268

هذا تمام الكلام في أدلّة صحّة عقد الفضولي للمالك من دون سبق منع من المالك.

أدلّة بطلان عقد الفضولي:

وقد يستدل على بطلان عقده بمعنى عدم مصحّحية الإجازة المتأخّرة له بأدلّة شرط الرضا أو شرط الملك.

من قبيل الآية الشريفة: ﴿لا تاكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلّا أن تكون تجارة عن تراض منكم﴾(1) وحديث: لا يحل مال امرئ مسلم إلّا بطيبة نفسه(2).

ومن قبيل: روايات النهي عن بيع ما ليس عندك(3) أو عن بيع ما لا يملك(4).

ويمكن أن يجاب بعدّة أجوبة عامّة على كل أدلّة اشتراط الرضا أو الملك.

الجواب الأوّل ـ إنّ هذه النواهي إن دلّت على البطلان فانّما تدلّ على البطلان بلحاظ من توجّه إليه النهي وهو العاقد الفضولي، ولا تمنع عن الصحّة للمالك بإجازته فان دلّت بإطلاقها على البطلان حتى بعد الإجازة فانّما تدلّ على بطلان بيع من يبيع لنفسه ثم يملكه بالشراء مثلاً ثم يجيز، ولا تدلّ على البطلان حتى بعد إجازة المالك الأوّل.


(1) النساء: 29.

(2) 3: 424، الباب 3 من أبواب مكان المصليّ، الحديث 1، و 19: 3، الباب 1 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3.

(3) الوسائل 12: 374 ـ 375، الباب 7 من أبواب أحكام العقود، الحديث 2 و 5، بلسان: نهي النبي (صلى الله عليه وآله) عن بيع ما ليس عندك وسنن البيهقي الصفحة 339، الحديث 5، عن النبي (صلى الله عليه وآله): لا تبع ما ليس عندك.

(4) الوسائل 12: 252، الباب 2 من أبواب عقد البيع وشروطه.

269

وقد يردّ هذا الجواب بدعوى إطلاق النهي لما إذا كان الفضولي يقصد البيع للمالك لا لنفسه والبطلان عندئذ يعني عدم ترتّب الأثر المقصود له وهو تحقّق البيع للمالك، ومقتضى إطلاقه عدم تحقّقه حتى بعد الإجازة فانّ دليل شرط الرضا أو الملك ظاهر في الشرط المقارن كما هو الحال عادة في أدلّة الشروط، خرج من الثاني يقينا فرض الاذن المقارن فهو مصحّح للعقد رغم عدم مالكية العاقد، وبقى الباقي هذا، مضافاً إلى انّ كلمة (عن) في الآية الشريفة تدلّ على ضرورة نشوء التجارة عن تراض وهذا لا يكون إلّا في الرضا المقارن.

والجواب الثاني ـ انّ استناد التجارة والعقد إلى المالك يتم من حين الإجازة ببعض البيانات الماضية وعندئذ يتم الشرط المقارن وتتم نشوء التجارة عن تراض.

والجواب الثالث ـ انّ الدليل على صحّة بيع الفضولي بالإجازة المتأخّرة وهو صحيحة محمّد بن قيس يقدم على هذه الأدلّة بالأخصية هذا، مع إمكان الجواب على كثير من أدلّة شرط الرضا أو الملك بجواب خاص بكل واحد واحد منها وذلك كالتالي:

1 ـ قوله: لا يحل مال امرئ مسلم إلّا بطيبة نفسه انّما دلّ على اشتراط الحل بالمقارنة بطيب النفس لا اشتراطه بمقارنة التجارة بطيب النفس، ونحن لم نقل في بيع الفضولي بثبوت الحل قبل طيب النفس.

2 ـ قوله تعالى: ﴿لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلّا ان تكون تجارة عن تراض﴾ قد أجاب الشيخ (رحمه الله) عن الاستدلال به بأن الاستثناء منقطع والاستثناء المنقطع لا يدل على الحصر(1).

 


(1) راجع المكاسب 1: 127، بحسب الطبعة المشتملة على تعليق الشهيدي.

270

وأورد السيد الخوئي على ذلك حسب ما ورد في المصباح(1) بوجوه ثلاثة:

1 ـ انّ الاستثناء المنقطع غلط فليس من المقبول عرفاً استثناء شيء لم يفترض دخوله في المستثنى منه فلا يحمل القرآن على ما يعتبر غلطاً، (وما يتخيّل كونه منقطعاً يحمل على افتراض الدخول في المستثنى منه ولو ادّعاء كأن يقول: ما رأيت أحداً من العلماء إلّا أبناءهم فافترض انّ أولاد العلماء من العلماء ادّعاء فاستثناهم من الحكم)(2) ولو قيل مثلاً: ما رأيت عالماً إلّا جاهلاً كان الكلام مستهجناً.

2 ـ انّه لو سلمنا صحّة الاستثناء المنقطع فهنا لا بد أن يكون الاستثناء متصلاً لانّه لا تصلح ما في الآية من كلمة (الأكل) ولا كلمة (الأموال) ولا كلمة (الباطل) لان تكون مستثنى منها فلا بد من افتراض كون المستثنى منه محذوفاً وهو بقرينة باء السببية عبارة عن أسباب التجارة فكأنّما قال: لا تأكلوا أموالكم بأسباب التجارة إلّا بالتجارة عن تراض فحذف المستثنى منه وجعلت كلمة (بالباطل) مكانه.

3 ـ لو سلّمنا كون الاستثناء منقطعاً كان سوق الآية مساق بيان الأسباب المشروعة للمعاملات، وتمييز صحيحها عن فاسدها قرينة كافية لإفادة الحصر.

أقول: أمّا الوجه الثالث فلا يمكن المساعدة عليه فانّنا انّما نفهم كون الآية بصدد تمييز كل الأسباب الصحيحة من الفاسدة بسبب الحصر وإلّا فمن المحتمل كون الآية بصدد النهي عن أكل أموال الناس بالأسباب الباطلة وبصدد بيان صحّة


(1) مصباح الفقاهة 4: 79 ـ 81.

(2) هذا المقطع الموجود بين القوسين مأخوذ من المحاضرات 2: 319.

271

التجارة عن تراض ولا تكون بصدد بيان شيء آخر وهذا الوجه غير موجود في المحاضرات.

وأمّا الوجه الأوّل والثاني فكل منهما لو فصل عن الآخر كان قابلاً للمناقشة.

