، اعتبرت نفقاتها من الثلث، أمّا لو علم بوجوبه عليه، وشكّ في أدائه فالظاهر هو البناء على عدم أدائه، فيخرج من الأصل.

193 ـ وإذا أوصى بأن يحجّ عنه حجّة الإسلام، وعيّن مقداراً من المال لينفق على ذلك، فإن كان هذا المال أكثر من الاُجرة الاعتياديّة التي يتطلّبها الحجّ عن الميّت، اُخرج مقدار الاُجرة الاعتياديّة من التركة رأساً، واعتبر الزائد منه عن الاُجرة الاعتياديّة من ثلث الباقي، وإذا لم يزد على الاُجرة الاعتياديّة اُخرج من التركة رأساً.

194 ـ وإذا كانت الاُجرة الاعتياديّة على درجات تبعاً لنوعيّة

168

الأجير ووجب إخراجها من تركة الميّت، جاز الأخذ بأعلى تلك الدرجات، كما يجوز الأخذ بأدناها.

195 ـ وإذا كان لدى شخص أو في ذمّته مال لشخص آخر، ومات صاحب المال بعد أن استقرّت في عهدته حجّة الإسلام، واحتمل الشخص الذي في حيازته أو في ذمّته المال أنّه إذاأدّى إلى الورثة أكلوه، ولم ينفقوا منه على الحجّ عن الميّت،كان عليه أن ينفق من ذلك المال للحجّ عن الميّت، فإن زادالمال عن اُجرة الحجّ ردّ الزائد إلى الورثة. ولافرق في طريقة الإنفاق بين أن يستأجر شخصاً للحجّ عن الميّت، أو يحجّ بنفسه نائباً عنه.

 

المنوب عنه والنائب:

196 ـ اتّضح ممّا سبق: أنّ الشخص لايناب عنه في حجّة الإسلام إلّا إذا استقرّت عليه الحجّة، فلم يؤدّها إلى أن مات، أو كان موسراً وعجز عن مباشرة الحجّ بنفسه.

197 ـ وأمّا في الحجّ المستحبّ فتسوغ الاستنابة فيه عن الأموات والأحياء على السواء شريطة أن يكون المنوب عنه مسلماً.

ولافرق في النيابة على العموم بين أن يكون المنوب عنه طفلاً

169

مميّزاً أو بالغاً، مجنوناً أو عاقلاً، شيعيّاً أو سنّيّاً، فتصحّ النيابة عن هؤلاء جميعاً.

هذا بالنسبة إلى المنوب عنه.

198 ـ وأمّا فيما يتّصل بالنائب ـ سواء كان متبرّعاً بالنيابة أو مستأجراً لذلك ـ فهناك شروط لاتصحّ حجّة النائب من دونها، وهي كمايلي:

الأوّل: البلوغ فلايجزي حجّ الصبيّ ـ ولو كان مميّزاً ـ عن غيره في حجّة الإسلام وغيرها من الحجّ الواجب. أجل تصحّ نيابة الصبيّ المميّز عن غيره في حجّ مندوب بإذن وليّه الماليّ، فلو حجّ عنه بمال شخص آخر وبإذن المالك صحّ.

الثاني: العقل فلاتجزي استنابة المجنون، ولافرق في ذلك بين المجنون المستمرّ جنونه، والمجنون الذي يصاب بالجنون أحياناً إذا كان العمل في حالة جنونه. وأمّا السفيه فلابأس باستنابته.

الثالث: الإيمان.

الرابع: أن يكون النائب متمكّناً من القيام بكلّ واجبات الحجّ، وأمّا إذا كان معذوراً في بعضها لمرض أو غير ذلك فليس من المعلوم أنّ نيابته عن غيره في الحجّ الواجب كافية، وعليه فلايجوز أن يستأجر لأداء الحجّ الواجب عن غيره، وإذا بادر وتبرّع بأدائه عن الغير لا يكتفى بذلك.

