372

الحكم، كأن يشكّ في أنّ الواجب هل هو الحمد والسورة أو الحمد فقط(1).

أقول: إنّ دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر بنحو الشبهة الموضوعيّة يتصوّر حتّى فيما ليس له موضوع كوجوب القراءة، وذلك بلحاظ نفس المكلّف، فلو علم بأنّ السورة تجب على الصحيح دون المريض، وشكّ في أنـّه هل هو صحيح أو مريض؟، فقد شكّ في وجوب الحمد عليه فقط أو وجوب الحمد والسورة فدار الأمر بين الأقلّ والأكثر للشبهة الموضوعيّة والاشتباه في الأمر الخارجي من دون شكّ في الأحكام الكلّيّة الإلهيّة فيدخل في ذلك محل البحث، والخلاف في جريان البراءة ولزوم الاحتياط في مورد لا يجري فيه أصل موضوعي ينقّح الموضوع كاستصحاب الصحة أو المرض.

 

الأقلّ والأكثر في المحصّل

التنبيه الرابع: في دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الشكّ في المحصّل. والحديث عن ذلك وعن دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في غير الشكّ في المحصّل يكون بعد الفراغ كبرويّاً عن أمرين:

أحدهما: أنّ الشكّ في أصل التكليف غير المعلوم بالعلم الإجمالي الجامع لشرائط التنجيز يكون مجرى للبراءة.

والثاني: أنّ الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.

وبالتعبير الفنّي نقول: إذا علم بفعليّة التكليف وشكّ في فاعليّته كان ذلك مجرى للاشتغال، أمـّا إذا كان الشكّ في نفس فعليّة التكليف فهو مجرى للبراءة. إذن فالشكّ في مورد قاعدة الاشتغال يباين الشكّ في مورد قاعدة البراءة.

وبعد الفراغ عن هاتين الكبريين نطبّق الكبرى الاُولى على مورد الأقلّ والأكثر الارتباطيين ونقول: إنّ الشكّ فيه في فعليّة التكليف؛ فتجري البراءة على بيان مضى، ونطبّق الكبرى الثانية على مورد الشكّ في المحصّل، فإذا علم بوجوب قتل الكافر وشكّ في أنـّه هل يقتل برصاص واحد أو يحتاج قتله إلى إطلاق رصاصين؟ فبعد


(1) راجع فوائد الاُصول: ج 4، ص 66 - 68، وأجود التقريرات: ج 2، ص 300 - 303.

373

إطلاق الرصاص الواحد يشكّ في بقاء فاعليّة التكليف وسقوطها بالامتثال، وأمـّا فعليّة التكليف فهي مقطوع بها حتّى بعد الامتثال كما مرّ تحقيقه.

وانطباق الكبرى الثانية على مورد الشكّ في المحصّل بعد الفراغ عن أصل تلك الكبرى ممّا لا يحتاج إلى بحث، ولم يستشكل الأصحاب في لزوم الاحتياط لدى الشكّ في المحصّل.

إلّا أنـّه يقع الكلام في خصوص المحصّل الشرعي الذي نُسِب إلى بعض الأصحاب كالمحقّق السيّد ميرزا حسن الشيرازي (رحمه الله) القول بجريان البراءة فيه(1).

ومعنى كون المحصّل شرعيّاً كون المسبّب أمراً مجعولاً للشارع كالطهارة التي تحصل بالغسلة أو الغسلتين بناءً على أنّ الطهارة مجعول شرعي، واُلحِق بذلك ما إذا كان المسبّب تكوينيّاً، إلّا أنّ السبب لا يتعيّن بفهم العرف فيبيّنه الشارع، كما أنّ كمال النفس مثلاً أمر تكويني، والشارع يرشدنا إلى أنّ الصلاة مثلاً بالكيفيّة المخصوصة مع السورة أو بلا حاجة إلى السورة تخلق ذاك الكمال، ومن هذا القبيل الطهارة التي تحصل بالغسلة أو الغسلتين لو قلنا إنّها أمر تكويني لا مجعول شرعي.

وذكر المحقّق النائيني (رحمه الله)(2): أنـّه لا فرق بين المحصّل الشرعي والمحصّل العرفي في لزوم الاحتياط، وأثبت وجوب الاحتياط في المحصّل الشرعي بوجوه ثلاثة، وتوضيح ذلك هو:

إنّ جريان البراءة يشترط فيه اُمور ثلاثة:

1 ـ الشكّ.

2 ـ كون المشكوك من المجعولات الشرعيّة حتّى يكون وضعه بيد الشارع، فيكون رفعه بيده؛ لأنّ قوله: «رفع ما لا يعلمون» يدلّ على الرفع التشريعي الذي لا يتصوّر إلّا فيما يكون وضعه بيد الشارع.

3 ـ كون المشكوك في رفعه توسعة ومنّة على العباد لا تضييقاً عليهم.


(1) وردت في فوائد الاُصول: ج 3، ص 360 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم نسبة ذلك إلى بعض الأعلام من دون تسمية السيد ميرزا حسن الشيرازي، ولكن الظاهر أنّ مشياخنا يعلمون أنـّه هو المقصود.

(2) راجع فوائد الاُصول: ج 4، ص 55 و 47 - 49، وراجع أجود التقريرات: ج 2، ص178 - 180.

374

وعلى ضوء هذه الشروط يدّعي المحقّق النائيني (رحمه الله) وجوهاً ثلاثة لوجوب الاحتياط في دوران أمر المحصّل الشرعي بين الأقلّ والأكثر.

الوجه الأوّل: أنـّه إذا دار أمر محصّل الطهارة مثلاً بين الغسلة والغسلتين لا نرى مصبّاً للبراءة جامعاً للشروط الثلاثة، فإن أردنا إجراء البراءة عن وجوب تحصيل الطهارة فالشرط الأوّل مفقود؛ لعدم الشكّ في وجوب تحصيلها، وإن أردنا إجراء البراءة عن سببيّة الأكثر فأيضاً ليست هذه السببيّة مشكوكة فالشرط الأوّل مفقود؛ إذ لا إشكال في حصول الطهارة بغسلتين، وإنّما الإشكال في حصولها بغسلة واحدة، وإن أردنا إجراء البراءة عن سببيّة الأقلّ فهي وإن كانت مشكوكة، لكنّ الشرط الثالث مفقود فيها؛ لأنّ في رفعها ونفي صحّة الاكتفاء بغسلة واحدة تضييقاً على العباد، لا توسعة ومنّة عليهم.

ويرد عليه: أنـّه مع قطع النظر عن باقي الوجوه، والاكتفاء بهذا المقدار من البيان يمكن الإجابة عنه بدعوى إجراء البراءة عن سببيّة الأكثر وهي مشكوكة وليست معلومة، وإنّما المعلوم حصول الطهارة عند حصول الأكثر، وهذا غير سببيّة الأكثر بما هو أكثر، أو قل: إجراء البراءة عن جزئيّة الغسلة الثانية للسبب.

الوجه الثاني: أنّنا لو سلّمنا الشكّ في سببيّة الأكثر ـ كما نحن اخترناه ـ قلنا: إنّه لا تجري عنها البراءة، وكذا عن توابعها كجزئيّة الزائد للسبب، فإنّ هذه الاُمور أحكام وضعيّة غير مجعولة فقد انتفى فيها الشرط الثاني من الشروط الثلاثة.

ويرد عليه: أوّلاً: أنّ هذا لا ينسجم مع سير تفكيره هو (قدس سره)فالمفروض به أن يقول في المقام: بأنّ السببيّة وإن لم تكن مجعولة بالأصالة، لكنّها مجعولة بالتبع؛ لأنّها تنتزع عن جعل الشارع للمسبّب على تقدير السبب، وهو (قدس سره) قد أجرى البراءة عن جزئيّة ما فرض الشكّ في جزئيّته للصلاة، بتقريب أنّ الجزئيّة: وإن لم تكن بنفسها مجعولة قابلة للرفع والوضع، لكنّها منتزعة عن وجوب الأكثر وقابلة للوضع والرفع بلحاظ منشأ انتزاعها، وعليه نقول فيما نحن فيه: إنّه لا بأس من هذه الناحية بجريان البراءة عن سببيّة الأكثر، أو جزئيّة الزائد للسبب؛ إذ كل هذا قابل للرفع والوضع باعتبار منشأ الانتزاع، وهو جعل الطهارة على تقدير الغسل مرّتين.