أمّا الوجه الأوّل ـ فلانّه هب انّ الاستثناء المنقطع مرجعه إلى الاستثناء المتصل بفرض دخول المستثنى في المستثنى منه ـ ولو ادّعاءً ـ وإخراجه عن حكمه، فلتكن الآية أيضاً من هذا القبيل ففرضت التجارة عن تراض أمراً باطلاً ثم استثنيت ولكن هذا لا يدلّ على أنّ سائر الاُمور فرضت باطلاً ولم تستثن كما انّ قوله: ما جاءني القوم إلّا حماراً يدلّ على أنّه فرض الحمار من القوم فاستثناه فهذا يعني انّ حمارهم جاء ولكنه لا يدلّ على أنّ البقر أيضاً فرض من القوم ولم يستثنه حتى يثبت عدم مجيء البقر، ولعلّ الشيخ (رحمه الله) لم يقصد بعدم دلالة الاستثناء المنقطع على الحصر إلّا هذا المعنى ولم يقصد بالاستثناء المنقطع إلّا ما كان حقيقة خارجاً عن المستثنى منه ولو كان داخلاً فيه ادّعاء.

وأمّا الوجه الثاني ـ فلانّه وإن كانت كلمة (المال) وكلمة (الأكل) غير صالحتين لفرض استثناء التجارة عن تراض من احديهما لانّ التجارة عن تراض ليست من سنخ الأموال ولا من سنخ الأكل، وانّما هي سبب للأكل بمعناه العام الشامل للتملّك ولكن كلمة (الباطل) تصلح أن تكون مستثنى منها لانّه يقصد بالباطل أسباب الأكل والتجارة عن تراض أيضاً سبب للأكل فيناسب استثناءها من الباطل إلّا من ناحية انّ التجارة عن تراض ليست متصفة بالبطلان، لكن هذا رجوع إلى إشكال الاستثناء المنقطع والمفروض في هذا الوجه الثاني غضّ النظر عن إشكال الانقطاع.

272

إلّا انّ هذين الوجهين لو صيغ منهما وجه واحد للجواب على كلام الشيخ أصبح وجهاً مقبولاً نسبياً وارتفع كلا الإشكالين، ولعل هذا هو مقصود السيد الخوئي واشتبه الأمر على المقرر كما يشهد لذلك ما في المحاضرات(1) حيث جمع الوجهين في وجه واحد.

وتوضيح الأمر هو انّ بالإمكان ان يقال: إنّ الاستثناء المنقطع غير مقبول عرفاً إلّا بمعنى كون المستثنى خارجاً عن المستثنى منه حقيقة ونازلاً منزلته بمناسبة عرفية، كمناسبة العلاقة الموجودة بين الأولاد والآباء في مثل ما رأيت أحداً من العلماء إلّا آباءهم وبما انّه لا مناسبة من هذا القبيل في مثل ما رأيت عالماً إلّا جاهلاً نرى هذا الكلام الثاني مستهجناً، ولا توجد في الآية كلمة توجد علاقة من هذا القبيل بينها وبين التجارة عن تراض إذ من الواضح انّ التجارة عن تراض لا علاقة لها بالباطل ولا مناسبة بينهما تنزّلها منزلته، اذن فيتعين كون المستثنى منه محذوفاً فكأنّه قال: لا تأكلوا أموالكم بينكم بكل سبب ـ لبطلانه ـ إلّا أن تكون تجارة عن تراض وهذا يدلّ على الحصر. وهذا البيان وجه وجيه إلّا ان الأولى ان تبدّل دعوى بطلان الاستثناء المنقطع بغير مناسبة تنزّل المستثنى منزلة المستثنى منه بدعوى كون ذلك أشدّ مؤونة من مؤونة الحذف.

3 ـ أمّا روايات نهي النبي (صلى الله عليه وآله) عن بيع ما ليس عندك وفيها ما هو تام سنداً(2) فيمكن الجواب عنها بانّه يحتمل أن يكون المقصود بذلك النهي عن البيع لنفسه بترقّب الشراء أو التملّك بأي وجه من الوجوه لا النهي عن التصرّف القانوني


(1) المحاضرات 2: 319.

(2) هو ما في الوسائل 12: 374، الباب 7 من أبواب أحكام العقود، الحديث 2.

273

في مال غيره، وذلك إمّا لما عن التذكرة بناء على نقل مصباح الفقاهة(1) من كونه جواباً لسؤال حكيم بن حزام عن ذلك فالسؤال هو الذي يلقي الضوء على ما هو المراد من الجواب، وإمّا لانّه وإن كان هذا حتى لو ثبت لم يضر بالتمسّك بالإطلاق في الحديث الذي رواه الصادق (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من غير ذكر لسؤال حكيم بن حزام لكن الإطلاق في نفسه غير تام.

توضيح ذلك: انّه لم يكن مقصودنا من الجواب الذي ابرزناه ما قد تشعر به عبارة تقرير بحث السيّد الخوئي(2) من أنّ هذه الرواية لم تردّ في القسم الأوّل من الفضولي وهو البيع للمالك بل وردت في القسم الثالث من الفضولي وهو بيع الفضولي لنفسه كي يجاب عليه بالإطلاق لدخول كلا القسمين تحت عنوان (بيع ما ليس عندك)، بل المقصود انّ في الحديث احتمالين: أحدهما أن يكون ناظراً إلى عيب عدم نفوذ العقد على المالك حينما صدر من غير المالك، والثاني أن يكون ناظراً إلى عيب تقدّم العقد على الملك وانّ هذا يمنع عن إرغام المالك على الوفاء بهذا العقد رغم انّه لو نفذ عليه لما كان فيه العيب الأوّل وهو نفوذ عقد غير المالك على المالك، لانّ المفروض انّ العاقد هو الذي ملك بعد العقد، وافتراض نظر الحديث إلى كلا العيبين يشبه استعمال اللفظ في معنيين، اذن فلا أقلّ من إجمال الحديث.

4 ـ وأمّا حديث النهي عن بيع ما لا يملك فإن قرأناه بصيغة المبني للمفعول


(1) مصباح الفقاهة 4: 87.

(2) أقصد به المحاضرات 2: 320، حيث جاء فيه: «وعليه يكون اجنبياً عمّا نحن فيه بل يكون دليلاً على المسألة الآتية».

274

كان نهياً عن بيع ما لا يمكن تملّكه، أو عن بيع ما ليس مملوكاً بالفعل كالطير في الهواء فيكون اجنبياً عن المقام، إلّا انّ هذه القراءة لا تنسجم في رواية الصفار(1)لانّ مورد السؤال فيها هو بيع ملك الغير.

ولا يأتي في هذا الحديث الجواب الذي ذكرناه عن حديث النهي عن بيع ما ليس عندك من احتمال النظر إلى المنع عن نفوذ البيع على نفس العاقد إذا تقدّم العقد على تملّكه، فانّ هذا أيضاً خلاف مورد السؤال فليس المفروض في مورد السؤال تملك البائع بعد البيع أو بيعه لمال الغير بترقّب تملّكه بعد ذلك.

