486

أفضل دليل ذكره السيد الخوئي على ضمان بدل الحيلولة وناقشه هو قاعدة نفي الضرر وأورد عليه بوجوه(1):

1 ـ انّ القاعدة تنفي حكم الموضوع الضرري كالوضوء الضرري لا الحكم الضرري كما في المقام وهذا الإشكال ذكره في المحاضرات(2) وانكره في المصباح(3).

2 ـ انّ القاعدة تنفي الحكم في موارد الضرر ولا تثبت الحكم لنفي ضرر كان يثبت لولاه.

وهذان الإشكالان مبنائيان وقد أثبتنا في بحث لا ضرر خلافهما.

3 ـ النسبة بين الضرر وموارد بدل الحيلولة عموم من وجه فقد يكون زمان الحيلولة قصيراً فلا يلتزم فيه بضمان البدل مع أنّ الضرر متحقّق ولو في زمان قصير وقد يكون زمان الحيلولة طويلاً ويلتزم فيه ببدل الحيلولة ولو فرض المالك ثريّاً بحيث لا يهتمّ أبداً بماله المحجوز.

أقول: بالنسبة للشقّ الأوّل نلتزم في مورده بالضمان متى ما صدق الضرر وبالنسبة للشقّ الثاني لو قلنا: إنّ عدم اهتمامه بالمال المحجوز لا يمنع عن صدق الضرر فلا إشكال في المقام ولو قلنا: إنّه يمنع عن صدق الضرر أصبح الدليل أخص من المدّعى ولكن لا يبطل الدليل من أساسه.

4 ـ لم نجد أحداً استدلّ بالقاعدة على بدل الحيلولة فيما إذا حال أحد بين


(1) راجع المحاضرات 2: 207 ـ 210، ومصباح الفقاهة 3: 204 ـ 209.

(2) المحاضرات 2: 207.

(3) مصباح الفقاهة 3: 204.

487

المالك وماله بمنعه من التصرّف بالحبس مثلاً، مع أنّه لا فرق في ذلك بين حبس المالك عن المال أو حبس المال عن المالك.

أقول: إنّ الحكم في كلا الموردين سواء، فعلى الحابس بالدرجة الاُولى فكّ ما حبسه فإن كان قد حبس المال عن مالكه وجب فكّ الحبس عن المال وإرجاع المال إلى مالكه، وإن كان قد حبس المالك عن ماله وجب فكّ المالك وإيصاله إلى ماله لو كان قد أبعده عنه وإذا عجز عن رفع الحاجز بين المال والمالك في كلا الموردين وكان يريد المالك الاستفادة من بدل المال كانت عليه تهيئة البدل، ولا أظنّ انّ المسألة بهذا الشكل مبحوثة في كلمات الأصحاب حتى يستظهر الاتفاق على عدم ضمان بدل الحيلولة في فرض حبس المالك وعجزه عن إرجاعه إلى ماله.

ولا نقصد بضمان بدل الحيلولة الضمان بالمعنى المصطلح الذي هو من الأحكام الوضعية بل نقصد به ما يعمّ مجرّد الوجوب التكليفي لدفع البدل إذا أراد المالك وقاعدة لا ضرر هنا لا تثبت أكثر من ذلك.

5 ـ ان إثبات ضمان بدل الحيلولة بلا ضرر يوجب الضرر على الضامن فيقع التعارض بين الضررين والتساقط.

أقول: إنّ هذا الكلام لا يأتي بشأن الغاصب لانّ لا ضرر منصرف عن الغاصب وعن أي شخص يكون إجراؤه بشأنه تشجيعاً له في ارتكاب الحرام.

وعلى أيّة حال فهنا وجه آخر لإثبات ضمان الحيلولة غير الوجوه التي ذكرها السيد الخوئي وناقشها وهو الارتكاز العقلائي الممضى بعدم الردع.

والظاهر في الارتكاز انّ دافع البدل يملك الأصل أي انّ دفع البدل يكون بملاك المبادلة فقد يقال: لا يجب عليه إرجاع العين إذا رجعت بعد ذلك إلى

488

حوزته ولكن قد يقال: يجب عليه ذلك إذا كان البدل غير واجد لأوصاف العين كما لو كان عبارة عن القيمة لا المثل وذلك لانّ تنازل المالك عن تلك الأوصاف انّما كان عن اضطرار أوجده له الضامن فيكون له بعد زوال العذر حق خيار فسخ المبادلة التي وقعت في زمن العذر.

الخامس ـ لو لم يوجد المثل إلّا بأكثر من قيمة المثل (لا لارتفاع القيمة السوقية للندرة وإلّا لكانت هي قيمة المثل) لم يجب شراؤه لعدم حكم الارتكاز بذلك ولا ضرر يمنع عن ذلك ولا يعارض بلا ضرر بشأن المالك لانّه ليس ضرراً مالياً بل هو ضرر حقيّ متوقّف على اعتراف العقلاء بهذا الحق ولا يعترفون به.

إلى هنا ننتهي من كتاب فقه العقود، وأسأل الله تعالى ان يتقبّله خالصاً مخلصاً لوجهه ويجعله ذخراً لي ليوم فاقتي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.