109

 

الفصل العاشر

في بيع الصرف

وهو بيع الذهب أو الفضّة بالذهب أو الفضّة، ولا فرق بين المسكوك منهما وغيره.

(مسألة: 1) يشترط في صحّة بيع الصرف التقابض(1) قبل الافتراق، فلولم يتقابضا حتّى افترقا بطل البيع، ولو تقابضا في بعض المبيع صحّ فيه وبطل في غيره، ولو باع النقد مع غيره بنقد صفقةً واحدة ولم يتقابضا حتّى افترقا صحّ في غير النقد وبطل في النقد.

(مسألة: 2) لو فارقا المجلس مصطحَبين وتقابضا قبل الافتراق صحّ البيع.

(مسألة: 3) لا يشترط التقابض في الصلح الجاري في النقدين(2)، بل تختصّ شرطيّته بالبيع.



(1) لم أجد دليلاً على شرط التقابض في بيع الذهب بالذهب أو الفضّة بالفضّة، وتختصّ روايات الباب ببيع الذهب بالفضّة أو الفضّة بالذهب(1). نعم، يشترط في بيع الذهب بالذهب أو الفضّة بالفضّة عدم النسيئة(2)، وهو أعمّ من التقابض.

(2) بل الأحوط وجوباً الاشتراط.


(1) راجع الوسائل، ب 2 من الصرف.

(2) أمّا في الذهب فلصحيح حمّاد على نقل الصدوق. راجع الوسائل، باب 1 من الصرف،ح 1، وراجع الفقيه، ج 3 بحسب طبعة الآخونديّ، ح 828. وأمّا في الفضّة فلصحيح أبي بصير. راجع الوسائل، باب 15 من الصرف، ح 3، ص 119 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ج 18.

110

(مسألة: 4) لا يجري حكم الصرف على الأوراق النقديّة(1)، كالدينارالعراقيّ، والنوط الهنديّ، والتومان الإيرانيّ والدولار، والباون، ونحوها من الأوراق المستعملة في هذه الأزمنة استعمال النقدين، فيصحّ بيع بعضها ببعض وإن لم يتحقّق التقابض قبل الافتراق، كما أنّه لا زكاة فيها.

(مسألة: 5) إذا كان له في ذمّة غيره دين من أحد النقدين فباعه عليه بنقد آخر وقبض الثمن قبل التفرّق صحّ البيع، ولا حاجة إلى قبض المشتري ما في ذمّته، ولو كان له دين على زيد فباعه على عمرو بنقد وقبضه من عمرو ووكّل عمرو زيداً على قبض ما في ذمّته ففي صحّته بمجرّد التوكيل إشكال، بل لا يبعد عدم الصحّة حتّى يقبضه زيد ويعيّنه في مصداق بعينه.



(1) الصرف في الأوراق النقديّة المألوفة اليوم: تارةً يكون بالتبادل بين الأوراق المختلفة، كالدينار العراقيّ والتومان الإيرانيّ، واُخرى بالتبادل بين الأوراق المتّحدة الجنس، كالتبادل بين الدينار والدينار من قبيل صرف الدينار بعشرين درهماً، أو بأربعة أرباع الدينار.

فإن كان الصرف بين الأنماط المختلفة كالدينار والتومان، فالأحوط شرط التقابض في المجلس(1).

وإن كان الصرف بين أقسام نمط واحد: فإن كان كلاهما نقداً، فالأحوط وجوباً التساوي(2).

وإن كان أحدهما نسيئة وفيها الزيادة، فالأقرب عدم الجواز(3).

وإن كان أحدهما نسيئة وتساويا، فلا إشكال.


(1) إلحاقاً له بتبادل الذهب بالفضّة.

(2) إلحاقاً له بتبادل الذهب بالذهب، أو الفضّة بالفضّة.

(3) لأنّه دخل في حيل الربا القرضيّ.

111

(مسألة: 6) إذا اشترى منه دراهم معيّنةً بنقد ثمّ باعها عليه قبل قبضها لميصحَّ البيع الثاني، فإذا قبض الدراهم بعد ذلك قبل التفرّق صحّ البيع الأوّل وبطل الثاني(1)، وإذا لم يقبضها حتّى افترقا بطل الأوّل والثاني.

(مسألة: 7) إذا كان له دراهم في ذمّة غيره فقال له: «حوِّلها دنانير في ذمّتك» فقبل المديون صحّ ذلك، وتحوّل ما في الذمّة إلى دنانير وإن لم يتقابضا، وكذا لو كان له دنانير في ذمّته فقال له: «حوِّلها دراهم» وقبل المديون، فإنّه يصحّ، وتتحوّل الدنانير إلى دراهم، وكذلك الحكم في الأوراق النقديّة إذا كانت في الذمّة، فيجوز تحويلها من جنس إلى آخر.

(مسألة: 8) لا يجب على المتعاملَين بالصرف إقباض المبيع أو الثمن حتّى لو قبض أحدهما لم يجب عليه إقباض صاحبه، ولو كان للمبيع أو الثمن نماء قبل القبض كان لمن انتقل عنه، لا لمن انتقل إليه(2).

(مسألة: 9) الدراهم والدنانير المغشوشة إن كانت رائجةً في المعاملة بها يجوز خرجها وإنفاقها والمعاملة بها، سواء أكان غشّها مجهولا أم معلوماً، وسواء أكان مقدار الغشِّ معلوماً أم مجهولا، وإن لم تكن رائجةً فلا يجوز إنفاقها والمعاملة بها إلّا بعد إظهار حالها.



(1) وهذا واضح لا غبار عليه، ولولا أنّ اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) علّق على هذا الكلام لما كنّا نعلّق عليه بشيء، وحاصل تعليق اُستاذنا هو: أنّه لو فرض أنّ مشتري الدراهم بعد ما باعها على صاحب الدينار قبل امتلاكه إيّاها بالقبض أجاز بيع نفسه بعد قبضه للدراهم، فكأنّ هذا بيع جديد حصل بعد قبض الدراهم، فيتمّ هذا البيع الجديد بإقباضه للدراهم من صاحب الدينار.

(2) لا يتصوّر نماء للذهب ولا للفضّة.

112

(مسألة: 10) لا يجوز تصريف الريال العراقيّ بأربعة دراهم عراقيّة إلّا مع ضمِّ شيء إلى الريال أو إليهما معاً ليتخلّص من الربا، فإنّ الريال يساوي ثلاثة دراهم تقريباً، فينبغي الالتفات إلى ذلك عند تصريف المسكوكات من الفضّة أو الذهب أو النحاس إلى أبعاضها، مثل تصريف الليرة العثمانيّة والمجيديّ والروبيّة إلى أرباعها أو أنصافها، وكذا أمثالها من المسكوكات فإنّه لا يجوز مع التفاضل بين الأصل وأبعاضه كما هو الغالب، وإن كان المنع المذكور في بعضها لا يخلو من نظر(1).