170

199 ـ وإذا كان الإنسان مكلّفاً بالحجّ في سنة لم يجز له إهمال ما هو واجب عليه من أجل أن يحجّ نيابة عن غيره، ولكن إذا صنع ذلك ولو إهمالاً لاجهلاً منه بوجوب الحجّ عليه، صحّت نيابته وحجّته النيابيّة.

200 ـ وقد تسأل: هل يمكن لشخص من هذا القبيل أن يؤجّر نفسه للحجّ النيابيّ في سنة على الرغم من أنّه مكلّف بالحجّ في تلك السنة؟

والجواب: أنّ هذه الإجارة لاتسوغ إذا كان الشخص المكلّف بالحجّ عالماً بأنّه مكلّف وملتفتاً إلى ذلك.

وقد تسأل: إذا وقعت هذه الإجارة فعلاً، وأدّى الأجير الحجّ نيابة، فهل يستحقّ شيئاً على المستأجر؟

والجواب: أنّ الإجارة ـ على تقدير عصيانه للأمر الفوريّ عليه بالحجّ عن نفسه ـ صحيحة، فيستحقّ الاُجرة المسمّاة.

201 ـ والأحوط في الرجل الحيّ الذي وجبت عليه الاستنابة أن يُنيب عن نفسه رجلاً صرورة لامال له، ولايجب في نيابة الحجّ عن الرجل في غير هذا الفرض أن يكون النائب رجلاً، ولافي نيابة الحجّ عن المرأة أن تنوب المرأة، كما لايجب أن يكون النائب صرورة.

202 ـ ولابأس بنيابة شخص واحد عن جماعة في الحجّ

171

المستحبّ، ولايجوز ذلك في الحجّ الواجب، فإذا كان الحجّ واجباً على كلّ من الشخصين أو الأشخاص، احتاج كلّ منهم إلى نائب مستقلّ.

ويسوغ لجماعة أن ينوبوا في عام واحد عن شخص واحد، فيحجّ كلّ واحد منهم نيابة عنه، سواء اختلف قصد بعضهم عن بعض، كما إذا قصد أحدهم النيابة في حجّ مستحبّ، وقصد الآخر النيابة في حجّ واجب، أو قصدوا جميعاً حجّاً واحداً، كما إذا قصدوا جميعاً النيابة في حجّة الإسلام احتياطاً على أساس أنّ كلّ واحد منهم يحتمل أنّ عمل الآخرين ناقص.

203 ـ إذا كان على الميّت حجّ واجب، واستؤجر شخص لأدائه، فلاتبرأ ذمّة الميّت بمجرّد ذلك، وإنّما ترتبط براءة ذمّته بأداء الأجير للحجّ على الوجه الصحيح، وكذلك الحال في الحيّ الذي وجب عليه أن يستنيب شخصاً ليحجّ عنه. وعلى هذا الأساس لابدّ أن يكون الأجير مأموناً على أداء الحجّ والتعرّف على واجباته، وجديراً بالثقة والاعتماد، وإن كان عادلاً إضافة على وثاقته ومعرفته فهو أحسن وأفضل.

 

173

الفصل السابع

 

 

 

مصارف الكفّارة في الحجّ

 

 

 

174

 

 

 

 

204 ـ تكرّر فيما سبق في محرّمات الإحرام أنّ في بعض الحالات يجب على المحرم أن يكفّر بذبح حيوان، وكلّ من وجبت عليه الكفّارة ولم يؤدّها اعتُبر آثماً، ولكنّ حجّه لايبطل بذلك، ولاترتبط صحّة الحجّ بأداء الكفّارة، فهي على هذا الأساس واجب مستقلّ، ولايجب الإسراع به، ولابدّ أن نوضّح هنا مكان ذبح الحيوان الذي يجب التكفير بذبحه، وطريقة التصرّف فيه بعد ذبحه.

أمّا مكان الذبح فإن كان كفّارة لأجل الصيد في العمرة ذُبح في مكّة المكرّمة، وإن كان للصيد في إحرام الحجّ ذُبح في منى.