ويمكن الجواب عن هذا الحديث بوجه آخر وهو انّ ما ورد من الحديث التام سنداً بهذا المضمون هو ما اشرنا إليه من حديث الصفار، والتعبير هكذا: «لا يجوز بيع ما ليس عندك» وكلمة لا يجوز يحتمل أن يقصد بها نفي النفوذ لا النهي، وإذا كان المقصود بها نفي النفوذ فمن المحتمل أن يكون النفوذ المنفي ما يكون في مقابل الوقوف أيضاً، فإذا وقف تأثير بيع الفضولي إلى ان يجيزه المالك صدق انّ بيع الفضولي لم يجز ولم ينفذ.

5 ـ وبهذا اتّضح الجواب على ما ورد في ذيل رواية الاحتجاج مرسلة عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن الإمام صاحب الزمان عجل الله فرجه: الضيعة لا يجوز ابتياعها إلّا من مالكها أو بأمره أو رضى منه(2) فعدم الجواز قد يقصد به عدم النفوذ بالمعنى الذي عرفت.

6 ـ ورد في حديث محمّد بن مسلم التام سنداً عن أبي جعفر (عليه السلام): سأله


(1) راجع الوسائل 12: 252، الباب 2 من عقد البيع وشروطه، الحديث الوحيد في الباب.

(2) الوسائل 12: 251، الباب 1 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث 8.

275

رجل من أهل النيل عن أرض اشتراها بفم النيل وأهل الأرض يقولون هي أرضهموأهل الاسنان يقولون هي من أرضنا فقال: لا تشترها إلّا برضا أهلها(1).

والجواب ـ بقطع النظر عن الأجوبة العامّة التي مضت: انّ قوله: لا تشترها إلّا برضا أهلها جواب على السؤال عن قصة خارجية ولم يصغ بصياغة حكم عام فلا بد من الأخذ بعين الاعتبار كل خصوصيات مورد السؤال التي يحتمل دخلها في الحكم، ومن جملة تلك الخصوصيات سكوت السائل عن ذكر الإجازة المتأخّرة في القصة الخارجية التي فرضها الظاهر في عدم الإجازة بل من الواضح انّ المسألة خالية عن الإجازة للنزاع المفروض بين أهل الأرض وأهل الاسنان، فالحديث لا يدلّ على أكثر من أنّ أهل الأرض هم الذين يعتبرون مُلاّكاً لها بقاعدة اليد دون أهل الاسنان فيكون انتقال الأرض منهم لا من أهل الاسنان.

7 ـ رواية محمّد بن القاسم بن الفضيل التامّة سنداً قال: سألت أبا الحسن الأوّل (عليه السلام) عن رجل اشترى من امرأة من آل فلان بعض قطائعهم وكتب عليها كتاباً بانّها قد قبضت المال ولم يقبضه فيعطيها المال أم يمنعها؟ قال له ليمنعها أشدّ المنع فانّها باعته ما لم تملكه(2).

ولعلّه من الواضح أجنبية الرواية من المقام فانّ عدم تسليم الثمن للفضولي أمر طبيعي لانّه ليس هو المالك إلّا ان يفترض إطلاق الرواية لما إذا ملك الفضولي بعد ذلك المال فأجاز البيع السابق، ولكنّك ترى انّ هذا الإطلاق غير عرفي لانّ السائل سأل عن قضية في واقعة وظاهر سكوته عن عنصر التملّك الجديد ثم الإجازة عدم وجود ذلك في تلك الواقعة.


(1) الوسائل 12: 249، الباب 1 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث 3.

(2) الوسائل 12: 249، الباب 1 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث 2.

276

8 ـ رواية اسحاق بن عمّار التامّة سنداً عن عبد صالح سألته عن رجل في يده دار ليست له ولم تزل في يده ويد آبائه من قبله قد أعلمه من مضى من آبائه انّها ليست لهم ولا يدرون لمَن هي فيبيعها ويأخذ ثمنها؟ قال: ما احبّ ان يبيع ما ليس له قلت فانّه ليس يعرف صاحبها ولا يدري لمَن هي ولا أظنّه يجيء لها ربّ أبداً قال: ما احب أن يبيع ما ليس له قلت فيبيع سكناها أو مكانها في يده فيقول: أبيعك سكناي وتكون في يدك كما هي في يدي قال نعم يبيعها على هذا(1).

وفي هذه الرواية من الواضح فرض عدم إجازة المالك لانّ المالك غير معروف فالرواية اجنبية عن المقام ولو فرضت دلالة «ما احب» على البطلان.

9 ـ رواية علي بن جعفر بسند تام عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال سألته عن رجل سرق جارية ثم باعها يحل فرجها لمَن اشتراها؟ قال: إذا أنبأهم انّها سرقة فلا يحل وإن لم يعلم فلا بأس(2).

ومن الواضح انّ الإجازة مفروضة العدم على ما هو غالب الحال في السرقة وانّ جهة السؤال هي انّ عدم كون المشتري هو السارق هل يحلّل له الجارية أو لا؟

10 ـ وبه يتضح الجواب عن روايات شراء السرقة والخيانة(3)، على أنّ فرض الإجازة بعد القبض لا يحلّ إشكال شراء السرقة والخيانة بلحاظ ما قبل القبض وهذا كاف في صدور النهي والتحريم فانّ القبض حرام والعقد باطل قبل صدور الإجازة، وفرض صدور الإجازة قبل القبض وبعد تمامية الشراء في الصدقة والخيانة فرض ملحق بالعدم في ندرته.


(1) الوسائل 12: 250، الباب 1 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث 5.

(2) الوسائل 12: 252، الحديث 12.

(3) راجع الوسائل 12: 248 ـ 251، الباب 1 من أبواب عقد البيع وشروطه.

277

11 ـ رواية زريق قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) يوماً إذ دخل عليهرجلان... فقال احدهما: انّه كان عليّ مال لرجل من بني عمّار وله بذلك ذكر حقّ وشهود فأخذ المال ولم استرجع منه الذكر بالحق ولا كتبت عليه كتاباً ولا أخذت منه براءة وذلك لأ نّي وثقت به وقلت له: مزّق الذكر بالحق الذي عندك فمات وتهاون بذلك ولم يمزّقها وعقب هذا ان طالبني بالمال ورّاثه وحاكموني وأخرجوا بذلك الذكر بالحق وأقاموا العدول فشهدوا عند الحاكم فأخذت بالمال وكان المال كثيراً فتواريت من الحاكم فباع عليّ قاضي الكوفي معيشة لي وقبض القوم المال وهذا رجل من إخواننا ابتلى بشراء معيشتي من القاضي ثم ان ورثة الميت اقرّوا انّ المال كان أبوهم قد قبضه وقد سألوه أن يردّ عليّ معيشتي ويعطونه في أنجم معلومة فقال: إ نّي احبّ ان تسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن هذا فقال الرجل ـ يعني المشتري ـ جعلني الله فداك كيف أصنع؟ فقال تصنع ان ترجع بمالك على الورثة وتردّ المعيشة إلى صاحبها وتخرج يدك عنها قال: فإذا أنا فعلت ذلك له ان يطالبني بغير هذا؟ قال: نعم له ان يأخذ منك ما أخذت من الغلّة ثمن الثمار وكل ما كان مرسوماً في المعيشة يوم اشتريتها يجب ان تردّ ذلك إلّا ما كان من زرع زرعته أنت فانّ للزارع إمّا قيمة الزرع وإمّا أن يصبر عليك إلى وقت حصاد الزرع فإن لم يفعل كان ذلك له وردّ عليك القيمة وكان الزرع له.