وثانياً: أنّ الشرط الثاني وهو كون المرفوع مجعولاً شرعيّاً كي يقبل الرفع الشرعي غير صحيح، فإنّ الرفع في باب البراءة ليس رفعاً واقعيّاً في مقابل الوضع الواقعي كي لا يمكن تعلّقه إلّا بما يقبل الوضع الواقعي، وإنّما هو رفع ظاهري في

375

مقابل إيجاب الاحتياط، فيشترط فيه تعلّقه بما يمكن إيجاب الشرع للاحتياط اتجاهه، فإن لم يكن قابلا لإيجاب الاحتياط اتجاهه لم تجرِ البراءة عنه ولو فرض قابلاً للوضع الواقعي، ومثال ذلك جزئيّة السورة للصلاة، حيث مضى أنّها وإن كانت قابلة للوضع الواقعي بتبع وضع منشأ انتزاعها لكنّها لا تقبل إيجاب الاحتياط اتجاهه؛ لأنّها ليست شيئاً قابلاً للتنجيز على المكلّف، فلا يمكن إجراء البراءة عن الجزئيّة، وإن كان قابلاً للتنجيز وإيجاب الاحتياط تجاهه جرت عنه البراءة ولو لم يكن له وضع واقعي، فالسببيّة أو جزئيّة الزائد للسبب لا يكفي لنفي جريان البراءة عنها افتراض أنـّه ليس لها وضع واقعي، وإنّما المهم أن نرى أنّها هل تدخل في العهدة، وتقبل التنجيز، وإيجاب الاحتياط تجاهها أو الذي يدخل في العهدة إنّما هو المسبّب؟

وتحقيق الحال في ذلك: أنّ نفس عنوان الجزئيّة أو السببيّة لا معنى لقبوله للتنجيز، أو لإجراء البراءة عنه ـ كما أشرنا إلى ذلك ـ لكنّنا نقول: إنّه إن كان المحصّل عرفيّاً فنفس كونه عرفيّاً قرينة على أنّ المولى لم يتكفّل بيان السبب، بل أوكله إلى العبد، فإذا قال: اقتل الكافر فكأنّه صرّح بأنّي اُريد منك قتل الكافر، أمـّا تحقيق أنـّه هل يحصل ذلك بإطلاق رصاص واحد أو بإطلاق رصاصين، فهو موكول إليك، ولست أنا متكفّلاً لبيانه، وأمـّا إذا كان المحصّل شرعيّاً وغير مفهوم عند العرف، فنفس عدم تعيّنه عند العرف قرينة عامّة على أنّ المولى هو الذي تكفّل بيان السبب، ومقدار اهتمام المولى بغرضه يكون بمقدار بيانه للسبب، فالعقل هنا لا يحكم بلزوم إحراز غرضه، بل يحكم بلزوم الإتيان بما بيّنه من السبب، فإنّ الغرض الذي لم يبلغ مستوى يحرّك المولى نحو تحصيله لا يحكم العقل بلزوم الإتيان به، فالذي يدخل في العهدة هنا إنّما هو المقدار الذي بيّنه المولى من السبب، وعندئذ لو شككنا في بيان المولى لدخل جزء زائد في السبب وعدمه، فإنّه تجري عنه البراءة بلا إشكال، لا بمعنى جريان البراءة عن نفس السببيّة ودخل هذا الجزء في السبب، بل بمعنى جريان البراءة عن بيان المولى لذلك.

والخلاصة: أنّ المجعول الإنشائي للمولى وإن فرض هو إيجاب الغرض كما لو قال: طهّر ثوبك للصلاة مثلاً، وسببيّة الغسلة الثانية للطهارة ليست أمراً مجعولاً وموضوعاً بالوضع الشرعي، لكنّ القرينة العامّة في باب المحصّلات الشرعيّة تصرف ظهور الكلام عن كون المقصود تحصيل الغرض على الإطلاق، بأن يكون إحراز سببه على عاتق العبد، وعندئذ يصبح السبب هو الذي يتنجّز بمقدار بيانه من قبل المولى،

376

ويدخل في العهدة بذلك المقدار، ويكون قابلاً لإيجاب الاحتياط تجاه بيانه، فتجري البراءة عن بيانه عند الشكّ فيه، كما تجري البراءة عن وجوب الجزء الزائد المحتمل الدخل في الفرض فيما إذا كان متعلّق الوجوب والوضع الشرعي الإنشائي نفس الأفعال.

وقد اتضح بهذا أنـّه لو شكّ في دخل شيء في الوضوء مثلاً فسوف تجري البراءة عنه، وإن فرض الإيجاب الإنشائي متعلّقاً بشيء يكون مستقلاًّ عن الوضوء ومسبباً عنه وهو الطهارة الحدثيّة.

أمـّا لو فرض عدم تماميّة ما ذكرناه فعندئذ يتفرّع جريان البراءة عن ذلك وعدمه على كون الطهارة عين أفعال الوضوء، أو عنواناً انتزاعيّاً ينطبق على الوضوء نظير عنوان التعظيم المنطبق على القيام، أو أمراً مستقلاًّ مسبّباً عن الوضوء، فعلى الأوّلين تجرى البراءة، وعلى الأخير لا تجري البراءة للشكّ في المحصّل.

الوجه الثالث: أنـّه لو جرت البراءة عن سببيّة الأكثر فهي لا تثبت سببيّة الأقلّ حتّى يصحّ الاكتفاء بالأقلّ في تحصيل المسبّب المعلوم الوجوب، فلابدّ من الإتيان بالأكثر تحصيلاً للموافقة القطعيّة للمسبّب.

وهذا قد ظهر جوابه ممّا عرفته في آخر مناقشة الوجه الثاني من أنّ الذي يدخل في العهدة في باب المحصّل الشرعي إنّما هو السبب بمقدار بيانه لا الغرض أعني المسبّب بحدوده الواقعيّة، والمقدار الذي حصل القطع ببيانه هو الأقلّ، والزائد مشكوك البيانيّة؛ فتجري البراءة عن بيانه.

 

الشكّ في الجزئيّة عند النسيان

التنبيه الخامس: فيما إذا علم بجزئيّة شيء كالسورة مثلاً، وشكّ في أنّها هل هي جزء في صورة الذكر فقط فتبطل الصلاة بتركها عمداً دون تركها نسياناً، أو هي جزء حتّى لدى النسيان فتبطل الصلاة بتركها ولو نسياناً؟

والمحقّق الخراساني (رحمه الله) بحث هنا زائداً على ما يدخل في بحث الأقلّ والأكثر بعض الفروع غير الداخلة في بحث الأقلّ والأكثر، ونحن نعقد هنا مقامين من البحث: أحدهما: فيما يدخل في بحث الأقلّ والأكثر، والثاني: فيما هو خارج عن ذلك.

 

377

 

إجراء الأصل المؤمِّن

أمـّا المقام الأوّل: فهو في إجراء الأصل المؤمّن لدى الشكّ في الجزئيّة في حال النسيان، كما كان يجري لدى الشكّ في أصل الجزئيّة حتّى في حال الذُكر.

وفي تحقيق ذلك يجب أن نشخّص هويّة هذا الشكّ في المقام؛ لنرى هل هو داخل في الشكّ في التكليف الزائد الذي فرغنا عن إجراء البراءة عنه، أو هو الشكّ في السقوط مع العلم بالتكليف الذي فرغنا عن عدم اجراء البراءة عنه؟

فتقريب الأوّل: هو أنّ الواجب على الناسي قد تردّد بين أن يكون هو خصوص الأكثر التامّ، أو ما ينطبق على الناقص، وهذا هو دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الذي عرفت كونه مورداً للبراءة.

وفي مقابل ذلك قد يقال: إنّ الأقلّ حتّى ولو كان واجداً للملاك في حقّ الناسي لا يعقل أن يكون هو الواجب عليه؛ إذ لا يعقل كون خطاب الناسي بالأقلّ محرّكاً له؛ إذ مع فرض عدم التفاته إلى نسيانه لا يرى هذا الخطاب متوجّهاً إلى نفسه، وفرض التفاته إلى نسيانه مساوق لخروجه من النسيان، وهذه الشبهة في إمكانيّة توجيه الخطاب الخاصّ إلى الناسي مذكورة في كلمات الشيخ الأعظم (قدس سره)في الرسائل(1) ويقال مبنيّاً عليها: إنّه لا يحتمل إذن أن يكون الواجب عليه هو الأقلّ، بل الواجب عليه هو الأكثر، ولكنّنا نحتمل سقوط التكليف عنه بإتيانه بالأقلّ على أساس حصول الملاك بالأقلّ، وهذا شكّ في السقوط لا في أصل التكليف، وهو مورد الاشتغال لا البراءة.

والكلام في تحقيق الحال في هذا المقام يقع في جهتين:

الاُولى: في إمكان توجيه الحكم إلى الناسي بنحو يثمر النتيجة المطلوبة وعدمه.

والثانية: في أنـّه على كلا تقديري إمكان توجيه ذلك إلى الناسي وعدمه هل يكون الشكّ في المقام من الشكّ الذي تجري بلحاظه البراءة، أو يكون من الشكّ الذي يجري بلحاظه الاشتغال؟


(1) راجع الرسائل: ص 287 بحسب الطبعة المشتملة على تعليقة رحمة اللّه.

378

أمـّا الجهة الاُولى: فالتحقيق فيها: أنّ عدم إمكان خطاب الناسي بالأقلّ إنّما يكون لو لم يتصوّر الخطاب بنحو يكون موضوعه الأعمّ من الناسي والمتذكّر، ويكون مع ذلك مثمراً لما هو المطلوب، في حين أنـّه يمكن تصوير ذلك بنحوين:

الأوّل: أن يخاطب المكلّف الجامع بين الناسي والمتذكّر بالإتيان بالجامع بين الأقلّ المقرون بالنسيان والأكثر، وهذا الخطاب ـ كما ترى ـ يصل إلى الناسي ويحرّكه، غاية الأمر أنّ الناسي يتخيّل أنـّه تحرّك نحو الفرد الثاني في حين أنـّه تحرّك نحو الفرد الأوّل، وهذا لا ضير فيه، من قبيل أن يأمر المولى بالجامع بين الصلاة في المسجد والصلاة في البيت، ويصلي أحد في البيت متخيّلاً أنـّه المسجد وأنّ صلاته في المسجد.

والثاني: أن يخاطب المكلّف بالإتيان بالمقدار الذي يكون ملتفتاً إليه، وهذا الخطاب يحرّك كلّ أحد نحو المقدار الملتفت إليه، وهذا المقدار يختلف باختلاف الأشخاص، وكل أحد يعتقد أنـّه من أتمّ الناس التفاتاً، فالناسي يتخيّل أنـّه يأتي بتمام الأجزاء؛ لأنّه ملتفت إلى تمامها، في حين أنـّه ليس ملتفتاً إلى التمام، ويأتي بالمقدار الملتفت إليه بتحريك نفس ذلك الخطاب.

ولا فرق في تأتّي هذين النحوين من التصوير بين ما لو فرض المكلّف ناسياً في بعض الوقت وما لو فرض استمرار نسيانه إلى آخر الوقت، غاية الأمر أنـّه على الأوّل يكون من الواضح أنّ الناسي لو كان مكلّفاً بشي فليس مكلّفاً بخصوص الأقلّ ضرورة جواز تأخيره للصلاة إلى حين الذكر، ومع فرض التأخير سيأتي بالأكثر.

