81


ـ في الإنشائيّات ـ في كون الدلالة التصديقيّة موازية للنسبة الحرفيّة الكامنة في الجزاء، دون النسبة الربطيّة الثابتة بين الشرط والجزاء، كان عبارة عن أنّه لو كانت موازية في الظاهر العرفيّ للربط الشرطيّ لا للجزاء لانسلخت الجملة الشرطيّة الإنشائيّة عن كونها إنشائيّة وأصبحت إخباريّة تحتمل الصدق والكذب، في حين أنّ الفهم العرفيّ في القضيّة الشرطيّة لا يساعد على ذلك.



ولكنّي أقول: إنّ تبعيّة الجملة الشرطيّة للجزاء في الإنشائيّة والإخباريّة صحيحة حتّى لو افترضنا أنّ مصبّ الدلالة التصديقيّة هو الربط بين الشرط والجزاء؛ وذلك لأنّ النكتة في إنشائيّة الإنشاء وخبريّة الخبر هي أنّ مفاد الخبر هو ما في النفس من قصد الكشف عن الواقع، فإن طابق الكشف الواقع كان صادقاً وإلّا كان كاذباً. وأمّا الإنشاء كالطلب فبما أنّ نفس المنكشف موجود في نفس المتكلّم أصبح مفاده عرفاً نفس هذا المنكشف كالطلب لا قصد الكشف عنه، ولذا لا يحتمل فيه الصدق والكذب.



والربط بين الشرط والجزاء حينما يكون الجزاء خارجيّاً خارجيّ، فتكون الدلالة التصديقيّة عبارة عن قصد الكشف عن ذاك الربط، فتكون القضيّة خبريّة، وحينما يكون الجزاء ثابتاً في النفس ثابت في النفس، فيكون المدلول التصديقيّ عبارة عن نفس الربط لا قصد الكشف عنه، فتكون القضيّة إنشائيّة. وعليه فدعوى ظهور الشرطيّة ولو في خصوص الإنشائيّة ـ على الأقلّ ـ في كون مصبّ الدلالة التصديقيّة هو الجزاء ـ كي لا تنسلخ عن كونها قضيّة إنشائيّة ـ غير صحيحة.



بل نُقل لي عن الدورة المتأخّرة لبحث اُستاذنا الشهيد عن الدورة التي سجّلتُ منها بحث المفاهيم القول بأنّ ظاهر القضيّة الشرطيّة سواءً كانت حكائيّة أو إنشائيّة هو كون



82


مركز الدلالة التصديقيّة الربط الشرطيّ لا الجزاء، وذلك ببيان: أنّ النسبة الموجودة في داخل الجزاء كانت بحسب عالم الدلالة التصوّريّة طرفاً للنسبة الربطيّة بين الشرط والجزاء، فجعلها محوراً في عالم الدلالة التصديقيّة يكون خلاف أصالة التطابق بين العالمَين، فالظاهر أنّ مصبّ الدلالة التصديقيّة هي النسبة الربطيّة كي تبقى النسبة الجزائيّة طرفاً في كلا العالمَين.

وقد وجدنا هذا البيان بعد ذلك في تقرير السيّد الهاشميّ حفظه الله، ج 3، ص 159.

هذا. وبالإمكان أن يقال: إنّ سلخ الدلالة التصديقيّة عن الجزاء والإيمان بكونها بإزاء الربط الشرطيّ ـ أو قل: سلخها عن التعليق ـ لا يبطل مفهوم الشرط، فلتكن الدلالة التصديقيّة بإزاء الربط الشرطيّ لا الجزاء، ولكن أليس هذا الربط الشرطيّ له طرفان: أحدهما الشرط، والآخر النسبة التصوّريّة التامّة بين الموضوع والمحمول في الجزاء، والربط دلّ على ترتّب الطرف الثاني على الأوّل، كي ينتهي الأمر في عالم الدلالة التصديقيّة إلى التصديق بكون النسبة الجزائيّة مترتّبة على الشرط، فإذا أثبتنا بالإطلاق ومقدّمات الحكمة ـ بلحاظ هذه الدلالة التصديقيّة ـ أنّ طرفها ذات النسبة الجزائيّة وهي النسبة الإرساليّة مثلا بما هي كذلك ومن دون دخل أيّة خصوصيّة في ذلك، فلا محالة بانتفاء الشرط تنتفي هذه النسبة وبانتفائها ينتفي الحكم ويثبت المفهوم.

الجواب: أنّ هذا البيان وإن أثبت علّيّة الشرط للجزاء ولكنّه سدّ علينا باب إثبات الانحصار؛ وذلك لأنّ هذا البيان جعل طبيعيّ النسبة الجزائيّة مترتّباً على الشرط ليس شخص الحكم؛ لأنّ الحكم ـ وهو المدلول التصديقيّ ـ لم يحمله الجزاء بل حمله الربط الشرطيّ، وطبيعيّ النسبة الجزائيّة يتحمّل شرطين متبادلين، بأن يُجعل تارةً على شرط

83


كي يترتّب الطبيعيّ عليه، واُخرى على شرط آخر كي يترتّب الطبيعيّ عليه أيضاً، وليس طبيعيّ النسبة الجزائيّة عبارة عن حكم واحد كي يقال: إنّ الحكم الواحد لا يقبل شرطين متبادلين فيثبت الانحصار، ولا عبارة عن كلّ الأحكام كي يقال: لو بقي الجزاء من دون هذا الشرط في مورد كان خلف ترتّب كلّ الأحكام على هذا الشرط، حتّى يثبت المفهوم بنفس كون المعلّق مطلق الوجود بلا حاجة إلى مسألة العلّيّة الانحصاريّة./p>

وعلى أيّة حال فقد اتّضح بمجموع ما سردناه مواطن الضعف في برهان اُستاذنا الشهيد(رحمه الله):

فأوّلا:إنّ مصبّ الدلالة التصديقيّة هو الربط الشرطيّ وليس الربط الجزائيّ، فلم يثبت تعليق شخص الحكم؛ لأنّ المعلّق هو الجزاء وليس هو المصبّ الحامل للدلالة التصديقيّة.

وثانياً: إنّ احتمال دخل خصوصيّة بعض الملاكات لا يمكن نفيه بالإطلاق؛ لأنّه حيثيّة تعليليّة للجعل وليس حيثية تقييديّة للجعل.

لعلّ بعض هذه الاُمور هو الذي أوجب ما نقل من عدول اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) عن البرهنة بالبرهان اللمّيّ على ثبوت المفهوم للشرط في الدورة الأخيرة لبحثه.

بقي في المقام تقريب آخر لإثبات مفهوم الشرط، وهو: أن نقول: بعد أن انتهينا إلى أنّ المعلّق هي النسبة التامّة المستبطنة في الجزاء بدلالتها التصوّريّة نجري الإطلاق بلحاظ هذه النسبة، ولا نفسّر الإطلاق ابتداءً بمعنى مطلق الوجود ولا بمعنى صرف الوجود الذي يطبّق في كلماتهم على أوّل الوجود، حتّى يعترض على ذلك بأنّ المعنى الصحيح للإطلاق إنّما هو كون النظر مرتكزاً على حاقّ الطبيعة مع رفض جميع القيود، فالإطلاق نفسّره بهذا التفسير الصحيح فنقول: إنّ المعلّق على الشرط ـ بمعنى المترتّب على الشرط لا بمعنى

84


التعليق بالعين اليسرى ـ هو ذات طبيعة الحكم المستبطن في الجزاء، إلّا أنّ هذا ينتهي إلى تعليق مطلق الوجود؛ لأنّ حكم الطبيعة إذا ثبت على واقع الطبيعة بلا أيّ قيد سرى ـ لا محالة ـ إلى كلّ حصصها وأفرادها، كما يسري وجوب الإكرام في قولنا: (أكرم العالم) إلى جميع أفراد العالم، مع أنّ الموضوع للحكم ليس إلّا طبيعة العالم من دون قيد، فإذا ترتّبت كلّ أفراد طبيعة الحكم على الشرط انتفى كلّ أفراد الطبيعة في فرض انتفاء الشرط لا محالة.