(مسألة: 11) يكفي في الضميمة التي يتخلَّص بها عن الربا الغشّ الذي يكون في الذهب والفضّة المغشوشَين إذا كان الغشّ له قيمة في حال كونه غشّاً، ولا يكفي أن يكون له قيمة على تقدير التصفية، فإذا كان الطرفان مغشوشَين كذلك صحّ مع التفاضل، وإذا كان أحدهما مغشوشاً دون الآخر جاز التفاضل إذا كانت الزيادة في الخالص، ولا يصحّ إذا كانت الزيادة في المغشوش، لكن في تحقّق الفرض نظر(2).

(مسألة: 12) الآلات المحلاّة بالذهب يجوز بيعها بالذهب إذا كانت أكثر من الذهب المحلّى بها، وإلّا لم يجزْ. نعم، لو بيع السيف المحلّى بالسيف المحلّى جاز مطلقاً وإن كانت الحلية في أحدهما أكثر من الحلية في الآخر(3).



(1) ينشأ هذا النظر: إمّا من النظر في فرض التفاضل، أو من النظر في عدّه من المكيل أو الموزون.

(2) أي: كون الغشّ له قيمة في حال كونه غشّاً فرضٌ يستبعد تحقّقه.

(3) ليس المقصود فرض خصوصيّة في السيف، وإنّما المقصود: أنّه حينما تكون ضميمة مع كلّ من الذهبين فقد انحلّت بذلك مشكلة الربا.

113

(مسألة: 13) « الكلبتون » المصنوع من الفضّة لا يجوز بيعه بالفضّة إلّا إذا كانت أكثر منه وزناً(1)، والمصنوع من الذهب لا يجوز بيعه بالذهب إلّا إذا كان أكثر منه وزناً.

(مسألة: 14) إذا اشترى فضّةً معيّنةً بفضّة أو بذهب وقبضها قبل التفرّق فوجدها جنساً آخر رصاصاً أو نحاساً أو غيرهما بطل البيع، وليس له المطالبة بالإبدال، ولو وجد بعضها كذلك بطل البيع فيه وصحّ في الباقي، وله حينئذ ردّ الكلّ لتبعّض الصفقة، وإن وجدها فضّةً معيبةً كان بالخيار بين الردّ والإمساك بالأرش(2)، ولا فرق بين كون الثمن من جنس المبيع(3) وغيره، وكون أخذ الأرش قبل التفرّق وبعده، وإذا اشترى فضّةً في الذمّة بفضّة أو بذهب وبعد القبض وجدها جنساً آخر رصاصاً أو نحاساً أو غيرهما: فإن كان قبل التفرّق جاز للبائع إبدالها، فإذا قبض البدل قبل التفرّق صحّ البيع، وإن وجدها جنساً آخر بعد التفرّقبطل البيع، ولايكفي الإبدال في صحّته، وإذا وجدها فضّةً معيبةً فالأقوى أنّ المشتري مخيَّر بين ردّ المقبوض وإبداله والرضا به من دون أرش، وليس له فسخ العقد من أصله، ولا فرق بين كون الثمن من جنس المبيع وغيره، ولا بين كون



(1) يبدو أنّ مقصوده(رحمه الله): الكلبتون الخليط من الفضّة وغيرها، وكذا الحال في الذهب؛ لوضوح أنّ الخالص لا يصحّ تبديله بالخالص إلّا مع التساوي.

(2) المصنّف(رحمه الله) يرى أنّ خيار العيب عبارة عن تخيّر المشتري بين الردّ والأرش، لكن الظاهر أنّ الأرش إنّما يكون لدى سقوط الفسخ بمانع، كوطء الأمة.

(3) لأنّ الأرش ليس جزءاً من الثمن حتّى يلزم لدى تجانس الثمن والمثمن الربا المعامليّ.

114

ظهور العيب قبل التفرّق وبعده(1).

(مسألة: 15) لا يجوز أن يشتري من الصائغ أو غيره خاتماً أو غيره من المصوغات من الفضّة أو الذهب بجنسه مع زيادة بملاحظة اُجرة الصياغة، بل إمّا أن يشتريه بغير جنسه، أو بأقلّ من مقداره من جنسه مع الضميمة ليتخلّص من الربا.

(مسألة: 16) لو كان له على زيد دنانير كالليرات الذهبيّة وأخذ منه دراهم كالروبيّات شيئاً: فإن كان الأخذ بعنوان الاستيفاء بنقص من الليرات في كلّ زمان أخذ فيه بمقدار ما أخذ بسعر ذلك الزمان، فإذا كان الدين خمس ليرات وأخذ منه في الشهر الأوّل عشر روبيّات، وفي الثاني عشراً، وفي الثالث عشراً وكان سعر الليرة في الشهر الأوّل خمس عشرة روبيّة، وفي الثاني اثنتي عشرة روبيّة، وفي الثالث عشر روبيّات نقص من الليرات ثلثا ليرة في الشهر الأوّل، وخمسة أسداس في الثاني، وليرة تامّة في الثالث. وإن كان الأخذ بعنوان القرض كان ما أخذه ديناً عليه لزيد وبقي دين زيد عليه، وفي جواز احتساب أحدهما دينه وفاءً عن الآخر إشكال، كالإشكال في جواز بيع دين أحدهما بدين الآخر(2). نعم، تجوز المصالحة بينهما على إبراء كلٍّ منهما صاحبه ممّا له عليه.

(مسألة: 17) إذا أقرض زيداً نقداً معيّناً من الذهب أو الفضّة، أو أصدق زوجته مهراً كذلك، أو جعله ثمناً في الذمّة مؤجّلا أو حالّاً فتغيّر السعر لزمه النقد المعيَّن، ولا اعتبار بالقيمة وقت اشتغال الذمّة.



(1) لو كان ظهور العيب بعد التفرّق، كان للمشتري حقّ فسخ العقد؛ لأنّ بقاء العقد يكلّف المشتري القبول بالمعيب من دون أرش.

(2) الظاهر عدم الإشكال في ذلك، والنتيجة سقوط الدينين في الحال الحاضر، فقد تمّت نتيجة القبض بذلك، وليس من قبيل بيع الكالي بالكالي.

115

(مسألة: 18) لا يجوز بيع درهم(1) بشرط صياغة خاتم مثلا، ويجوز أن يقول له: صغ لي هذا الخاتم وأبيعك درهماً بدرهم على أن يكون البيع جعلا لصياغة الخاتم(2)، كما يجوز أيضاً أن يشتري منه مثقال فضّة مصوغاً خاتماً بمثقال غير مصوغ على أن تكون الصياغة قيداً للمبيع(3).

(مسألة: 19) لو باع عشر روبيّات بليرة ذهبيّة إلّا عشرين فلساً صحّ بشرط أن يعلما قيمة الليرة من الفلوس، وإن لم يعلما مقدار نسبة العشرين فلساً إلى الليرة(4).

