304

لكرامته وإطاحة بقدره. وأمّا إذا كان قد دفن بدون أن يصلّى عليه فيكفي أن يصلّى عليه وهو في قبره (1)، كما تقدم في الفقرة (151).

رابعاً: إذا دفن معه مال غير زهيد لشخص ولم يكن ذلك الشخص يأذن في ذلك، فينبش لكي يدفع ذلك المال إلى صاحبه.

وليس من مبرّرات النبش وجود ميّت آخر يراد دفنه في نفس القبر، فإنّه لا يجوز نبش القبر لدفن ميّت آخر فيه (2).

أحكام عامّة للأموات وتجهيزهم:

مجموعة الأعمال التي يجب إجراؤها على الأموات من التغسيل إلى الدفن تسمّى بالتجهيز، وللتجهيز أحكام عامّة نذكرها في ما يلي:

(156) أوّلا: أنّ كلّ مَن يمارس شيئاً من تلك التجهيزات لابدّ له إذا لم يكن هو ولي الميّت أن يستأذن منه، على التفصيل المتقدم في أحكام تغسيل الأموات،لاحظ الفقرة (140) و (141).

(157) ثانياً: أنّ الحدّ الأدنى المعقول من النفقات التي يتطلّبها التجهيز الواجب يُستوفى من تركة الميت. ونريد بالحدّ الأدنى المعقول: ما كان وافياً بالمطلوب شرعاً، وخالياً من الضعة والمهانة للميت، ويدخل في ذلك: ثمن الواجب من ماء الغسل والسدر والكافور والكفن، إلى ثمن الأرض للدفن والضريبة المفروضة، والحمّال والحفّار، كلّ ذلك يخرج من أصل تركة الميت مقدماً على الدَين والإرث والوصيّة.

وما زاد عن الحدّ الأدنى المعقول من نفقات التجهيز ـ أي النفقات التي تبذل


(1) الصلاة عليه وهو في قبره حكمٌ احتياطي.
(2) مادام مستلزماً للهتك.
305

للحصول على كفن أفضل أو أرض أحسن، وهكذا ـ لا يخرج من أصل التركة، وكذلك الأمر في نفقات الفاتحة، وإطعام الضيوف الذين يزورون ذوي الميت لتعزيتهم.

فإن اقتصر أولياء الميت وورثته على الحدّ الأدنى من التجهيز الواجب أخرجوا نفقات ذلك من التركة، سواء كان في الورثة صغار وقاصرون أم لا.

وإن أحبّ الورثة الكبار أن يجهّزوا الميت بتجهيز أفضل وأكثر مؤونةً أمكنهم أن يخرجوا الزائد ممّا ورثوه من التركة، وإن وجد في الورثة صغار أو قاصرون فكلّ الزائد من سهم الكبار في التركة، ولا يتحمّل الصغار والقاصرون منه شيئاً.

وإن قام غير الورثة بالتجهيز الأفضل وأنفق على ذلك فليس له أن يرجع على الورثة ويطالبهم بالزائد من النفقات، إلّا إذا كان ما فعله بأمر صادر منهم بصورة صريحة أو بصورة مفهومة عرفاً.

وإذا كان الميت قد أوصى بالصرف من ماله على التجهيز الأفضل وإقامة الفاتحة ونحو ذلك اُخرجت نفقات ذلك من الثلث.

(158) ثالثاً: ويستثنى ممّا ذكرنا في الفقرة السابقة: الزوجة إذا ماتتوزوجها حيّ، فإنّ كلّ ما يجب شرعاً لتجهيز الزوجة على الزوج، حتّى ولو كانت غنيةً أو صغيرةً أو مجنونةً، أو لم يدخل الزوج بها (الدخول: معناه المقاربة والاتّصال الجنسي)، أو كانت الزوجة غير دائمة (أي تزوجها متعةً)، أو مطلَّقة رجعية(1) وماتت فى العدّة.

وأيضاً لا فرق في مسؤولية الزوج عن تجهيز الزوجة بين أن يكون صغيراً أو كبيراً، وعاقلا أو مجنوناً، غنياً أو فقيراً إذا وجد مايكفي لنفقات التجهيز الواجب، أو أمكنه استقراضه بلا عسر ومشقّة.

 


(1) المطلّقة الرجعية: هي المطلّقة التي يجوز للزوج أن يرجع إليها في أثناء العدّة بدون حاجة إلى عقد جديد، وفي مقابلها المطلّقة البائن التي لا يجوز للزوج ذلك بالنسبة إليها.(منه (رحمه الله)).
306

وإذا ماتت الزوجة ومات زوجها في الوقت نفسه كان تجهيزها من تركتها، لا من تركة الزوج. وإذا أوصت بأن تجهّزَ من مالها وأخذت الوصية طريقها إلى التنفيذ لم يجب على الزوج شيء في ماله.

(159) رابعاً: إذا لم يكن للميّت تركة تسدّد منها نفقات التجهيز الواجب وجب على أقربائه الذين كانوا يجب عليهم الإنفاق عليه وإعالته أن يقوموا بتجهيزه (1).

(160) خامساً: إذا مات المسلم وشُكّ في أنّه هل تصدّى أحد من المسلمين لإجراء اللازم عليه من التجهيز وجب التصدّي لتجهيزه، وإذا عُلِمَ بأنّه قد جُهّزَ بصورة غير صحيحة شرعاً وجب أن يُجهَّزَ بصورة صحيحة، ويكفينا بالنسبة إلى إخواننا أبناء السنّة والجماعة أن يكون تجهيز موتاهم صحيحاً على مذهبهم.

وإذا علم المكلّف بأنّ الميت قد جُهِّزَ وشَكّ في أنّ تجهيزه هل كان صحيحاً من الناحية الشرعية أم لا؟ بنى على صحته، ولم يجب عليه شيء.

(161) سادساً: لا يجوز للإنسان أخذ الاُجرة على مجرّد القيام بالتجهيزات الواجبة(2) من التغسيل أو التحنيط أو التكفين أو الدفن، ويسوغ ثمن ماء الغسل، كما يسوغ ثمن الكفن والسدر والكافور، وغير ذلك من الأشياء التي يتطلّب التجهيز إحضارها وتوفيرها.