إلّا أنّ هذا التقريب إنّما كان يتمّ فيما لو كان الجزاء محكوماً بتعليقه بالعين اليسرى على الشرط، لا فيما إذا كان الشرط هو المحكوم بترتّب الجزاء عليه بالعين اليمنى كما هو المفروض فعلا، فإنّ الإطلاق عندئذ في الجزاء المترتّب على الشرط ليس شموليّاً.

وهذا أشبه شيء بما نقوله في مثل (الرمّان مفيد): من أنّ الإطلاق الشموليّ ثابت في الموضوع وهو الرمّان؛ لأنّه حكم عليه بالفائدة، والحكم مترتّب على ما كان رمّاناً، فكلّما وجد فرد من الرمّان وجد طبيعيّ الرمّان فسرى عليه ـ بالانحلال ـ الحكم بكونه نافع ومفيد. وأمّا بلحاظ المحمول وهو المفيد فلا يثبت الإطلاق الشموليّ ولا تثبت للرمّان تمام الفوائد والمنافع؛ لأنّنا لم نحكم على الفائدة إلّا بثبوتها للرمّان، ويكفي في صدق ذلك ثبوت فائدة واحدة له؛ لأنّ الطبيعيّ يوجد بفرد واحد، ولم نحكم على طبيعة (ما كان فائدة) بترتّبها على الرمّان كي يسري ذلك في كلّ موارد صدق الفائدة.

ثمّ إنّني أتذكّر أنّ اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) كان يستدلّ لإثبات المفهوم للشرط بدليل إنّيّ، وهي صحيحة أبي بصير الواردة في الوسائل عن محمّد بن الحسن، بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير ـ يعني المرادي ـ قال: «سألت أبا عبدالله(عليه السلام)

85


عن الشاة تذبح تتحرّك ويهراق منها دم كثير عبيط. فقال: لا تأكل، إنّ عليّاً(عليه السلام) كان يقول: إذا ركضت الرجل أو طرفت العين فكل». وسائل الشيعة، ب 12 من أبواب الذبح، ح 1.

وجه الاستدلال بهذا الحديث هو: أنّ الراوي كأنّما احتمل أنّ خروج دم كثير عبيط كاف في صدق التذكية، فأجابه الإمام(عليه السلام) بعدم كفاية ذلك واشتراط تحرّك الرجل أو الطرف، واستشهد بكلام الإمام عليّ(عليه السلام) حيث كان يقول: «إذا ركضت الرجل أو طرفت العين فكل»، فلولا دلالة القضيّة الشرطيّة على نفي العِدل للشرط إذن لم يكن كلام عليّ(عليه السلام) دليلا على عدم قيام خروج دم كثير عبيط مقام تحرّك الرجل أو الطرف.

إلّا أنّه يمكن المناقشة في دلالة الحديث بأنّ تحرّك الرجل أو الطرف يدلّ على درجة من الحياة أقوى من فرض مجرّد خروج دم كثير عبيط، ولا إشكال في أنّه إذا شرط الحكم بحدّ من الحدود دلّ على انتفاء الحكم في الحدّ الأخفّ الذي هو موجود دائماً مع الحدّ الأوّل وقد يوجد وحده، وإلّا لكان ذكر الشرط لغواً. وإنّما الكلام يقع في حدّ آخر قد يجتمع مع الحدّ الأوّل وقد يفترقان. فحال هذه الراوية حال أن يقول: (إذا زالت الحمرة المشرقيّة فصلّ)، ولا إشكال في دلالته على عدم كفاية استتار القرص الذي هو قبل زوال الحمرة دائماً.

ولعلّ هذا هو السرّ في استدلاله(عليه السلام) في المقام بكلام عليّ(عليه السلام)رغم أنّ المذكور فيه كلمة (إذا) لا كلمة (إن)، و(إذا) ظرف يتعلّق بالجزاء فيصبح الكلام من الشرط المسوق لتحقّق الموضوع، اللّهمّ إلّا أن يستظهر أنّ المقصود من (إذا) هنا محض الشرطيّة دون الظرفيّة.

ثمّ إنّ المنقول ـ كما أشرنا ـ عن دورة الدرس الأخيرة لاُستاذنا(رحمه الله) هو عدوله عن الإيمان بوجود برهان لمّيّ لإثبات المفهوم للشرط واكتفاؤه بدعوى الاستظهار العرفيّ ودلالة الوجدان العرفيّ على ذلك.

86


وقد نقل الأخ السيّد علي أكبر ـ حفظه الله ـ عن الدورة الأخيرة أنّه قال(رحمه الله):

إنّ مفهوم الشرط لا يمكن إثباته بالبرهان وإنّما ندّعيه بالتبادر والوجدان والانصراف. وينصرف همّنا إلى التنسيق بين الوجدانات التي قد يتراءى أنّها متضاربة لكي نتأكّد من صحّة وجداناتنا أوّلا، ولكي نعرف حقيقة هذه الدلالة الوجدانيّة على المفهوم هل هي بالوضع أو بالإطلاق مثلا، فإنّ لذلك أثراً في مقام التعارض والجمع مع باقي الأدلّة.

وتلك الوجدانات التي قد يتراءى التضادّ بينها خمسة:

1 ـ الوجدان القائل بأنّه لو استعمل الشرط في غير فرض العلّيّة الانحصاريّة لم تلزم مؤونة المجاز.

2 ـ الوجدان القاضي بدلالة مثل قوله: (إن جاءك زيد فأكرمه) على المفهوم.

3 ـ الوجدان القاضي بأنّه لو لم يقصد بالقضية الشرطيّة المفهوم لم يلزم المجاز.

4 ـ الوجدان القاضي بأنّ المفهوم ـ على تقدير القول به ـ قابل للتجزئة، فلو ثبت بديلٌ للشرط بدليل جعلنا ذاك الدليل مقيّداً للمفهوم وبقينا ننفي باقي البدائل بالمفهوم.

5 ـ الوجدان القاضي بعدم المفهوم في القضايا الإخباريّة كقوله: (إن شربت السمّ تموت).

أمّا الوجدان الأوّل مع الثاني: فيوجد أمامهما للمحقّقين اتّجاهان:

الأوّل: الجمع بينهما ببيان أنّ دلالة القضيّة الشرطيّة على العلّيّة الانحصاريّة بالإطلاق لا بالوضع، فبفرض عدم انحفاظ العلّيّة الانحصاريّة لا يلزم المجاز.

والثاني: إنكار الوجدان الثاني كما ذهب إليه المحقّق الخراسانيّ(رحمه الله) الذي لم يتمّ عنده الإطلاق فأنكر مفهوم الشرط.

والصحيح هو: الجمع بين الوجدانين بإنكار توقّف الدلالة على المفهوم على ثبوت

87


العلّيّة الانحصاريّة، بل تكفي دلالة الجملة على النسبة التوقّفيّة(2).