(مسألة: 20) المصوغ من الذهب والفضّة معاً لا يجوز بيعه بأحدهما بلازيادة، بل إمّا أن يباع بأحدهما مع الزيادة، أويباع بهما معاً، أو بجنس آخر غيرهما.

(مسألة: 21) التراب الذي يجتمع عند الصائغ وفيه الأجزاء من الذهب والفضّة وغيرهما يتصدّق به عن المالكِين لها، سواء أكان للجزء ماليّة عند العرف أم لم يكن، والأحوط مع معرفة صاحبه بعينه الاستئذان منه في ذلك، ولا يبعد اطّراد الحكم المذكور في الخيّاطين والنجّارين والحدّادين ونحوهم فيما يجتمع عندهم من الأجزاء المنفصلة من أجزاء الثياب والخشب والحديد، ولا يضمنون شيئاً من



(1) المقصود: (بيع درهم بدرهم)، ولعلّ هناك غلطاً في النسخة، أي: حذفت منها كلمة (بدرهم).

(2) الأحوط وجوباً ترك ذلك، فإنّ نتيجته تُطابق نتيجة الفرض السابق.

(3) نفس الاحتياط الوجوبيّ السابق يأتي هنا.

(4) إن كان المقصود جعل الليرة الذهبيّة بعينها ثمناً واستثناء جزء مشاع منها بقدر ما يساوي عشرين فلساً، فالجهالة لا ترتفع إلّا بمعرفة نسبة هذا الجزء من الليرة، وإن كان المقصود جعل الليرة بماليّتها ثمناً باستثناء ماليّة عشرين فلساً، كفى في رفع الجهالة معرفة قيمة الليرة بالفلوس كما في المتن.

116

ذلك وإن كان له ماليّة عند العرف إذا كان المتعارف في عملهم انفصال تلك الأجزاء، إلّا إذا علم الرضا من المالكين بالتصرّف فيها فيجوز ذلك، أو علم منهم المطالبة بها فيجب ردّها لهم(1).

 



(1) في جميع فروع هذه المسألة لدى فرض معرفة المالك لو عُلم بإعراضه عن الزيادة، جاز للصائغ، أو الخيّاط، أو النجّار ونحوهم تملّك الزيادات، ولو لم يعلم بإعراضه، وجب إرجاعها إليه ما لم يكن فيه حرج مسقط للتكليف، فإن كان فيه حرج مسقط للتكليف، اكتفى بالتصدّق.

117

 

الفصل الحادي عشر

في السَلَف

ويقال له: « السَلَم » أيضاً، وهو ابتياع كلّيٍّ مؤجّل بثمن حالٍّ عكس النسيئة، ويقال للمشتري: « المسلِم » بكسر اللام، والبائع « المسلَم إليه »، وللثمن « المسلَم »، وللمبيع « المسلَم فيه » بفتح اللام في الجميع.

(مسألة: 1) يجوز في السلف أن يكون المبيع والثمن من غير النقدين مع اختلاف الجنس، أو عدم(1) كونهما أو أحدهما من المكيل والموزون، كما يجوز أن يكون أحدهما من النقدين والآخر من غيرهما، ثمناً كان أو مثمناً، ولا يجوز أن يكون كلّ من الثمن والمثمن من النقدين، اختلفا في الجنس أو اتّفقا.

(مسألة: 2) يشترط في السلف اُمور:

الأوّل: أن يكون المبيع مضبوط الأوصاف التي تختلف القيمة باختلافها، كالجودة والرداءة والطعم والريح واللون، وغيرها كالخضر والفواكه والحبوب والجوز واللوز والبيض والملابس والأشربة والأدوية وآلات السلاح وآلات النجارة والنساجة والخياطة، وغيرها من الأعمال والحيوان والإنسان وغير ذلك،



(1) كلمة: (أو عدم) غلط، والصحيح: (وعدم). وإذا كان الثمن والمثمن ممّا يكال أو يوزن لم يجز أن يكون أحدهما أكثر من الآخر(1).


(1) أمّا الدليل على أنّه لا يجوز في السلف أن يكون الثمن والمثمن ممّا يكال أو يوزن ويكون أحدهما أكثر من الآخر، فهو بعض روايات الباب 13 من أبواب الربا من الوسائل، ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت.

118

فلا يصحّ فيما لا يمكن ضبط أوصافه كالجواهر واللآلي والأراضي والبساتينوغيرها ممّا لا ترتفع الجهالة والغرر فيها إلّا بالمشاهدة(1).

الثاني: ذكر الجنس والوصف الرافع للجهالة.

الثالث: قبض الثمن قبل التفرّق، ولو قبض البعض صحّ فيه وبطل في الباقي، ولو كان الثمن ديناً في ذمّة البائع فالأقوى الصحّة إذا كان الدين حالّاً لامؤجّلا(2).

الرابع: تقدير المبيع ذي الكيل أو الوزن أوالعدِّ بمقداره.

الخامس: تعيين أجل مضبوط للمسلَم فيه بالأيّام أو الشهور أو السنين أو نحوها، ولو جعل الأجل زمان الحصاد أوالدياس أو الحضيرة بطل البيع، ويجوز فيه أن يكون قليلا كيوم ونحوه، وأن يكون كثيراً كعشرين سنة.

السادس: إمكان تعهّد البائع بدفعه وقت الحلول، وفي البلد الذي شرط التسليم فيه إذا كان قد شرط ذلك، سواء أكان عامَّ الوجود أم نادره، فلو لم يمكن تعهّد البائع به لعجزه عنه ولو لكونه في سجن أو في بيداء لا يمكنه الوصول إلى البلد الذي اشترط التسليم فيه عند الأجل بطل.



(1) نعم، لو اتّفق ضبطها في مورد ولو بإراءة المماثل التامّ صحّ.

(2) إن كان الدين حالّاً، لم يكن بيع السلف به مشمولاً لحديث: «لا يباع الدين بالدين»، فالنتيجة هي صحّة البيع، وإن كان مؤجّلاً أجلاً لا يتحقّق إلّا بعد التفرّق، أصبح البيع مشمولاً لذاك الحديث، وإن كان مؤجّلاً أجلاً سينتهي قبل التفرّق، فالأحوط وجوباً عدم إيقاع بيع السلف به؛ لاحتمال مشموليّته للحديث(1).


(1) والحديث وارد في الوسائل، ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 8 من السلف،ح 2، ص 298، وب 15 من الدين، ح 1، ص 347.

119

(مسألة: 3) إطلاق العقد يقتضي وجوب تسليم المسلَم فيه في مكان المطالبة(1)، فأيّ مكان طالب فيه وجب تسليمه إليه فيه، إلّا أن تقوم قرينة على تعيين غيره فيعمل عليها، والأقوى عدم وجوب تعيينه في العقد إلّا إذا اختلفت الأمكنة في صعوبة التسليم فيها ولزوم الخسارة الماليّة بحيث يكون الجهل بها غرراً فيجب تعيينه حينئذ.