والقاسم المشترك بين هذين الوجهين هو أنّ الناسي ليس محتاجاً إلى خطاب على حدة حتّى يستشكل فيه بعدم إمكانيّة محركيّته للناسي، بل يمكن تصوير خطاب واحد عام موضوعه مطلق المكلّف بأحد النحوين.

والإنصاف: أنّ شبهة عدم إمكان توجيه الحكم إلى الناسي لم تكن تستحق الذكر والبحث في نفسها، وإنّما بحثناها لاهتمام الأصحاب بها من زمان الشيخ الأعظم (قدس سره) إلى زماننا هذا.

وممّا ذكروه بصدد الجواب عن هذه الشبهة هو ما ذكره المحقّق الخراساني (رحمه الله)(1)


(1) راجع الكفاية: ج 2، ص 240 بحسب الطبعة المشتملة على تعليقة المشكيني.

379

وتبعه عليه المحقّق النائيني (قدس سره)(1) حيث أجابا عن هذه الشبهة بعقليّة نفس صاحب الشبهة الذي يتخيّل الحاجة إلى خطابين، إلّا أنّ صاحب الشبهة كان يفترض أنّ الخطاب الثاني يتوجه إلى الناسي فكان يعترض على ذلك بأنّه غير قابل لتحريك الناسي؛ لأنّ الناسي إمّا أنـّه لا يلتفت إلى توجّه هذا الخطاب إليه، أو يخرج عن موضوع النسيان.

والمحقّق الخراساني فرض توجّه الخطاب الثاني إلى الذاكر، فذكر: أنـّه يوجد هنا خطاب عام بالأقلّ متوجّه إلى مطلق المكلّف فيشمل الذاكر والناسي، والذاكر يخاطب بخطاب آخر مستقل، وهو الخطاب بضمّ الجزء الزائد إلى الأقلّ .

هذا ما ذكره المحقّق الخراساني(رحمه الله) في المقام، وعبارته ظاهرة في التكلّم في مرحلة الثبوت.

والمحقّق النائيني (رحمه الله) ـ أيضاً ـ ذكر نفس التصوير، إلّا أنّ ما وقع في تقرير بحثه من العبارة مشوّش غاية التشويش، فيظهر من بعض العبارة أنـّه ينظر إلى عالم الثبوت والجعل، فذكر جعلين بنحو يثبت بهما وجوب التمام على الذاكر ووجوب الناقص على الناسي، ويظهر من بعضها الآخر أنّ النظر فيه إلى عالم الإثبات وكيفيّة إيصال المطلب إلى الناسي مع كونه ناسياً.

فإن كان المقصود هو الثاني ورد عليه: أنّ هذا الجواب ليس في مستوى الإشكال، فإنّ الإشكال يكون في أصل الجعل المختصّ بالناسي؛ لعدم إمكان إيصاله إلى الناسي بحسب عالم الإثبات، وهذا الاحتيال الإثباتي لا يوصل الجعل المختصّ بالناسي إليه، وإنّما يتخيّل الناسي توجّه الجعل الآخر إليه؛ لأنّه يرى نفسه ذاكراً.

وإن كان المقصود هو الأوّل فهو جواب في مستوى الإشكال؛ لأنّه يتكلّم عن عالم الثبوت ونفس الجعل، لكنّه غير تامّ؛ فإنّنا نتساءل ـ عندئذ ـ عن الخطاب بالأقلّ الذي يعمّ الذاكر والناسي هل هو متعلّق بالأقلّ المقيّد بضمّ الجزء الزائد إليه، أو مطلق من هذه الناحية، أو مهمل يخرج من الإهمال بمتمّم الجعل حسب مبانيه (قدس سره)في باب متمّم الجعل، أو مطلق بالنسبة للناسي ومقيّد بالنسبة للذاكر؟

فإن فرض الأوّل وهو التقييد، فهو خلف ما هو المفروض من وجوب الأقلّ


(1) راجع فوائد الاُصول: الجزء الرابع، ص 71 - 72 بحسب الطبعة التي هي من منشورات مكتبة المصطفوي، وراجع أجود التقريرات: ج 2، ص 304.

380

بدون القيد الزائد على الناسي.

وإن فرض الثاني وهو الإطلاق لزم أن يكون الواجب على الذاكر ـ أيضاً ـ مطلق الأقلّ، وأن يكون الزائد بالنسبة للذاكر واجباً في واجب، وهذا ـ أيضاً ـ خلف ما هو المفروض من وجوب الأقلّ مقيّداً على الذاكر.

ولعلّ مقصوده (قدس سره) هو الفرض الثالث؛ إذ هو منسجم مع مبانيه في الموارد التي يُحكَمُ فيها بالاحتياج إلى خطاب ثان، من قبيل باب الواجبات القربيّة، فيفرض (رحمه الله)الخطاب الأوّل فيه مهملاً ويقول: إنّ هذا الإهمال يجب أن يخرج إلى الإطلاق، أو التقييد بخطاب ثان متمّم له، ويسمّي ذلك نتيجة الإطلاق ونتيجة التقييد.

وعلى أيّة حال، فإن فرض الثالث وهو الإهمال مع متمّم الجعل، ورد عليه ـ لو تمّ مبنى الخطاب المتمّم ونتيجة الإطلاق والتقييد في نفسه ـ: أنّ الإهمال في المقام يستحيل بقاؤه، وهو على حاله حسب مبانيه(قدس سره) بل يجب أن يخرج إلى التقييد بخطاب ثان متوجّه إلى الذاكر، والإطلاق بخطاب ثان متوجّه إلى الناسي، فرجعنا إلى ما فررنا عنه من توجيه الخطاب إلى الناسي بدعوى استحالته.

وإن فرض الرابع وهو كون الخطاب مطلقاً بالنسبة للناسي ومقيّداً بالنسبة للذاكر فهذا مرجعه إلى كون الخطاب خطابين: أحدهما خطاب موضوعه الذاكر وهو مقيّد، والآخر خطاب موضوعه الناسي وهو مطلق فرجعنا مرة اُخرى إلى المحذور.

فتحصّل: أنّ دفع الإشكال بفرض خطابين بهذا النحو غير ممكن، وقد عرفت عدم الحاجة إلى تصوير خطابين وأنـّه يمكن تصوير خطاب واحد مؤد للمقصود بأحد النحوين الماضيين.

وأمـّا الجهة الثانية: وهي أنّ الشكّ فيما نحن فيه هل هو مجرى للبراءة أو الاشتغال؟ فقد ذهب السيّد الاُستاذ إلى التفصيل بين ما إذا قلنا بإمكان توجيه الخطاب إلى الناسي، أو قلنا بعدم إمكانه، فإن قلنا بالأوّل كان الشكّ شكّاً بين الأقلّ والأكثر؛ لفرض معقوليّة خطابه بالأقلّ فتجري البراءة، وإن قلنا بعدم إمكانه فالأقلّ لو كان مجزياً فإنّما يكون إجزاؤه من باب كونه مسقطاً للواجب؛ لوفائه بالملاك، وليس هو بنفسه واجباً، إذن فالشكّ إنّما هو في المسقط وهو مجرىً للاشتغال دون البراءة(1).


(1) راجع مصباح الاُصول: ج 2، ص 465.

381

أقول: إنّ كلا كلاميه في المقام غير صحيح:

أمـّا كلامه الأوّل: وهو أنّ الحال فيما نحن فيه بناءً على إمكان توجيه الحكم نحو الناسي هو حال دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر، فيتّجه فيه نفس الانحلال الذي مضى في بحث الأقلّ والأكثر فهو غير تامّ، سواء فرض النسيان مختصّاً ببعض الوقت بأن تذكّر بعد الصلاة وقبل انتهاء الوقت، أو فرض مستمرّاً ومستوعباً لتمام الوقت.

أمـّا في الفرض الأوّل: وهو فرض التذكّر في الوقت بعد الصلاة، فلأنّ العلم الإجمالي هنا غير منجّز بقطع النظر عن فرض الانحلال الذي مضى في بحث الأقلّ والأكثر، فحتّى لو قلنا بعدم الانحلال هناك لا مجال للاشتغال هنا؛ إذ العلم الإجمالي هنا إنّما يتكوّن بعد خروج بعض أطرافه عن محل الابتلاء؛ لأنّ العلم الإجمالي الموجود في حال النسيان إنّما هو علم إجمالي لشخص آخر يلتفت إلى حال هذا الناسي فيعلم إجمالاً بوجوب الأقلّ أو الأكثر عليه، وهذا العلم لا أثر له؛ إذ ليس موجوداً في نفس الناسي، وأمـّا الناسي في حال النسيان فلا يعقل أن يحصل له العلم الإجمالي بوجوب الصلاة مع السورة المنسيّة مثلاً، أو وجوبها بلا سورة، وإلّا لالتفت إلى السورة وخرج عن كونه ناسياً، نعم، إذا تذكّر بعد الصلاة أنـّه نسي السورة حصل له العلم الإجمالي بوجوب الأكثر، أي: الصلاة التامّة في حال الذكر أو الأقلّ ـ أي الجامع بين الصلاة التامّة والناقصة المقترنة بحال النسيان ـ لكن الطرف الثاني قد خرج عن محل ابتلائه؛ لأنّه قد أتى بالأقلّ قبل ارتفاع نسيانه.

نعم، لو تذكّر في الصلاة بعد مضيّ المحل كان كلا الطرفين داخلاً في محل الابتلاء. وسيأتي منّا ـ إن شاء اللّه ـ حكم ذلك.

