163

أبو جعفر إلى أبي القاسم الحسين بن روح، وأوصى أبوالقاسم إلى أبي الحسن عليّ بن محمّد السمريّ(رضي الله عنه)...».

 

الغيبة الكبرى:

مضى أبو الحسن السمريّ(قدس سره) في النصف من شعبان سنة تسع وعشرين وثلاث مئة(1).

وقد روى في البحار(2) عن غيبة الشيخ الطوسي بسند له، عن أبي محمّد الحسن بن أحمد المكتّب: «قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفيّ فيها الشيخ أبو الحسن عليّ بن محمّد السمريّ (قدّس الله روحه) فحضرته قبل وفاته بأيّام فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته:

بسم الله الرحمن الرحيم يا عليّ بن محمّد السمريّ، أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيّام، فاجمع أمرك، ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامّة، فلا ظهور إلّا بعد إذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب


(1) راجع بحار الأنوار 51: 360.

(2) المصدر السابق: 361.

164

مفتر، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.

قال: فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده، فلمّا كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: مَن وصيّك من بعدك؟ فقال: لله أمر هو بالغه. وقضى، فهذا آخر كلام سمع منه رضي الله عنه وأرضاه».

وروى صاحب البحار أيضاً(1) هذا الحديث نفسه عن (كمال الدين وتمام النعمة) عن الحسن بن أحمد المكتّب.

أقول: إنّ انقطاع النيابة الخاصّة بوفاة السمريّ (رضوان الله عليه) لا يعني انقطاع النيابة على الإطلاق، بل وصلت النوبة إلى النيابة العامّة المتمثّلة في كلّ فقيه عادل كفوء جامع للشرائط. وقد بحثنا في عدد من كتبنا السابقة بكلّ تفصيل عن ذلك، من قبيل: كتابنا (أساس الحكومة الإسلاميّة)، وكتابنا (ولاية الأمر في عصر الغيبة)، وكتابنا (المرجعيّة والقيادة)، وآخرها حتّى اليوم كتابنا (كتاب البيع).

وقد اتّضح بما سردناه كيف أنّ الإمامين الهادي والعسكريّ(عليهما السلام)ثمّ الإمام المهديّ (عجّل الله فرجه) تدرّجوا في الاحتجاب عن الناس حتّى هيّأوا نفوس الشيعة للغيبة الكبرى، وثقّفوهم بالتدريج لمتطلّبات أيّام الغيبة الكبرى وتثبيت الفكرة التي رسخت منذ زمن الأئمّة


(1) المصدر السابق.

165

الأوائل (سلام الله عليهم)، وهي فكرة «مجاري الاُمور والأحكام بيد العلماء بالله الاُمناء على حلاله وحرامه»(1)، ولولا ذلك لكانت تنتهي الغيبة الكبرى إلى ضياع الشيعة ودمارهم، وبالتالي إلى ضياع الإسلام ودماره.

وأخيراً بودّي أن اُنبّه على أنّ علائم الظهور القريبة من قبيل: الصيحة والسفيانيّ لم يقع شيء منها حتّى الآن، وعلائم الظهور العامّة على قسمين:

القسم الأوّل: ما ثبت لنا بالتواتر، من قبيل: امتلاء الدنيا ظلماً وجوراً، وهذا ما حصل حتّى الآن يقيناً.

والقسم الثاني: بعض الاُمور الثابتة بأخبار الآحاد، وهذه ليست متيقّنة، والأخبار فيها متضاربة.

إلّا أنّ الذي آمله هو أن تكون العلامة الحقيقيّة هي التي بدأنا في زماننا نشاهد إرهاصاتها، فإنّا نعلم أنّ الإمام الحجّة يقوم بعد الظهور إلى السفر إلى فلسطين وينزل عيسى(عليه السلام) كي يصلّي خلفه، وفلسفة ذلك واضحة لدينا، وهي: أنّ مقاتلة الكفّار ومنهم القاطنون في فلسطين المحتلّة غير شرعيّة وغير معقولة من قبل إمام الرحمة (عجّل الله فرجه) من دون البدء بإتمام حجّة واضحة عليهم حتّى يهتدي الكثيرون منهم،


(1) هذه رواية مرويّة عن أميرالمؤمنين(عليه السلام) في تحف العقول: 238.

166

وهذا لا يكون إلّا بنزول المسيح(عليه السلام) وصلاته خلف الحجّة (عجّل الله فرجه)، وإرهاصات ذلك واضحة اليوم، وهي تصاعد التصادم الكبير بين المسلمين والصهاينة في فلسطين المحتلّة: فمن جانب نرى الصهاينة مصرّين على إنهاء قدرة الإسلام، ومن جانب آخر نرى المسلمين السنّة متّفقين مع المسلمين الشيعة الذين يعملون في لبنان تحت مظلّة (حزب الله) على معارضتهم، وشعلة الخلاف تتصاعد يوماً بعد يوم بين الطرفين، ولا يوجود حلّ حاسم لذلك عدا ظهور المسيح وصلاته خلف الحجّة(عليهما السلام). هذا من ناحية.