(مسألة: 4) إذا جعل الأجل شهراً أو شهرين: فإن كان وقوع المعاملة في أوّل الشهر فالمراد الشهر الهلاليّ، وإن كان في أثناء الشهر فالمراد من الشهر ثلاثون يوماً ومن الشهرين ستّون يوماً، وهكذا(2).

(مسألة: 5) إذا جعل الأجل جمادى أو ربيعاً حمل على أوّلهما من تلك السنة وحلّ بأوّل جزء من ليلة الهلال، وإذا جعله الجمعة أو الخميس حمل على الأوّل من تلك السنة وحلّ بأوّل جزء من نهار اليوم المذكور.

(مسألة: 6) إذا اشترى شيئاً سلفاً لم يجزْ له بيعه قبل حلول الأجل(3) لا على البائع ولا على غيره بجنس الثمن الأوّل، أو بغيره مساوياً، أو أكثر، أو أقلّ، أمّا



(1) إطلاق العقد ينصرف بانصرافه الأوّليّ إلى التسليم في مكان العقد، فإن قامت القرينة على عدم اشتراط ذلك، انصرف إلى مكان المطالبة، فإن قامت القرينة على تعيين مكان مخصوص، وجب الوفاء به.

(2) هذا يتمّ في أعرافنا الخاصّة التي يقصدون من الأشهر فيها الأشهر الهلاليّة، وأمّا الأعراف القائمة على الأشهر الشمسيّة فينصرف الأمر عندهم إلى أعرافهم، وفي أيّ من العرفين إذا قامت القرينة على الخلاف كان المتّبع ما تقتضيه القرينة.

(3) لو كنّا نحن ومشكلة عدم إمكان التسليم في البيع على غير البائع، كفى في حلّها أن يبيعه مؤجّلاً لحين حلول الأجل والقدرة على التسليم.

120

بعد حلول الأجل فيجوز بيعه على البائع أو غيره(1) إذا كان بغير جنس الثمن، كما يجوز بيعه على غير البائع بجنس الثمن بزيادة أو نقيصة. أمّا على البائع فالظاهر أيضاً جوازه مطلقاً وإن كان الأحوط العدم إذا كان بزيادة أو بنقيصة(2)، والظاهر أنّه لا إشكال في جواز أخذ قيمته بعنوان الوفاء(3) بلا فرق بين النقدين وغيرهما، ولو شرط عليه أن يدفع بدله أكثر من ثمنه إذا لم يدفعه نفسه لم تبعد صحّة الشرط(4).

(مسألة: 7) إذا دفع البائع المسلَم فيه دون الصفة أو أقلَّ من المقدار لم يجب على المشتري القبول، ولو رضي بذلك صحّ وبرئت(5) ذمّة البائع، وإذا دفعه على الصفة والمقدار وجب عليه القبول، وإذا دفع فوق الصفة: فإن كان شرط الصفة راجعاً إلى استثناء ما دونها فقط وجب القبول أيضاً، وإن كان راجعاً إلى استثناء ما



(1) البيع على غير البائع جائز مطلقاً، إلّا في المكيل والموزون، فإنّه مضى ـ في الفصل السابع في التسليم والقبض المسألة (6) ـ الاحتياط الوجوبيّ بعدم جواز بيعه بربح قبل قبضه على غير البائع.

وأمّا بيعه على البائع، فإن كان بجنس الثمن، فهو صحيح بشرط عدم الزيادة، ويبطل بالزيادة؛ لروايات كثيرة واردة في الوسائل، ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 11 من السلف، وإن كان بجنس آخر، فالأحوط ملاحظة عدم زيادة قيمته على قيمة الثمن.

(2) لا موجب للاحتياط في طرف النقيصة، خصوصاً أنّ صحيح الحلبي ـ وهو الحديث الأوّل من الباب المتقدّم ـ صريح في الجواز.

(3) بل الأحوط أن لا يتجاوز المشتري دائماً في استيفاء حقّه من البائع أحد أمرين: إمّا أن يحصل على المبيع نفسه، أو يفسخ المعاملة ويسترجع رأس المال.

(4) بل عرفت الإشكال فيه.

(5) الظاهر أنّ مقصود المصنّف الرضا بذلك وفاءً، أو إبراء ذمّة الطرف من الزائد دون رضاه بما يعطيه من باب أنّه لو لم يقبله لم يحصل على شيء مثلاً.

121

دونها وما فوقها لم يجب القبول، ولو دفع إليه زائداً على المقدار لم يجب القبول(1).

(مسألة: 8) إذا حلّ الأجل ولم يتمكّن البائع من دفع المسلَم فيه تخيّر المشتري بين الفسخ والرجوع بالثمن بلا زيادة ولا نقيصة، وبين أن ينتظر إلى أن يتمكّن البائع من دفع المبيع إليه في وقت آخر، ولو تمكّن من دفع بعضه وعجز عن دفع الباقي كان له الخيار في الباقي بين الفسخ فيه والانتظار، وفي جواز فسخه في الكلِّ حينئذ إشكال(2). نعم، لو فسخ في البعض جاز للبائع الفسخ في الكلّ(3).

(مسألة: 9) لو كان المبيع موجوداً في غير البلد الذي يجب التسليم فيه: فإن تراضيا بتسليمه في موضع وجوده جاز، وإلّا فإن أمكن نقله إلى بلد التسليم وجب نقله على البائع(4)، إلّا أن يتوقّف على بذل مال يعجز عنه أو يضرّ بحاله(5) فيجري الحكم المتقدّم من الخيار بين الفسخ والانتظار.



(1) يعني لم يجب قبول الزيادة.

(2) لا يبعد الجواز؛ لأنّ فسخه في الباقي فحسب يؤدّي إلى تبعّض الصفقة.

(3) الظاهر أنّ مصدر هذه الفتوى خيار تبعّض الصفقة، لكنّه لا يتمّ حينما يكون البائع قد دفع البعض؛ لأنّ تبعّض الصفقة كان من قبل نفس البائع، وكأنّ مقصود الماتن غير هذه الصورة.

(4) بلد التسليم الأوّليّ عبارة عن بلد العقد، أو بلد المطالبة على كلام بيننا وبين المصنّف فيما مضى عنه في المسألة (3)، وهنا نقول:

يشترط في وجوب النقل بما يتضمّنه من الكلفة الماليّة أن يكون ذلك متعارفاً في مفهوم السوق عن مثل تلك المعاملة.

(5) عرفت أنّ المقياس في وجوب تحمّله للكلفة الماليّة هو التعارف السوقيّ عن مثل تلك المعاملة، وعليه فليس المقياس الضرر الشخصيّ، وإنّما المقياس ما يعتبر ضرراً نوعيّاً في عرف تلك المعاملة.