قلت: جعلت فداك فإن كان هذا قد أحدث فيها بناءً وغرس قال: له قيمة ذلك أو يكون ذلك المحدث بعينه يقلعه ويأخذه.

قلت: أرأيت إن كان فيها غرس أو بناء فقلع الغرس وهدم البناء فقال: يردّ ذلك إلى ما كان أو يغرم القيمة لصاحب الأرض فإذا ردّ جميع ما أخذ من غلاّتها إلى صاحبها وردّ البناء والغرس وكل محدث إلى ما كان أو ردّ القيمة كذلك يجب

278

على صاحب الأرض أن يردّ عليه كلّما خرج عنه في إصلاح المعيشة من قيمة غرس أو بناء أو نفقة في مصلحة المعيشة ودفع النوائب عنها كل ذلك فهو مردود إليه(1).

وذيل الحديث يشهد لبعض مصاديق قاعدة الإثراء بلا سبب، وسند الحديث غير تام ودلالته على بطلان بيع الفضولي بعد الإجازة أيضاً غير تامّة لعدم إطلاقه لفرض الإجازة، لانّه ورد في قضية في واقعة مسؤول عنها، وعدم ذكر السائل فرض الإجازة شاهد على عدمها بل واضح من تمام القصة عدم الإجازة، ولو فرضت تمامية دلالته على بطلان الفضولي فهو يختص بفرض بيع الفضولي لنفسه ولا يشمل فرض بيع الفضولي للمالك.

هذا تمام الكلام في أصل عقد الفضولي وقد عرفت انّه بما هو عقد فضولي ينفذ بواسطة الإجازة المتأخّرة بمقتضى القاعدة وبصحيحة محمّد بن قيس.

وبعد ذلك يقع الكلام في أنّه لو اضيف عنصر آخر على عنصر الفضولية هل يوجب ذلك البطلان وعدم النفوذ بالإجازة اللاحقة أو لا وذاك العنصر هو أحد عنصرين:

عقد الفضولي مع سبق منع المالك:

الأوّل ـ سبق منع المالك فقد يقال: إنّ هذا المنع يضر بلحوق الإجازة.

ولا إشكال في أنّ هذا المنع يفقدنا الدليل الخاص على صحّة بيع الفضولي وهو صحيحة محمّد بن قيس لانّه لم يفترض فيها منع سابق فهي لا تدلّ بظهورها على أكثر من صحّة عقد الفضولي حينما يكون بلا اذن المالك دون ما إذا كان مع منعه.


(1) الوسائل 12: 253 ـ 254، الباب 3 من أبواب عقد البيع وشروطه.

279

ولكن يبقى لنا ما مضى من مقتضى القاعدة فانّه يشمل هذا القسم من الفضولي.

وتوهّم مبطلية المنع السابق بافتراضه كالردّ المتأخّر أو بالقول بانّ الكراهة مستمرة عادة إلى ما بعد العقد ـ ولو آناً ما ـ وهي كراهة مبرزة فحالها حال الردّ.

يرد عليه: انّه إن كان المقصود عقلائية زوال العقد بالردّ بحيث لا يقبل بعد ذلك عقلائياً لحوق الإجازة فهذا لا يكون إلّا في الردّ بمعنى كسر القرار وإنهائه من النفس بالمعنى الحقيقي، وهذا انّما يعقل من قبل صاحب القرار كالعاقد الأصيل الذي يعدل عن القرار قبل قبول الطرف الآخر للعقد أو قبل قبول المالك الذي كان يملك ما باعه الفضولي مثلاً، ولا يعقل من المالك بالنسبة لعقد وقع على ماله فضولة فلم يكن من قبله قرار حتى نبحث عن كسره وعدوله عنه وانّما وقع العقد بين شخصين غيره ونحن نتكلم في إمضائه لهذا العقد وعدمه واين هذا من ذاك؟!

وأمّا الردّ المعقول من قبل المالك في باب الفضولي بمعنى مجرّد إبراز الكراهة أو بمعنى كسر القرار بالفرض والاعتبار والإنشاء لا بالمعنى الحقيقي للكلمة فلا يوجب عقلائياً عدم إمكانية لحوق الإجازة.

وإن كان المقصود دعوى التمسّك بالإجماع على مبطلية الردّ بالمعنى المعقول من المالك في باب الفضولي وقياس المنع السابق بالردّ إمّا بذاته أو باعتبار استمرارية الكراهة بعد العقد، فلو سلّم إجماع تعبدّي في المقام فاحتمال الفرق موجود فلعلّ قوام الردّ المبطل يكون بالكراهة الثابتة بعد العقد مع إبرازها بعده، وما دامت المسألة تعبّدية بحتة ولا توجد لها جذور عقلائية فنحن نحتمل الفرق.

عقد الفضولي لنفسه:

الثاني ـ ان يعقد الفضولي لنفسه وعندئذ تارة يتكلّم عن وقوعه لنفسه بعد ان

280

يملكه بشراء ونحوه وهذا خلاف روايات «لا تواجبه البيع قبل ان تستوجبه»(1)، ولا تشمله الإطلاقات أيضاً لانّه لم ينتسب العقد إليه حين مالكيته.

واُخرى يتكلّم عن وقوعه للمالك بإجازته وهذا يشتمل على فرعين:

الأوّل ـ فرض إجازة المالك غير الفضولي للعقد.

والثاني ـ فرض تملّك الفضولي للمال بشراء ونحوه ثم إجازته للعقد السابق.

وتوجد هنا إشكالات ثلاثة:

الأوّل ـ ما هو مشترك الورود على كلا الفرعين وهو انّ قصد البيع الحقيقي لم يتم لانّ البيع عبارة عن المبادلة بين المالين وهي دخول كل من المالين في ملك من خرج من ملكه الآخر، في حين انّ الفضولي قصد هنا دخول العوض في ملكه هو وليس هو الذي خرج من ملكه العوض الآخر فلم يقصد إلّا بيعاً صورياً فلا محل للإجازة أصلاً سواء فرضنا المجيز هو المالك الأوّل أو الفضولي بعد ما يملك المال.

والثاني ـ ما يختص بالفرع الأوّل وهو انّ الإجازة لم تطابق الإنشاء فما أنشىء لم يجز وما اجيز لم ينشأ لانّ الفضولي انشأ ملكية نفسه والمالك الأوّل أنشأ ملكية نفسه.