ويجوز أيضاً أخذ الاُجرة على كيفية خاصّة غير واجبة في التغسيل أو الدفن ونحوهما، كما في أخذ الاُجرة على الدفن في أرض معينة، أو التغسيل من ماء خاصّ، ونعني بذلك: أنّ المكلّف إذا قال لولي الميت: « لا أدفنه إلّا باُجرة » لم


(1) على الأحوط وجوباً.
(2) يجوز أخذ الاُجرة على الواجب الكفائي.
307

يجز ذلك، وإذا قال له: « أنا حاضر لدفنه، ولكنّي لا أدفنه في ذلك الموضع البعيد من الأرض الذي تريده منّي إلّا باُجرة » جاز له ذلك.

(162) سابعاً: كلّ ما سبق من التجهيزات الواجبة يثبت ويجب إذا كانت جثة الميت ناقصةً أيضاً، كالميت الذي قطعت أطرافه، أو الهيكل العظمي الذي تبدّد لحمه، وكذلك إذا عثر على جزء منه يشتمل على الصدر، أو عثر على الصدر خاصّةً فإنّه يُغسّل ويكفّن، بالنحو المناسب له، ويحنّط إذا كان فيه أحد مواضع التحنيط، ويصلّى عليه، ويدفن. وإذا لم يعثر على الصدر ولكن عثر على عظم من عظام الميت يشتمل على لحم(1) غُسّل ولُفّ بخرقة ودفن، ولا تجب الصلاة. وإذا عثر على لحم له بدون عظم لُفّ بخرقة ودفن، ولم يجب فيه التغسيل (2).

وأمّا الجزء أو العضو المنفصل من الحي فلا يجب فيه شيء من تلك الاُمور.

(163) ثامناً: لا يجوز التمثيل بالميت المسلم أو تشريح جثّته، ولا التصرّف فيها بنحو يوجب إهانته والمسّ من كرامته؛ لأنّ حرمة المسلم ميّتاً كحرمته حيّاً.

وهناك حالات يجوز فيها التشريح ونحوه للضرورة:

منها: إذا حَمَلت المرأة المسلمة ومات حملها وخيف منه على حياتها فإنّه يجب أوّلا أن تعالجَ إخراجَ الجنين من بطنها طبيبة من أهل الاختصاص، وعلى هذه القابلة المختصّة أن ترفق باُمّ الجنين جهدَ المستطيع، حتى ولو استدعى ذلك أن يُقطّعَ الحمل الميت إرباً.

وإن تعذّر وجود المرأة المختصّة والمحارم وانحصرت عملية الإخراج الجراحية الضرورية بأجنبيّ مختصٍّ فلا مانع ـ من الشريعة السمحة ـ أن يباشرها


(1) وكذلك لو لم يشتمل على لحم.
(2) الأحوط ـ إن لم يكن الأقوى ـ وجوب التغسيل.
308

بنفسه، بشرط الاقتصار على ما تدعو إليه الحاجة.

وإن ماتت اُمّ الجنين وهو حيّ أخرجته من بطنها الطبيبة المختصّة أو الطبيب المختصّ على الوجه المتقدّم في موت الجنين دون اُمّه، ويسوغ عندئذ فتح بطن الاُم الميتة؛ حيث يتوقّف إنقاذ الجنين الحي على ذلك.

ومنها: إذا توقّف تعلّم الطبّ على ممارسة التشريح لجثّة إنسان مسلم وكان العدد الواجب تواجده من الأطباء كفايةً غير متوفّر بعد ففي هذه الحالة يجوز ذلك بقدر الضرورة. والمقياس في عدم توفّر العدد الواجب من الأطبّاء أن يوجد في المنطقة ـ التي يريد المكلّف العمل في جزء منها كطبيب ـ من يموت من المرضى بسبب عدم توفّر الطبيب (1).

(164) تاسعاً: لا يجوز أن يُقتَطَع من شعر الميت أو ظفره شيء حال التغسيل، أو قبله، أو بعده، فلو اقُتطِعَ من ذلك شيء قبل أن يدفن وجب دفنه، والأحسن احتياطاً واستحباباً أن يدفن معه (2).

(165) عاشراً: إذا وجدت جنازة الميت مع شخص وكان هو المتولّي لشؤونها، وادّعى أنّه ولي الميّت صُدِّقَ في دعواه، وجرى عليه حكم الولّي شرعاً ما لم يثبت العكس.

 


(1) وكذلك لو توقّف واجب آخر على رفع مستوى الطبّ المتوقف على ذلك من قبيل توقف إعلاء راية الدولة الإسلاميّة المباركة في العالم وعِزّها وشأنها ـ أدام الله عزّها ورفع شأنها ـ على ذلك.
(2) بل لابدّ من جعله في كفنه ودفنه معه لدى الإمكان.
309

الغسل من مسّ الميّت

 

(166) من مسّ ميّتاً قبل أن يبرد جسمه وتذهب حرارته فلا غسل عليه بهذا المسّ واللمس. أجل، يتنجّس نفس العضو والجزء الذي لمس الميت إذا كان هو أو جسم الميت الملموس نديّاً رطباً وتفاعل الماسّ والممسوس بسراية النداوة من أحدهما إلى الآخر، وعندئذ يجب تطهير العضو الماسّ فقط.

وأيضاً من مسّ ميّتاً مسلماً بعد غسله فلا شيء عليه إطلاقاً؛ حتّى ولو كان المسّ بنداوة ورطوبة.

ومن مسّ ميّتاً بعد أن يبرد جسمه وقبل أن يغسل غسل الأموات وجب عليه غسل العضو الماسّ إن تنجّس بالمسّ، كما لو كان بنداوة ورطوبة ووجب عليه أيضاً الغسل من مسّ الميت.