وإن كان لسبب آخر غير الصيد جاز ذبحها في أيّ مكان، وأمكن للمكلّف تأخيرها إلى حين الرجوع إلى بلده.

ويستثنى من ذلك كفّارة التظليل في إحرام عمرة التمتّع أو الحجّ؛ فإنّ الأحوط وجوباً أن تذبح في منى، وأمّا كفّارة التظليل في إحرام العمرة المفردة فالأحوط استحباباً ذبحها في مكّة(1).

 



(1) وصحيحا ابن بزيع الآمران بالذبح في منى ينصرفان عن العمرة

175

ولو لم تذبح كفّارة التظليل للحجّ أو عمرة التمتّع إلى أن رجع عذراً أو تهاوناً صحّ ذبحها في بلده(1).

 



المفردة؛ لأ نّ صاحب العمرة المفردة لايذهب إلى منى. راجع الصحيحين في الوسائل، الباب 6 من بقيّة كفّارت الإحرام، الحديث 3 و 6.

وصحيح منصور دلّ على أنّ كفّارة العمرة المفردة بمكّة وجوّز التأخير إلى منى، ولكنّه حديث مشوّش؛ إذ إنّ العمرة المفردة ليس فيها الذهاب إلى منى فما معنى التأخير؟! راجع الوسائل، باب 49 من كفّارات الصيد، الحديث 4.

(1) لذيل موثّقة إسحاق بن عمّار. الوسائل، الباب 5 من الذبح، الحديث 1.

وفي الكفّارة مسألة هامّة ينبغي الإشارة إليها، وهي: هل تتعدّد الكفّارة بتعدّد مفردات سبب واحد من محرّمات الإحرام أو لا؟

نستثني من هذا البحث الموارد التي ثبت حكمها بالنصّ، ونمثّل لذلك بمثالين:

الأوّل: كفّارة التظليل؛ لأنّ النصّ دلّ على تعدّدها بتعدّد الإحرام، كما في إحرام عمرة التمتّع وإحرام الحجّ، ووحدتها بوحدة الإحرام.

نعم، يفتى بتعدّد الكفّارة في الإحرام الواحد فيما إذا كفّر عن التظليل الأوّل ثُمّ ظلّل مرّة اُخرى.

والثاني: كفّارة قتل الصيد العمدي؛ لأنّ النصّ دلّ على أنّ الفرد الأوّل يكون جزاؤه مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم على تفصيلات

176

وأمّا طريقة التصرّف فيجب التصدّق بما كان لأجل الصيد، والأحوط التصدّق به مهما كان سبب الكفّارة وعدم الأكل منه.

كما أنّ الأحوط وجوباً اشتراط الفقر فيمن يتصدّق بشيء من الكفّارة عليه.

ولايجوز على الأحوط إعطاء جلد الذبيحة للجزّار كأجر على



كثيرة واردة في النصّ ومشروحة في الكتب المفصّلة، وأمّا بالنسبة إلى الفرد الثاني فينتقم الله منه ولا تقبل منه الكفّارة.

وبعد هذا الاستثناء نقول: لا شكّ في أنّ الأصل لدى تعدّد الأسباب عدم التداخل، فمقتضى القاعدة على العموم هو تعدّد الكفّارة.

ولكن قد يقع الشكّ في تعدّد الكفّارة إمّا كشبهة حكميّة بمناسبات الحكم والموضوع كما في القُبُلات التي تكون في مجلس واحد ومن امرأة واحدة مثلاً، وإمّا كشبهة موضوعيّة كما لو احتمل أنّ القُبُلات المتكرّرة في مجلس واحد منها تعدّ مخالفة واحدة.

وشأن الفقيه كفقيه في كلّ مسألة من هذا القبيل لو بقي على الشكّ ولم يدفعه بظواهر الأدلّة هو إجراء البراءة عن الكفّارة الثانية، ولكن شأن المقلّد كمقلّد حينما يبقى شاكّاً في الشبهة الحكميّة أو في الموضوعات المستنبطة مع عدم استلام فتوى محدّدة من قِبل من يقلّده هو الاحتياط.