وأمّا الوجدان الثالث: فدلالة الشرط على النسبة التوقّفيّة وإن كانت بالوضع فيتراءى لزوم التنافي بينه وبين الوجدان الثاني، لكنّ الصحيح أنّ مجرّد كون النسبة توقّفيّة لا يكفي لاقتناص المفهوم، بل نحتاج إلى إطلاقين: أحدهما: الإطلاق الدالّ على أنّ المعلّق هو طبيعة الحكم لا شخصه، والآخر: الإطلاق الدالّ على أنّ التوقّف ثابت في جميع الحالات، فتوقّف وجوب الإكرام على المجيء يشمل مثلا حالة الصحّة وحالة المرض، فعدم إرادة المفهوم يكون بالتخلّف عن أحد الإطلاقين ولا يلزم من ذلك مجاز.

وأمّا الوجدان الرابع: فقد انحلّ تضادّه مع الوجدان الثاني بما عرفت من حاجة المفهوم إلى الإطلاق، والإطلاق طبعاً قابل للتبعيض.

وأمّا الوجدان الخامس: فيرتفع التضادّ بينه وبين الوجدان الثاني بالالتفات إلى أنّ النسبة التصوّريّة في الجزاء المعلّقة على الشرط موطنها النفس ولا تعكس نسبة خارجيّة؛ لأنّها نسبة تامّة والنسبة التامّة ليس لها أصل خارجيّ، وهذه النسبة حينما تكون نسبة إرساليّة فبانتفاء الشرط تنتفي النسبة الإرساليّة، أي: ينتفي الحكم، أمّا حينما تكون نسبة حكائيّة فغاية ما تنتفي بالشرط هي الحكاية لا المحكيّ.

انتهى ما أردنا نقله عن الأخ السيّد علي أكبر.

أقول: بما أنّ كلّ الطرق التي توصل إلى مفهوم الشرط قد اُبطلت بدليل، ما عدا طريق دعوى التعليق المنظور إليه بالعين اليسرى، أو قل: النسبة التوقّفيّة التي لم يكن الإشكال عليها عدا أنّه لا دليل عليها، فكأنّ هذا هو السبب في أنّ اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) حينما أراد أن يلتجئ في دعوى مفهوم الشرط إلى مجرّد دعوى الوجدان والظهور العرفيّ التجأ إلى فرض هذه النسبة.


(1) يبدو أنّ مقصوده(رحمه الله) بالنسبة التوقّفيّة هي ما مضت تسميته بالنسبة التعليقيّة المنظور إليها بالعين اليسرى.

88

 

تقريباتٌ اُخرى لإثبات العلّيّة الانحصاريّة والمناقشة فيها:

بقي الكلام في تقريبات القوم لإثبات العلّيّة الانحصاريّة مع إبطالها، فنقول ـ ومن الله التوفيق ـ:

قد ذكر لإثبات العلّيّة الانحصاريّة وجوه:

الوجه الأوّل: دعوى أنّ أداة الشرط موضوعة للدلالة على العلّيّة الانحصاريّة.

وفيه: منع ذلك، كما نرى بالوجدان أنّه ليس أيّ مؤونة في استعمال أداة الشرط في فرض عدم العلّيّة الانحصاريّة، كأن يقال: (إن جاور الماء النار اكتسب الحرارة) مع أنّه يكتسبها أيضاً من غير النار، أو يقال: (من شرب الخمر دخل جهنّم)، أو يقال: (من شرب السمّ يموت)، ونحو ذلك من الأمثلة.

وهذا التقريب ـ أعني: دعوى الدلالة الوضعيّة على ذلك ـ وإن ذكر في الكتب لكنّي لا أظنّ أنّ أحداً من المحقّقين التزم به، فإنّهم اعترضوا عليه بأنّ الضرورة قاضية بأنّ الجملة الشرطيّة في غير مورد العلّيّة الانحصاريّة ـ كما مثّلنا به ـ خالية عن عناية المجاز، ولو كانت العلّيّة الانحصاريّة داخلة في الموضوع لأحسسنا بمؤونة المجاز.

الوجه الثاني: دعوى أنّ أداة الشرط وإن لم تكن موضوعة للعلّيّة الانحصاريّة لكنّها منصرفة إليها. ولبيان انصرافها إلى العلّيّة الانحصاريّة تقريبان:

الأوّل: ما بنى عليه المحقّق العراقيّ(رحمه الله) في مقام إثبات دلالة صيغة الأمر على الوجوب، والمحقّق الخراسانيّ(رحمه الله) ذهب إلى دلالة صيغة الأمر على الوجوب بالوضع، لكن أفاد بعد فرض التنزّل عن دلالتها بالوضع عليه أنّها تدلّ عليه بهذا التقريب، وهو الذي قلنا: إنّه بنى عليه المحقّق العراقيّ(رحمه الله)، وهو: أنّ الوجوب فرد

89

كامل وشديد من الطلب، والاستحباب فرد ناقص وضعيف منه، والفرق بين هذين الفردين يكون بالكمال والنقص والشدّة والضعف، وكمال الشيء وشدّته داخل في حقيقة ذلك الشيء، فشدّة الطلب طلب، لا أنّها شيء آخر غير الطلب. وأمّا النقصان والضعف فليس داخلا في حقيقة الشيء بل هو أمر عدميّ، فإنّه عبارة عن عدم الكمال والشدّة، والخلاصة: أنّ كلاًّ من هذين الفردين متخصّص بخصوصيّة وخصوصيّة الفرد الكامل داخلة في حقيقته، ولكن خصوصيّة الفرد الناقص غير داخلة في حقيقته، وعلى هذا فنقول: إن كان ما في عالم الثبوت الفرد الكامل فهو طلب بتمامه، فما في عالم الإثبات ينطبق على ما في عالم الثبوت بتمامه، وإن كان ما في عالم الثبوت الفرد الناقص فهو ليس طلباً بتمامه؛ لأنّه متخصّص بخصوصيّة خارجة عن حقيقة الطلب، فما في عالم الإثبات لا ينطبق على ما في عالم الثبوت بتمامه؛ لأنّه لم يبيّن في عالم الإثبات إلّا ذات الطلب لا تخصّصه بخصوصيّة خارجة عن حقيقة الطلب، فمقتضى الإطلاق وأصالة التطابق بين عالم الإثبات والثبوت كون الموجود في عالم الثبوت الفرد الكامل. إذن فالمطلق منصرف إلى الفرد الكامل وهو الوجوب، بمعنى أنّ إطلاقه يقتضي كون المقصود منه الفرد الكامل.

هذا ما بنى عليه المحقّق العراقيّ(قدس سره) في باب دلالة الأمر على الوجوب، فقد يسري هذا البيان إلى ما نحن فيه بعد دعوى أنّ العلّيّة الانحصاريّة أكمل الأفراد، فالمطلق ينصرف إليها بالبيان الذي عرفت.

ويرد عليه:

أوّلا: منع الكبرى، فإنّ تلك الخصوصيّة التي هي أمر عدميّ وعبارة عن عدم الشدّة والكمال لا ترى في نظر العرف خصوصيّة زائدة ومحتاجة إلى مؤونة زائدة

90

في مقام البيان حتّى تنفى بالأصل، بل يرى العرف نسبة كلا الفردين في مقام البيان على حدّ سواء وفي عرض واحد، لا أنّ أحدهما مشتمل على خصوصيّة زائدة دون الآخر.

وثانياً: منع الصغرى، فإنّ كون العلّيّة الانحصاريّة أكمل الأفراد أوّل الكلام، فلو صحّ كلام المحقّق العراقيّ(رحمه الله) في محلّه ـ وهو دلالة الأمر على الوجوب ـ لا يمكن إسراؤُه هنا، فإنّ العلقة الموجودة بين العلّة ومعلولها لا تختلف شدة وضعفاً بعدم ثبوت علّة اُخرى لذلك المعلول وثبوتها، بل الربط في كلا الفرضين على حدّ سواء.