(167) لا فرق في ذلك من ناحية الميت الممسوس بين أن يكون الميت ذكراً أو اُنثى، عاقلا أو مجنوناً، كبيراً أو صغيراً، حتّى ولو كان سقطاً دبّت فيه الحياة، ولا فرق من ناحية العضو الذي يمسّ به الميت بين أن يكون المسّ باليد أو بغيرها من المواضع التي يتواجد فيها عادةً حاسّة اللمس، وأمّا ما لا يتواجد فيه حاسّة اللمس ـ كالشعر ـ فلا أثر له (1)، بمعنى أنّ الحي إذا أصاب بدن الميت ولاقاه بشعره فقط فلا غسل عليه.

ولا فرق في المسّ بين أن يكون عن عمد وإرادة أم بلا قصد واختيار.

ولا فرق من ناحية العضو الممسوس بين أن يكون جزءاً ظاهراً للعيان من


(1) الأحوط وجوباً في فرض اللمس بما لا تتواجد فيه حاسّة اللمس الغسل.
310

البدن كاليد والوجه ـ بل وحتّى الظفر والسنّ والشعر ـ وبين مسّ الجزء المستتر، كاللسان والأمعاء على فرض بروزها، أو ظهور شيء منها بطعنة في البطن ونحوها، ففي كلّ هذه الحالات يجب غسل مسّ الميت.

(168) وإذا انفصل جزء من بدن الميت وجب الغسل بمسّه ولمسه إذا كان عظماً، أو مشتملا على العظم حتّى السنّ، وإذا لم يكن عظماً ولا مشتملا عليه فلا يجب الغسل بمسّه (1).

وإذا انفصل جزء من بدن الحي فلا يجب الغسل بمسّه؛ حتّى ولو كان الجزء المفصول عظماً عليه لحم.

وكيفية الغسل من مسّ الميت هي الكيفية العامة للغسل التي تقدمت في الفقرة (7) وما بعدها.

(169) ويجوز لمن مسّ الميت ووجب عليه الغسل بسبب ذلك أن يدخل المساجد والعتبات المقدسة ويمكث فيها ما شاء وأن يقرأ آيات السجدة من سور العزائم، وتجري عليه الأحكام العامة ـ لمن حصل منه ما يوجب الغسل ـ المتقدّمة في الفقرة (3) و (4).



(1) الأحوط وجوباً الغسل، سواء كان عظماً أو مشتملاً على العظم، أم لا.

311

الأغسال المستحبّة

(170) الأغسال المستحبّة كثيرة، من فعلها فهو مأجور، ومن تركها ليس بمأزور، وأهمّها: غسل الجمعة، واستحبابه مؤكّد في الدين، ويسوغ الإتيان به من طلوع الفجر إلى آخر النهار، ولكنّ الغسل قبل الظهر أفضل من تأخيره إلى بعد الظهر (1)، فإن أخّره نوى به ما هو المطلوب، سواء كان أداءً أو قضاءً، وإذا لم يتيسّر الماء في يوم الجمعة قضاه يوم السبت (2).

(171) ومن الأغسال المستحبّة: غسل يوم عيد الفطر، وغسل ليلته (3)، وغسل يوم عيد الأضحى، وغسل اليوم الثامن من ذي الحجّة، وغسل اليوم التاسع منه (يوم عرفة)، وغسل الليلة الاُولى من شهر رمضان، والليلة السابعة عشرة، والليلة التاسعة عشرة، وليلة الحادي والعشرين، وليلة الثالث والعشرين، وليلة الرابع والعشرين منه (4)، والغسل عند إرادة الإحرام، وعند دخول الحرم، وعند دخول مكّة، وعند دخول المدينة، وعند دخول البيت الحرام، وعند الكسوف الذي يكسف الشمس بكاملها (5)، وغسل التوبة(6)، وغير ذلك (7).

 


(1) يحتمل أن تكون هذه الأفضليّة مقدّميّة، أي لدرك الصلاة في أوّل الوقت مع الغسل.
(2) وكذلك إذا فاته الغسل يوم الجمعة بأيّ سبب آخر.
(3) هذا الغسل يُؤتى به رجاءً، ولا يجزي عن الوضوء.
(4) هذا أيضاً يؤتى به رجاءً، ولا يجزي عن الوضوء.
(5) المتيقّن من ذلك هو ما لو نام عن صلاة الكسوف فيغتسل ويقضي الصلاة دون الذي صلاّها، ففي غير هذه الحالة لا يجزي عن الوضوء.
(6) إذ يستحبّ للمذنب إذا تاب من ذنبه أن يغتسل وينوي بذلك أنّه يغتسل غسل التوبة قربةً إلى الله تعالى، ويسمّى من أجل ذلك بغسل التوبة.(منه (رحمه الله)).
(7) كغسل المباهلة، وغسل الاستسقاء، وغسل الاستخارة.
312

(172) ونلاحظ أنّ هذه الأغسال المستحبّة بعضها ما هو مندوب ـ أي مستحبّ ـ في زمان معيّن، كغسل يوم العيد مثلا، وبعضها ما هو مندوب لأجل الدخول في مكان معيّن، كغسل دخول مكّة مثلا، وبعضها ما هو مندوب لأجل القيام بعمل معيّن، كغسل الإحرام، فهذه أقسام ثلاثة.

والقسم الأوّل يشترط الإتيان به في الزمان المخصّص له.

والقسم الثاني يشترط الإتيان به حين الدخول إلى المكان المعيّن، أو قبيل ذلك (1).

والقسم الثالث يشترط أن يؤتى به قبل القيام بالعمل، ويكفي أن يكونا معاً، أي الغسل والعمل الذي يغتسل لأجله في نهار واحد أو في ليلة واحدة (2)، وإذا اغتسل ثمّ صدر منه ما يوجب الوضوء قبل القيام بالعمل المطلوب أعاد الغسل.

وكيفية الأغسال المستحبّة هي الكيفية العامّة المتقدّمة في الفقرات (7) وما بعدها، وكلّها تجزي عن الوضوء (3)، كما تقدم في الفقرة (5).