وأمـّا في الفرض الثاني: وهو ما إذا استمر النسيان إلى آخر الوقت، فإضافة إلى ما مضى في الفرض الأوّل من كون العلم الإجمالي متحقّقاً بعد خروج أحد الطرفين عن محل الابتلاء نقول: إنّ العلم الإجمالي هنا خارج عن باب الدوران بين الأقلّ والأكثر موضوعاً؛ إذ هو لا يعلم إجمالاً بأنّه إمّا يجب عليه الأقلّ في الوقت، أو الأكثر في الوقت؛ لأنّه في الوقت ليس مكلّفاً بالأكثر حتماً؛ لنسيانه للسورة المانع عن تكليفه بها؛ لعدم قابليّة هذا التكليف للتحريك، وإنّما هو يعلم إجمالاً بوجوب الأقلّ عليه في الوقت، أو الأكثر في خارج الوقت، وهما متباينان.

نعم، هذا العلم الإجمالي ـ كما أشرنا إليه ـ غير منجّز؛ لأنّه حصل بعد خروج الأقلّ في الوقت عن محل الابتلاء.

382

هذا. وإن لاحظنا عالم الملاك والغرض وجدنا بلحاظه علمين إجماليين: علم إجمالي مردّد بين الأقلّ والأكثر بلحاظ الوقت، وقد خرج كلا طرفيه عن محل الابتلاء، وعلم إجمالي آخر مردّد بين المتباينين، بناءً على كون القضاء بملاك مستقلّ، وقد خرج أحد طرفيه عن محل الابتلاء.

وأمـّا كلامه الثاني: وهو فرض الاشتغال بناءً على عدم إمكانيّة توجيه الحكم نحو الناسي؛ لكون الشكّ في المسقط، فأيضاً نتكلّم فيه تارة في صورة ارتفاع النسيان بعد الصلاة وقبل انتهاء الوقت، واُخرى في صورة استيعاب النسيان لتمام الوقت.

أمـّا في الصورة الاُولى: وهي ارتفاع النسيان بعد الصلاة وقبل انقضاء الوقت، فلا يتمّ ما أفاده من الرجوع إلى قاعدة الاشتغال؛ للشكّ في مسقطيّة الأقلّ مع العلم بالتكليف بالأكثر، إذ يرد عليه:

أوّلاً: أنّ الشكّ يكون في أصل التكليف لا في المسقط؛ لأنّه على تقدير كون الأقلّ وافياً بالملاك سوف يسقط عند الإتيان به وجوب الأكثر حتّى وإن لم يمكن إيجابه على الناسي؛ لشبهة الشيخ الأعظم؛ إذ يصبح عدم الإتيان به في حال النسيان شرطاً في وجوب الأكثر لا محالة؛ لأنّه بإتيانه يستوفي الملاك بنحو لا يبقى مجال لإيجابه، ويكفي في الشكّ في حدوث التكليف احتمال كون هذا شرطاً للتكليف بالأكثر حدوثاً، بحيث مهما جاء بالأقلّ في حال النسيان كشف عن عدم وجوب الأكثر عليه من أوّل الأمر.

وثانياً: نفترض التسليم بأنّ ترك الإتيان بالأقلّ في حال النسيان ـ على تقدير عدم جزئيّة السورة في حال النسيان ـ ليس شرطاً للتكليف بالأكثر حدوثاً، وإنّما هو شرط له بقاءً، فهو من أوّل الأمر مكلّف بالأكثر إلى أن يأتي في حال النسيان بالأقلّ، فيسقط بذلك وجوب الأكثر، فالشكّ في ذلك يكون شكّاً في المسقط، ولكن مضى منّا أنـّه ليس عنوان كون الشكّ في المسقط هو المدار لجريان أصالة الاشتغال دون البراءة، وإنّما المدار لذلك هو أن يكون الشكّ في فاعليّة التكليف مع الجزم بفعليّته، فعندئذ لا تجري البراءة العقليّة ولا النقليّة؛ لعدم الشكّ في التكليف، أمـّا الشكّ في فعليّة التكليف فهو مجرىً للبراءة ولو فرض شكّاً في مرحلة البقاء دون الحدوث، وصَدَقَ عليه عنوان الشكّ في المسقط، فحيث إنّ الشكّ يكون شكّاً في أصل التكليف ولو بقاءً يكون مجرىً للبراءة.

نعم، قد يجري عند ذلك استصحاب بقاء التكليف، ويقدّم هذا الاستصحاب

383

على البراءة، لكنّ هذا غير دعوى أنّ الشكّ هنا مجرى للاشتغال دون البراءة، على أنّ السيّد الاُستاذ لا يقول بالاستصحاب في الشبهات الحكميّة.

وثالثا: أنّنا لو سلّمنا أنّ الشكّ في المسقط مجرى للاشتغال، وأنّ الشكّ في المقام شكّ في المسقط، قلنا: إنّ الشكّ هنا إنّما يكون شكّاً في المسقط بلحاظ عالم الجعل؛ لأنّ المولى لا يتمكّن من إيجاب الأقلّ على الناسي؛ لشبهة الشيخ الأعظم (رحمه الله)، وأمـّا بلحاظ عالم الملاك والغرض فالأمر دائر لا محالة بين الأقلّ والأكثر؛ لعدم تأتّي شبهة الشيخ الأعظم (رحمه الله)هناك. وعليه، فلا مانع من إجراء البراءة بلحاظ عالم الملاك، فإنّ السيّد الاُستاذ وإن كان لا يقول بجريان البراءة الشرعيّة بلحاظ عالم الملاك؛ لاختصاصها بالمجعولات الشرعيّة، لكن لا بأس بالتمسّك بالبراءة العقليّة حسب مبانيه، وإن كان الصحيح عندنا عدم إمكان التمسّك بها ـ لو قلنا بالبراءة العقليّة في نفسها ـ؛ وذلك لما مضى منّا من عدم انحلال العلم الإجمالي حقيقة عند دوران الأمر بين تعيين وتخيير من هذا القبيل.

وقد نقول بالتمسّك بالبراءة الشرعيّة في المقام؛ وذلك إمّا تمسّكاً بحديث (الرفع)، بدعوى أنّ الرفع لا يفهم منه عرفاً الاختصاص بخصوص المجعول الشرعي، بل يشمل كل تحميل شرعي يكون بفعل الشارع الاختياري، وما نحن فيه من هذا القبيل، فلئن لم يمكن للمولى جعل الأقلّ على الناسي؛ لشبهة الشيخ الانصاري يمكنه بيان الملاك والغرض ولو بنحو الإخبار، فنجري البراءة عن الإخبار بالزائد، وإمّا تمسّكاً بأدلّة البراءة التي لم تشتمل على مثل كلمة (الرفع) فيمكن التمسّك بها حتّى بلحاظ نفس الملاك.

وأمـّا في الصورة الثانية: وهي استيعاب النسيان لتمام الوقت فعدم كون الشكّ هنا شكّاً في المسقط أوضح؛ إذ هو في داخل الوقت لم يجب عليه شيء لا التمام؛ لكونه ناسياً لبعض الأجزاء، ولا الناقص؛ لعدم إمكان إيجابه على الناسي، ويشكّ بدواً في وجوب القضاء عليه بعد الوقت؛ إذ لو كانت السورة جزءاً في حال النسيان فقد فاتته الصلاة وعليه القضاء، وإن لم تكن جزءاً في حال النسيان لم تَفُته الصلاة وليس عليه قضاء.

نعم، بلحاظ عالم الملاك والغرض يعلم إجمالاً بوجود الغرض إمّا في الأقلّ في الوقت، أو في الأكثر في خارج الوقت، وهو علم إجمالي مردّد بين المتباينين، إلّا أنّ أحد طرفيه قد خرج عن محل الابتلاء قبل حصول العلم.

384

إلى هنا نحن تكلّمنا على كل من مبنيي إمكان توجيه الحكم نحو الناسي، وعدمه في صورتين، وهما: فرض زوال النسيان بعد الصلاة وقبل مضي الوقت، وفرض استيعاب النسيان لتمام الوقت.

ولا بأس بالإشارة إلى صور اُخرى للالتفات إلى ما فيها من نكات زائدة تكميلاً للبحث.

منها: أن يفرض تذكّره للجزء المنسيّ بعد الدخول في الركن، وهنا لا يرد على السيّد الاُستاذ ما مضى من إشكال خروج بعض أطراف العلم الإجمالي عن محل الابتلاء، إلّا أنّ هنا علماً إجماليّاً منجّزاً لا محيص عن الاحتياط بلحاظه، وهو العلم الإجمالي الذي مضى في باب الشكّ في أصل الجزئيّة من العلم بأنّه إمّا يجب عليه إتمام هذه الصلاة أو يجب عليه استئناف صلاة اُخرى(1).

وقد مضى عن المحقّق العراقي (رحمه الله) جوابان عن تنجيز هذا العلم الإجمالي: أحدهما لم يكن تامّاً في نفسه، والجواب الثاني وهو تنجّز أحد طرفي العلم الإجمالي بمنجّز آخر وإن تمّ على مبنانا من جريان الأصل في أطراف العلم الإجمالي لدى عدم الابتلاء بالمعارض، لكنّه لا يأتي هنا؛ فإنّ وجوب الإتمام إنّما كان بعلم تفصيلي زال بالتذكّر.

ومنها: أن يفرض تذكّره بعد التجاوز عن المنسيّ وقبل الدخول في الركن لو احتمل عدم لزوم التدارك عندئذ، وحينئذ لو لم يكن التدارك على تقدير عدم وجوبه مستلزماً للوقوع في زيادة مبطلة، أو لفوات الوقت، كان العلم الإجمالي


(1) إن كان موضوع حرمة الإبطال الصحّة الواقعيّة، تمّ هذا العلم الإجمالي، ولابدّ من الاحتياط. وإن كان موضوعها الصحّة الظاهريّة ـ أي جواز الاكتفاء بما بيده من الصلاة ـ جرت البراءة عن الأكثر، وبذلك يثبت جواز الاكتفاء بما بيده من الصلاة وبالتالي يحرم قطعها. وإن كان موضوع حرمة الإبطال الجامع بين الصحّتين، تمّ ـ أيضاً ـ العلم الإجمالي في المقام. وإن كان موضوعها مجموع الصحّتين جرت البراءة عن وجوب الإتمام وعن وجوب الأكثر، ولا علم إجمالي في المقام، وتخيّر بين إتمام ما بيده من الصلاة وبين الاستئناف بإتيان الأكثر.