122

 

الفصل الثاني عشر

في بيع الثمار والخضر والزرع

(مسألة: 1) لا يجوز بيع ثمرة النخل والشجر قبل ظهورها عاماً واحداً بلا ضميمة(1)، ويجوز بيعها عامين فما زاد وعاماً واحداً مع الضميمة على الأقوى، وأمّا بعد ظهورها: فإن بدا صلاحها أو كان البيع في عامين أو مع الضميمة جاز بيعها بلا إشكال(2)، أمّا مع انتفاء الثلاثة فالأقوى الجواز مع الكراهة.



(1) الأقوى الجواز بعنوان إيجار الشجر؛ لعدد من روايات ب 1 من بيع الثمار في الوسائل(1).

(2) وكذلك لا إشكال مع انتفاء الثلاثة إن باع نفس الثمر غير الناضج بحيث كان تسليمه تسليماً للمبيع حتّى ولو لم ينضج بعد ذلك(2).


(1) (2) توضيح الكلام في هاتين المسألتين باختصار ما يلي:

نتكلّم تارةً في بيعها قبل الظهور، واُخرى في بيعها بعد الظهور وقبل بدوّ الصلاح:

أمّا ما قبل الظهور:

فالكلام فيه تارةً نوقعه بمقتضى القاعدة، واُخرى بمقتضى النصوص:

أمّا الكلام فيه بمقتضى القاعدة، فالعيب الموجود فيه أنّه بيعٌ للمعدوم، وذلك عقلائيّاً أمر باطل في التخريجات المألوفة في الأوساط المتشرّعيّة الإسلاميّة التي تقول: إنّ البيع يجب أن يقع على العين في وعاء الخارج، أو في وعاء الذمّة.

إلّا أنّ لحلّ الإشكال في المقام تخريجين مقبولين عقلائيّاً:

123

الأوّل: بيعه على شكل بيع السلّم أو السلف، أي: في ذمّة البائع مقيّداً بأن يكون من هذه النخيل أو الأشجار.

والثاني: أن يُؤجّر النخيل أو الأشجار كي تكون منافعُها ـ وهي ثِمارها ـ للمشتري.

فإن فعل الأوّل، ثمّ ضربتها آفة سماويّة فلم تثمر، أصبح ذلك بحكم قاعدة (تلف المبيع قبل قبضه من مال بايعه)، فيسترجع المشتري ثمنه الذي دفعه إلى البائع.

وإن فعل الثاني، فإن كان استئجاره للنخيل والأشجار بمعنى استئجاره لأجل منفعة الثمار، ثمّ ضربتها آفة سماويّة فلم تثمر، انكشف أنّ العين المستأجرة لم تكن لها منفعة، فتكون الإجارة باطلة، أو كانت لها منفعة فتلفت قبل القبض، فتكون الإجارة منفسخة. وعلى كلّ تقدير، يسترجع المشتري ثمنه من صاحب الأشجار.

وإن كان استئجاره لها لمطلق منافعها، كالاستفادة من ظلالها ومن ثمارها ومن التنزّه فيها، فالإيجار صحيح، ولا عيب فيه.

وإن كان استئجاره لها بمعنىً تكون ثمارها جزءاً، ومنافعها الاُخرى جزءاً آخر في مقابل الثمن، أي: بشكل شموليّ، لا بشكل الإطلاق، كان حكم الإيجار بالقياس إلى منفعة الثمار لدى ضرب آفة سماويّة أوجبت عدم الإثمار حكم الفرض الأوّل من البطلان أو الانفساخ، وبالقياس إلى باقي المنافع حكم الفرض الثاني، أعني: صحّة الإيجار.

وأمّا الكلام فيه بمقتضى النصوص الخاصّة، فصحيح عليّ بن جعفر صريح في بطلان التخريج الأوّل، وهو بيع السلم، وليس مختصّاً بالبيع لسنة واحدة: «قال: سألته عن السلم في النخل قبل أن يطلع، قال: لا يصلح السلم في النخل...» قال: «وسألته عن السلم في النخل، قال: لا يصلح، وإن اشترى منك هذا النخل فلا بأس، أي: كيلاً مسمّىً

124

بعينه»، الوسائل، ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 1 من بيع الثمار، ح 18 ـ 20، ص 216.

ولعلّه يمكن الجمع بين هذه الرواية وروايات الجواز في نفس الباب بحمل روايات الجواز على إيجار الأشجار، كما هو ظاهر جملة من تلك الروايات بقرينة تعبيرها ببيع النخل أو الحائط، ولكن بعضها وردت بعنوان بيع الثمار، فلعلّها تحمل جميعاً على معنى إيجار الأشجار. ولو كان هذا الجمع مقطوعاً به بلحاظ كلّ الروايات، لأفتينا ببطلان السلم في المقام، ولكن بما أنّ هذا الجمع ليس مقطوعاً به في ما ورد بعنوان تجويز بيع الثمار نتنزّل من الفتوى إلى الاحتياط، فالأحوط وجوباً ترك العمل بهذا التخريج الأوّل، أعني: بيع السلف حتّى ولو كان لسنتين أو أكثر فضلاً عمّا لو كان لعام واحد. وأمّا بيع المعدوم، فلكونه غير عقلائيّ فالأحوط وجوباً تركه برغم أنّه يحتمل استفادة جوازه من بعض الروايات ولو لخصوص عامين فصاعداً.

وأمّا إيجار الأشجار، فإن كان بمعنى إيجاره لمطلق المنافع ولو الاستظلال أو التنزّه، فقد عرفت أنّ مقتضى القاعدة صحّته، ولم نرَ نصّاً يمنع عن ذلك، وإن كان بمعنى إيجاره للاستفادة من الأثمار ولو بمعنى كون ذلك جزءاً في مقابل الثمن بشكل شموليّ، فلا إشكال في جوازه في فرضين:

الأوّل: أن تؤجّر لسنتين أو أكثر، فإنّ هذا مورد النصوص في نفس الباب الذي أشرنا إليه، فلو أصابته آفة سماويّة في كلّ تلك السنين فلم تثمر، فمقتضى القاعدة البطلان أو الانفساخ، ورجع المشتري بثمنه الذي أعطاه للبائع.

والثاني: أن تؤجّر مع ضمّ ضميمة إلى الثم`رة حتّى إذا لم تتحقّق الثمرة، اكتفى المشتري بالضميمة، وقد دلّت على ذلك موثّقة سماعة. ب 3 من نفس تلك الأبواب، ح 1، ص 219.