 


(1) كأنّ المقصود كون الغسل والدخول بعده في المكان المعيّن في يوم واحد أو ليلة واحدة مع عدم الفصل بالحدث.
(2) يحتمل عدم مضرِّية الفصل بين الغسل وبين العمل الذي اغتسل لأجله، أو الدخول في المكان الذي اغتسل لأجله مهما طال الفصل ما لم يصدر منه حدث يبطل الطهارة.
(3) سبقت الإشارة إلى بعض الموارد التي لم يكن الغسل فيها مجزياً عن الوضوء.
313

الطهارة

4

التيمّم

 

 

○   تمهيد.

○   مسوّغات التيمّم.

○   الصعيد الذي يتيمّم به.

○  صورة التيمّم.

○   شروط التيمّم.

○   نواقض التيمّم.

○   الخلل في التيمّم.

○  أحكام التيمّم.

 

 

315

تمهيد:

(1) التيمّم: هو مسح الجبهة وما حولها إلى الحاجبين بباطن الكفّين، ومسح ظاهر كلٍّ من الكفّين بباطن الاُخرى.

وهو كالوضوء والغسل عبادة لا يصحّ إلّا بنية القربة، ويعبّر عنه بالطهارة الترابية؛ لأنّه يستعمل فيه التراب تمييزاً له عن الطهارة المائية. وأعضاء التيمّم هي المواضع التي يقع المسح عليها أو بها، وتتكون من: الجبهة والجبين وباطن الكفّين وظاهرهما.

ويعتبر التيمّم بديلا عن الوضوء، فمن حصل منه ما يوجب الوضوء تيمَّمَ عوضاً عن الوضوء في حالة عدم تيسّر الوضوء له. كما يعتبر بديلا عن الغسل أيضاً، فمن حصل منه ما يوجب الغسل تيمَّم عوضاً عن الغسل في حالة عدم تيسّر الغسل، ولهذا يسمّى بالطهارة الاضطرارية، وفيما يلي التفاصيل:

 

مسوّغات التيمّم:

 

قد لا يتيسّر الماء لدى المكلّف، وقد يكون الماء متيسّراً وموفوراً ولكن

316

لا يتيسّر له استعماله من أجل الصلاة لمرض أو غيره، وقد يتيسّر له الماء والاستعمال معاً.

فإذا تيسّر له الماء والاستعمال معاً لم يصحّ منه التيمّم إلّا في بعض الحالات النادرة(1) (2)، ووجب عليه أن يتوضّأ أو يغتسل.

وإذا لم يتيسّر الماء أو لم يتيسّر استعماله فيسوغ التيمّم، فهناك إذن مسوّغان رئيسيان للتيمّم، وسوف نتكلّم عنهما تباعاً.

عدم تيسّر الماء:

المسوّغ الأول: عدم تيسّر الماء الذي يصحّ الوضوء به، ونعني بعدم تيسّر الماء: إحدى الحالات التالية:

 


(1) وهي حالتان: الاُولى: إذا أراد أن يؤدّي الصلاة على الميّت أمكنه أن يتيمّم ولو كان الوضوء ميسوراً، كما يمكنه أيضاً أن يصلّي بدون وضوء ولا تيمّم.
الثانية: إذا أوى إلى فراشه لينام وذكر أنّه ليس على وضوء فقد سمح له بعض الفقهاء بأن يتيمّم ليكون نومه على طهارة وإن كان استعمال الماء ميسوراً، ولا يقين لنا بأنّ هذا السماح ثابت.(منه (رحمه الله)).
(2) قصد (رحمه الله) بذلك حالتين بيّنهما تحت الخطّ:
الاُولى: ما لو أراد الصلاة على الميّت فبإمكانه أن يتيمّم ولو كان الوضوء ميسوراً.
أقول: لم يدلَّ النصّ على جواز التيمّم إلّا في فرض أنّه لو توضّأ لفاتته الصلاة.
والثانية: إذا أوى إلى فراشه لينام وذكر أنّه ليس على وضوء فقد سمح له بعض الفقهاء بأن يتيمم ليكون نومه على طهارة وإن كان استعمال الماء ميسوراً.
أقول: دليل ذلك غير تامّ، فلا بدّ من قصد الرجاء في ذلك دون قصد الورود. ولعله لهذا أضاف (رحمه الله)في طبعة متأخّرة في نهاية بيانه لهاتين الحالتين تحت الخط قوله: «ولا يقين لنا بأنّ هذا السماح ثابت».
317

(2) الحالة الاُولى: أن لا يوجد الماء في كلّ المساحة التي يقدر المكلّف على الوصول إليها والتحرّك ضمنها ما دام وقت الصلاة باقياً، ولا فرق في ذلك بين أن لا يوجد ماء بحال أو يوجد منه مقدار يسير لا يكفي لما هو المطلوب من الوضوء أو الغسل، أو يوجد منه ما لا يسوغ الوضوء أو الاغتسال به، كماء نجس أو ماء مغصوب.

(3) الحالة الثانية: أن يكون الماء موجوداً في تلك المساحة، ولكن يصعب الوصول إليه بدرجة يحسّ الإنسان عند محاولة ذلك بالمشقة الشديدة والحرج، سواء كانت المشقة جسديةً ـ كما إذا كان الماء في موضع بعيد ـ أو معنوية، كما إذا كان الماء ملكاً لشخص ولا يأذن بالتصرّف فيه إلّا أن يتذلّل له الإنسان ويعامله بما يشقّ عليه.

(4) الحالة الثالثة: أن يكون الماء موجوداً في تلك المساحة، وقد لا يكون بعيداً أيضاً ولكنّ محاولة الوصول إليه تعرّض الإنسان للضرر أو الخطر، كما إذا كان الإنسان في صحراء وكان الماء على مقربة من سباع مفترسة، أو كان الطريق إليه غير آمن لسبب أو آخر، أو كان الإنسان مريضاً ـ كالمصاب بالقلب ـ ويضرّ به صِحّياً التحرّك وصرف الجهد من أجل الوصول إلى الماء ولا يوجد من يستعين به.

(5) الحالة الرابعة: أن يكون الماء موجوداً في تلك المساحة، ولكنّه ملك لشخص لا يأذن لهذا المكلّف المريد للوضوء بالتوضّؤ منه إلّا إذا دفع ثمناً مجحفاً يضرّ بحاله من الناحية المالية.