هذا إذا أخذنا الربط واللزوم في الجملة الشرطيّة بلحاظ العين اليمنى، وأمّا إذا أخذناه بلحاظ العين اليسرى فقد عرفت أ نّا لا نحتاج عندئذ إلى إثبات العلّيّة الانحصاريّة، بل يكفي مجرّد الربط اللزوميّ في اقتناص المفهوم.

الثاني: دعوى أنّ العلّيّة الانحصاريّة أكمل الأفراد، واللفظ ينصرف إلى أكمل أفراد المعنى عرفاً بلا حاجة إلى التمسّك بالإطلاق بالتقريب الذي عرفت.

وأورد عليه المحقّق الخراسانيّ(رحمه الله): منع الكبرى والصغرى:

أمّا منع الكبرى: فلأنّ ملاك الانصراف هو شدّة علاقة اللفظ مع بعض أفراد الطبيعة، وكون الشيء أكمل أفراد الطبيعة لا يقوّي علاقته باللفظ حتّى ينصرف إليه.

وأمّا منع الصغرى: فلأنّ الربط اللزوميّ لا يختلف شدّة وضعفاً بانحصار العلّة وعدمه.

ونقول في مقام تتميم كلامه(قدس سره) بما مضى من أنّه إن لوحظ الربط اللزوميّ بالعين اليمنى فلا يختلف شدّةً وضعفاً بالانحصار وعدمه، وإن لوحظ بالعين اليسرى فلا حاجة إلى إثبات العلّيّة الانحصاريّة لاقتناص المفهوم.

الوجه الثالث: دعوى أنّ إطلاق الشرط بعد الفراغ عن دلالة القضيّة على اللزوم

91

العلّيّ يدلّ على كون العلّة منحصرة في الشرط، فيقع الكلام هنا في مقامين:

أحدهما: وجه دلالة القضيّة على اللزوم العلّيّ.

والآخر: كيفيّة دلالة إطلاق الشرط على كون العلّة منحصرة في الشرط.

أمّا المقام الأوّل ـ وهو وجه دلالة القضيّة على اللزوم وعلى العلّيّة ـ: فنقول: أمّا دلالتها على اللزوم فيدّعى أنّها بالوضع؛ لما نراه من المؤونة في القضايا الشرطيّة غير اللزوميّة كقولنا: (إن كان الإنسان ناطقاً فالحمار ناهق).

وأمّا دلالتها على العلّيّة فليست للوضع؛ لأنّ القضايا الشرطيّة في غير موارد العلّيّة لا يحسّ فيها بمؤونة ومسامحة، بل لأنّه لا إشكال في أنّ الجزاء في عالم الإثبات جعل متفرّعاً على الشرط بــ (فاء) ذكرت في اللفظ أو لوحظت مقدّرة، فذكر المحقّق النائينيّ(رحمه الله): أنّ مقتضى المطابقة بين عالم الثبوت وعالم الإثبات كون الجزاء في عالم الثبوت أيضاً متفرّعاً على الشرط فيثبت أنّه معلول للشرط، لا أنّ الشرط معلول للجزاء أو أنّهما معلولان لشيء ثالث.

وليس مراده(قدس سره) أنّ التفريع موضوع للعلّيّة، وإلّا لعاد محذور المجازيّة في فرض استعمال القضيّة الشرطيّة في غير مورد العلّيّة، بل مراده أنّه بما أنّ الجزاء رتّب على الشرط في عالم الإثبات، كذلك يكون بمقتضى أصالة الإطلاق وتطابق عالم الثبوت والإثبات مترتّباً على الشرط في عالم الثبوت أيضاً، فتثبت علّيّة الشرط بالإطلاق لا بالوضع. هذا.

والفرق بين ما مضى منّا في إثبات اللزوم وما ادّعي هنا أنّ المدّعى هنا دلالة القضيّة عليه بالوضع، لكنّا قلنا: إنّها لا تدلّ عليه بالوضع، ولذا لا نحسّ بمؤونة في القضايا الشرطيّة الاتّفاقيّة الماضويّة، بل تدلّ عليه بمقتضى الظهور السياقيّ الثانويّ للمدلول التصديقيّ بالتقريب الذي مضى ذكره.

92

كما أنّ الفرق بين ما مضى منّا في إثبات العلّيّة وهذا التقريب أ نّا أثبتنا العلّيّة بنكتة تختصّ بخصوص باب الأحكام، وهذا التقريب عبارة عن أنّ أصالة التطابق بين عالم الثبوت والإثبات تدلّ على العلّيّة بالوجه الذي عرفت بدون فرق في ذلك بين باب الأحكام وغيرها.

ويرد عليه:

أوّلا: أنّ الترتّب غير منحصر في الترتّب العلّيّ، بل يمكن أن يكون ترتّباً زمانيّاً أو ترتّباً طبعيّاً، أعني: من قبيل ترتّب الكلّ على الجزء، كأن يقال: (إذا وُجد الواحد وُجد الاثنان)، فدعوى دلالة الترتّب في عالم الإثبات على الترتّب العلّيّ في عالم الثبوت استدلال بالعامّ على الخاصّ.

وثانياً: أنّ أصالة التطابق بين عالم الثبوت والإثبات ليس معناها التطابق بين عالم الواقع والإثبات، بل معناها التطابق بين عالم نفس المتكلّم والإثبات كما هو واضح، وعلى هذا فصِرف عقد القضيّة في نفس التكلّم بهذا الترتيب ـ بأن عقد أوّلا الشرط وعقد مرتّباً عليه الجزاء ـ كاف في صحّة إبراز هذا الترتّب في عالم البيان بدون أن نحسّ بأيّ مؤونة في ذلك، وليس هذا مستلزماً لأن يكون الجزاء في عالم الواقع متفرّعاً على الشرط، ولذا لا نحسّ بأيّ مؤونة في إبراز هذا الترتّب في البيان لنكتة تحقّقه في عالم نفس المتكلّم بدون أن يكون الجزاء في الواقع متفرّعاً على الشرط.

وأمّا المقام الثاني ـ وهو وجه دلالة الإطلاق على كون العلّة منحصرة في الشرط بعد الفراغ عن دلالة القضيّة على اللزوم العلّيّ ـ: فقد جاء في الكفاية ذكر تقريبات ثلاثة لذلك: تارةً بلحاظ الإطلاق الأحواليّ، واُخرى بلحاظ الإطلاق العِدليّ، وثالثة بلحاظ الإطلاق الشؤونيّ.

93

أمّا التقريب الأوّل ـ وهو الإطلاق الأحواليّ، وهو بحسب ترتيب الكفاية تقريب ثان لتقريبات إطلاق الشرط(1) ـ: فبيانه: أنّ المفروض أنّ القضيّة دلّت على علّيّة الشرط، ومقتضى الإطلاق كونه علّة في جميع الأحوال سواءً قارنه شيء أو تقدّم عليه أم لا، ولو فرض وجود علّة اُخرى كان ذلك خلاف هذا الإطلاق، فإنّه يلزم من ذلك أنّه إن قارنت الشرط هذه العلّة الاُخرى أو تقدّمت عليه لم يكن الشرط في هذا الحال علّة تامّة؛ لاستحالة اجتماع علّتين على معلول واحد.

وهذا التقريب غير تامّ، ونشرح الكلام في ذلك تارةً: بالنسبة لفرض تقارن علّة اُخرى مع الشرط، واُخرى: لفرض سبقها عليه:

أمّا بالنسبة لفرض تقارن علّة اُخرى مع الشرط فيقال: إنّ تقارنها معه يوجب صيرورته جزء العلّة، فيتوهّم أنّ ذلك دليل على أنّ الشرط علّة منحصرة تحفّظاً على مفاد الإطلاق الذي يقتضي كون الشرط علّة تامّة مطلقاً.