ومن ناحية اُخرى نرى انتشار الإسلام بشكل واسع في شتّى أرجاء العالم حتّى في بطن بلاد الكفر ممّا أرهب الأعداء الكفرة وهم يحاولون إطفاء نور الإسلام ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُوا نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾(1)، ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾(2).

ومن ناحية ثالثة نرى أنّ الإمام (عجّل الله فرجه) حينما يظهر فهو بحاجة ـ بغضّ النظر عن الإعجاز ـ إلى قدرة إسلاميّة تعضده، وها هي قد تمثّلت بما رأيناه في زماننا من إقامة حكومة إسلاميّة مباركة في


(1) سورة 9 التوبة، الآية: 32.

(2) سورة 61 الصفّ، الآية: 8.

167

إيران. وأرجو أن لا يطول الأمر أكثر من ذلك، فإنّ صبرنا قد نفد.

اللّهمّ عجّل فرج مولانا صاحب الزمان، واجعلنا من أنصاره وأعوانه ومن المستشهدين بين يديه بحقّ محمّد وآله صلّى الله عليه وعليهم أجمعين.

أختم كتاب الإمامة وقيادة المجتمع بأبيات من مقطع شعريّ أنشأه المرحوم الأربليّ(قدس سره) في مدح أئمّتنا في كتابه كشف الغمّة(1):

أيّها السادةُ الأئمّةُ أنتم
خيرةُ الله أوّلاً وأخيرا
قد سموتم إلى العلى فافترعتم(۲)
بمزاياكمُ المحلَّ الخطيرا
أنزل اللهُ فيكمُ هل أتى
نصّاً جليّاً في فضلكم مسطورا
مَن يُجاريكمُ وقد طهّر اللهُ
تعالى أخلاقكم تطهيرا
إن جرى البرقُ في مداكم كبا
مِن دون غاياتكم كليلاً حسيرا


(1) كشف الغمّة 3: 361 ـ 363.
(2) أي: صعدتم.
168

بسطوا للندى اُكفّاً سباطاً(۱)
ووجوهاً تحكي الصباحَ المنيرا
وأفاضوا على البرايا عطايا
خلّفت فيهمُ السحابَ المطيرا
فتراهم عند الأعادي ليوثاً
وتراهم عند العفاة(۲) بحورا
يمنحونَ الوليَّ جنّةَ عدن
والعدوُّ الشقيّ يَصلى سعيرا
يطعمونَ الطعامَ في العسرِ واليسرِ
يتيماً وبائساً وأسيرا
لا يُريدونَ بالعطاءِ جزاءً
مُحبطاً أجرَ برّهم أو شكورا
فكفاهم يوماً عبوساً وأعطا
هُم على البرّ نضرةً وسُرورا
وجزاهم بصبرهِم وهو أولى
من جزى الخيرَ جنّةً وحريرا


(1) أي: مبسوطة.
(2) أي: الطالبين فضلهم ومعروفهم سلام الله عليهم.
169

وإذا ما ابتدوا لفصل خطاب
شَرَّفوا مِنبراً وزانوا سريرا
بخّلوا الغيثَ نائلاً وعطاءً
واستَخَفُّوا يَلَمْلَماً(۱) وثَبيرا(۲)
يَخلُفون(۳) الشموس نوراً وإشراقاً
وفي الليلِ يُخجلون البدورا
أنا عبدٌ لكم اُدين بحبّي
لكم الله ذا الجلال الكبيرا
عالمٌ أنّني أصبت وأنّ
اللهَ يولي لطفاً وطرفاً(٤) قريرا
مال قلبي إليكم في الصبى الغَضِّ
وأحببتُكُم وكنتُ صغيرا
أظهَرَ اللهُ نورَكم فأضاء
الاُفقُ لمّا بدا وكنتُ بصيرا


(1) جبل.
(2) الثبير: الأرض السهلة، أي: استخفّوا الجبال والسُهول.
(3) أي، يجعلون الشموس خلفهم ومتأخّراً عنهم في درجة النور والإشراق.
(4) أي: نظراً وإبصاراً.
170

فهداني إليكم الله لطفاً
بي وما زال لي وليّاً نصيرا
كم أياد أولى وكم نعمة
أسدى فلي أن أكون عبداً شكورا
أمطرتني منه سحائبُ جود
عاد حالي بهنّ غضّاً نضيرا
وحماني من حادثات عظام
عدتُ فيها مؤيّداً منصورا
لو قطعتُ الزمان في شكرِ أدنى
ما حباني به لكنتُ جديرا
فلهُ الحمدُ دائماً مستمرّاً
وله الشكرُ أوّلاً وأخيرا

 

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

1 / رمضان المبارك / 1429

 

 

171

 

 

 

 

 

 

 

فهرس المصادر

 

 

«أ»

1 ـ أهل البيت تنوّع أدوار ووحدة هدف: الشهيد آية الله العظمى السيّد محمّد باقر الصدر(قدس سره) الناشر: دار التعارف للمطبوعات، بيروت ـ لبنان.