(6) الحالة الخامسة: أن يكون الماء موجوداً في تلك المساحة، ولكنّ الوصول إليه يتوقّف على ارتكاب اُمور محرّمة، كما إذا كانت الآلة التي يستعملها

318

في الحصول على الماء مغصوبةً وإن كان الماء مباحاً.

ونلاحظ أنّ المكلّف في الحالة الاُولى لا يمكن أن يحصل منه الوضوء، فالواجب عليه هو التيمّم، وفي الحالات الأربع التالية (الثانية إلى الخامسة) قد يمكن أن يتوضّأ ولكنّ الشارع مع هذا لم يأمره به، بل سوّغ له التيمّم، لكنّ المكلّف إذا أصرّ على الوضوء وحصل على الماء متحمّلا كلّ المضاعفات والصعوبات وجب عليه عندئذ أن يتوضّأ به، وصحّ منه الوضوء.

عدم تيسّر استعمال الماء:

المسوّغ الثاني للتيمّم عدم تيسّر استعمال الماء على الرغم من وجوده وتوفّره، ونعني بعدم تيسّر استعمال الماء: إحدى الحالات التالية:

(7) الحالة الاُولى: أن يكون التوضّؤ أو الاغتسال من الماء لأجل الصلاة غير ممكن؛ لضيق الوقت عن استيعاب الوضوء والصلاة معاً، أو الغسل والصلاة معاً.

(8) الحالة الثانية: أن يكون التوضّؤ أو الاغتسال للصلاة ـ مثلا ـ ممكناً، ولكنّه مضرّ بالإنسان من الناحية الصحّية؛ نظراً لمرضه، أو لأيّ سبب آخر، والضرر الصحّي يشمل نشوء المرض وتفاقمه وطول أمده.

(9) الحالة الثالثة: أن يكون استعمال الماء في الوضوء أو الغسل ممكناً ولا ضرر صحّي، ولكنّه شاقّ على المكلّف وسبب للحرج، كما إذا كان الماء والجوّ بارِدَين بدرجة يتألم الإنسان عند استعمال ذلك الماء ألماً شديداً محرجاً له.

(10) الحالة الرابعة: أن يكون استعمال الماء في الوضوء أو الغسل يؤدّي إلى التعرض للعطش على نحو يوقع المتوضّئ في الخطر أو الضرر أو الحرج والألم الشديد.

319

وقد لا يكون المتعرّض لضرر العطش أو خطره نفس المتوضّئ شخصياً، بل شخصاً آخر ممّن تجب صيانته، أو كائناً حيّاً ممّن يهمّه أمره، أو يضرّه فقده كفرسه وغنمه، أو يجب عليه حفظه، كما إذا اُودع لديه حيوان.

(11) الحالة الخامسة: أن يكون على بدن المكلّف نجاسة، أو على ثوبه الذي لايملك غيره للستر الواجب في الصلاة وعنده ماء يكفي لإزالة النجاسة فقط أو للوضوء فقط، فيسوغ للمكلف أن يغسل بدنه وثوبه من النجاسة ويتيمّم للصلاة، كما يسوغ له أيضاً أن يتوضّأ ويصلّي في الثوب النجس، أو مع نجاسة البدن.

(12) ففي كلّ هذه الحالات يسوغ التيمّم. وإذا أصرّ المكلّف على الوضوء وتوضّأ على الرغم من الظروف المذكورة صحّ منه الوضوء في الحالة الثالثة والرابعة، وكذلك في الخامسة على ما تقدم.

وأمّا حكم الوضوء في الحالة الاُولى فقد تقدّم في الفقرة (10) من فصل الوضوء، كما تقدّم حكم الوضوء في الحالة الثانية في الفقرة (7) من فصل الوضوء.

ويجمع كلّ ما تقدم من الحالات العشر أن لا يتيسّر الوضوء لعجز أو لضرر، أو لمشقّة شديدة، أو رعاية لواجب آخر كالوضوء أو أهمّ منه.

(13) وإذا أخبر الثقة بعدم وجود الماء أخذ بخبره (1)، أو أخبر الطبيب الثقة بالضرر الصحّي(2) أخذ بقوله أيضاً، بل يكفي مجرّد احتمال الضرر الذي يبعث على الخوف والتردّد لدى الناس عادة.

 


(1) إن أورث كلامه الاطمئنان.
(2) إن أورث كلامه احتمال الضرر الذي يبعث على الخوف والتردد لدى الناس عادة.
320

وإذا كان المكلّف يائساً من وجود الماء في هذا المكان واحتمل بعد ذلك أنّه وجد لم يجب عليه الفحص، بل يعمل بيأسه السابق.

الصعيد الذي يتيمّم به:

(14) يجب التيمّم بوجه الأرض، أو ما كان مقتطعاً منها، على أن يكون طاهراً ومباحاً، سواء كان تراباً أو صخراً أو رملا أو طيناً يابساً.

بل يصحّ التيمّم بما تبنى به البيوت من جصٍّ(1) وآجر و (إسمنت) ما دامت موادّه مأخوذةً من الأرض وإن اُحرقت وصنعت، وكذلك ما يصنع من (الإسمنت) من قطع للبناء (الكاشي والموزائيك) إذا لم تكن مطليةً بطلاء خارجيّ غير مأخوذ من الأرض، والغالب فيها أنّها غير مطلية كذلك حتّى الملونة منها.

ويصحّ التيمّم بالرخام المعروف في الأوساط العراقية بـ (المَرمَر)(2).

وكلّ ما يصحّ التيمّم به لا فرق فيه بين أن يكون في الأرض أو جزءاً من جدار وحائط، فيسوغ للإنسان أن يتيمّم بالجدار، فيضرب يديه عليه إذا كان مكوّناً من بعض الأشياء التي ذكرناها.

(15) وليس من الضروريّ في صحّة التيمّم أن يترك الشيء الذي يتيمّم به أثراً منه في أعضاء التيمّم، فمن تيمّم بحجر نقيّ ومصقول صحّ منه هذا التيمّم (3).