 

125

(مسألة: 2) بدوّ الصلاح في التمر احمراره أو اصفراره، وفي غيره انعقاده

 

أمّا إذا كان الإيجار لعام واحد وبلا ضمّ ضميمة، فالأقوى جواز ذلك أيضاً؛ لروايتي بريد والحلبيّ، وهما الاُولى والثانية من ب 1 من تلك الأبواب، ورواية عبدالله بن سنان المذكورة في الوسائل في ذيل الرواية الثانية، ورواية ربعيّ، وهي الرواية الرابعة من ذاك الباب.

فإذا أصابت الأشجار آفة سماويّة فلم تثمر، جاءت مسألة البطلان أو الانفساخ.

هذا تمام الكلام في بيع الثمر قبل الظهور.

وأمّا بيعه بعد الظهور وقبل بدوّ الصلاح، فإن كان معه ما بدا صلاحه ولو من باقي الأشجار، فلا إشكال في الصحّة؛ لروايات الباب الثاني من تلك الأبواب، كما لا إشكال في بيعه مع ضمّ الضميمة بعد أن صحّ الأمر في الإيجار قبل خروج الثمر نهائيّاً مع ضمّ ضميمة، وكذلك يرفع الإشكال ضمّ السنوات المتأخّرة؛ لرواية سليمان بن خالد: «قال: قال أبو عبدالله(عليه السلام): لا تشترِ النخل حولاً واحداً حتّى يطعم، وإن شئت أن تبتاعه سنتين فافعل».

وأمّا إن لم يكن معه شيء من هذه الاُمور الثلاثة، فإن باع نفس الثمر غير الناضج بحيث كان تسليمه تسليماً للمبيع حتّى ولو لم ينضج بعد ذلك، فلا موجب لفساد المعاملة.

وإن لم يكن كذلك، دخل في النواهي الواردة في الروايات عن بيعها قبل الإنضاج.

وقد حملها المصنّف(رحمه الله) على الكراهة كما حملها الشيخ الطوسيّ(رحمه الله) على الكراهة.

ولا غرابة في حمل الشيخ الطوسيّ(رحمه الله) للنواهي على الكراهة، فإنّه(رحمه الله) استشهد لحملها على الكراهة بالروايات التي دلّت على الجواز في إيجار الأشجار ولو لسنة واحدة وبلا ضميمة قبل الإثمار، فكأنّه(رحمه الله) يتعدّى من فرض عدم الإثمار إلى فرض عدم النُضج بعدم احتمال الفرق، أو بالأولويّة.

أمّا السيّد الحكيم(رحمه الله) في المتن، فلم يكن من حقّه حمل النواهي على الكراهة؛ لأنّه صرّح في صدر المسألة بعدم جواز بيع ثمرة النخل والشجر لعام واحد بلا ضميمة قبل ظهورها.

ونحن بما أنّنا أفتينا بالجواز هناك، فمن حقّنا أيضاً حمل هذه النواهي على الكراهة.

126

بعد تناثر ورده(1).

(مسألة: 3) يعتبر في الضميمة المجوِّزة لبيع الثمر قبل بدوّ صلاحه أنتكون ممّا يجوز بيعها منفردة، وكونها مملوكةً للمالك، وكون الثمن لها وللمنضمِّعلى الإشاعة، ولا يعتبر فيها أن تكون متبوعةً على الأقوى، فيجوز كونها تابعة.

(مسألة: 4) يكفي في الضميمة في تمر النخل مثل السعف (والكرب) والشجر اليابس الذي في البستان.

(مسألة: 5) لو بيعت الثمرة قبل بدوّ صلاحها مع اُصولها جاز(2) بلاإشكال.

(مسألة: 6) إذا ظهر بعض ثمر البستان جاز بيع المتجدِّد في تلك السنة معه وإن لم يظهر، اتّحد الجنس أم اختلف، اتّحد البستان أم تكثّر على الأقوى.

(مسألة: 7) إذا كانت الشجرة تثمر في السنة الواحدة مرّتين ففي جريان حكم العامَين عليهما إشكال(3).



(1) كلّ هذه التعابير هي تعابير الروايات ـ راجع ب 1 من بيع الثمار من الوسائل،ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت ـ والمقياس العامّ ما أفاده اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) في تعليقه على منهاج الصالحين؛ إذ قال: «بدوّ الصلاح هو: أن تطعم الثمرة، أي: تتّخذ لها طعماً وإن لم تصبح صالحة للأكل فعلاً».

أقول: والتعبير بـ (حتّى يطعم) هوالوارد في الحديث 9 و 10 من ذاك الباب.

(2) مقصوده بذلك البيع الحقيقيّ لاُصول الشجر، لا إيجارها.

وكذلك يجوز كما أفاده اُستاذنا الشهيد في تعليقه على هذه المسألة بيع الثمرة على مالك الشجر، فلو كان قد اشترى الشجر من صاحب البستان شراءً حقيقيّاً من دون ثماره، فكانت الثمار باقية على ملك المالك الأصليّ، كان للبائع الأصليّ أن يبيع ثماره على المالك الجديد للشجر ولو لم يبدُ صلاحه.

(3) لا ينبغي الإشكال في عدم احتمال الفهم العرفيّ للفرق.

127

(مسألة: 8) إذا باع الثمرة سنةً أو سنتين أو أكثر ثمّ باع اُصولها على شخص آخر لم يبطل بيع الثمرة، بل تنتقل الاُصول إلى المشتري مسلوبة المنفعة في المدّة المعيّنة، وله الخيار في الفسخ مع الجهل، ولا يبطل بيع الثمرة بموت بائعها، بل تنتقل الاُصول إلى ورثة البائع بموته مسلوبة المنفعة، وكذا لا يبطل بيعها بموت المشتري، بل تنتقل إلى ورثته.

(مسألة: 9) إذا اشترى ثمرةً فتلفت قبل قبضها انفسخ العقد وكانت الخسارة من مال البائع، كما تقدّم ذلك في أحكام القبض، وتقدّم أيضاًإلحاق السرقة ونحوها بالتلف وحكم ما لو كان التلف من البائع والمشتريوالأجنبيّ.

(مسألة: 10) يجوز لبائع الثمرة أن يستثني ثمرة شجرات أو نخلات بعينها، وأن يستثني حصّةً مشاعةً كالربع والخمس، وأن يستثني مقداراً معيّناً كمنٍّ ووزنة، لكن في الصورتين الأخيرتين لو خاست الثمرة وزّع النقص على المستثنى والمستثنى منه على النسبة، وطريق معرفته تخمين الفائت(1) بالثلث أو الربع مثلا، ثمّ تنسب الأرطال إلى المجموع ويسقط منها بالنسبة، فإن كان الفائت الثلث يسقط منها الثلث، وإن كان الربع يسقط الربع، وهكذا.