ولكن يرد عليه:

أوّلا: النقض بما لو كانت العلّة الاُخرى مضادّة بالذات للشرط فلم يمكن اجتماعهما، فليس من الحالات المعقولة للشرط فرض تقارنه مع تلك العلّة حتّى يجري الإطلاق الأحواليّ بلحاظ هذا الحال، فلو احتمل وجود علّة اُخرى بهذا النحو لم يكن الإطلاق رافعاً لهذا الاحتمال.

وثانياً: النقض بما لو كانت العلّة الاُخرى مضادّة بالعرض للشرط، كما لو قيّدت علّيّتها بفرض عدم الاقتران بالشرط، فلو اتّفق تقارنها معه لم يؤدّ ذلك إلى



(1) راجع الكفاية، ج 1، ص 305 بحسب طبعة المشكينيّ.

94

صيرورة الشرط جزء علّة حتّى يفترض أنّ هذا خلاف إطلاق دليل الشرط.

وثالثاً: النقض بما لو فرض أنّ العِدل المحتمل كان علّة لوجوب حصّة خاصّة من الإكرام المذكور مثلا في جانب الجزاء، فمثلا: نفترض أنّ مجيء زيد الذي هو الشرط علّة لوجوب طبيعة إكرامه، لكن مرضه المحتمل كونه عدلا للمجيء يكون على فرض عِدليّته علّة لوجوب خصوص الضيافة لا مطلق طبيعة الإكرام، فوجوب مطلق طبيعة الإكرام له علّة واحدة، فهذا الاحتمال أيضاً غير منفيّ بالإطلاق.

وهذا النقض الأخير إنّما أوردناه جدلا على أساس غفلتهم عن نكتة، أمّا مع الالتفات إلى تلك النكتة فهذا النقض غير وارد، وتلك النكتة هي: أنّ الإطلاق الثابت في قوله: (أكرمه) من ناحية المادّة يكون بحسب نظر العرف في طول طروّ مفاد الهيئة ـ وهو الوجوب ـ عليها لا في عرضه، فالوجوب لم يطرأ على الإكرام مع فرض الإطلاق في عرضه حتّى يقال: إنّه إنّما ينتفي بالمفهوم وجوب الإكرام المطلق ولا ينتفي وجوب حصّة خاصّة من الإكرام وهو الضيافة مثلا. بل طرأ على نفس طبيعة الإكرام المهملة الثابتة في ضمن المطلق والمقيّد، وفي طول طروّ الوجوب يجري الإطلاق ويثبت أنّه إذا جاء زيد لم يجب إكرامه بنحو خاصّ ـ كالضيافة ـ بل كفى مطلق إكرامه، لكن بما أنّ هذا الإطلاق لم يكن في عرض طروّ الوجوب وكان الوجوب طارئاً على ذات الإكرام الثابت في ضمن المطلق والمقيّد، فالمنفيّ في جانب المفهوم بفرض العلّيّة الانحصاريّة أيضاً وجوب الإكرام، سواء كان في ضمن المطلق أم في ضمن المقيّد، فهذا النقض الثالث غير وارد بحسب واقع المطلب.

ورابعاً: الحلّ بأنّ فرض كون الشرط علّة ناقصة يتصوّر على نحوين: أحدهما:

95

كونها ناقصة بالقصور الذاتيّ، والآخر: كونها ناقصة من ناحية اجتماعها مع علّة اُخرى، فنقصانها عرضيّ ناشئٌ من ناحية التزاحم بين العلّتين لا ذاتيّ.

وعندئذ نقول: لو فرض قيام دليل على كون الشرط علّة تامّة بقطع النظر عن الإطلاق الأحواليّ تماماً، نافياً للنقصان الذاتيّ والعرضيّ بالمعنى الذي سيظهر، أمكن دعوى ثبوت الانحصار بالإطلاق الأحواليّ. ولكن الواقع أنّه لا دليل على التماميّة سوى الإطلاق الأحواليّ بتقريب: أنّ قوله: (إن جاءك زيد فأكرمه) دلّ بإطلاقه على وجوب إكرامه عند مجيئه سواءً كان مجيؤه مقارناً لشيء آخر أم لا، ولو كان مجيؤه جزء العلّة لا تمامها وكان وجوب إكرامه مختصّاً بفرض مقارنة المجيء مع المرض مثلا لكان يقول: (إن جاءك زيد وكان مريضاً فأكرمه)، فنكشف بعدم عطف شيء آخر عليه أنّ المجيء علّة تامّة لوجوب الإكرام.

وأنت ترى أنّ هذا التقريب إنّما يدلّ على انتفاء النقصان الذاتيّ دون النقصان العرضيّ الناشئ من ناحية تزاحم العلّتين، فإنّه في فرض وجود علّة اُخرى لوجوب الإكرام قد تجتمع مع المجيء يصحّ أن يقال: إنّ وجوب إكرام زيد ثابت عند مجيئه سواءً قارن مجيؤه شيئاً آخر أم لا، كما هو واضح.

والخلاصة: أنّ إثبات انحصار العلّة في الشرط بالإطلاق الأحواليّ بتقريب: أنّه لو كانت هنا علّة اُخرى للزم عدم كون الشرط عند اجتماعه معها علّة تامّة، متوقّف على الفراغ عن ثبوت كون الشرط علّة تامّة بمعنى انتفاء النقصان الذاتيّ والعرضيّ معاً، ولم يدلّ دليل على ذلك أصلا.

هذا تمام الكلام بالنسبة لفرض تقارن علّة اُخرى مع الشرط.

وأمّا بالنسبة لفرض تقدّم علّة اُخرى على الشرط فنقول: لو تقدّمت عليه علّة اُخرى: فتارةً: يفرض أنّ السبق إنّما يكون بلحاظ حال حدوث العلّة الاُخرى مع

96

معاصرتها بقاءً لحدوث الشرط، واُخرى: يفرض أنّه بعد أن انتهى أمد العلّة الاُخرى وسقط الحكم الناشئ منها بالامتثال مثلا وُجد الشرط في الخارج:

أمّا في الفرض الأوّل: فلا محالة يكون الشرط جزء العلّة للحكم بقاءً، فحاله حال فرض التقارن من هذه الناحية، إلّا أنّه يكون هذا الفرض خلاف ظهور القضيّة في الحدوث عند الحدوث(1).

وأمّا في الفرض الثاني: فإن فرض أنّ المعلّق ذات الطبيعة المعرّاة عنها جميع الخصوصيّات ـ كما هو فهمنا لمعنى الإطلاق ـ أمكن أن يوجد بالعلّة السابقة فرد من الطبيعة وبالشرط فرد آخر منها، والمفروض أنّ العلّة السابقة انتهى أمدها فلم



(1) وهذا بالإمكان دفعه بأن يقال: إنّ القضيّة الشرطيّة إنّما تقتضي الحدوث عند الحدوث بطبيعة ذات الشرط وحده، أي: لو بقينا نحن والشرط الموجود في القضيّة فهو يقتضي حدوث الجزاء عند حدوثه، وهذا لا ينافي زوال الحدوث عند الحدوث لدى تحقّق علّة اُخرى سابقاً. وهذا نظير ما مضى من أنّ دلالة القضيّة الشرطيّة على كون الشرط علّة تامّة إنّما تكون بمعنى كونه في ذاته علّة تامّة، ولا ينافي تحوّله إلى جزء العلّة بنكتة اجتماعه بعلّة اُخرى، فيكون النقص عرضيّاً لا ذاتيّاً.