(16) ويشترط في المادة التي يتيمّم بها:

 


(1) الجُصُّ: ما تطلى به البيوت من الكِلْس.(منه (رحمه الله)).
(2) الأحوط وجوباً الاقتصار في التيمم على التراب وأمّا الموادّ الصلبة المذكورة في المتن فلكي يصح التيمم بها يجب أن تدقّ حتى تصبح تراباً.
(3) مضى أنّ الأحوط وجوباً الاقتصار في التيمّم على التراب.
321

أوّلا: أن تكون كمّيةً واضحةً محسوسةً، لا من قبيل الغبار الذي يعني أجزاءً صغيرةً من التراب التي لايبدو لها حجم وإن كانت موجودةً في الواقع.

وثانياً: أن لا تكون مخلوطةً بالماء بدرجة تجعلها طيناً.

(17) فإذا لم يتوافر لدى المكلّف مادة بهذين الشرطين تيمّم بما تيسّر من غبار الأرض أو الطين، فإذا تيسّر الغبار والطين معاً قدّم الغبار على الطين، بمعنى أنّه يتيمّم عندئذ بالغبار لا بالطين (1). أجَل، إذا كان بالإمكان تجفيف الطين أو تجميع الغبار على نحو يصبح تراباً واضحاً محسوساً وجب ذلك، فإذا جفّ الطين أو تجمّع الغبار تيمّم به.

(18) ولا يسوغ التيمّم بما لا يصدق عليه اسم الأرض، كالذهب والحديد والفولاذ والنحاس والرصاص وما أشبه، أو كالفيروزج والعقيق واللؤلؤ والمرجان، أو كالملح والكحل والرّماد، وكلّ ما يؤكل ويلبس، وكذلك لا يسوغ التيمّم بالخشب، ولا بقطع البناء المطلية بغطاء زجاجيّ التي تستعمل في الحمّامات الحديثة عادة.

(19) وإذا اختلط التراب أو غيره من موادّ الأرض بعناصر غير أرضية


(1) وإن عجز حتّى عن الغبار والطين ولكن استطاع تبليل يده أو بدنه على شكل التدهين بمثل الثلج أو ماء غير كاف للغَسل فعل ذلك وصلّى ثمّ قضاها بعد تحصيل الماء. وإن كان لديه ما يدخل في حقيقة الأرض ولا يكون تراباً كالرخام وغير ذلك ولم يمكنه تحويله إلى التراب تيمّم به وصلّى ثمّ قضاها، وإذا توفّر له ما يكون من الأرض دون ما يكون من التراب وتوفّر لديه أيضاً الغبار أو الطين جمع بين التيمّم بالأوّل والتيمّم بالغبار إن كان، وإلّا فبالطين ولا قضاء عليه، وإذا توفّر له ما يكون من الأرض دون ما يكون من التراب وتمكّن أيضاً من مثل التدهين بالثلج جمع بينهما وصلّى ثمّ قضاها.
322

ـ كما إذا خلط بالملح مثلا ـ فلا يصحّ التيمّم به إلّا إذا كانت العناصر غير الأرضية ضئيلةً بدرجة يصدق معها على المادة كلّها اسم التراب أو الأرض (1).

(20) ومن عجز عن الحصول على مايسوغ التيمّم به صلّى بدونه احتياطاً ووجوباً (2)، ومتى قدر بعد ذلك على مايتطهّر به طهارةً مائيةً أو ترابيةً تطهّر وأعاد كلّ فريضة صلاّها بلا وضوء ولا تيمّم، كأنّه لم يصلّ من الأساس، وإذا لم يتح له أن يتطهّر بوضوء أو تيمّم إلّا بعد انتهاء وقت الصلاة فعليه القضاء.

صورة التيمّم:

(21) وهي: أن يضرب المتيمّم اختياراً بباطن كفّيه مجتمعتين على الأرض دفعةً واحدة، فلا يجزي مجرّد وضع الكفّين بلا ضرب، ولا الضرب بواحدة أو بهما على التعاقب، فيمسح بهما أيضاً مجتمعتين(3) تمام جبهته وجبينيه من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الذي يلي الحاجب مباشرة، والأحسن الأولى استحباباً أن يدخل الحاجبين في المسح، فيمسحهما أيضاً مع جبهته، ثمّ يمسح تمام ظاهر الكفّ اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع(4) يمسحها بباطن الكفّ اليسرى، ثمّ


(1) بل اسم التراب على الأحوط وجوباً كما مضى.
(2) لا يجب هذا الاحتياط، بل الاحتياط من جهة اُخرى في الترك؛ لاحتمال حرمة الدخول في الصلاة بلا طهور.
(3) التقارن بين اليدين في الضرب وفي المسح على الوجه حكم احتياطي.
(4) الجبهة: ما بين الحاجبين إلى منبت شعر الرأس من مقدّمه، والجبينان: هما عن يمين الجبهة وشمالها، وقصاص الشعر: مجرى المقصّ، وحيث ينتهي شعر منبت الرأس من مقدّمه، والزند: ما يوصل الذراع بالكفّ.(منه (رحمه الله)).
323

يمسح تمام ظاهر الكفّ اليسرى إلى أطراف الأصابع بباطن الكفّ اليمنى تماماً، كما فعل بظاهر اليمنى.

ونريد بظاهر الكفّ: ماتلمسه من ظاهر إحدى كفّيك بكفّك الاُخرى عند إمرارها عليها ومسحها بها، فلا يجب أن يشتمل المسح ما بين الأصابع، ولا غيره ممّا لايلمس عادةً بوضع إحدى الكفّين على الاُخرى.

ويستحبّ أن ينفض يديه بعد ضربهما على الأرض وقبل المسح بهما (1).

وإذا امتدّ شعر الرأس إلى الجبهة أو الجبينين وجب رفعه عند المسح، أمّا ماينبت عليها بالذات فيكفي مسحه.