ولهذا نحن لا نستطيع أن نرشد عامّة الناس كإرشاد عامّ موحّد في أمثال هذه الموارد إلّا إلى الاحتياط بتعدّد الكفّارة.

177

ذبحه، ويجوز إعطاؤها له صدقة إن كان أهلا لها(1).

وإذا أكل المكلّف شيئاً من لحم كفّارته فالأحوط وجوباً أن يضمن قيمة ما أكل، ويتصدّق بتلك القيمة على الفقراء.



(1) إطلاق النواهي للكفّارة غير واضح ومتيقّنها الاضحية، راجع الوسائل، باب 43 من الذبح.

179

 

 

 

الخاتمة في اُمور:

 

 

○ 1 ـ كيف تعرف أوقات المناسك؟

○ 2 ـ أحكام عامّة ترتبط بمكّة المكرّمة.

○ 3 ـ بعض الأدعية والزيارات.

 

 

 

 

 

 

180

 

 

 

 

1 ـ كيف تُعرف أوقات المناسك؟

 

205 ـ اتّضح ممّا تقدّم: أنّ هناك مناسك وواجبات في الحجّ مرتبطة بأوقات مخصوصة، كالوقوف بعرفات والوقوف في المشعر ورمي جمرة العقبة، وهذا يتطلّب تعيين اليومالتاسع والعاشر لتؤدّى تلك المناسك في أوقاتها، وتقوم معرفةذلك على أساس الوسائل التي يثبت بها هلال ذي الحجّة شرعاًمن الرؤية والبيّنة والشياع المفيد للعلم وحكم الحاكمالشرعيّ.

وإذا حكم القاضي السنّيّ بالهلال دون أن يثبت لنا بالوسائل المتقدّمة، فهنا صور:

الاُولى: أن لايعلم بأنّه حكم خاطئ، وفي هذه الصورة يصحّ للمكلّف اتّباعه والعمل على أساسه في تحديد زمان الوقوف بعرفات وبالمشعر وغير ذلك من واجبات الحجّ.

الثانية: أن يعلم المكلّف بأنّه حكم خاطئ لا يتطابق مع الواقع،

181

وكانت هناك تقيّة تحول دون إدراك الوقوف ولو في الوقت الاضطراريّ بعرفات وبالمشعر أو بالمشعر وحده في الأقلّ،ففي هذه الصورة لايصحّ الحجّ بالعمل على أساس مخالفةحكم القاضي؛ لأنّه على خلاف التقيّة، ولايبعد الاجتزاء باتّباع القاضي.

الثالثة: أن يعلم المكلّف بأنّ حكم القاضي على خطأ، ولكنّ الظروف تسمح له بإدراك عرفات والمشعر ولو في الوقت الاضطراريّ أو بإدراك اضطراريّ المشعر خاصّة في الأقلّ، ففي هذه الحالة يجب عليه أن يدرك ما وسعه ممّا لايتعارض مع التقيّة، فإن أدرك ولو اضطراريّ المشعر صحّ حجّه، وفي هذه الصورة يمكن للحاجّ أن يرمي جمرة العقبة إن أحبّ في اليوم العاشر بموجب حكم القاضي السنّيّ ولو بعنوان المجاراة، ولكن لايكتفي بذلك، ويؤجّل الذبح والحلق إلى اليوم العاشر الواقعيّ، ففي اليوم العاشر الواقعيّ يرمي جمرة العقبة، و يذبح ويحلق ويطوف.

يبقى السؤال عن أنّ المقياس في التقيّة التي توجب صحّة العمل على أساس حكم القاضي السنّيّ هل هو الشخص نفسه، أو هو التقيّة العامّة؟

والجواب: لايبعد كفاية التقيّة العامّة، وإن أمكن للبعض الاحتياط.