2 ـ أئمّة أهل البيت ودورهم في تحصين الرسالة الإسلاميّة: محاضرات الإمام الشهيد آية الله العظمى السيّد محمّد باقر الصدر، طبعة المؤتمر العالميّ للإمام الشهيد الصدر(قدس سره).

3 ـ الأئمّة الاثناعشر، لعادل الأديب. طبعة مطبعة نمونه، الناشر: دار الأضواء، قم.

4 ـ اختيار معرفة الرجال (المعروف برجال الكشّي): لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ، الناشر: مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام)، سنة النشر: (1404 هـ)، قم ـ إيران.

 

172

 

«ب»

5 ـ بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار: للعلاّمة الشيخ محمّدباقر المجلسيّ(رحمه الله) المتوفّى سنة (1110 هـ )، طبع في مئة وعشرة مجلّدات. سنة النشر: (1404 هـ)، الناشر: مؤسّسة الوفاء، الطبعة الرابعة، بيروت ـ لبنان.

 

«ت»

6 ـ تأريخ الاُمم والملوك المعروف بتاريخ الطبريّ: لأبي جعفر محمّد بن جرير الطبريّ. الناشر: مؤسّسة الأعلمي، بيروت ـ لبنان.

7 ـ تحف العقول عن آل الرسول، لأبي محمّد الحسن بن عليّ بن الحسين بن شعبة الحرّاني، المتوفّى في القرن الرابع، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين، قم ـ إيران، تعليق علي أكبر الغفّاري، سنة النشر: (1404 هـ / 1363 م)، الطبعة الثانية.

 

«ص»

8 ـ الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم(صلى الله عليه وآله): للعلاّمة السيّد جعفر مرتضى العامليّ، الناشر: دار الحديث، الطبعة الثانية، سنة النشر: (1428 هـ/ 2007 م)، قم ـ إيران.

 

173

 

«ع»

9 ـ عيون أخبار الرضا(عليه السلام): للشيخ المحدّث أبي جعفر الصدوق محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّيّ(رحمه الله) المتوفّى سنة: (381 هـ )، الناشر: انتشارات جهان، سنة النشر: (1378 هـ .ق).

 

«ق»

القرآن الكريم.

 

«ك»

10 ـ الكافي: ثقة الإسلام أبي جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي(رحمه الله) المتوفّى سنة: (329 هـ )، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة، سنة النشر: (1365 هـ .ش)، الطبعة الرابعة في ثمانية مجلّدات، طهران ـ إيران.

11 ـ كشف الغمّة في معرفة الأئمّة: لأبي الحسن عليّ بن عيسى بن أبي الفتح الأربليّ، المتوفّى سنة (693 هـ )، الناشر: دار الأضواء، بيروت ـ لبنان، سنة النشر: (1405 هـ / 1985 م) الطبعة الثانية.

12 ـ كمال الدين وتمام النعمة: للشيخ المحدّث أبي جعفر الصدوق محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّيّ(رحمه الله) المتوفّى سنة: (381 هـ )، صحّحه وعلّق عليه علي أكبر الغفّاري، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين، قم ـ إيران.

 

174

13 ـ كنز الدقائق وبحر الغرائب لمحمّد بن محمّدرضا القمّيّ المشهديّ، سنة النشر: (1411 هـ / 1990 م): الطبعة الاُولى، الناشر: مؤسّسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلاميّ.

 

«م»

14 ـ مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول: للعلاّمة محمّدباقر المجلسي، الطبعة الاُولى، سنة النشر: (1410 هـ / 1368 هـ .ش). دار الكتب الإسلاميّة، طهران ـ إيران.

15 ـ مقاتل الطالبيّين: لأبي الفرج الإصفهانيّ، الطبعة الثانيّة، سنة النشر: (1385 هـ / 1965 م)، الناشر: منشورات المكتبة الحيدريّة، النجف الأشرف ـ العراق.

16 ـ مناقب آل أبي طالب: للحافظ مشير الدين أبي عبدالله محمّد بن عليّ بن شهرآشوب بن أبي نصر السروي المازندراني المتوفّى سنة (588 هـ ). الناشر: المطبعة الحيدريّة، النجف الأشرف ـ العراق، سنة الطبع (1376 هـ / 1956 م).

 

«و»

17 ـ وسائل الشيعة: للشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي(رحمه الله) المتوفّى سنة: (1104 هـ )، الناشر: مؤسّسة آل البيت، سنة النشر: (1409 هـ )، قم ـ إيران.