3

 

 

 

 

فتاوى في الأموال العامّة

 

 

 

تأليف

سماحة آية الله العظمى

السيّد كاظم الحسينيّ الحائريّ

دام ظلّه الوارف

4

 

 

 

 

 

 

 

 

 

‌الكتاب: … ‌فتاوى في الأموال العامّة

‌المؤلّف: … ‌سماحة آية الله العظمى السيّد كاظم الحسينيّ الحائريّ دام ظلّه

‌الناشر: … ‌دار البشير

‌الطبعة وتأريخ الطبع: …‌ الثانية / 1427 هـ ق / 2006 م

‌عدد النسخ: … ‌ 7000

‌ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

‌إصدار

‌مكتب سماحة آية الله العظمى السيّد الحائريّ دام ظلّه

حقوق الطبع محفوظة للمؤلّف

5

 

 

 

 

 

9

 

 

 

 

تمهيد

 

 

الحمد لله ربّ العالمين الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأفضل الصلوات على أفضل النبيّين والمرسلين محمّد وآله الأطيبين وصحبه المنتجبين.

قال اُستاذنا الشهيد ـ رضوان الله عليه ـ بصدد فهرسة موجزة للجزء الثاني من الفتاوى الواضحة:

«الأموال، وهي على نوعين:

أ ـ الأموال العامّة، ونريد بها: كلّ مال مخصّص لمصلحة عامّة، ويدخل ضمنها الزكاة والخمس؛ فإنّهما

10

ـ على الرغم من كونهما عبادتين ـ يُعتبَرُ الجانبُ الماليُّ فيهما أبرزَ، وكذلك يدخل ضمنها الخراج والأنفال وغير ذلك. والحديث في هذا القسم يدور حول أنواع الأموال العامّة، وأحكام كلّ نوع، وطريقة إنفاقه.

ب ـ الأموال الخاصّة، ونريد بها: ما كان مالاً للأفراد. واستعراض أحكامها في بابين:

الباب الأوّل: في الأسباب الشرعيّة للتملّك، أو كسب الحقّ الخاصّ، سواءٌ كان المال عينيّاً ـ أي: مالاً خارجيّاً ـ أو مالاً في الذمّة، وهي: الأموال التي تشتغل بها ذمّة شخص لآخر، كما في حالات الضمان والغرامة، ويدخل في نطاق هذا الباب أحكامُ الإحياء، والحيازة، والصيد، والتبعيّة، والميراث، والضمانات، والغرامات، بما في ذلك عقود الضمان، والحوالة، والقرض، والتأمين، وغير ذلك.

الباب الثاني: في أحكام التصرّف في المال،

11

ويدخل في نطاق ذلك البيع، والصلح، والشركة، والوقف، والوصيّة، وغير ذلك من المعاملات والتصرّفات»(1).

وهذه من مميّزات الإسلام في مقابل المذهب الاقتصاديّ الرأسماليّ والمذهب الاقتصاديّ الاشتراكيّ.

وحبّذا أن نتبرّك مرّة اُخرى بنصّ عبارة اُستاذنا الشهيد ـ رضوان الله عليه ـ بهذا الصدد، قال(رحمه الله):

«يختلف الإسلام عن الرأسماليّة والاشتراكيّة في نوعيّة الملكيّة التي يقرّرها اختلافاً جوهريّاً.

فالمجتمع الرأسماليّ يؤمن بالشكل الخاصّ الفرديّ للملكيّة، أي: بالملكيّة الخاصّة كقاعدة عامّة، فهو يسمح للأفراد بالملكيّة الخاصّة لمختلف أنواع الثروة في البلاد تبعاً لنشاطاتهم وظروفهم، ولا يعترف


(1) قد أخذنا هذا المقطع من آخر أبحاث تمهيديّة من الفتاوى الواضحة، فراجع.

12

بالملكيّة العامّة إلّا حين تفرض الضرورة الاجتماعيّة وتبرهن التجربة على وجوب تأميم هذا المرفق أو ذاك، فتكون هذه الضرورة حالة استثنائيّة يضطرّ المجتمع الرأسماليّ ـ على أساسها ـ إلى الخروج عن مبدأ الملكيّة الخاصّة، واستثناء مرفق أو ثروة معيّنة من مجالها.

والمجتمع الاشتراكيّ على العكس تماماً من ذلك؛ فإنّ الملكيّة الاشتراكيّة فيه هي المبدأ العامّ الذي يُطبَّق على كلّ أنواع الثروة في البلاد، وليست الملكيّة الخاصّة لبعض الثروات في نظره إلّا شذوذاً واستثناءً قد يعترف به أحياناً بحكم ضرورة اجتماعيّة قاهرة.