 

182

 

2 ـ أحكام عامّة ترتبط بمكّة المكرّمة

 

206 ـ مكّة المكرّمة حرم الله تعالى، وقد شرّفها سبحانه وتعالى بنسبتها إليه، والحرم الشرعيّ كان أوسع من مكّة، وهو يقدّر في مساحته بمسافة بريد طولا وعرضاً، والبريد: يساوي أربعة فراسخ، أي: نحو اثنين وعشرين كيلومتراً، والمسجد الحرام واقع في وسط هذه المسافة، ولكنّه ليس في نقطة الوسط حقيقة؛ فإنّ الحرم يمتدّ من بعض جوانبه أكثر ممّا يمتدّ من بعض جوانبه الاُخرى، وقد حافظ المسلمون على علامات تعيّن حدود الحرم، وهذه الحدود التي تعيّنها العلامات المذكورة تشير إلى أماكن قريبة من الحرم من جهاته الأربع، وهي كمايلي:

1 ـ يحدّ الحرم شمالا باتّجاه المدينة المنوّرة مكان يُسمّى بـ (التنعيم)، والمسافة بينه وبين المسجد الحرام قدّرت بنحو سبع كيلومترات.

2 ـ ويحدّ الحرم غرباً باتّجاه جدّة مكان يُسمّى بـ (الحديبيّة)، ويبعد عن المسجد الحرام على ما قيل نحو ثمانية عشر كيلومتراً.

3 ـ ويحدّ الحرم شرقاً باتّجاه نجد مكان يُسمّى بـ (الجعرانة)، ويبعد عن المسجد الحرام على ما قيل بما يزيد على أربعة عشر كيلومتراً.

183

4 ـ ويحدّ الحرم جنوباً باتّجاه عرفات والطائف مكان يُسمّى بـ (نمرة)، وهي تبعد عن المسجد الحرام بما يزيد عن اثنين وعشرين كيلومتراً على ما يقال.

وهذه النقاط والأماكن التي ذكرناها قريبة من الحرم وليست منه، وكلّ ما هو خارج عن مساحة الحرم يُسمّى بـ (الحلّ)، وتُسمّى تلك الأماكن المحادّة للحرم بـ (أدنى الحلّ).

207 ـ وهناك أحكام تتميّز بها مكّة والحرم نذكر فيمايلي جملة منها:

1 ـ لايجوز للإنسان دخول مكّة، بل ولادخول الحرم إلّا محرماً في أيّ وقت من السنة(1)، ولابدّ أن يكون الإحرام في



(1) وهل هذان حكمان أو حكم واحد؟ نحن نستظهر أنّهما حكم واحد، وتوضيح المقصود: أنّه وردت في الوسائل باب 50 من الإحرام روايات تمنع تارة عن دخول مكّة بلا إحرام كما في بعضها، واُخرى عن دخول الحرم بلا إحرام كما في بعضها الآخر، والظاهر أنّ الثاني تحديد لنفس دائرة الحكم بحرمة دخول مكّة بلا إحرام وأنّهما يبيّنان حكماً واحداً؛ وذلك لمناسبات الحكم والموضوع.

ولا أقصد بذلك أنّ من دخل الحرم بلا إحرام ثُمّ رجع فوراً كان حاله في المعصية كحال من استمرّ إلى دخول مكّة، فلا إشكال في أنّ الثاني أكثر معصيةً من الأوّل، وإنّما أقصد أنّ من دخل الحرم بلا إحرام واستمرّ في بقائه في الحرم من دون دخول مكّة حاله حال من دخل الحرم بلا إحرام واستمرّ

184

ضمن عمليّة حجّ أو عمرة، فمن لم يقصد الحجّ إذا أراد دخول مكّة أو الحرم لابدّ له أن يحرم للعمرة من أحد المواقيت الخمسة أومن أدنى الحلّ على التفصيل السابق، ويُستثنى من هذا الحكم من كان يتكرّر دخوله إلى مكّة المكرّمة وخروجه منها بموجب عمله.