ثُمّ إنّه قد يقال في فرض استمرار المعلول بقاءً لحين طروّ العلّة الثانية: إنّ العلّة الثانية انسلخت عن العلّيّة؛ لقاعدة أنّ المعلول يسند إلى أسبق علله، فيلزم ـ فيما لو كانت العلّة الثانية عبارة عن الشرط ـ انسلاخ الشرط عن العلّيّة، وهو خلاف إطلاق دلالة الشرطيّة على علّيّة الشرط.

والجواب ـ لو قبلنا بهذه القاعدة في مثل المقام ـ: أنّ هذا الانسلاخ أيضاً نوع نقص عرضيّ لعلّيّة الشرط، أي: أنّ علّيّته الذاتيّة موجودة ولا تدلّ الشرطيّة أيضاً على انتفاء هذا النقص.

97

يلزم اجتماعهما ولم يرد خلل في علّيّة الشرط.

وقد ظهر من جميع ما بيّنّاه: بطلان إثبات الانحصار بالإطلاق الأحواليّ.

هذا، وكأنّ المحقّق الإصفهانيّ(رحمه الله) حاول إصلاح المطلب(1) بتغيير التقريب، فأفاد في إثبات المفهوم ما هو شبيه بالتقريب الماضي، لكنّه في الحقيقة ليس تمسّكاً بالإطلاق الأحواليّ، بيانه:

إنّ ظاهر القضيّة كون الشرط بعنوانه علّة فيثبت بذلك انحصار العلّة فيه؛ لأنّه لو كان شيء آخر أيضاً علّة لكانت العلّة في الحقيقة الجامع بينهما؛ لقانون استحالة صدور الواحد عن الكثير، وهذا خلف فرض كون الشرط بعنوانه علّة.

وهذا البرهان مركّب من ظهور عرفيّ وقانون عقليّ، وبيانه أن يقال: لو فُرض أنّ الشرط علّة لبعض حصص الطبيعة وعِدله علّة لحصّة اُخرى، ولم يكن الشرط علّة منحصرة بالإضافة الى الطبيعة فلا يخلو الأمر من أحد فرضين: الأوّل: كون الشرط بعنوانه علّة لبعض الحصص وعِدله علّة للحصّة الاُخرى. والثاني: كون العلّة للطبيعة في الحقيقة الجامع بينهما. والفرض الأوّل منفيّ بقانون عقليّ وهو:(أنّ الواحد بالنوع لا يصدر عن الكثير بالنوع)، والفرض الثاني منفيّ بظهور عرفيّ، وهو ظهور القضيّة في كون الشرط بعنوانه علّة، فيثبت أنّ الشرط علّة منحصرة للطبيعة.



(1) المحقّق الإصفهانيّ(رحمه الله) ذكر هذا التقريب في ذيل البحث عن الإطلاق الشؤونيّ للقضيّة الشرطيّة ـ راجع نهاية الدراية، ج 2، ص 416 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام) ـ من دون أن يفترضه محاولة لإصلاح تقريب الإطلاق الشؤونيّ أو شبيهاً به. ولو اُريد جعله محاولة لإصلاح أحد الإطلاقات الثلاثة فالمناسب جعله محاولة لإصلاح التمسّك بالإطلاق العِدليّ.

98

وأحد جزءي برهانه ـ وهو دعوى الظهور العرفيّ في كون الشرط بعنوانه علّة ـ متين، وقد جعلناه جزءاً من برهاننا الملفّق في إثبات كون العلّة منحصرة في الشرط، لكنّا تمسّكنا بظهور كون العنوان بخصوصه دخيلا بالإضافة إلى كلّ شخص شخص من طبيعيّ الحكم لا بالإضافة إلى نفس الطبيعيّ، ولذا لم نحتج إلى قانون (أنّ الواحد بالنوع لا يصدر إلّا عن الواحد بالنوع)، بل ضممنا هذا الظهور إلى أنّه لو فرض كون الشرط بعنوانه علّة للحكم في جعل، وعِدله علّة للحكم في جعل آخر كان ذلك خلف فرض كون الحكم شخصاً بعد عدم إمكان ثبوت جعلين لحكم واحد، لكنّ المحقّق الإصفهانيّ(رحمه الله) حاول أن يثبت رأساً كون الشرط علّة منحصرة بالإضافة إلى الطبيعة. فاحتاج إلى قانون (أنّ الواحد بالنوع لا يصدر عن الكثير بالنوع).

ويرد عليه: أنّ هذا القانون لا ينطبق على محلّ الكلام، سواءً اُريد تطبيقه عليه بلحاظ ذات الحكم أم اُريد تطبيقه عليه بلحاظ الملاك:

أمّا تطبيقه بلحاظ ذات الحكم: فبأن يقال: إنّ الفردين من وجوب إكرام زيد واحد بالنوع، فإذا فرض كون أحدهما معلولا لمجيئه والآخر معلولا لمرضه، بدون أن يكون العلّة هو الجامع لزم صدور الواحد بالنوع عن الكثير بالنوع.

ويرد عليه: أنّ الحكم ليس في الحقيقة صادراً من الشرط وإنّما هو معلول لجاعله. وأمّا كون الشرط علّة له فليس إلّا بمعنى أنّ الجعل مرتبط بتقدير الشرط على نحو القضيّة الحقيقيّة والمجعول محصّص بالشرط المقدّر، لا أنّه في الحقيقة يكون بابه باب العلّيّة حتّى تجري عليه قوانين العلّيّة التي منها قانون (عدم صدور الواحد عن الكثير).

وأمّا تطبيقه بلحاظ الملاك: فبأن يقال: إنّه إذا كان مجيء زيد بعنوانه علّة

99

لوجوب الإكرام بالمعنى المعقول ومرضه أيضاً بعنوانه علّة لحصّة اُخرى من وجوب الإكرام، لكان مجيؤه بعنوانه علّة لحدوث الملاك للحكم ومرضه بعنوانه أيضاً علّة لحدوث ملاك آخر للحكم، وهذان الملاكان واحد بالنوع ونسبتهما إلى المجيء والمرض نسبة المعلول إلى علّته الحقيقيّة، فلا يرد ما مضى من عدم ارتباط ما نحن فيه بباب العلّيّة فنقول: إنّه لو كان كلّ من المجيء والمرض بعنوانه علّة لملاك الحكم لزم صدور الواحد بالنوع عن الكثير بالنوع وهو محال.

ويرد عليه: أ نّا لسنا نعلم الغيب حتّى نطّلع على أنّ هذين الملاكين يكونان من نوع واحد، فلعلّهما مختلفان من حيث النوع وإن اجتمعا في عنوان انتزاعيّ، ومن الواضح أنّ اتّحاد فردين بلحاظ جامع انتزاعيّ لا يوجب استحالة صدورهما عن علّتين مختلفتين من حيث النوع، والذي قالوا باستحالته إنّما هو صدور الواحد بلحاظ الجامع الحقيقيّ عن الكثير بالنوع(1).

 



(1) قد تقول: لعلّ مقصود المحقّق الإصفهانيّ(رحمه الله) تطبيق القانون بلحاظ عالم الحبّ والبغض الكاشف عنه الجعل، فيقال: لو كان مجيء زيد بعنوانه ومرضه بعنوانه علّتين لحبّ الإكرام لزم صدور الواحد بالنوع من المتكثّر بالنوع.

ولكن لا يبعد أن يكون مقصود اُستاذنا(رحمه الله) من الملاك ـ حينما شرح تطبيق القانون بلحاظ الملاك وأجاب عليه ـ ما يشمل الحبّ والبغض، فإنّه يمكن أن يقصد بالملاك تارةً المصلحة والمفسدة، واُخرى الحبّ والبغض، فإنّهما ملاكان للجعل.