(مسألة: 11) يجوز بيع ثمرة النخل وغيره في اُصولها بالنقود وبغيرها، كالأمتعة والحيوان والطعام، وبالمنافع والأعمال وغيرها كغيره من أفراد البيع. نعم، لا تجوز المزابنة، وهي بيع ثمرة النخل تمراً كانت أو رطباً أو بسراً أو غيرها



(1) إن كان المستثنى حصّة مشاعة، فلهما حقّ التعيين بالدقّة، ولا ينحصر الأمر بالتخمين، وإن كان المستثنى مقداراً معيّناً كمنّ ووزنة، فتخريج النسبة لا يمكن إلّا بالتخمين، وعندئذ لا بدّ من المصالحة بينهما على ما يقتضيه التخمين.

128

بالتمر دون الرطب والبسر(1) أو غيرهما، سواء من ثمره، أم من غيره في الذمّة،أم معيَّناً في الخارج، وفي عموم المنع لثمر غير النخل إشكال، والأظهر الجواز، إلّا إذا كان بيعها بمقدار منها(2) فالأظهر عدم جوازه.

(مسألة: 12) يجوز أن يبيع ما اشتراه من الثمر بثمن زائد على ثمنه الذي اشتراه به، أو ناقص أو مساو، سواء أباعه قبل قبضه أم بعده.

(مسألة: 13) لا يجوز بيع الزرع قبل ظهوره(3)، ويجوز الصلح عليه(4)، كما يجوز بيعه تبعاً للأرض لو باعها معه، أمّا بعد ظهوره فيجوز بيعه مع أصله، بمعنى



(1) لا وجه لهذا التفصيل بعد فرض حمل الحديث الآتي في تعليقنا اللاحق على بيع ثمر النخل بمقدار من نفس ثمر النخل، فإنّ خصوصيّة التمر في مقابل الرطب والبسر ملغيّة عندئذ عرفاً.

(2) يبدو أنّه(رحمه الله) حمل النهي في مثل صحيح عبد الرحمن وموثّقه(1) على مورد النصّ، وهو النخل دون باقي الأشجار، وإنّما أفتى في باقي الأشجار بعدم جواز بيع ثمارها بمقدار منها بمقتضى القاعدة؛ للزوم وحدة الثمن والمثمن، لكن الظاهر أنّ معنى المحاقلة والمزابنة لغةً هو بيع ثمار الأشجار بشيء منها، وبيع حبّة الزرع بشيء منها، فالنهي أساساً منصبّ على ذلك، ومسألة لزوم وحدة الثمن والمثمن إنّما هي نكتة عقلائيّة لهذا النهي، وصحيح الوشّاء(2) واضح في الالتفات إلى هذه النكتة، ولهذا نتعدّى من المحاقلة ـ وهي في ثمر النخل ـ إلى مورد ثمار الأشجار وهي المزابنة، وبصحيح الوشّاء نقيّد إطلاق أحاديث النهي عن المحاقلة والمزابنة لو كان لها إطلاق لغير مورد اتّحاد الثمن والمثمن.

(3) الأحوط وجوباً تركه؛ لأنّه من بيع المعدوم.

(4) نفس الاحتياط الجاري في البيع جار في الصلح.


(1) الوسائل، ب 13 من بيع الثمار، ح 1 و 2.

(2) ب 12 من بيع الثمار من الوسائل، ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ح 2،ص 237 ـ 238.

129

بيع المقدار الظاهر مع اُصوله الثابتة، فإن شاء المشتري فصله، وإن شاء أبقاه(1)، فإن أبقاه حتّى يسنبل كان له السنبل، وعليه اُجرة الأرض(2)، وإن فصله قبل أن يسنبل فنمت الاُصول الثابتة في الأرض حتّى سنبل كان له أيضاً، وعليه اُجرة الأرض على الأحوط، ويجوز بيعه لا مع أصله، بل قصيلا إذا كان قد بلغ أوان قصله، أو قبل ذلك على أن يبقى حتّى يصير قصيلا، أو قبل ذلك(3)، فإن قطعه ونمت الاُصول حتّى صارت سنبلا كان السنبل للبائع، وإن لم يقطعه كان لصاحب الأرض قطعه، وله إبقاؤه والمطالبة بالاُجرة، فلو أبقاه فنما حتّى سنبل فالوجه اشتراك البائع والمشتري فيه، وفي كونهما على السويّة إشكال، والأحوط التصالح، وكذا الحال لو اشترى نخلا(4)، لكن هنا لو اشترى الجذع بشرط القلع فلم يقلعه ونما كان النماء للمشتري لا غير(5).

(مسألة: 14) يجوز بيع الزرع محصوداً، ولا يشترط معرفة مقداره بالكيل أو الوزن، بل تكفي فيه المشاهدة.



(1) إمّا بإذن من مالك الأرض أو بشرط عليه ولو ضمناً، وإلّا وجب عليه فصله.

(2) كأنّ مقصوده: «عليه اُجرة الأرض على الأحوط» بقرينة ما في السطر الآتي، وكأنّ الوجه في التنزّل إلى الاحتياط احتمال أن يكون شرط حقّ الإبقاء على صاحب الأرض أو إذن صاحب الأرض في الإبقاء إسقاطاً ضمنيّاً لحقّ الاُجرة.

(3) يبدو أنّ هذه الجملة أعني: كلمة (أو قبل ذلك) الثانية في نسختنا زائدة.

(4) كأنّ المقصود: أنّه لو اشترى نخلاً ثمّ حمل، كان الحمل للمشتري، كما دلّت على ذلك روايات ب 9 من بيع الثمار من الوسائل، وكما هو مقتضى القاعدة.

(5) كأنّه(رحمه الله) يقايس بين شراء الجذع بشرط القلع ولم يقلعه، وشراء القصيل ولم يقصله، ليبيّن الفرق بينهما، فيقول: لو اشترى القصيل ولم يقصله حتّى سنبل، كان السنبل للبائع؛ لأنّه غير القصيل، أمّا لو اشترى الجذع بشرط القلع ونما الجذع، فالنامي هو عين ما اشتراه، فهو له لا غير. هذا خير ما استطعنا أن نوجّه به العبارة.

130

(مسألة: 15) لا يجوز المحاقلة، وهي بيع سنبل الحنطة أو الشعير بالحنطة(1)، سواء أكانت منه، أو في الذمّة، أم موضوعةً على الأرض، وكذا بالشعير على الأحوط، والأظهر جواز بيع الزرع قبل أن يسنبل بالحنطة فضلا عن الشعير، وكذا بيع سنبل غير الحنطة والشعير من الحبوب بحبٍّ من جنسه في الذمّة، أو موضوعة على الأرض، ولا يجوز بحبٍّ منه.

(مسألة: 16) الخضر كالخيار والباذنجان والبطّيخ لا يجوز بيعها قبل ظهورها(2)، ويجوز بعد ظهورها مع المشاهدة لقطةً واحدةً أو لقطات، والمرجع في تعيين اللقطة عرف الزراع، ولو كانت الخضرة مستورةً كالشلغم والجزر ونحوهما لم يجزْ بيعها(3). نعم، يجوز الصلح عليها على الأظهر، ولو كان ورقه



(1) حرمة المحاقلة أو المزابنة تشمل مطلق بيع حبوب الأشجار والزروع بحبّ منها المستبطن لنكتة وحدة الثمن والمثمن، ولا إشكال في البيع بحبوب اُخرى على وجه الأرض.