والثالث ـ ما يختص بالفرع الثاني وهو تقدّم العقد على الملك فالعقد انتسب إليه قبل أن يكون مالكاً وهذا الانتساب لا قيمة له وبعد الملك لم ينتسب إليه انتساباً جديداً بالإجازة لانّ الفعل لا ينتسب إلى الشخص مرتين. إذن لم يقترن انتساب العقد إليه بالملك أو رضا المالك أو لم ينشأ الانتساب عن رضا المالك.


(1) راجع الوسائل 12: 375، الباب 8 من أبواب أحكام العقود.

281

والجواب عن الأخير: انّ الانتساب إلى ذات الشخص وان تمّ قبل الملك لكن الانتساب إليه بما هو مالك انتساب جديد حصل بالإجازة، ولا أقصد بذلك انتساب ذات العقد إليه مرة ثانية كي يقال: إنّ الفعل لا ينتسب إلى الشخص مرتين بل أقصد بذلك ان انتحال الفضولي بعد الملك للعقد الأوّل وتبنّيه ايّاه موضوع في نظر العرف والعقلاء في تحقّق الملك من قبله في لوح التشريع العقلائي، وهذا يحقّق موضوع التمسّك بالإطلاقات وبالسيرة.

نعم هذا الإشكال لا جواب عليه لو كنّا نقصد بانتساب العقد للمجيز المصحّح للتمسّك بالإطلاقات ما قصده السيد الخوئي من انتساب ذات العقد إليه(1)، فانّ هذا الانتساب ثابت هنا قبل الإجازة وقبل الملك ولم يتكرّر.

بقي الكلام في الإشكالين الأوّلين:

والموقف تجاه هذين الإشكالين يمكن أن يكون بأحد وجهين:

الأوّل ـ ان لا نهتم بحلّهما بمقتضى القواعد إذ يكفينا التعبّد بصحيحة محمّد بن قيس فانّ الفضولي في تلك الصحيحة كان قد باع الوليدة لنفسه فأعقبته الإجازة من قبل المالك وصحّ البيع فحتى لو لم يتم ذلك بمقتضى القواعد نقول بصحّته بالنص الخاص ويتم التعدّي إلى فرض ما إذا تملّكه الفضولي بالشراء مثلاً فأجاز البيع الأوّل بعدم احتمال الفرق مثلاً.

والثاني ـ ان نبحث الإشكالين وفق مقتضى القواعد وعندئذ نقول:

قد أجاب الشيخ الأنصاري (رحمه الله) على الإشكال الأوّل بانّ الفضولي إن كان يعتقد مالكية نفسه فقد قصد حقيقة البيع، وإن كان غاصباً فهو يدعي ادّعاءً المالكية


(1) راجع المحاضرات 2: 295، ومصباح الفقاهة 4: 19 ـ 21.

282

ومبنياً على هذا الادّعاء يتمشّى أيضاً منه قصد البيع حقيقة وإدخال كل من العوضين في ملك من خرج من ملكه العوض الآخر. نعم لو لم يدّع المالكية ومع ذلك قصد العقد لنفسه التزمنا بالبطلان، لانّه صورة بيع وليس بيعاً حقيقة(1).

أقول: إنّ فرض قصد العاقد لإدخال كل من العوضين في ملك من خرج من ملكه الآخر رغم انّه غاصب وقاصد للعقد لنفسه يمكن ان يتصوّر بأحد أشكال ثلاثة:

الأوّل ـ أن تكون حيثية المالكية عنده حيثية تقييدية وتكون تمام الموضوع أي انّه قصد حقيقة العقد للمالك، وليس معنى قصد العقد لنفسه عدا ادّعاء تطبيق هذا العنوان على نفسه.

والثاني ـ أن تكون حيثية المالكية عنده حيثية تقييدية أيضاً، ولكنّه حصّص الحيثية بالتقييد بنفسه أي انّه أجرى العقد للمالك المقيد بانطباقه عليه هو، وهو مدّع لصدق هذا الادّعاء.

والثالث ـ أن تكون حيثية المالكية عنده حيثية تعليلية فهو قد قصد إجراء العقد لنفسه لانّه ادّعى نفسه مالكاً.

وشبهة المحقّق الايرواني (رحمه الله)(2) لو تمّت فانّما تتم على فرض الثاني والثالث وهي: انّه إذا كانت الملكية ادّعائية وليست حقيقية فكيف يكون البيع المبتنى عليها حقيقية؟!

والجواب: انّه لا يقصد بحقيقية البيع حصول المبادلة في لوح التشريع أو في


(1) راجع المكاسب 1: 128، بحسب الطبعة المشتملة على تعليق الشهيدي.

(2) نقلناها عن مصباح الفقاهة 4: 115، نقلاً عن المحقّق الايرواني.

283

لوح اعتبار العقلاء، وانّما المقصود بذلك حصولها في لوح إنشاء المتعاقدين ويكون ذلك حقيقة كحقيقية الاستعمال القائم على الادّعاء السكاكي.

وهذه الفروض الثلاثة كلها تحل الإشكال الأوّل وهو إشكال عدم إرادة البيع بالمعنى الحقيقي للكلمة، أمّا إذا خرجنا عن كل هذه الفروض الثلاثة بان افترضنا انّ الفضولي قصد العقد لنفسه لا للمالك ومن دون فرض مالكية نفسه فهذا هو الذي حكم الشيخ (رحمه الله) ببطلان البيع فيه.

والفرض الأوّل من هذه الفروض الثلاثة يحل الإشكال الثاني أيضاً فانّه إذا كان العقد في واقعه قد انشىء للمالك وإن كان هناك تطبيق كاذب لعنوان المالك على نفسه فالإجازة قد طابقت الإنشاء.

والظاهر انّ الشيخ (رحمه الله) يختار لحل الإشكال الثاني استظهار الفرض الأوّل من الفروض الثلاثة ثم يستشكل في هذا الاستظهار في خصوص المشتري الفضولي دون البائع وذلك لدعوى ظهور كاف الخطاب في ملّكتك مثلاً أو ظهور كلمة تملّكت لو اجرى القبول بهذا اللفظ في انتساب الملكية إلى شخص المشتري كشخص، وهذا معناه الانتقال إلى الفرض الثاني أو الثالث ثم يؤكّد الشيخ (رحمه الله)ـ على ما يبدو ـ استظهار الفرض الأوّل وأنّه لم تكن نسبة الملك إلى المشتري بكاف الخطاب أو بقوله تملّكت إلّا من باب تطبيق عنوان المالك عليه ولو ادّعاء وإنّ حاقّ الإنشاء انّما كان راجعاً إلى المالك بما هو مالك فالإجازة تطابق الإنشاء.