يأتي نفس الجواب الذي مضى في المتن فنقول: لا دليل على كون حبّ الإكرام في فرض المجيء مع حبّه في فرض المرض واحداً بالنوع، فلعلّ الأوّل عبارة عن حبّ الإكرام بوصفه حبّاً للمكافأة مثلا؛ لأنّ مجيءه إلينا إكرام لنا يستحقّ المكافأة، والثاني

100

هذا تمام الكلام في بيان ما أفاده المحقّق الإصفهانيّ(رحمه الله) مع ما فيه، وهو في الحقيقة وجه على حدة لإثبات المفهوم وإن ذكرناه في ذيل هذا التقريب بالمناسبة.

وأمّا التقريب الثاني للإطلاق ـ وهو الإطلاق العِدليّ، وهو بحسب ترتيب الكفاية تقريب ثالث للإطلاق ـ: فبيانه: أنّ الشرط يتصوّر فيه نحوان من الإطلاق: إطلاق من حيث الأحوال ويقابله التقييد الأحواليّ، وإطلاق من حيث البدل ويقابله التقييد بالبدل بعنوان (أو)، كقولك: (إن جاء زيد أو كان مريضاً فأكرمه).

هذه هي أصل الدعوى في التقريب، ومن الواضح أنّه لو ثبتت هذه الدعوى فدلّ الإطلاق على عدم البدل وعدم العِدل للشرط في العلّيّة كان هو المقصود من إثبات الانحصار، ولكنّ الكلام يقع فيما هو تقريب هذه الدعوى بوجه فنّيّ فنقول:

 


عبارة عن حبّ الإكرام بوصفه رأفة بالمريض؛ لأنّ المرض يوجب الرقّة على المريض في نفس المولى مثلا.

وعلى أيّة حال فسواءً فسّرنا الملاك بمعنى المصلحة والمفسدة أو بمعنى الحبّ والبغض يوجد في المقام جواب آخر عن تطبيق قانون (الواحد بالنوع لا يصدر من المتكثّر بالنوع) على المقام، وهو: أنّه ليس بالضرورة يوافق موضوع الجعل ومصبّ المسؤوليّة الملقاة على عاتق المكلّف حدود الشيء الدخيل في الملاك، فبالإمكان فرض ملاكين متّحدين في النوع ناشئين من الجامع بين الشرط وعِدله، ولكن لا يلقى إلى العباد ذاك الجامع بوصفه موضوعاً للجعل أو للمسؤوليّة الملقاة على عاتق المكلّف، بل يؤخذ كلّ من الشرط وعِدله بحدّه الخاصّ موضوعاً لذلك، ولو بنكتة عدم كون الجامع عرفيّاً يناسب جعله هو المقياس وإلقاءه على العرف.

101

قد ذكر المحقّق الخراسانيّ(رحمه الله) في تقريبه: تنظير ما نحن فيه بباب الأمر، فكماأنّ قوله مثلا: (صم) يدلّ بمقتضى إطلاقه على أنّ الصوم واجب تعيينيّ وليس العتق مثلا عِدلا له، وإلّا لكان يقول: (صم أو أعتق)، كذلك قوله: (إن جاءك زيد فأكرمه) يدلّ بإطلاقه على أنّ علّة الوجوب متعيّنة في المجيء وليس المرض مثلا عِدلا له، وإلّا لكان يقول: (إن جاءك زيد أو مرض فأكرمه)(1).

ويرد عليه: ما ذكره المحقّق الخراسانيّ(رحمه الله)(2) من الفرق بين ما نحن فيه وباب الوجوب التعيينيّ والتخييريّ، توضيحه: أنّ كلاًّ من الوجوب التعيينيّ والتخييريّ يمتاز عن الآخر بخصوصيّة، والخصوصيّة الموجودة في الوجوب التخييريّ تعتبر في نظر العرف مؤونة زائدة، بخلاف خصوصيّة الوجوب التعيينيّ.

وفي بيان ما يمتاز به كلّ منهما عن الآخر اختلاف بين العلماء، ولتوضيح المقصود فيما نحن فيه نذكر أوضح تلك البيانات مع قطع النظر عن صحّته وبطلانه، فنقول: إنّ أحد المباني في الفرق بين الوجوب التعيينيّ والتخييريّ هو: أنّ الوجوب التخييريّ وجوب مشوب بجواز الترك إلى بدل، والوجوب التعيينيّ وجوب خال من هذه الخصوصيّة.

وأنت ترى أنّ خصوصيّة الوجوب التعيينيّ على هذا المبنى عبارة عن الخلوّ عن هذا الشوب وهو أمر عدميّ، ولا يرى في نظر العرف مؤونة زائدة محتاجة إلى البيان، ولو بيّن المولى أصل الوجوب كان في نظر العرف مبيّناً لتمام مراده ولا تحتاج هذه الخصوصيّة إلى البيان، وأمّا خصوصيّة الوجوب التخييريّ ـ وهي شوبه بجواز الترك إلى بدل ـ فتعتبر في نظر العرف مؤونة زائدة محتاجة إلى البيان،



(1) راجع الكفاية، ج 1، ص 306 بحسب طبعة المشكينيّ.

(2) راجع المصدر السابق.

102

وتبيّن في البيان العرفيّ بذكر العِدل، فإذا حكم على شيء بالوجوب كان مقتضىالإطلاق الوجوب التعيينيّ(1).

وأمّا فيما نحن فيه فقد حكم على الشرط بالعلّيّة، وعلّيّته لا تختلف بفرض وجود عِدل له وعدمه، فإنّ معنى العلّيّة كونه موجباً لوجوده ومرجّحاً للوجود على العدم، وهذا لا يفترق بفرض وجود شيء آخر أيضاً يوجب وجوده ويرجّحه على العدم أو لا، حتّى يقال: إنّ العلّيّة على تقدير وجود البدل له خصوصيّة تحتاج إلى البيان فتُنفى بالإطلاق. والخلاصة: أنّ العلّيّة ليس لها سنخان، أحدهما خال من المؤونة والآخر محتو على المؤونة، فالقياس بباب الوجوب التعيينيّ والتخييريّ قياس مع الفارق، هذا.

والمحقّق النائينيّ(رحمه الله) اعتمد على هذا الإطلاق في إثبات المفهوم للشرط لكنّه صاغه بصياغة اُخرى، بيانها: أنّه تارةً يكون الشرط محقّقاً للموضوع بحيث لولاه لما كان مورد للحكم بما في الجزاء، وذلك كما في قولنا: (إن رزقت ولداً فاختنه)، وهذا القسم ليس كلامنا فيه، حيث إنّ الشرط وقع موضوعاً وليس قيداً في القضيّة، واُخرى لا يكون الشرط محقّقاً للموضوع مثل: (إن جاء زيد فأكرمه)؛ إذ يمكن إكرامه بدون مجيئه، فلا محالة يكون مفاد الجزاء مقيّداً بمجيء زيد. وهذا التقييد يتصوّر ثبوتاً على نحوين: أحدهما: أن يكون وجوب الإكرام مقيّداً بخصوص مجيء زيد. والآخر: أن يكون وجوب الإكرام مقيّداً على سبيل البدل بمجيء زيد ومرضه، كما لو قال: (إن جاءك زيد أو مرض فأكرمه). وهذان النحوان من التقييد



(1) راجع تعليقة الشيخ الإصفهانيّ على تعليقه على الكفاية، نهاية الدراية، ج 2،ص 417 تحت الخطّ، بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام).