(22) وبهذا تبيّن أنّ الممسوح أربعة: الجبهة، والجبينان ـ والحاجبان على سبيل الأفضلية والاستحباب ـ وظاهر الكفّين، وأنّ الماسح باطن الكفّين، وكلّ ممسوح ممّا يجب مسحه لابدّ أن يستوعبه المسح بالكامل، ولكن لا يجب أن يكون هذا الاستيعاب بكلّ أجزاء الماسح، بل يكفي للجبهة ـ مثلا ـ المسح ببعض الكفّين، أي بعض الأجزاء من باطن الكفّين مجتمعتين على نحو تساهم كلّ من الكفّين في المسح.

(23) والواجب من الضرب على الأرض بباطن الكفين ضربةً واحدةً فقط، سواء كان التيمّم بدلا عن الوضوء أو عن الغسل، ولو ضرب مرّتين ـ واحدةً للوجه بالتحديد السابق، وثانيةً لظاهر الكفّين ـ كان خيراً وأولى، وعلى الأخص إذا كان التيمّم بدلا عن الغسل.

هذه هي صورة التيمّم شرعاً.



(1) إن علق بهما شيء كما في التيمّم بالتراب وجب النفض على الأحوط، وإن لم يعلق بهما شيء كما لو جوّزنا التيمّم بالرخام النقي فلا دليل على وجوب النفض، ولا على استحبابه.

324

(24) وقد يؤتى به ناقصاً من أجل تعذّر الصورة الكاملة فيصحّ، فمن قُطعت إحدى يديه فضرب على الأرض بالثانية الباقية، ومسح بها وجهه، ثمّ مسح ظهرها بالأرض كفاه ذلك، ومن قطع جزء من كفّه كان الجزء الباقي بمثابة الكفّ، ومن عجز عن الضرب بيديه اكتفى بوضعها على الأرض، ومن عجز عن مباشرة التيمّم حتى على هذا النحو يَمّمَه آخر قادر، على ان يكون الضرب والمسح بيد العاجز، لا بيد القادر.

وإذا تعذّر الضرب والمسح على الأرض بباطن الكفّين وأمكن ذلك بظاهرهما ضرب بظاهرهما ومسح به ما يجب مسحه من أعضاء التيمّم، وإذا كان على بعض أعضاء التيمّم جبيرة فحكمه حكم المتوضّئ إذا كان على بعض أعضاء وضوئه جبيرة، فيمسح عليها ويمسح بها على أساس أنّها تعتبر بمثابة ما تستره من بشرة الإنسان.

شروط التيمّم:

هنا شروط يجب مراعاتها في التيمّم، وهي كما يلي:

(25) أوّلا: إباحة الشيء الذي يتيمّم به وطهارته، كما تقدم في الفقرة (14) فلا يسوغ التيمّم بالتراب المتنجّس، أو بتراب يملكه الغير بدون إذنه.

(26) ثانياً: نية القربة؛ لأنّ التيمّم عبادة كما تقدم، وسواء كان التيمّم من أجل التعويض عن الوضوء أو من أجل التعويض عن الغسل لا يجب في نية التيمّم شيء سوى القربة إلى الله تعالى، وليس من الضروريّ أن ينوي كونه بدلا عن الوضوء، أو بدلا عن الغسل، أو كونه طهارةً اضطرارية.

أجَل، إذا كان قد حصل منه ما يوجب الوضوء وحصل أيضاً ما يوجب الغسل ولم يتيسّر له الوضوء والغسل كان عليه تيمّمان، ووجب في كلٍّ منهما أن

325

يعيّنه ويميّزه عن الآخر، بأن ينوي ـ مثلا ـ بأحدهما التعويض عن الوضوء، وبالآخر التعويض عن الغسل (1).

(27) ثالثاً: أن يأتي بأفعال التيمّم حسب تسلسلها وترتيبها المقرّر سابقاً، فيبدأ بالضرب، ثمّ يمسح الوجه على التحديد السابق، ثمّ يمسح ظاهر الكفّ اليمنى، وأخيراً يمسح ظاهر الكفّ اليسرى، فلو خالف وقدّم وأخّر لم يكفِهِ ذلك.

(28) رابعاً: أن يباشر المكلّف المسؤول بنفسه عملية التيمّم مع التمكّن من ذلك.

(29) خامساً: عدم وجود الحائل والحاجب على العضو الماسح أو العضو الممسوح. وعلى هذا الأساس يجب نزع الخاتم عند التيمّم؛ لأنّه حاجب وحائل.

(30) سادساً: التتابع بين الضرب بالكفّين ومسح الأعضاء، وعدم الفصل الطويل بين الضرب على الصعيد والمسح على النحو الذي يؤدّي إلى عدم الارتباط بين الضرب والمسح عرفاً.

(31) سابعاً: أن يكون المكان الذي يشغله المتيمّم عند التيمُّم مباحاً، فإذا


(1) إن كان ذلك الغسل عبارةً عن غسل الجنابة فالتيمّم عنه يكفي عن التيمّم عن الوضوء، كما يكفي عن أصل الوضوء لو كان متمكناً منه وغير متمكن من الغسل، وهذا الفرض خارج عن مفروض المتن هنا؛ لكفاية التيمّم البديل عن غسل الجنابة عن الوضوء وعن التيمّم بدل الوضوء كما ستأتي الإشارة إلى ذلك في الفقرة (35)، فمفروض المتن هنا إنّما هي الأغسال الاُخرى.
وإذا اجتمع حدثان على الشخص يوجب كلّ واحد منهما الغسل كفاه تيمّم واحد؛ لقاعدة التداخل، فمقصود المتن هنا هو أنّه لو اجتمع الحدث الأصغر مع حدث أكبر غير الجنابة وجب تيمّمان: أحدهما عن الغسل والآخر عن الوضوء، وتعيّن التمييز بينهما بالنيّة.
326

غصب دار غيره وتيمّم فيها بطل تيمّمه، حتّى ولو كان التراب الذي يتيمّم به ملكاً شخصياً له.

(32) وهناك اُمور يحسن بالمتيمّم استحباباً تحقيقها، وهي:

أوّلا: أن تكون أعضاء التيمّم طاهرة، وليس من الضروري طهارة جميع البدن من النجاسة، بل تكفي طهارة تلك الأعضاء فقط.