هذا. وظاهر السيد الخوئي في المصباح(1) أيضاً هو استظهار الفرض الأوّل


(1) راجع مصباح الفقاهة 4: 113 ـ 115.

284

ولكن ظاهره في المحاضرات(1) استظهار الفرض الثالث وهو كون المالكية حيثية تعليلية ويذكر فيه لحل الإشكال وجهين آخرين:

الوجه الأوّل ـ انّ البيع لا يعني إدخال أحد العوضين في ملك من خرج من ملكه العوض الآخر وانّما يعني مجرّد الإعطاء لا عن مجّان(2).

أقول: إن كان المقصود بالإعطاء الإعطاء المادّي فمن الواضح انّ الإعطاء المادّي ليس بيعاً، وإن كان المقصود به التمليك فإمّا أن يقصد بذلك تمليك من يملك العوض الآخر بما هو مالك للعوض الآخر وبغض النظر عن الشخص إلّا من باب مجرّد التطبيق الذي لا ضير في خطأه، أو يقصد بذلك تمليك وتملّك الشخص، فانْ قصد به الأوّل رجع ذلك إلى الفرض الأوّل الذي هو أحد الفروض الثلاثة لمعنى قصد إدخال أحد العوضين في ملك من خرج من ملكه العوض الآخر، وإن قصد به الثاني تسجّل الإشكال الثاني وهو انّ الإجازة لم تطابق الإنشاء لانّ التمليك أو التملّك المنشأ كان محصصاً بخصوص شخص معين والإجازة وردت لشخص آخر.

وبذلك يتضح أيضاً ما في كلام السيد الإمام (رحمه الله) من حلّ الإشكال بانّ البيع عبارة عن مبادلة المال بالمال وهذا لا يتقوّم بإدخال المال في ملك من خرج من ملكه العوض الآخر حتى يلزم عدم مطابقة الإجازة للإنشاء(3).

فانّ هذا يرد عليه: انّ المبادلة لا بد أن تكون مضافة إلى ظرف ما وإلّا لم


(1) راجع المحاضرات 2: 331.

(2) راجع المحاضرات 2: 330.

(3) راجع كتاب البيع 2: 145 ـ 146.

285

تكن مبادلة، فان اضيفت إلى ظرف المكان فمن الواضح كونها اجنبية عن البيع، وإن اضيفت إلى عالم الملكية فهذا هو معنى انّ أحد العوضين يجب إدخاله في ملك من خرج من ملكه الآخر ولا نعني بذلك ضرورة إدخال أحد العوضين في ملك من خرج من ملكه الآخر في لوح التشريع أو في لوح اعتبار العقلاء حتى يقال: إنّ إنشاء البيع ليس متقوّماً بذلك، وانّما نعني إدخال أحد العوضين في ملك من خرج من ملكه الآخر في لوح اعتبار نفس المتعاقدين وإنشائهما وهذا لا بد منه، وإشكال عدم مطابقة الإجازة للإنشاء أيضاً ينظر إلى هذا العالم وليس نظره إلى عالم الملكية الشرعية أو العقلائية فلا محالة تأتي شبهة انّ الفضولي أنشأ الملكية لشخص، والمجيز أجاز الملكية لشخص آخر فلم تكن الإجازة مطابقة للإنشاء، فان اجبنا بانَ الفضولي انّما أنشأ الملكية لمالك العوض الآخر بما هو مالك وإن أخطأ في التطبيق فهذا رجوع إلى جواب الشيخ وإلّا فسلخ المبادلة التي هي معنى البيع عن عالم الملكية ان قصد به سلخها عن هذا العالم بلحاظ لوح إنشاء المتعاقدين فغير معقول، وإن قصد به سلخها عن عالم الملكية الشرعية فهذا اجنبيّ عن إشكال المستشكل.

وقد ورد في كلام السيد الخوئي (رحمه الله) في المحاضرات(1) وفي كلام السيد الإمام (رحمه الله)(2) بعض النقوض على تقوّم البيع بدخول كل من العوضين في ملك من خرج من ملكه العوض الآخر فورد في كلام السيد الخوئي النقض ببيع الكليّ وبيع الأوقاف والزكوات، وورد في كلام السيد الإمام النقض ببيع الوقف أو بيع وقف


(1) المحاضرات 2: 330.

(2) كتاب البيع 2: 145.

286

بمال وقف بناءً على عدم كون العين الموقوفة ملكاً لأحد، وبمبادلة الزكاة بمثلها من وليين شرعيين.

ويمكن الجواب على كل هذه النقوض ففي بيع الكليّ يدخل الثمن في ملك من خرج من ملكه الكلّي، وملكية كل شيء بحسبه ولا نقصد بملكية الكليّ في الذمّة على امتلاكه لذمّته بالمعنى الثابت لكل شخص بالقياس لذمّته وهو انّ أمر ذمّته بيده وانّها فارغة ولا يحقّ لأحد إشغال ذمّته مجاناً ورغماً عليه ويكفي هذا المقدار من الملكية في صدق التبادل والبيع في المقام وفي بيع الوقف في مورد جواز تملّكه لطارىء ما يتملّكه ثم يبيعه أو يبيعه فيصبح الثمن ملكاً للموقوف عليه ثم يتملّك الثمن.

ولو قلنا بانّ الوقف ليس مملوكاً للموقوف عليه فأيضاً يتملّكه للطارىء المجوّز ثم يبيعه أو يبيعه فيصبح الثمن مكان العين الموقوفة ثم يتملّكه وفي تبادل الوقفين يصبح كل منهما مكان الآخر، ولا نعني بالبيع والمبادلة إلّا ان يتخذ كل من العوضين محل الآخر في عالم الحقوق الذي هو أوسع من الملكية بمعناها الخاص المألوف في الفقه الإسلامي فحينما نقول: يجب ان يدخل كل من العوضين في ملك من خرج من ملكه العوض الآخر نقصد بذلك أن يكون كل منهما للآخر بالشكل الذي كان للأوّل، وكذلك الكلام في بيع العين الزكوية يتملّكها المستحق ثم يبيعها، أو يبيعها ويصبح الثمن لعنوان الفقراء بالشكل الذي كانت الزكاة لهم ثم يتملّكه وفي تبديل المالين الزكويين بين الوليين يصبح كل منهما في اختيار الولي الآخر بالشكل الذي كان في اختيار الولي الأوّل، بل لا بيع حقيقة في هذا الفرض الأخير فانّ تبادلهما شبيه بالتبادل بين مالين لمالك واحد فيما بين وكيلين عنه (أو هو عينه بناء على كون الزكاة ملكاً لعنوان الفقراء مثلاً).

287

والخلاصة انّ الإشكال في بيع الفضولي لنفسه لا يتوقّف على تخصيص البيع بالتبادل في عالم الملكية بمعناها الخاص بل حتى مع توسيعه للتبادل في عالم الحقوق بشكل عام يأتي الإشكال في بيع الفضولي حيث جعل الفضولي نفسه طرفاً للحق بأي معنى من معاني الحق وجعل المجيز نفسه طرفاً للحق ولم يجز طرفية نفس الفضولي له.