وإن فرض أنّ الصحّة الواقعيّة موضوع لحرمة الإبطال مع كون وجوب الاستئناف مانعاً عن حرمة الإبطال بشرط أن لا يكون وجوب الاستئناف ناتجاً من علم إجماليّ، كان أحد طرفيه نفس هذه الحرمة تمّ ـ أيضاً ـ العلم الإجمالي في المقام.

385

بوجوب الإتمام، أو التدارك والإتمام علماً إجماليّاً بالأقلّ والأكثر، فتجري البراءة.

ولو كان التدارك على تقدير عدم وجوبه مستلزماً للوقوع في زيادة مبطلة فأمره في التدارك دائر بين المحذورين، فيصبح مخيّراً، وأيّ طرف اختار تجب عليه إعادة الصلاة؛ لأنّ ما هو عِدْل لإعادة الصلاة كان مردّداً بين متباينين، ولم يأتِ إلّا بأحدهما.

هذا، لو قلنا بحرمة الإبطال في مثل هذا الفرض وإلّا جاز له أن يقطع ويعيد.

ولو كان التدارك مستلزماً لفوات الوقت، فإن كان ما حصل من ضيق الوقت مسقطاً لذلك الجزء كان عليه التمام من دون تدارك، وإلّا فأيضاً دار أمره في التدارك بين المحذورين، وأيَّ طرف اختار تجب عليه الإعادة(1).

ومنها: أن يفرض أنـّه كان متذكّراً للسورة في أوّل الوقت ولم يصلّ ثم نسي وصلّى واستمر نسيانه إلى آخر الوقت، هنا يتشكّل له العلم الإجمالي بلحاظين:

الأوّل: لحاظ مجموع الوقت المفروض انتهاؤه، والثاني: لحاظ زمان النسيان مع ما بعد الوقت.

أمـّا باللحاظ الأوّل: فهو يعلم إجمالاً بأنّه إمّا وجب عليه خصوص التامّ، أو الجامع بين الناقص في حال النسيان والتامّ، وهذا العلم الإجمالي إنّما يتكوّن بلحاظ عالم الملاك فقط لو قلنا بعدم إمكان إيجاب الناقص على الناسي، ويتكوّن حتّى بلحاظ الخطاب لو قلنا بإمكانه، وهذا علم إجماليّ مردّد بين الأقلّ والأكثر، وعلى أيّ حال لا أثر لهذا العلم الإجمالي لخروج كلا طرفيه عن محل الابتلاء.

وأمـّا باللحاظ الثاني: فهو يعلم إجمالاً بأنّه إمّا وجب عليه الناقص في حال النسيان، أو التامّ بعد مضيّ الوقت، وهذا علم إجمالي مردّد بين المتباينين، وهو إنّما يتكوّن بلحاظ عالم الملاك فقط لو قلنا بعدم إمكان إيجاب الناقص على الناسي، ويتكوّن بلحاظ الخطاب لو قلنا بإمكانه.

وعلى أيّ حال، فأحد طرفيه خارج عن محل الابتلاء، وتجري البراءة عن الطرف الآخر.

 

 


(1) بل إنّما تجب عليه الإعادة لو اختار عدم التدارك، أمـّا لو اختار التدارك، فهو لم يقع في محذور، إلّا محذور فوات الوقت، وهو لا يوجب الإعادة.

386

 

إطلاق دليل الجزئيّة لحال النسيان

وأمّا المقام الثاني: فهو البحث عن مدى دلالة الدليل اللفظيّ على الجزئيّة في حال النسيان وعدمها، وإن كان هذا خارجاً في الحقيقة عن بحث الأقلّ والأكثر الذي عقد لتوضيح الأصل العملي لدى دوران الأمر بينهما.

وبما أنّ الرجوع في المقام إلى الأصل العملي من براءة أو اشتغال كان متفرّعاً على عدم وجود دليل لفظي يدلّ على الجزئيّة، أو عدمها في حال النسيان، تكلّموا في أصل وجود دليل لفظي على أحد الطرفين وعدمه.

والتكلّم في ذلك يمكن على أحد مستويين:

المستوى الأوّل: التكلّم حسب الدلالة الخاصّة في الأبواب المختلفة المقتضية للجزئيّة وعدمها، كأن يتمسّك في باب الصلاة مثلاً بحديث (لا تعاد)، وهذا المستوى من البحث لا يناسب علم الاُصول، وإنّما يناسب أبواب الفقه، بأن يبحث في كلّ باب عمّا هو مقتضى أدلّة ذاك الباب.

المستوى الثاني: التكلّم حسب قواعد عامّة واستنتاج بعض النتائج مبنيّاً على بعض الفروض، وهذا ما بحثوه في المقام.

وقد فرضوا بهذا الصدد دليلين: أحدهما يدلّ على أصل وجوب الواجب والآخر يدلّ على جزئيّة الزائد، وقالوا: إن كان دليل الجزئيّة له إطلاق ثبتت الجزئيّة في حال النسيان، وإن لم يكن له إطلاق رجعنا إلى دليل الواجب، فإن كان لمادّته إطلاق لفرض عدم هذا الجزء ثبت عدم جزئيّته في حال النسيان، إذ المقيّد إنّما ورد في حال الذكر فقط، وإن لم يكن لشيء من الدليلين إطلاق وصلت النوبة إلى الأصل العملي. ثم أُورد حول هذا الذي ذكروه شبهات وتكلّموا فيها:

فتارة تورد الشبهة بلسان يثبت الجزئيّة في حال النسيان حتّى لو لم يكن لدليل الجزئيّة إطلاق، واُخرى تورد الشبهة بلسان يثبت عدم الجزئيّة في حال النسيان حتّى لو كان لدليل الجزئيّة إطلاق ظاهر؛ وذلك إمّا لمنع الإطلاق بعد التأمّل أو لمانع خارجي.

أمـّا إيراد الشبهة بالنحو الأوّل فهو مبنيّ على شبهة الشيخ الأعظم (رحمه الله) من عدم إمكان إيجاب الناقص على الناسي، وتقريبه: أنـّه لو لم تكن السورة مثلاً جزءاً في

387

حال النسيان، فإمّا أنـّه يجب على الناسي الصلاة بلا سورة، أو أنّ الصلاة بلا سورة مسقط للواجب عنه، فلو صلّى بلا سورة لم تجب عليه الصلاة حتّى لو تذكّر بعد ذلك في الوقت. والثاني مناف لإطلاق الهيئة في دليل الواجب، والأوّل مناف لفرض عدم إمكان إيجاب الناقص على الناسي.

والجواب: أنّ إطلاق المادّة في دليل الواجب يكون تحته ثلاثة أفراد: الفرد التامّ، والفرد الناقص في حال النسيان، والفرد الناقص في حال الذُكر، ودليل جزئيّة السورة الذي لا إطلاق له لفرض ا لنسيان قد أخرج الفرد الثالث فحسب، فبقي تحت إطلاق مادّة الواجب الفرد الأوّل والثاني، وهيئته إنّما توجب الجامع بين هذين الفردين، ولا مانع من توجّه هذا الوجوب إلى الذاكر والناسي معاً، وهذا في الحقيقة راجع إلى ما مضى من جوابنا عن أصل شبهة الشيخ الأعظم (قدس سره) بإمكان الاكتفاء بخطاب واحد عامّ متعلّق بالجامع بين الفرد الناقص في حال النسيان والفرد التامّ.

وأمـّا إيراد الشبهة بالنحو الثاني، فتارة يقرّب بدعوى مانع داخلي عن التمسّك بالإطلاق، واُخرى يقرّب بدعوى وجود المانع الخارجي عن ذلك:

أمـّا التقريب الأوّل: فهو مختصّ بما إذا كان دليل الجزئيّة بلسان الأمر لا بلسان الإخبار عن الجزئيّة مثلاً، وهو أنّ الأمر لا يشمل العاجز لاشتراط التكليف بالقدرة، فلا يدلّ على الجزئيّة في حال العجز، فيرجع إلى إطلاق دليل الواجب لو كان، وإلّا فإلى الأصل العملي.

وهذه الشبهة لا تجري فيما إذا كان النسيان في بعض الوقت ولم يستمرّ إلى تمامه؛ لأنّ إيجاب الجزء الزائد بلحاظ مجموع الوقت معقول عندئذ.

وعلى أيّة حال، فقد أجابوا عن هذه الشبهة بأنّ الأمر بالجزء لو كان أمراً مولويّاً اختصّ بالقادر، لكنّه ليس كذلك، وإنّما يفهم منه الإرشاد إلى الجزئيّة، وهذا ممكن حتّى بشأن العاجز، فيؤخذ بإطلاقه.

أقول: إنّ انسلاخ هذا الأمر عن المولويّة ممنوع، ولهذا ترى استهجان التصريح بالإطلاق بأن يقول المولى: إقرأ السورة في الصلاة ولو كنت عاجزاً، بخلاف ما لو قال: السورة جزء للصلاة ولو كنت عاجزاً، فهذا الأمر مفاده هو البعث المولوي، نعم هذا البعث ليس بداعي ملاك نفسيّ في السورة ضمنيّ أو استقلاليّ، بل بداعي الجزئيّة أو الشرطيّة، فيكون دائماً مشروطاً بفرض الإتيان بالصلاة إمّا تصريحاً كقوله تعالى: ﴿إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم﴾، أو بحسب الفهم العرفي من منصرف الكلام، كما إذا قال: اقرأ السورة في الصلاة، فإنّ الذي يفهمه العرف من ذلك هو: أنـّه إن صلّيت فاقرأ فيها السورة، ولهذا يصحّ هذا الأمر بلحاظ الصلاة الاستحبابيّة ـ أيضاً ـ

388

على ما هو عليه من الظهور في البعث الإلزامي، مع أنّ الأمر الضمنيّ المتعلّق بها في الصلاة الاستحبابيّة ليس إلزاميّاً.