وعلى أساس هاتين النظريّتين المتعاكستين للرأسماليّة والاشتراكيّة يُطلَق اسم (المجتمع الرأسماليّ) على كلّ مجتمع يؤمن بالملكيّة الخاصّة بوصفها المبدأ الوحيد، وبالتأميم باعتباره استثناءً ومعالجة لضرورة اجتماعيّة، كما يطلق اسم (المجتمع

13

الاشتراكيّ) على كلّ مجتمع يرى أنّ الملكيّة الاشتراكيّة هي المبدأ، ولا يعترف بالملكيّة الخاصّة إلّا في حالات استثنائيّة.

وأمّا المجتمع الإسلاميّ فلا تنطبق عليه الصفة الأساسيّة لكلّ من المجتمعين؛ لأنّ المذهب الإسلاميّ لا يتّفق مع الرأسماليّة في القول بأنّ الملكيّة الخاصّة هي المبدأ، ولا مع الاشتراكيّة في اعتبارها للملكيّة الاشتراكيّة مبدأً عامّاً، بل إنّه يقرّر الأشكال المختلفة للملكيّة في وقت واحد، فيضع بذلك مبدأ الملكيّة المزدوجة (الملكيّة ذات الأشكال المتنوّعة) بدلاً عن مبدأ الشكل الواحد للملكيّة الذي أخذت به الرأسماليّة والاشتراكيّة، فهو يؤمن بالملكيّة الخاصّة، والملكيّة العامّة، وملكيّة الدولة، ويخصّص لكلّ واحدة من هذه الأشكال الثلاثة للملكيّة حقلاً خاصّاً تعمل فيه، ولايعتبر شيئاً منها شذوذاً واستثناءً أو علاجاً مؤقّتاً اقتضته الظروف.

14

ولهذا كان من الخطأ أن يسمّى المجتمع الإسلاميُّ مجتمعاً رأسماليّاً، وإن سمح بالملكيّة الخاصّة لعدّة من رؤوس الأموال ووسائل الانتاج؛ لأنّ الملكيّة الخاصّة عنده ليست هي القاعدة العامّة. كما أنّ من الخطأ أن نُطلق على المجتمع الإسلاميّ اسمَ المجتمع الاشتراكيّ، وإن أخذ بمبدأ الملكيّة العامّة وملكيّة الدولة في بعض الثروات ورؤوس الأموال؛ لأنّ الشكل الاشتراكيَّ للملكيّة ليس هو القاعدة العامّة في رأيه. وكذلك من الخطأ أيضاً أن يعتبر مزيجاً مركّباً من هذا وذاك؛ لأنّ تنوّع الأشكال الرئيسيّة للملكيّة في المجتمع الإسلاميّ لا يعني: أنّ الإسلام مزج بين المذهبين الرأسماليّ والاشتراكيّ وأخذ من كلّ منهما جانباً، وإنّما يُعبِّر ذلك التنوّع في أشكال الملكيّة عن تصميم مذهبيّ أصيل قائم على اُسس وقواعد فكريّة معيّنة وموضوع ضمن إطار خاصّ من القيم والمفاهيم تناقض الاُسس والقواعد والقيم والمفاهيم التي قامت

15

عليها الرأسماليّة الحرّة والاشتراكيّة الماركسيّة.

وليس هناك أدلُّ على صحّة الموقف الإسلاميّ من الملكيّة القائم على أساس مبدأ الملكيّة المزدوجة من واقع التجربتين الرأسماليّة والاشتراكيّة؛ فإنّ كلتا التجربتين اضطُرّتا إلى الاعتراف بالشكل الآخر للملكيّة الذي يتعارض مع القاعدة العامّة فيهما؛ لأنّ الواقع برهن على خطأ الفكرة القائلة بالشكل الواحد للملكيّة، فقد بدأ المجتمع الرأسماليّ منذ أمد طويل يأخذ بفكرة التأميم، وينزع عن بعض المرافق إطار الملكيّة الخاصّة. وليست حركة التأميم هذه إلّا اعترافاً ضمنيّاً من المجتمعات الرأسماليّة بعدم جدارة المبدأ الرأسماليّ في الملكيّة، ومحاولةً لمعالجة ما نجم عن ذلك المبدأ من مضاعفات وتناقضات.

كما أنّ المجتمع الاشتراكيّ من الناحية الاُخرى وجد نفسه ـ بالرغم من حداثته ـ مضطرّاً أيضاً إلى الاعتراف بالملكيّة الخاصّة قانونيّاً حيناً، وبشكل

16

غير قانونيّ أحياناً اُخرى.