وبالإمكان النقض ـ على اشتراط دخول كل من العوضين في ملك من خرج من ملكه العوض الآخر ـ بمسألة شراء العمودين حيث يخرج الثمن من ملك المشتري إلى ملك البائع ولكن المثمن لا يدخل في ملك المشتري ـ ولو آناً ما ـ، بل يتحرّر بالشراء والملكية التقديرية أو الرتبية لا معنى لها فانّ الدخول في عالم الملكية والخروج عنها ليس من أحكام الرتب كي يرفع التضاد بين الدخول في الملك والتحرّر بتعدّد الرتب.

ولا بد من الالتزام في مسألة شراء العمودين بأحد اُمور:

الأوّل ـ أن يقال: إنّ المشتري ينشىء إدخال العمود في ملكه فهو أنشأ المبادلة بالمعنى الحقيقي للكلمة وإن كان الحكم الشرعي الذي يترتّب على ذلك هو تحرّر العمود لا دخوله في ملكه.

والثاني ـ أن يفترض انّ المشتري لا ينشىء ذلك ويخرج هذا عن حقيقة البيع والشراء ويصبح معاملة اُخرى مستقلة حاصلها تحرير العمود في مقابل الثمن.

والثالث ـ ان يقال: يكفي في حقيقة البيع قصد التبادل بينهما بلحاظ حال أحد الشخصين فحسب وقد حصل التبادل هنا بلحاظ حال البائع حيث خرج المثمن من ملكه ودخل الثمن بدلاً عن ذلك في ملكه ولم يحصل بلحاظ حال المشتري، لانّ الثمن خرج من ملكه ولم يدخل بدلاً عن ذلك شيء في ملكه.

288

فلو التزمنا بهذا الأمر الثالث كان هذا جواباً آخر ـ على الإشكال الأوّل على عقد الفضولي لنفسه وهو كونه بيعاً صورياً لا حقيقياً لعدم قصد المبادلة الحقيقية ـ حيث يقال في الجواب انّ التبادل الحقيقي مقصود بلحاظ أحد الشخصين وهو الأصيل حيث ينشأ إدخال مال في ملكه وإخراج عوضه عن ملكه. إلّا انّ هذا الجواب لو تمّ لا يأتي فيما إذا كانا معاً فضوليين.

والرابع ـ أن يقال: إنّ حقيقة البيع وإن كانت هي التبادل بينهما بلحاظ حال كلا الشخصين ولكن ليس المقصود بالتبادل خصوص دخول العوض في ملك من خرج من ملكه المعوض، بل المقصود به صيرورة من خرج من ملكه المعوض أولى الناس بالعوض، وهذه الأولويّة بطبيعتها تنتهي إلى مالكيته للعوض لو لم يطرأ طارىء يحول دون ذلك، وهذا الطارىء ليس عبارة عن إرادة شخص آخر فانّ تدخل إرادة شخص آخر في تحريف مسير ملكية هذا المال خلف صيرورة هذا العاقد أولى الناس بهذا المال، وانّما هذا الطارىء يكون أحد أمرين:

(الأوّل) إرادة الشارع فلو أراد الشارع في المقام تحرّر العمود يتحرّر ولا يدخل في ملكية هذا العاقد وليس هذا منافياً لمفاد العقد من صيرورته أولى الناس به، فانّ هذه الأولوية انّما هي في مقابل الناس لا في مقابل الشارع، فتحريف مسير المال عن دخوله في الملك الفعلي لهذا العاقد من قبل الشارع لا يعني سلب هذه الأولوية، بل هذه الأولويّة هي موضوع لهذا الحكم الشرعي فلولا انّه أصبح أولى بأبيه من غيره من الناس لما تحرّر أبوه.

(والثاني) إرادة نفس هذا العاقد فلو أراد بشراء هذا المال دخوله في ملك من هو وليّ عليه كابنه الصغير مثلاً دخل في ملكه رغم انّ الثمن خرج من ملك العاقد ولم يناف ذلك أولويّته بهذا المال من سائر الناس، فانّ هذه الأولويّة انّما

289

هي أولوية في مقابل إرادة سائر الناس لا في مقابل إرادة نفسه إذ لا معنى لأن يكون أحد أولى من نفسه بشيء ما فهذه الإرادة لا تنافي أولويّته بل هي إعمال لأولويّته، وإن شئت فسمّ هذا بالملكية التقديرية ولعلّ من قال في شراء العمودين بالملكية التقديرية قصد ولو ارتكازاً هذا المعنى، وهذا الوجه الرابع امتيازه عن الوجه الثالث انّه يصلح جواباً آخر عن الإشكال الأوّل على عقد الفضولي لنفسه حتى إذا كانا معاً فضوليين وكذلك يصلح تفسيراً لمبادلة عمود بعمود بان كان زيدٌ مالكاً لوالد عمرو، وعمرو مالكاً لوالد زيد مثلاً فتبادلا في حين انّ التفسير الثالث لا يأتي هنا.

الوجه الثاني ـ من وجهي السيد الخوئي لحل الإشكال في المحاضرات هو انّ الفضولي حتى إذا باع لنفسه بانياً على مالكيته بنحو الحيثية التعليلية لا التقييدية وافترضنا انّ البيع والمبادلة يتقوّم بدخول كل من العوضين في ملك من خرج من ملكه العوض الآخر كان من المعقول لحوق الإجازة من قبل المالك، لانّ إنشاء الفضولي وإن كان يدلّ بالمطابقة على تملّكه للمعوض إذا كان بمثل تملّكت مثلاً ولكنّه يدلّ بالالتزام على المبادلة بالمعنى المذكور، أي دخول العوض في ملك من خرج عنه المعوض فبإمكان المالك أن يجيز المدلول الالتزامي فحسب(1).

أقول: إنّ هذا الوجه من الغرائب فانّ المدلول الالتزامي لكلام الفضولي لم يكن إنشاءً مستقلاً تلحقه الإجازة فانّ الفضولي ليس له إنشاءان كي يقال: إنّ بالإمكان لحوق الإجازة بأحدهما دون الآخر، ولو فرض له إنشاءان فالإنشاء الثاني ليس منصبّاً على تمليك مالك المعوض بعنوانه العام بل هو مقيد بسبب


(1) راجع المحاضرات 2: 331.

290

ارتباطه بالإنشاء الأوّل أي انّه تمليك لمالك المعوّض المقيد بانطباقه عليه هو، والمجيز لا يجيز هذه الحصّة المنشأة فرجع أيضاً إشكال انّ ما انشىء لم يجز وما اجيز لم ينشأ.