ثانياً: أن يبدأ مسح الوجه من منابت الشعر إلى أسفل، ويبدأ مسح الكفّ من الزند إلى أطراف الأصابع، فلو مسح من الحاجب إلى أعلى أو من أطراف الأصابع إلى الزند لم يحسن صنعاً.

ثالثاً: أن يكون التيمّم للصلاة بعد دخول وقتها.

ولو لم يوفّر المتيمّم هذه الاُمور ووفّر الشروط الواجبة التي ذكرناها سابقاً كفاه ذلك.

نواقض التيمّم:

(33) التيمّم إذا كان بديلا عن الوضوء انتقض بكلّ ماينقض الوضوء ويوجبه، وينتقض إضافةً إلى ذلك بتيسّر الوضوء، شريطة أن تبقى هذه القدرة أمداً يتّسع للطهارة، بمعنى أنّه ينتهي حينئذ مفعول التيمّم، ويكون المكلّف بحاجة إلى الوضوء.

وإذا تيسّر الوضوء برهةً كافيةً من الزمن فلم يبادر المكلّف إلى الوضوء ثمّ تعذّر عليه الوضوء لم يجزِ للمكلف أن يعتمد على تيمّمه السابق، بل لابدّ أن يجدّد التيمّم؛ لأنّ تيمّمه السابق قد انتقض بتيسّر الوضوء.

(34) وإذا كان التيمّم بديلا عن الغسل انتقض بكلّ ما ينقض الغسل ويوجبه، وينقض إضافةً إلى ذلك بتيسّر الغسل، بمعنى انتهاء مفعول التيمّم بذلك،

327

ويكون المكلّف بحاجة إلى الغسل، ولا ينتقض هذا التيمّم البديل عن الغسل بما يوجب الوضوء (الحدث الأصغر)، فلو تيمّم الجنب ـ مثلا ـ ثمّ نام أو بال بقي تيمّمه عن الجنابة نافذ المفعول، وعليه أن يتوضّأ من أجل البول او النوم إن كان متيسّراً، وإن لم يتيسّر الوضوء تيمّم بدلا عنه.

وكذلك إذا تيمّمت الحائض بدلا عن غسل الحيض ثمّ نامت أو بالت فإنّها لا تعيد تيمّمها هذا، وإنّما عليها أن تتوضّأ إن أمكن، وإلّا تيمّمت بدلا عن الوضوء.

(35) وقد يعدم الإنسان الماء ويحصل منه ما يوجب الغسل، كمسّ الميّت، ويحصل منه أيضاً ما يوجب الوضوء كالبول والنوم، فيتيمّم مرّتين: إحداهما بدلا عن غسل المسّ، والاُخرى بدلا عن الوضوء؛ نظراً إلى أنّ التيمّم بدلا عن غسل مسّ الميّت لا يجزي عن الوضوء.

ونفترض أنّه بعد ذلك يجد الماء فله حالات:

الاُولى: أن يجد ماءً يكفي للغسل والوضوء معاً، فينتقض كلا التيمّمين، وعليه أن يغتسل ويتوضّأ (1).

الثانية: أن يجد ماءً يكفي للوضوء خاصّةً، فيبقى تيمّمه عن غسل مسّ الميت نافذ المفعول، وينتقض التيمّم الآخر، وعليه أن يتوضّأ.

الثالثة: أن يجد ماءً يكفي للغسل ولا يكفي للغسل والوضوء معاً، وفي هذه الحالة ينتقض كلا التيمّمين، ويجب عليه أن يغتسل لمسّ الميّت، وكفاه ذلك عن الوضوء؛ لما تقدّم من إجزاء هذا الغسل عن الوضوء في الفقرة (5) من فصل الغسل.



(1) بل يكفيه الغسل.

328

حول الخلل في التيمّم:

(36) إذا تيمّم المكلّف ثمّ علم بأنّه لم يأتِ به بالصورة المطلوبة شرعاً وجبت عليه إعادته، وإذا علم بأنّه لم يأتِ بالجزء الأخير من التيمّم ـ مثلا ـ (المسح على ظهر الكفّ اليسرى) مسح عليها إن لم يكن قد مضى على التيمّم وقت طويل، وإلّا أعاد التيمّم من الأساس.

(37) وقد يشكّ ويتردّد المتيمّم وهو يؤدّي عملية التيمّم، أو بعد أن يخلو منها ويفرغ، ويتساءل في نفسه، هل ذهلت وغفلت ـ يا ترى ـ عن واجب من واجبات التيمّم، أو أدّيته بالتمام والكمال؟ فماذا يصنع؟

والجواب عن هذا التساؤل يستدعي التفصيل تبعاً لحال المتيمّم وشكّه، فإن كان قد أتى بكامل أجزاء التيمّم أو بعضها ثمّ شكّ في أنّ ما أتى به هل اُدِّيَ بصورة صحيحة، أوْ لا؟ فلا أثر لشكّه، بل يبني على أنّ ما وقع منه صحيح.

ومثال ذلك: أن يمسح بكفّيه جبهته، ثمّ يشك في أنّه هل مسح جبينه أيضاً، أو لا؟ فلا أثر لهذا الشكّ، بل يكمل تيمّمه.

ومثال آخر: أن يمسح كفّه، ثمّ يشكّ في أنّه هل استوعب ظاهرها بالمسح، أوْ لا (1)؟.

وإن شكّ المتيمّم في ضرب يديه على الأرض من الأساس قبل أن يبدأ بمسح جبهته، أو في مسح جبهته قبل أن يبدأ بمسح ظهر كفّه اليمنى، أو في مسح ظهر كفّه اليمنى قبل أن يبدأ بمسح ظهر كفّه اليسرى قبل أن تطول المدّة ويفوت


(1) كون هذين مثالاً للشك في الصحّة لا في الجزء بحيث تجري القاعدة لإثبات الصحّة بلا حاجة إلى تجاوز المحلّ قابل للتأمّل، فلا يترك الاحتياط بالتدارك مادام الشك شكّاً قبل تجاوز المحلّ.