103

سنخان من التقييد مختلفان باختلاف طرفهما، حيث إنّ طرف الأوّل هو مجيءزيد وطرف الثاني هو مجيؤه ومرضه على سبيل البدل.

فإذا شككنا في أنّ مراد المولى هل هو التقييد بالمجيء فقط أو التقييد بأحد الأمرين على سبيل البدل، قلنا: إن كان مراده التقييد بخصوص المجيء فقد بيّنه؛ لأنّ امتيازه عن التقييد البدليّ يكون بأمر عدميّ وهو مدلول كلمة (فقط) وعدم العِدل، وليس ذلك مؤونة عرفاً، وأمّا التقييد البدليّ فامتيازه يكون بعِدليّة المرض، وهي أمر وجوديّ تكون مؤونة زائدة عند العرف تنفى بالإطلاق.

فقد تحقّق بهذا البيان أنّه كما يكون الوجوب التخييريّ متخصّصاً بخصوصيّة تعدّ مؤونة زائدة بخلاف الوجوب التعيينيّ، كذلك التقييد البدليّ فيه مؤونة زائدة بنظر العرف بخلاف التقييد بخصوص المجيء(1).

وأورد المحقّق الإصفهانيّ(رحمه الله) على ذلك في حاشيته على الحاشية: بأنّ هذا التقريب في إطلاق الشرط غير صحيح؛ لأنّ إطلاق الشيء إنّما يكون بلحاظ الحالات التي يكون ذلك الشيء محفوظاً فيها، كإطلاق البيع مثلا في قوله: ﴿أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْع﴾ من حيث كونه عقديّاً أو معاطاتيّاً، حيث إنّ البيع محفوظ في كلتا الحالتين، ولكن لا يعقل أن يقال بإطلاق البيع بلحاظ حالتي وجوده وعدمه.

وعليه نقول: إنّ إطلاق الشرط في قبال ذكر العِدل غير صحيح؛ لأنّ فرض وجود العِدل والبدل فرض لعدم وجود المبدل منه، فالشرط غير منحفظ في هذا الحال، وقد قلنا: إنّه يشترط في الإطلاق انحفاظ الشيء في كلتا الحالتين، فكيف



(1) راجع أجود التقريرات، ج 1، ص 418 بحسب الطبعة المشتملة على تعليقات السيّد الخوئيّ(رحمه الله)، وفوائد الاُصول، ج 1 ـ 2، ص 482 ـ 483 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم.

104

يعقل إجراء الإطلاق في الشرط المساوق من حيث المفاد لقولنا: (سواء وُجد العدل أم لا)؟ في حين أنّ وجدان البدل يعني أنّ المبدل منه غير منحفظ(1).

وكأنّ هذا الإشكال ناش من عدم اطّلاع المحقّق الإصفهانيّ(رحمه الله) على مقالة المحقّق النائينيّ(رحمه الله)تفصيلا، فإنّ مراد المحقّق النائينيّ ـ كما هو ظاهر التقريرات ـ هو: أنّ المذكور في العبارة هو تقييد الجزاء بالمجيء بلا ضمّ ضميمة، ومقتضى تطابق عالم الثبوت والإثبات هو أنّ التقييد الموجود في عالم الثبوت هو الحصّة التي لا تحتاج إلى ضمّ ضميمة ولا تحتوي على مؤونة في نظر العرف، دون الحصّة التي تحتاج إلى ضمّ ضميمة وتحتوي على مؤونة بنظر العرف، وليس مراده من الإطلاق إسراء شرطيّة المجيء وعلّيّته في حالتي وجود البدل وعدمه حتّى يقال: إنّ فرض وجود البدل مساوق لفرض عدم المبدل، وكيف يعقل إسراء الحكم بالنسبة إلى شيء بالإطلاق بالنظر إلى حالتي وجوده وعدمه.

ولكن ما أفاده المحقّق النائينيّ(رحمه الله) في نفسه غير تامّ، توضيح ذلك: أنّه(رحمه الله) كان في عنوان كلامه في مقام إثبات العلّيّة الانحصاريّة التي هي نكتة في ثبوت المفهوم، لكن في مقام التقريب والبيان قد فرغ عن نكتة اُخرى بنفسها كافية في اقتناص المفهوم بلا حاجة معها إلى إثبات العلّيّة الانحصاريّة، وهي تقييد الجزاء بالشرط وتعليقه عليه بالنظر إلى ما بين الشرط والجزاء من الربط واللزوم بالعين اليسرى، فإنّه لو نظرنا إليه بالعين اليمنى وقلنا: إنّ الشرط علّة لتحقّق الجزاء، لم يكن هذا الربط والعلّيّة مفترقاً حاله بفرض وجود علّة اُخرى وعدمه ولم تنقسم هذه العلّيّة إلى سنخين، لكن إذا نظرنا إليه بالعين اليسرى وقلنا: إنّ الجزاء مقيّد بالشرط، فعندئذ يمكن أن يقال: إنّه تارةً يكون مقيّداً بخصوص المجيء، واُخرى



(1) راجع نهاية الدراية، ج 2، ص 417 تحت الخطّ، بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت(عليهم السلام).

105

يكون مقيّداً بالمجيء والمرض على سبيل البدل، والثاني يحتاج إلى مؤونة زائدة منفيّة بالإطلاق فيثبت ـ بمقتضى مقدّمات الحكمة ـ الأوّل.

وإن كان هذا الكلام مع فرض تقيّد الجزاء بالشرط بلحاظ العين اليسرى أيضاً تقريباً صوريّاً لا يرجع إلى محصّل، فإنّ تقييد الحكم بنفس عنواني المجيء والمرض على سبيل البدل لا يتصوّر، بل لابدّ من الانتقال إلى ما مضى من البرهان الملفّق لإثبات الانحصار، وأن يقال ـ بعد فرض كون المقيّد جميع أشخاص طبيعة الحكم بمقتضى الإطلاق ـ: إنّ كلّ شخص منها مقيّد بخصوص المجيء بدون ثبوت عِدل للمجيء؛ لأنّه إن ثبت عِدل له فإمّا يكون طرف التقييد عنوان أحدهما أو كلّ واحد منهما بلحاظ شخصين، والأوّل خلاف ظاهر القضيّة الدالّة على كون طرف التقييد نفس عنوان الشرط، والثاني خلف فرض كون المقيّد شخص الحكم(1).

ولا يخفى أنّ هذا في نفسه كاف في اقتناص المفهوم بلا حاجة إلى إثبات العلّيّة الانحصاريّة، فإنّه من الواضح أنّ المقيّد ينتفي بانتفاء قيده.

لكن الشأن في أنّه ليس لنا وجه فنّيّ لإثبات تقيّد الجزاء بالشرط، أعني: النظر إلى الربط واللزوم بالعين اليسرى، فلعلّ الشرط مستتبع للجزاء، لا أنّ الجزاء مقيّد ومعلّق على الشرط.



(1) أو يقال ـ بعد فرض كون المقيّد ذات طبيعة الحكم بمقتضى الإطلاق ـ: إنّه مقيّد بخصوص المجيء بدون ثبوت عِدل له؛ لأنّه إن ثبت له عِدل وهو المرض: فإمّا أن يكون طرف القيد عنوان أحدهما، أو كلّ واحد منهما، والأوّل خلاف ظاهر القضيّة الدالّة على كون طرف التقييد نفس عنوان الشرط، والثاني يعني كون ثبوت الجزاء بحاجة إلى قيدين معاً وهما المجيء والمرض، وهذا خارج من بحثنا وهو أيضاً يستلزم انتفاء وجوب الإكرام لدى انتفاء المجيء.