والآن نعود إلى الفروض الثلاثة التي افترضناها في إنشاء الفضولي الذي باع لنفسه وهي:

1 ـ إنشاء العقد للمالك بنحو الحيثية التقييدية ومن دون تقييده بالتشخّص في خصوصه هو وعندئذ فليس معنى بيعه لنفسه عدا ضمّ ضميمة اجنبية عن أصل مغزى الإنشاء وهو تطبيق عنوان المالك على نفسه ولو ادّعاءً وكذباً.

2 ـ إنشاء العقد للمالك المطبّق على نفسه بأن يكون هذا التطبيق قيداً في المُنشأ.

3 ـ إنشاء العقد لنفسه مع أخذ عنوان المالكية بنحو الحيثية التعليلية.

والثاني من هذه الفروض الثلاثة ـ وهو الجمع بين خصوصية الشخص وخصوصية المالكية بنحو الحيثية التقييدية ـ خلاف الظاهر العرفي جداً كما مضى منّا سابقاً في بحث تخلّف الوصف في مثل بعتك هذا العبد الكاتب حيث قلنا: إنّ تخلّفه يوجب الخيار ولا يوجب البطلان، لانّ ظاهر هذا الوصف هو كونه شرطاً لا قيداً وذلك لانّه وإن كان الظهور الأولي للتوصيف هو التقييد في ما إذا كان وصفاً للكليّ كما لو قال: بعتك عبداً كاتباً، ولكن التوصيف في باب الجزئي الحقيقي كبعتك هذا العبد الكاتب ينصرف إلى الشرط لا إلى التقييد لانّ الجزئي الحقيقي لا يقبل التحصيص فالتقييد ينحصر أمره في فرض التخلّف في إفراغ المقيد عن جميع الأفراد وكذلك الحال في المقام، فالبيع إلى نسب حقاً بلحاظ عالم الإنشاء إلى شخص معيّن فتوصيفه بالمالكية ينصرف إلى التعليل لا إلى الحيثية التقييدية لانّ الشخص المعين جزئي حقيقي لا يقبل التحصيص بالقيد.

291

وعلى أيّة حال فقد مضى انّ كل هذه الفروض الثلاثة بعيدة عن الإشكال الأوّل وانّما يقع الكلام في الإشكال الثاني وهو عدم مطابقة الإجازة للإنشاء وهذا الإشكال مصبّه هو الفرض الثاني والثالث دون الأوّل كما مضى.

وهذا الإشكال يتجّه بناءً على تصورات السيد الخوئي من أنّ إجازة المالك تجعل العقد مستنداً حقيقة إلى المالك وانّ هذا هو السرّ في صحّة عقد الفضولي بمقتضى القواعد بعد الإجازة، فعندئذ يقال: إنّ الإجازة انّما تسند العقد إلى المالك وتصحّحه إذا كانت مطابقة له، أمّا إذا كانت مخالفة له فلا يتمّ استناده إلى المالك، ولو تمّ استناده إليه فمع إبقاء المنشأ على حاله يلزم وقوع البيع للفضولي وهو غير معقول ومع تحويله إلى المالك يلزم تبدّل الإنشاء إلى إنشاء آخر.

أمّا بناء على ما قلناه من أنّ الإجازة لا تسند العقد الواقع بين المتعاقدين إلى المالك ولكنّها تجعل المجيز طرفاً لحصول التبادل في لوح قانون العقلاء ويصبح بذلك موضوعاً للدليل الشرعي على وجوب الوفاء فهنا لا إشكال ان موضوع حكم العقلاء بحصول التبادل هو المالك بما هو مالك فانّنا لا نقصد بالتبادل عدا التبادل في عالم الملكية، فالتبادل الذي يحصل في لوح القانون العقلائي متقوّم بالمالكية وهذا قانون ثابت بنحو القضية الحقيقية التي يكون موضوعها المالكية لا بنحو الإنشاء الشخصي الذي يتصوّر فيه أخذ الملكية تارة بنحو التقييد، واُخرى بنحو التعليل، ونفس هذا التقوّم أي تقوّم التبادل بالملكية ثابت في لوح إنشاء المتعاقدين أيضاً لكن بما انّ إنشاء المتعاقدين إنشاء شخصي قد يطبّق على معنون خاص ولهذا يتصوّر فيه تخلّف العنوان عن المعنون وكون العنوان مأخوذاً بنحو الحيثية التقييدية تارة والتعليلية اُخرى.

وهنا يجب ان نرى هل العقلاء يرتؤون لدى تخلّف العنوان عن المعنون في

292

إنشاء المتعاقدين إلغاء التطبيق الخاطىء الذي صدر من المتعاقدين وترتيب الأثر للمعنون الحقيقي بذاك العنوان وهو المالك الحقيقي بشرط إجازته ورغم مخالفة الإجازة للإنشاء أو لا؟

وبكلمة اُخرى ان حكم العقلاء بصحّة عقد الفضولي لنفسه بإجازة المالك وعدمه ليس مصيره بالضرورة مرتبطاً بمعرفة ان عنوان المالكية هل كان مأخوذاً في عالم إنشاء المتعاقدين بعنوان الحيثية التقييدية مع كون التطبيق الخاطىء ضميمة اجنبية عن عالم الإنشاء أو انّها حيثية تعليلية مثلاً، بل يجب ان نرى ابتداءً انّ العقلاء هل يصحّحون بيع الفضولي الذي باع لنفسه بتعقّب إجازة المالك ولو فرضت مخالفة الإجازة للإنشاء أو لا؟ والظاهر انّ العقلاء يصحّحون ذلك حتى في فرض المخالفة كما هو الحال فيما إذا كانت المالكية منظوراً إليها بنحو الحيثية التعليلية.

ولا يقال: لازم ذلك انّ الفضولي لو باع كتاب المالك فضولة كان للمالك ان يجيز البيع مطبّقاً ايّاه على ثلاّجته مثلاً رغم مخالفة الإجازة للإنشاء.

فانّه يقال: إنّ المقصود ليس هو صحّة تبديل الأثر لدى العقلاء بإلغاء أي قيد من قيود الإنشاء، وانّما المقصود انّ التطبيق الخاطىء للعنوان الذي كان مقوّماً للتبادل الذي يحصل في لوح قانون العقلاء على معنون ادّعائي أو خيالي هو الذي يلغى من قبل العقلاء، ولو كان البيع متقوّماً عقلائياً بأن يكون على الثلاّجة فطبق العاقد خطأ عنوان الثلاجة على الكتاب فباع الكتاب فلعلّ العقلاء كانوا يصحّحون هنا أيضاً البيع على الثلاّجة بإجازة المالك رغم عدم تطابقها للإنشاء ولكن الأمر ليس كذلك.

وخلاصة المقصود انّه لا تصحّ البرهنة على صحّة أو فساد عقد الفضولي على القاعدة إذا باع لنفسه بمثل كون حيثية الملك لدى المتعاقدين تقييدية أو