فمن اعترافه القانونيّ بذلك ما تضمّنته المادّة السابعة في الدستور السوفياتي من النصّ على أنّ لكلّ عائلة من عوائل المزرعة التعاونيّة بالإضافة إلى دخلها الأساسيّ الذي يأتيها من اقتصاد المزرعة التعاونيّة المشتركة قطعةً من الأرض خاصّة بها وملحقة بمحلّ السكن، ولها في الأرض اقتصادٌ إضافيّ، ومنزل للسكنى، وماشية منتجة، وطيور، وأدوات زراعيّة بسيطة، كملكيّة خاصّة.

وكذلك سمحت المادّة التاسعة بتملّك الفلاّحين الفرديّين والحرفيّين لمشاريع اقتصاديّة صغيرة، وقيامِ هذه الملكيّات الصغيرة إلى جانب النظام الاشتراكيّ السائد»(1).

قال اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) هذا الكلام وهو لم يشهد


(1) راجع كتاب اقتصادنا بحث الهيكل العامّ للاقتصاد الإسلاميّ أوائل البحث تحت عنوان مبدأ الملكيّة المزدوجة.

17

عصر انهيار المعسكر السوفياتي بالكامل، كما لم يشهد عصر الخوف والهلع اللذين غمرا المعسكر الرأسماليّ الغربيّ حينما بدأ يحسّ أخيراً بأمارات الانهيار الكامل، فرأى العلاج بجعل العالم على فوهة الحرب بأمل أن يطيل ذلك شيئاً ما من عمر هيمنته على العالم، وبأمل أن يقوّي سيطرته على العالم الإسلاميّ، وينهب بركاته أكثر من ذي قبل ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾.

ونحن نهدف هنا إلى الحديث عن الأموال العامّة، وهي على ثلاثة أقسام:

فمنها: مايكون من الأموال العامّة، بمعنى: أنّها مملوكة لجهة عامّة، وليست لعموم المسلمين ولا للدولة الإسلاميّة، ومثاله: الزكاة التي هي ملك للأصناف الثمانية التي سيأتي ـ إن شاء الله ـ تفصيل أحكامها، قال الله تعالى:

﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ

18

عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾(1).

ومنها: مايكون ملكاً للدولة، ومثاله: الفيء والأنفال، قال الله تعالى:

﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْل وَلاَ رِكَاب وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ * مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الاَْغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾(2).


(1) سورة التوبة، الآية: 60.

(2) سورة الحشر، الآية: 6 ـ 7.

19

وقال الله تعالى:

﴿يَسْأَ لُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ...﴾(1).

ومنها: مايكون ملكاً للمسلمين، ومثاله: الأراضي الخراجيّة، وهي: التي فتحت بالقتال من قِبَل المسلمين في حرب مشروعة، وكانت عامرة حين الفتح. وخراجها للمسلمين.

 


(1) سورة الأنفال، الآية: 1.

21

 

 

 

 الزكاة.

 الخمس.

 الفيء والأنفال.

     اللقطة ومجهولة المالك.

 أرض الخراج.

 

23

 

 

الـزكـاة

 

 الشروط العامّة لوجوب الزكاة.

 ما تجب فيه الزكاة.

 ما تستحبّ تزكيته.

 مستحقّو الزكاة.

 بقيّة من أحكام الزكاة.

 زكاة الفطرة.

 

25

 

 

 

 

الزكاة مثال للقسم الأوّل، أعني: ما يكون مملوكاً لجهة عامّة لا لعموم المسلمين ولا للدولة الإسلاميّة كما مضت الإشارة إلى ذلك. وإليك تفاصيل الأحكام:

 

الشروط العامّة لوجوب الزكاة

 

1 ـ لوجوب الزكاة شروط عامّة سارية في تمام الأعيان الزكويّة، وشروط خاصّة تختصّ ببعضها.

والشروط العامّة خمسة:

أ ـ البلوغ.

ب ـ العقل.

ج ـ الحرّيّة.

26

د ـ الملك.

هـ ـ التمكّن من التصرّف.

2 ـ ولا نستثني من شرط البلوغ الغلاّتِ الأربعَ، على خلاف ماورد عن اُستاذنا الشهيد الصدر(رحمه الله) في تعليقته على (منهاج الصالحين) من استثنائه للغلاّت الأربع من هذا الشرط.

3 ـ ولا يُشترط في الأعيان الزكويّة التي لابدّ من مرور الحول عليها البلوغُ في تمام الحول، بل يكفي البلوغ في ساعة تعلّق الزكاة.

وكذلك العقل لا يكون شرطاً في ثبوت وجوب الزكاة إلّا في حال التعلّق، فما يكون تعلّق الزكاة به مشروطاً بمضيّ الحول عليه لا يشترط فيه العقل في تمام الحول.

4 ـ وأيضاً لا نستثني من شرط العقل الغلاّتِ ولا الأنعامَ، على خلاف ماورد عن اُستاذنا الشهيد(رحمه الله)في تعليقته على (منهاج الصالحين) من استثنائهما.