(2) على الأحوط؛ لأنّه إمّا أن يرجع إلى بيع المعدوم، أو إلى بيع السلف الذي مضى الإشكال فيه في ذيل التعليقين على المسألة (1) من الفصل الثاني عشر في بيع الثمار والخضر والزرع.

(3) هذا إمّا لأجل الجهالة والغرر ونحو ذلك، أو لموثّق سماعة: «سألته عن ورق الشجر هل يصلح شراؤه ثلاث خرطات، أو أربع خرطات؟ فقال: إذا رأيت الورق في شجره فاشترِ منه ما شئت من خرطة»(1).

والكلّ محلّ نظر(2)، فالظاهر الجواز.


(1) الوسائل، ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 4 من بيع الثمار، ح 2، ص 221.

(2) أمّا الجهالة، فلا يعتنى بها عرفاً في مثل المقام، وأمّا الموثّق، فقيد رؤية الورق فيهلعلّه كان للتأكّد من وجود الورق، لا لعنوان عدم الظهور الثابت في الشلغم والجزر المستورينتحت الأرض.

131

بارزاً وأصله مستوراً كالبصل جاز بيعه(1) والصلح عليه.

(مسألة: 17) إذا كانت الخضرة ممّا يُجزّ كالكراث والنعناع واللفت ونحوها يجوز بيعها بعد ظهورها جزّةً وجزّات، ولا يجوز بيعها قبل ظهورها(2)، والمرجع في تعيين الجزّة عرف الزراع، كما سبق، وكذا الحكم فيما يخرط كورق الحنّاء والتوت فإنّه يجوز بيعه بعد ظهوره خرطةً وخرطات.

(مسألة: 18) إذا كان نخل أو شجر أو زرع مشتركاً بين اثنين جاز أن يتقبّل أحدهما حصّة صاحبه بعد خرصها بمقدار معيّن فيتقبّلها بذلك المقدار، فإذا خرص حصّة صاحبه بوزنة ـ مثلا ـ جاز أن يتقبّلها بتلك الوزنة، زادت عليها في الواقع أو نقصت عنها أو ساوتها، والظاهر عدم الفرق بين كون الشركاء اثنين أو أكثر، وكون المقدار المتقبَّل به منها وفي الذمّة. نعم، إذا كان منها فتلفت الثمرة فلا ضمان على المستقبل، بخلاف ما لو كان في الذمّة فإنّه باق على ضمانه، والظاهر أنّه معاملة مستقلّة لا بيع ولا صلح(3)، ويكفي فيها كلّ لفظ دالٍّ على المقصود، بل تجري فيها المعاطاة كما في غيرها من العقود.

(مسألة: 19) إذا مرّ الإنسان بشيء من النخل أو الشجر أو الزرع جاز أن يأكل من ثمره بلا إفساد للثمر أو الأغصان أو الشجر أو غيرها، والظاهر جواز الأكل



(1) هذا ظاهر في أنّ نظره(رحمه الله) كان إلى موثّق سماعة، لا إلى الجهالة أو الغرر، فاقتصر على شرط بروز الورق؛ لأنّ موثّق سماعة لم يذكر إلّا عبارة: «إذا رأيت الورق»، ولكن قد عرفت منّا النظر في أصل الإشكال.

(2) على الأحوط؛ لما مضى في التعليق الأوّل على المسألة السابقة.

(3) ويمكن أن يكون تصالحا على تعيين المقدار، كما يمكن ضمّه إلى تصالح آخر على استبداله بما يماثله في الذمّة.

132

وإن كان قاصداً له من أوّل الأمر. نعم، لو كان لمقصده طريقان فرجّح العبور من الطريق الذي يمرّ بالشجر لأجل الأكل ففي جواز الأكل حينئذ إشكال(1)، وأشكل منه ما لو لم يكن له مقصد إلّا الأكل(2)، وكذا إذا كان للبستان جدار أو حائط، أو علم بكراهة المالك(3)، وإذا حمل معه شيئاً حرم ما حمل، ولم يحرم ما أكل.

(مسألة: 20) يستثنى من حرمة المزابنة بيع العَرية(4)، وهي النخلة الواحدة لشخص في دار غيره أو بستانه ويشقّ عليه دخوله عليها، فيبيعها منه بخرصها تمراً من غيرها، أو كلّيّاً في الذمّة، ويجوز له حينئذ إعطاؤه من تمرها.



(1) الظاهر الجواز(1).

(2) الظاهر عدم الجواز.

(3) على الأحوط(2).

(4) أصل دخول ذلك في المزابنة غير واضح، أو واضح العدم.


(1) لإطلاق الروايات. راجع الوسائل، ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 8 منبيع الثمار.

(2) لأنّ النهي عن ذلك أحد محتملات صحيحة عليّ بن يقطين. راجع الوسائل، ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 8 من بيع الثمار، ح 7، ص 228.

133

 

خاتمة

 

في الإقالة

وهي فسخ العقد من أحد المتعاملين بعد طلبه من الآخر، والظاهر جريانها في عامّة العقود اللازمة غير النكاح، وفي جريانها في الهبة اللازمة والضمان إشكال(1)، وتقع بكلّ لفظ يدلّ على المراد وإن لم يكن عربيّاً، بل تقع بالفعل، كما تقع بالقول، فإذا طلب أحدهما الفسخ من صاحبه فدفعه إليه كان فسخاً وإقالة، ووجب على الطالب إرجاع ما في يده إلى صاحبه.

(مسألة: 1) لا تجوز الإقالة بزيادة عن الثمن أو المثمن أو نقصان، فلوأقال كذلك بطلت وبقي كلّ من العوضين على ملك مالكه، وإذا جعل له مالا في الذمّة أو في الخارج ليقيله بأن قال له: « أقلني ولك هذا المال » أو « أقلني ولك عليّ كذا » نظير الجعالة ففي الصحّة وجه، ولو أقال بشرط مال عين أو عمل كمالوقال للمستقيل: « أقلتك بشرط أن تعطيني كذا أو تخيط ثوبي » فقبل ففي الصحّة إشكال.



(1) لا مانع من جريانها في الهبة اللازمة. نعم، في جريانها في الصدقة إشكال؛ للمنع الوارد عن الرجوع في الصدقة(1).

وأمّا الضمان، فلا تصحّ فيه الإقالة، إلّا إذا وافق المضمون عنه.


(1) راجع الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 11 من الوقوف والصدقات،وج 9 بحسب تلك الطبعة، ب 24 من الصدقة.