فإذا أبطلنا في المقام إرشاديّة هذا الأمر ونفي المولويّة عنه، فلابدّ من استئناف جواب آخر فنقول: قد يفرض أنّ المولى بصدد بيان أنّ وجوب السورة ملازم لوجوب الصلاة بحيث كلّما كانت الصلاة واجبة فالسورة واجبة، ولازم ذلك سقوط وجوب الصلاة عند سقوط وجوب السورة بالعجز عنها مثلاً، وهذا المطلب يمكن للمولى تفهيمه بصيغة العموم بأن يقول: كلّما وجبت الصلاة فقد وجبت السورة، فيفهم العبد الملازمة بين وجوب الصلاة ووجوب السورة، ولازم ذلك أنّ سقوط وجوب السورة يستلزم سقوط وجوب الصلاة، ومن المقبول عرفاً أن يعوّض المولى عن أدوات العموم بمقدّمات الحكمة فيقول: إذا وجبت الصلاة فاقرأ السورة فيها، وإذا أمكن عرفاً بيان ذلك بالإطلاق فمن الممكن أن يُدّعى أنّ المتفاهم عرفاً من الأمر بالجزء هو الإطلاق بهذا المعنى، أي: كونه في مقام بيان الملازمة المطلقة بين وجوب الصلاة ووجوب السورة، وهذا الفهم العرفي ثابت وصحيح، ولذا ترى أنّ العلماء لا يزالون يستفيدون من الأمر بالجزء الجزئيّة حتّى في حال العجز، إلى أن أورد المتأخّرون منهم الإشكال بأنّ الأمر يختصّ بالقادر، فاضطرّوا في مقام التوفيق بين الفنّ وفهمهم العرفي إلى الجواب بأنّ الأمر هنا إرشاد إلى الجزئيّة.

ونحن نستفيد من الأمر بالجزء الإطلاق بهذا المعنى، أي: بمعنى كون الملازمة بين وجوب الصلاة ووجوب الجزء مطلقة، ولازمهُ سقوط وجوب الصلاة عند العجز عن الجزء، لا بمعنى ثبوت وجوب الجزء حتّى في حال العجز عنه، كي يقال: إنّ التكليف مشروط بالقدرة.

ولا يقال: إنّ هذا الإطلاق يقطع بخلافه في فرض النسيان إمّا تخصيصاً أو تخصّصاً.

فإنّه يقال: إنّنا لم نفهم من إطلاق الكلام إطلاق ذات وجوب السورة، بل قلنا: إنّ الإطلاق إنّما هو بداعي بيان الملازمة، وهذا لا يعلم إجمالاً بتخصيصه أو تخصّصه؛ لاحتمال ثبوت الملازمة حتّى في حال النسيان، فيكون أصل الصلاة ساقطاً عنه، والذي قطعنا بخلافه إنّما هو ثبوت اللازم أعني وجوب السورة لا الملازمة(1).

 


(1) دعوى أنّ مفاد الإطلاق عرفاً هو الملازمة بين وجوب الفعل ووجوب جزئه بعيدة

389

وأمـّا التقريب الثاني: فهو عبارة عن التمسّك بحديث (رفع النسيان) المقتضي لصحّة الصلاة مثلاً عند فوات جزء منها كالحمد نسياناً.

وصحّة هذا التقريب وفساده متفرّع على المباني الماضية في حديث (الرفع)، فإن اخترنا أنّ المقصود بالنسيان هو ما نشأ من النسيان وهو هنا ترك الحمد مثلاً، وأنّ الرفع رفع عنائي للوجود الخارجي، أي: فرض ما في الخارج بمنزلة نقيضه، صحّ إثبات المقصود هنا بحديث (الرفع)، إذ قد فرض ترك الحمد بمنزلة فعله، وهذا في الحقيقة حكم بترتّب آثار الفعل، فحديث (الرفع) حاكم على مثل قوله:« لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب »؛ إذ يحكم بثبوت الفاتحة في المقام.

وإن فرض أنّ المقصود بالنسيان هو المنسيّ وهو الحمد في المقام، وجب أن يفرض أنّ الرفع رفع حقيقي للوجود التشريعي لا رفع عنائي للوجود الخارجي؛ لأنّ المفروض عدم وجود الحمد خارجاً.

وعلى أيّة حال، فإن فرض أنّ الرفع رفع حقيقي للوجود التشريعي فسواء فرض أنّ المرفوع هو المنسيّ وهو الحمد في المقام، أو ما نشأ من النسيان وهو الترك، نقول: إنّه إن اختصّ النسيان ببعض الوقت فلا مجال للتمسّك بحديث (الرفع)؛ إذ الحمد في خصوص ذاك الوقت، أو تركه فيه ليس موجوداً بوجود تشريعي حتّى يرفع، وإنّما الموجود بالوجود التشريعي هو الحمد في مجموع الوقت، أو تركه في جميع الوقت.

 


فيما إذا كان المركّب مستحبّاً دائماً، لا واجباً في بعض الاحيان، بأن يقال: رغم عدم وجوب الكل أبداً كان المولى بصدد بيان الملازمة بين وجوب الكل ووجوب جزئه.

فالاُولى دعوى أنّ مفاد الإطلاق عرفاً في الأمر بالجزء هو الملازمة بين الإتيان بالفعل صحيحاً ووجوب جزئه، ولازمه أنـّه حينما لا يمكن إيجاب الجزء للعجز عنه يستحيل الإتيان بالفعل صحيحاً.

وبكلمة اُخرى: أنّ الأمر بالجزء مفاده المباشر هو البعث إلى الجزء الداعي الذي يكشف عنه هذا البعث هو الجزئيّة، والعرف هنا حَمَلَ الإطلاق لحالة العجز بعد استحالة إطلاق المفاد المباشر ـ وهو البعث ـ على كونه بداعي بيان إطلاق الجزئيّة، وهذا يختلف عن فرض كون الأمر بالجزء إرشاداً محضاً إلى الجزئيّة كما قال به الأصحاب، والسرّ في استهجان التصريح بالإطلاق أنّ هذا التصريح يقوّي ظهور الكلام في ارتباط الإطلاق بنفس المفاد المباشر للأمر وهو البعث.

390

وإن استمرّ النسيان في تمام الوقت صحّ التمسّك بحديث الرفع، ودلّ الحديث على عدم وجوب الحمد، أو حرمة تركه مثلاً، لكنّ هذا أعمّ من فرض وجوب الصلاة عليه بلا حمد، أو عدم وجوبها؛ لأنّ ارتفاع وجوب الحمد يمكن أن يكون بارتفاع وجوب أصل الصلاة، ويمكن أن يكون مع فرض وجوب الباقي، فلا يثبت بذلك عدم جزئيّة الحمد للصلاة في حال النسيان.

وإذا كان لدليل الجزئيّة إطلاق بالنحو الذي مرّ، ثبت بذلك سقوط وجوب أصل الصلاة عنه.

وما ذكرناه من الشقوق مرّت مع تحقيقها ـ على ما اتذكّر ـ في حديث الرفع.

 

حول فرض الزيادة

التنبيه السادس: في فرض الزيادة.

وهنا أبحاث فقهيّة لا ينبغي التعرض لها هنا، بل تُذكر في محالّها من الفقه، من قبيل أنّ الزيادة في الصلاة هل تبطل أو لا؟ وما هي حدود مبطليّتها؟ وما هو حكم الزيادة في الطواف؟ وما إلى ذلك.

ولكنّنا نتكلّم هنا في الجهات الكلّيّة المرتبطة بشكل مباشر، أو غير مباشر ببحث دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر، والبحث يقع في جهات عديدة:

 

صور مبطليّة الزيادة

الجهة الاُولى: في تصوير أقسام الجعل الشرعي التي تُنتج مبطليّة الزيادة، حتّى يرى أنّ الشكّ في أي قسم من أقسامه يكون مجرى للبراءة وهي ما يلي:

الأوّل: أن يؤخذ عدم الزيادة شرطاً، ولا إشكال في معقوليّة ذلك، فإنّ هذا الجعل لا يكشف عن كيفيّة غير معقولة في الملاك، ولا يلزم منه تأثير الأمر العدمي في الأمر الوجودي؛ إذ لا أقلّ من تصوير كون ملاك الواجب بنحو تكون الزيادة مانعة عن حصوله، فلا محالة يصبح عدمها شرطاً. وهذا يكفينا في معقوليّة هذا القسم. ولو فرض عدم إمكان فرض آخر للملاك يناسب هذا القسم، سنشير إليه في القسم الثاني إن شاء اللّه.

391

الثاني: أن يؤخذ عدم الزيادة جزءاً للواجب، كما جاء في كلام المحقّق الخراساني(رحمه الله)(1).

إلّا أنّ المحقّق الاصفهاني(رحمه الله) استشكل في إمكان ذلك(2)؛ لأنّ كلّ نحو من أنحاء الجعل يكشف عن نحو من أنحاء الملاك مناسب له، فالقسم الأوّل وهو شرطيّة عدم الزيادة كان يناسب فرض كون الزيادة مانعة عن حصول الملاك، وهذا أمر معقول، ولكنّ هذا القسم وهو فرض جزئيّة عدم الزيادة يناسب كون عدم الزيادة بنفسه أحد أجزاء علّة حصول الملاك، وهذا مستحيل لاستحالة تأثير الأمر العدمي في الأمر الوجودي.

