161

يوسف(عليه السلام) يستقبل أبويه و إخوته:

قوله تعالى: ﴿آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْه﴾ أي: ضمّهما إليه، يعني: عانقهما.

قوله(عليه السلام): ﴿ادْخُلُوا مِصْر﴾ هذا يدلّ على أنّه استقبلهم خارج مصر، وعلى أحد أبوابه.

قوله عزّ من قائل: ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْش﴾ هذا في داخل قصره.

قولهعز وجل: ﴿خَرُّوا لَهُ سُجَّداً﴾ يعني: طاعةً لله، وتحيّةً ليوسف، فلم يكن هذا عبادة لغير الله، وهذا بعينه هو الحال في سجود الملائكة لآدم.

وروى المجلسيّ في البحار(1) عن تفسير عليّ بن إبراهيم ما حاصله: لمّا دخلوا مصر قعد يوسف على سريره، ووضع تاج الملك على رأسه، فأراد أن يراه أبوه على تلك الحالة، فلمّا دخل أبوهلم يقم له(2)، فخرّوا كلّهم له سجّداً، فقال يوسف: ﴿يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ


سؤال المملوك المولّى عليه: أن يجعله كما تستدعيه ولايته عليه في الدنيا والآخرة، وهو الإسلام مادام حيّاً في الدنيا، والدخول في زمرة الصالحين في الآخرة.

(1) ج 12، ص 250 ـ 252.

(2) لعلّه أراد بهذا إبراز عظمة مُلكه هو إدخالاً للسرور على أبيه، ولكن مع ذلك كان هذا يعني: صدور ترك الأولى عنه. (من المؤلّف دام ظلّه).

162

رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً ...﴾ فنزل عليهجبرئيل، فقال له: يا يوسف، أخرج يدك، فأخرجها، فخرج منبين أصابعه نور، فقال يوسف: ما هذا يا جبرئيل؟ فقال: هذهالنبوّة أخرجها الله من صلبك؛ لأنّك لم تقم إلى أبيك. ومحا النبوّةمن صلبه، وجعلها في وُلد لاوي أخي يوسف؛ وذلك لأنّهم لمّاأرادوا قتل يوسف، قال: ﴿لاَ تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ﴾فشكر الله له ذلك، ولمّا أرادوا أن يرجعوا إلى أبيهم من مصر وقد حبس يوسف أخاه، قال: ﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾ فشكر الله له ذلك. فكان أنبياءبني إسرائيل من ولد لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، وكان موسى من ولده.

قوله: ﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ﴾ وكأنّه لم يذكر إخراجه من الجبّ؛ لأنّ هذا كان يؤذي إخوته.

قوله: ﴿وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ﴾أي: من البادية، وكأنّ هذا يعني: أنّ أولاد يعقوب كانوا رعاة للمواشي في بوادي كنعان.

قوله: ﴿مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي﴾ كذلك هذا مراعاة لعواطف إخوته، فلم يذكر أنّ الخطأ كان منهم، وإنّما ذكر نزغ الشيطان بينه وبينهم.

163

العفو زكاة الظفر:

هكذا كانت سماحته وحنانه وعطفه وعفوه بعد المقدرة، وقد ورد في رواياتنا الإسلاميّة كراراً أنّ زكاة الغلبة والمقدرة هي العفو والمغفرة، فعن عليّ(عليه السلام) أنّه قال: «إذا قدرت على عدوّك، فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه»(1) و «العفو زكاة القدرة»(2) و «العفو زكاة الظفر»(3).

قوله: ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ هذا دعاء لنفسه بحسن العاقبة.

* * *



(1) نهج البلاغه بشرح ابن أبي الحديد، ج 18، ص 109.

(2) عيون الحكم والمواعظ لعليّ بن محمّد الليثيّ الواسطيّ، ص 31.

(3) المصدر السابق، ص 38.

164

 

 

﴿ذَلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ﴾(1). صدق الله العليّ العظيم.

 

قصّة يوسف(عليه السلام) نبأ حقّ:

هذا ختمٌ لحكاية قصّة يوسف(عليه السلام)، فكأنّه سبحانه يقول: إنّ ذكر هذه القصّة لك ـ يا رسول الله(صلى الله عليه وآله) ـ هو من أنباء الغيب خالياً من الشوائب والأغلاط الموجودة في الكتُب المحرَّفة، نوحيه إليك وأنت لم تكن لديهم؛ إذ أجمعوا أمرهم على المكر.

وتركنا ذكر باقي آيات السورة المباركة؛ لأنّها خارجة عن قصّة يوسف.

وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربّ العالمين.



(1) الآية: 102.

﴿ذَلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ...﴾ الإشارة بـ ﴿ذلك﴾ إلى نبأيوسف(عليه السلام). والخطاب للنبيّ(صلى الله عليه وآله)، وضمير الجمع لإخوة يوسف. والإجماع: العزم والإرادة. فبعد ما انتهت قصّة يوسف(عليه السلام) بكلّ دروسها التربويّة ونتائجها الغزيرة والقيّمة والخالية من جزاف القول والخرافات التأريخيّة، انتقل الكلام إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله)ليقول له: إنّ نبأ يوسف من أنباء الغيب، فإنّا نوحيه إليك والحال أنّك ما كنت عند إخوة يوسف، إذ عزموا على أمرهم وهم يمكرون في أمر يوسف.