أمّا لو لم يكن حاله ذلك، ولكن كان متواجداً بمكّة بصورة مشروعة، ثُمّ خرج إلى الحلّ ورجع، فإن رجع بفاصل شهر



في مشيه إلى مكّة، فكلاهما قد استمرّا في المعصية بشكل واحد، ودخوله مكّة ليست فيه معصية تزيد على فرض بقائه في الحرم.

واستظهار ما ذكرناه من أنّ دليل تحريم الدخول في الحرم بلا إحرام تحديد لنفس دائرة الحكم بحرمة دخول مكّة بلا إحرام يترتّب عليه اُمور هامّة:

أوّلاً: أنّ حرمة دخول الحرم بلا إحرام لم تكن لأجل المقدّميّة لتجويز دخول مكّة، فحتّى لو كان يقصد عدم دخول مكّة وجب عليه أن يحرم قبل دخول الحرم، وبالتالي وجب عليه دخول مكّة للعمرة المفردة في غير المتمتّع والحاجّ حجّ الإفراد؛ لأنّ الإحرام لا يصحّ إلّا للعمرة أو الحجّ.

وثانياً: أنّ هذا التحديد يحدّ أيضاً من سعة دائرة الحكم بحرمة دخول مكّة بلا إحرام، أي: أنّ مكّة لو اتّسعت في أحيائها الجديدة إلى خارج الحرم لم يحرم دخولها فيما قبل الحرم بلا إحرام.

وثالثاً: من كان في مكّة بصورة مشروعة وخرج من مكّة إلى داخل الحرم لم يجب عليه الاعتمار لأجل الرجوع إلى مكّة.

185

ـ أعني: ثلاثين يوماً ـ وجب عليه الإحرام. أمّا لو رجع بأقلّ من فاصل شهر لم يجب عليه الإحرام حتّى لو رجع في غير الشهر الهلاليّ الذي خرج فيه(1).

 



(1) والدليل على ذلك صحيحة جميل بن درّاج عن أبي عبدالله(عليه السلام): «في الرجل يخرج إلى جدّه في الحاجة. قال: يدخل مكّة بغير إحرام». وسائل الشيعة،ج 12 بحسب طبعة آل البيت، الباب 51 من الإحرام، الحديث 3، ص 407.

ومن الواضح بحسب مسافة ذاك الوقت والوسائل الموجودة عندئذ: أنّه يدخل في الغالب قبل مضيّ شهر عن خروجه، ولكن ليس الغالب أن يدخل قبل تبدّل الشهر الهلاليّ؛ إذ ما أكثر أن يخرج في أواخر الشهر الهلاليّ، فيكون من الطبيعيّ أن يدخل في شهر هلاليّ آخر.

ويحتمل دلالة صحيحة حمّاد بن عيسى أيضاً على ذلك؛ إذ ورد فيها قوله: «...قلت: فإن جهل فخرج إلى المدينة أو إلى نحوها بغير إحرام ثمّ رجع في اُبّان الحجّ في أشهر الحجّ يريد الحجّ، فيدخلها محرماً أو بغير إحرام؟ قال: إن رجع في شهره دخل بغير إحرام، وإن دخل في غير الشهر دخل محرماً...». وسائل الشيعة، ج 11 بحسب طبعة آل البيت، الباب 22 من أقسام الحجّ، الحديث 6، ص 303.

وذلك لاحتمال أن يكون مقصوده من الشهر في قوله: «وإن دخل في غير الشهر» مدّة الشهر لا تبدّل الشهر الهلاليّ.

وهناك رواية غريبة قد تدلّ على لزوم الإحرام حتّى إذا رجع في الشهر الهلاليّ الذي خرج فيه، وهي موثّقة إسحاق بن عمّار قال: «سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن المتمتّع يجيء فيقضي متعته، ثمّ تبدو له الحاجة فيخرج