ويرد عليه: أولاً: أنّ من الملاك أن يفرض أنّ الملاك في الواجب لم يكن أمراً وجوديّاً خارجيّاً، بل كان عبارة عن حصول الاستعداد للعبد لإفاضة الكمال عليه مثلاً، وليس من المستحيل تأثير الأمر العدمي في مثل الاستعداد والإمكان. وبهذا تصوّرنا الشرط المتأخّر الذي يؤثر فيما سبق، مع أنـّه غير موجود، حيث قلنا: إنّه يؤثّر في الإمكان والاستعداد، ولا بأس به، وهذا ما مضى توضيحه والبرهنة عليه في بحث الشرط المتأخّر(3) ولا نعيده هنا.

 


(1) راجع الكفاية: ج 2، ص 244 بحسب الطبعة المشتملة على تعليق المشكيني.

(2) راجع نهاية الدراية: ج 2، ص 284.

(3) هذا إشارة إلى الدورة الاُولى من البحث، إمـّا ما حضرته من بحث الشرط المتأخّر فقد كان من الدورة الثانية، وما اختاره(رحمه الله) هناك لا يتأتّى هنا، فقد ذكر هناك في تصوير الشرط المتقدّم ـ الذي بُحث ضمن مبحث الشرط المتأخّر ـ إشكال كيفيّة تأثير الشرط المتقدّم في الملاك الذي يكمن في المتأخّر مع أنّ ذاك الشرط ينتهي وينعدم لدى وجود المشروط، ونقل جواباً عن ذلك وهو أنّ الشرط المتقدّم ليس مؤثّراً كي يستحيل تقدّمه، بل هو من المقدّمات الإعداديّة الخالقة للإمكان والاستعداد، وبرهن(رحمه الله) على أنّ هذا الكلام بظاهره لا يتمّ إلّا بإرجاعه إلى أنّ الشرط المتقدّم يخلق أمراً مقارناً له ثمّ ينتهي الشرط ويبقى أثره بقوّة مبقية إلى زمان تحقّق المشروط، فهو في واقعه شرط مقارن لا متقدّم.

وهذا الكلام كما ترى لا يأتي فى المقام، فإنّ العيب في المقام لم يكن ينشأ من عدم التقارن وتقدّم المؤثّر حتّى يحلّ بهذا البيان، وإنّما كان ينشأ من كون المؤثّر رغم تقارنه للأثر أمراً

392

هذا. وإنّما فرضنا أنّ ملاك الواجب عبارة عن حصول الإمكان والاستعداد، وعدم الزيادة دخيل فيه، ولم نفرض أنّ ملاك الواجب عبارة عن أمر وجودي خارجي، وعدم الزيادة دخيل في إمكان ذلك الأمر والاستعداد له؛ لأنّه إذا فرضنا هكذا كان عدم الزيادة شرطاً لدخله في قابليّة القابل مثلاً لا جزءاً.

وثانياً: أنـّه يمكن أن يفرض أنّ في ملاك الواجب جهة عدميّة، كما إذا أحبّ المولى أن يحصل على دينار في حال عدم مرضه، فيفرض أنّ عدم الزيادة دخيل في ذلك الأمر العدمي.

وقد تحصّل أنّ هذا القسم الثاني ممكن ثبوتاً كالقسم الأوّل، ولكنّ المأنوس في ذهن أهل العرف هو القسم الأوّل، ـ أعني الشرطيّة ـ لا الثاني، وهذا الاُنس يكون إلى درجة تُعطي لقول الشارع مثلاً (الزيادة مبطلة) الظهور في الشرطيّة والانصراف عن الجزئيّة، بحيث لو ترتّبت على ذلك ثمرة عمليّة يُحكم بالشرطيّة.

الثالث: أن يكون عدم الزيادة مأخوذاً في الجزء، كما إذا كان الركوع مثلاً مشروطاً بعدم التكرار.

وذكر المحقّق الخراساني(رحمه الله) أنّ هذا يرجع إلى النقيصة دون الزيادة(1).

فإن كان مقصوده(رحمه الله) بذلك إنكار الزيادة موضوعاً فهذا غير صحيح؛ إذ لاتقابل بين حصول الزيادة وحصول النقيصة، فهنا قد حصلت النقيصة إذلم يأت بالركوع الذي هو جزء للصلاة؛ لأنّه كان مقيّداً بعدم التكرار، وحصلت الزيادة أيضاً، إذ الركوع الثاني بل والركوع الأوّل بعد سقوطه عن الجزئيّة زيادة ـ لامحالة ـ حتّى على أخصّ الأقوال الفقهيّة في الزيادة وهو كونها عبارة عن إضافة شيء بقصد الجزئيّة مع كونه مسانخاً لأحد أجزاء الصلاة، فإنّ هذه الزيادة مسانخة لأحد أجزاء الصلاة وهو الركوع، إذ ليس المراد بالمسانخة هي المسانخة حتّى في الحدّ كي يقال: إنّ الركوع الصلاتي كان محدوداً بحدّ التوحّد والانفراد وهذا الحدّ غير موجود في هذه الزيادة.

هذا. والمحقّق الاصفهاني(قدس سره) وجّه كلام اُستاذه وفسّره بتفسير آخر، وهو أنّ مقصوده هو إنكار الزيادة حكماً لا موضوعاً، وذلك بمعنى أنّ ما اُخذ عدمه في الجزء


عدميّاً، وهذا كما ترى لا ينحلّ بهذا البيان، نعم ينحلّ بما هو الظاهر من الجواب الذي نقله اُستاذنا هناك: من أنـّه لا بأس بتأثير الأمر العدمي بمعنى خلقه للإمكان والاستعداد، ولكنّه(رحمه الله) قد ناقش هذا الظاهر هناك فراجع.

(1) راجع الكفاية: ج 2، ص 244 بحسب الطبعة المشتملة على تعليق المشكيني.

393

لا يعقل أن يؤخذ ذلك الشيء مع هذا مانعاً في أصل الصلاة مثلاً؛ إذ المانعيّة فرع ثبوت الاقتضاء، وقد ارتفع الاقتضاء بزيادة هذا الجزء لإبطاله للجزء المزيد عليه(1)

أقول: إنّ هذا الكلام لا يناسب مبناه(قدس سره) من أنّ عدم الزيادة يستحيل أن يكون دخيلاً في الملاك؛ للزوم تأثير المعدوم في الموجود، فإنّه على هذا لا يكون معنى دخل عدم الزيادة في الجزء إلّا مانعيّة الزيادة عن تأثير الجزء، ولا منافاة بين أن تكون للزيادة مانعيّتان في عرض واحد: مانعيّة عن التأثير بلحاظ الجزء، ومانعيّة عن التأثير بلحاظ المجموع(2).

نعم، لو فرض أنّ عدم الزيادة ليس هو المأخوذ في الجزء بعنوانه، وإنّما المأخوذ في الجزء هو عنوان آخر وجودي ملازم له، كعنوان التوحّد والتفرّد إن تصوّرناه، فعندئذ يعقل حتّى على مبناه فرض قصور المقتضي بانتفاء ذاك العنوان الوجودي الدخيل في الاقتضاء، لكنّ هذا ـ أيضاً ـ لا ينافي فرض المانعيّة، فإنّه وإن سقط هذا الجزء بالزيادة عن اقتضائه الضمنيّ، لكنّ بقيّة الأجزاء باقية على اقتضائها الضمنيّ، فيمكن فرض مانعيّة هذه الزيادة عنها، فلا معنى لإنكار إمكان المانعيّة في


(1) راجع نهاية الدراية: ج2، ص 282 .

(2) أمّا إذا صار القرار على الخروج من مبناه وافتراض عدم الزيادة جزءاً، فإذن لم يبق موضوع للاستشكال في مانعيّة الزيادة بعدم معقوليّة المانعيّة عند عدم تماميّة المقتضي؛ إذ ليست الزيادة مانعة، وإنّما عدم الزيادة جزء من المقتضي، فيمكن فرض انتفاء هذا الجزء في عرض انتفاء جزء آخر.

هذا. ويمكن أن يكون مقصود المحقّق الخراساني والشيخ الاصفهاني(رحمهما الله): أنّ مجرّد فرض الزيادة مانعة عن صحّة الجزء يكون ملحقاً حكماً بالنقيصة، أي: أنّ معنى هذا الفرض بطلان الصلاة بفقدان الركوع الواجد للشرائط مثلاً، لا بطلانها بالزيادة.

نعم، يمكن فرض بطلانها بالزيادة ـ أيضاً ـ بأن يكون الركوع الثاني أو الأوّل ـ أيضاً ـ بعد فقدانه للشرط زيادة مانعة عن الصحّة، لكنّ هذا يعني الجمع بين أحد القسمين الأوّلين لفرض مبطليّة الزيادة، وهما أخذ عدم الزيادة شرطاً أو شطراً في أصل الواجب، والقسم الثالث وهو مبطليّة الزيادة للجزء، ولم يكن المقصود استحالة الجمع بين قسمين، وإنّما كان المقصود أنّ القسم الثالث بما هو هو يلحق حكماً بالنقيصة لا الزيادة، أي: أنـّه لا يوجب بنفسه بطلان الصلاة بالزيادة، وإنّما يوجب بطلان الصلاة بفقدانها للجزء الواجد للشرائط.

394

المقام حتّى في هذا الفرض، إلّا بمعنى أنّ هذه المانعيّة لا أثر لها؛ إذ المفروض أنّ تلك الأجزاء مقتضيات ضمنيّة لا استقلاليّة، ولم تنضمّ إلى ذلك الجزء الآخر، فلا تؤثّر شيئاً(1).

ثمّ إنّ ما ذكره المحقّق الخراساني(رحمه الله) في المقام من عدم تصوير الزيادة إذا كان الجزء مشروطاً بعدم الزيادة؛ لرجوع الزيادة ـ عندئذ ـ إلى النقيصة صار منشأً لتوسيع البعض للإشكال وتعميقه؛ وذلك بدعوى أنـّه لا تتصوّر الزيادة سواء فرض الجزء مشروطاً بعدم الزيادة، أو فرض لا بشرط بالنسبة للزيادة، أمـّا إذا كان مشروطاً بعدم الزيادة، فلما ذكره المحقّق الخراساني(رحمه الله) من رجوع الزيادة إلى النقيصة، وأمـّا إذا كان لا بشرط؛ فلأنّ الجزء ـ عندئذ ـ يكون هو الإعمّ من ركوع واحد مثلاً أو ركوعين، فلو أتى بركوعين كان المجموع جزءاً ولم تكن هناك زيادة.

وأجاب عن ذلك السيّد الاُستاذ: بأنّ الجزء قد يفرض بشرط لا واُخرى يفرض لا بشرط، بمعنى كون الجزء هو الجامع بين الركوع والركوعين على حدّ تخيير الوجـوب بين الأقلّ والأكثر، وفي هذين الفرضين لا تعقل الزيادة لما ذكره المستشكل، وثالثة يفرض لا بشرط لكن لا بمعنى أنّ الركوع الثاني إن أتى به أصبح جزءاً للجزء، بل بمعنى أنّ ضمّ الركوع الثاني إلى الركوع الأوّل ضمّ للحجر إلى جنب الإنسان لا يضرّ ولا ينفع، فصرف وجود الركوع جزء، والزائد عليه ليس جزءاً ولا مانعاً، وعندئذ تتصوّر الزيادة(2).

أقول: يمكن هنا طرح عدّة أسئلة:

1 ـ أصحيح ما ذكره من أنّ الجزء إذا كان بشرط لا لم تتصوّر فيه الزيادة، أو تتصوّر الزيادة لعدم منافاتها للنقيصة، فما أتى به من الركوع الثاني بل وكذا الركوع الأوّل زيادة لا محالة؟!

2 ـ أصحيح ما ذكره من أنـّه إذا أخذ الركوع لا بشرط بمعنى الجامع بين الركوع والركوعين لم تتصوّر الزيادة؟ فلو أضاف أحد غرفة إلى غرف بيته أفلا يصدق أنـّه


(1) الظاهر أنّ من يقول بأنّ عدم النتيجة لدى عدم المقتضي لا يسند إلى المانع، وإنّما يسند إلى عدم المقتضي لا يفرّق بين كون المقتضي مفقوداً بجميع أجزائه أو ببعض أجزائه، فهو يقصد أنّ المقتضي ما لم يتمّ باجتماع كلّ ما له دخل في الاقتضاء لا يسند عدم النتيجة إلى وجود المانع.

(2) راجع الدراسات: ج 3، ص 293، والمصباح: ج 2، ص 466 - 467.

395

زاد في بيته غرفة لا لشيء إلّا لأنّ البيت يكون لا بشرط من ناحية كون غرفه ثلاثاً أو أربعاً مثلاً بمعنى أخذ الجامع فيه؟!

3 ـ أصحيح ما ذكره من أنـّه إذا كان الركوع لا بشرط بمعنى أخذ صرف الوجود جزءاً، وكون الزائد نسبته إلى الفرد الأوّل نسبة الحجر إلى جنب الإنسان لا يضرّ ولا ينفع، صَدَقَتِ الزيادة؟ فلو أنّ أحداً طبع كتاب الكفاية وطبع خلفه في نفس المجلّد كتاباً آخر، قيل عنه أنـّه زاد في الكفاية لا لشيء إلّا لأنّه ضمّ في ذاك المجلّد إلى الكفاية كتاباً آخر كضمّ الحجر إلى جنب الإنسان؟!

ولو أنّ أحداً صنّف في الاُصول كتاباً وكتب خلفه كتاباً آخر في علم النحو الذي تكون نسبته إلى الاُصول نسبة الحجر إلى الإنسان، صَدَقَ أنـّه زاد في الاُصول شيئاً؟!

قد يتبادر إلى الذهن من هذه الأسئلة أنّ الحقّ يكون على العكس ممّا ذكره السيّد الاُستاذ تماماً، ففي كلّ فرض نفى الزيادة يكون الصحيح هو إثباتها، وفي كل فرض أثبتها يكون الصحيح هو نفيها. إلّا أنّ الأمر ليس كذلك وإنّما هذه الإسئلة مشيٌ على منهج كلامه من الخلط بين الزيادة الحقيقيّة والزيادة التشريعيّة، وعدم الالتفات إلى نكات الزيادة الحقيقيّة.

وتحقيق المطلب: هو أنّ الزيادة على قسمين ولا يتمّ كلامه سواءٌ حمل على القسم الأوّل، أو على القسم الثاني، أو على الجامع بينهما:

أمـّا القسم الأوّل: فهو الزيادة الحقيقيّة، وصدق الزيادة الحقيقيّة لشيء في شيء آخر له شرطان:

الشرط الأوّل: أن يكون المزيد فيه مطّاطاً ومَرِناً يمكن أن يشتمل على تلك الزيادة كما يمكن أن لا يشتمل عليها، وذلك كما في مثال البيت الذي يصدق على البناء المخصوص بما فيه من غرف، سواء فرضت ثلاثاً أو أربعاً مثلاً، ولو لم يكن كذلك لم تصدق الزيادة فيه، فمن بنى خلف داره بستاناً أو حانوتاً لا يصدق أنـّه زاد في بيته؛ لأنّ مفهوم البيت لا يشتمل على بستان أو حانوت خلفه، ولهذا لا تصدق الزيادة في الكفاية، أو في الاُصول على طبع كتاب خلف الكفاية، أو تأليف كتاب خلف كتاب الاُصول؛ لعدم مطّاطية الكفاية، أو الاُصول ومرونته بلحاظ تلك الزيادة.

الشرط الثاني: أن يكون هناك حدّ ـ خارج حقيقة المزيد فيه ـ ينافي تلك الزيادة حتّى يتحدّد المزيد فيه بذلك، ويجعل في قبال الزيادة، وذلك كما لو أمر البنّاء ببناء بيت واُعطي بيده خارطة لذلك البناء، وفي تلك الخارطة لا توجد إلّا

396

ثلاث غرف ثمّ بنى أربع غرف، فإنّه يصدق هنا أنـّه زاد في البيت غرفة، وأمـّا لو لم يحدّ من أوّل الأمر بهذا الحدّ فبنى بيتاً ذا غرف أربع فلا يصدق أنـّه زاد في البيت غرفة، ولو قيل: إنـّه زاد في البيت غرفة لسُئِل هل ـ عجباً ـ كان القرار أن يكون البيت ذا ثلاث غرف فزاد في البيت غرفة؟ نعم، إذا كان هناك بيت فيه موضع ـ بوضعه الخارجي ـ ثلاث غرف، ثمّ بنى فيه غرفة اُخرى قيل عنه ـ أيضاً ـ: أنـّه زاد في بيته غرفة؛ لوجود الحدّ المنافي لتلك الزيادة، وذلك هو نفس الوضع الخارجي للبيت.

والآن علينا أن نرى أنـّه في أيّ قسم من الأقسام تصدق الزيادة في الصلاة بالإتيان بالركوع الثاني، وفي أيّ قسم منها لا تصدق الزيادة فيها بالإتيان به.

فنقول: تارة يتكلّم في الزيادة في مسمّى الصلاة، واُخرى يتكلّم في الزيادة في الواجب.

أمـّا الزيادة في مسمّى الصلاة ففي القسم الثالث: وهو فرض مسمّى الصلاة لا بشرط بالمعنى الثاني، لا تصدق الزيادة؛ وذلك لانتفاء الشرط الأوّل؛ إذ مسمّى الصلاة ليس ـ حسب الفرض ـ مطّاطاً يمكن اشتماله على الركوع الثاني، كما أنّ الإنسان ليس مطّاطاً يمكن اشتماله على الحجر المنضمّ اليه، فلو أنّ شخصاً أخذ بيده حجراً لا يصدق أنـّه زيد في الإنسان شيء، وكذلك الحال في القسم الأوّل: وهو فرض الجزء بشرط لا، فإنّ مسمّى الصلاة ـ أيضاً ـ لا يمكن أن يشتمل على الركوع الثاني، فالشرط الأوّل مفقود.

وأمـّا في القسم الثاني: وهو فرض كون المأخوذ في مسمّى الصلاة الجامع بين الركوع الواحد والركوعين فالشرط الأوّل ثابت، كما هو الحال في البيت الذي يمكن أن يشتمل على ثلاث غرف، ويمكن أن يشتمل على أربع غرف، لكنّ الشرط الثاني غير ثابت، إن فرض أنّ الدخيل في الواجب هو الجامع بين ركوع واحد وركوعين، كما كان الدخيل في مسمّى الصلاة ذلك؛ لأنّه لا يوجد حدّ مناف للركوع الثاني، فلا تصدق الزيادة عندئذ، وإن فرض أنّ الدخيل في الواجب هو الركوع بشرط لا عن الزيادة، أو لا بشرط بالمعنى الثاني من اللا بشرطيّة، فالشرط الثاني ـ أيضاً ـ موجود؛ لأنّ الركوع الثاني زيادة في مسمّى الصلاة على حدّ الواجب.

وبهذا ظهر أنـّه إن كان نظر السيّد الاُستاذ إلى الزيادة الحقيقيّة في مسمّى الصلاة لم يصحّ ما أفاده، بل لا تصدق الزيادة في القسم الذي ذكر صدق الزيادة فيه وهو القسم الثالث، وقد تصدق الزيادة وقد لا تصدق في القسم الثاني الذي أنكر فيه صدق الزيادة، ولا تصدق الزيادة وفاقاً للسيّد الاُستاذ في القسم الأوّل.