206

يَنْقَطِعُ عَنْكَ وَإِنْ عَصَيْتُكَ، كَما أَنَّ خَوْفي لا يُزايِلُني وَإِنْ أَطَعْتُكَ، فَقَدْ دَفَعَتْنِي الْعَوالِمُ إِلَيْكَ، وَقَدْ أَوْقَعَني عِلْمي بِكَرَمِكَ عَلَيْكَ. إِلهي، كَيْفَ أَخيبُ وَأَنْتَ أَمَلي، أَمْ كَيْفَ اُهانُ وَعَلَيْكَ مُتَّكَلي؟! إِلهي، كَيْفَ أَسْتَعِزُّ وَفِي الذِّلَّةِ أَرْكَزْتَني، أَمْ كَيْفَ لا أَسْتَعِزُّ وَإِلَيْكَ نَسَبْتَني؟! إِلهي، كَيْفَ لا أَفْتَقِرُ وَأَنْتَ الَّذي فِي الْفُقَرآءِ أَقَمْتَني، أَمْ كَيْفَ أَفْتَقِرُ وَأَنْتَ الَّذي بِجُودِكَ أَغْنَيْتَني؟! وَأَنْتَ الَّذي لا إِلهَ غَيْرُكَ تَعَرَّفْتَ لِكُلِّ شَيء فَما جَهِلَكَ شَيءٌ، وَأَنْتَ الَّذي تَعَرَّفْتَ إِلَيَّ في كُلِّ شَيء، فَرَأَيْتُكَ ظاهِراً في كُلِّ شَيء، وَأَنْتَ الظّاهِرُ لِكُلِّ شَيء. يا مَنِ اسْتَوى بِرَحْمانِيَّتِهِ فَصارَ الْعَرْشُ غَيْباً في ذاتِهِ، مَحَقْتَ الآثارَ بِالآثارِ، وَمَحَوْتَ الاْغْيارَ بِمُحيطاتِ أَفْلاكِ الاَْنْوارِ. يا مَنِ احْتَجَبَ في سُرادِقاتِ عَرْشِهِ عَنْ أَنْ تُدْرِكَهُ الاْبْصارُ. يا مَنْ تَجَلّى بِكَمالِ بَهآئِهِ فَتَحَقَّقَتْ عَظَمَتُهُ ]مِنَ[ الاْسْتِوآءَ. كَيْفَ تَخْفى وَأَنْتَ الظّاهِرُ، أَمْ كَيْفَ تَغيبُ وَأَنْتَ الرَّقيبُ الْحاضِرُ؟! إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيء قَديرٌ. وَالْحَمْدُ لِلّهِ وَحْدَهُ».

 

ب ـ دعاء عليّ بن الحسين(عليه السلام) يوم عرفة

«الحَمْدُ للّهِ رَبِّ العالَمِينَ. اللَّهُمَّ، لَكَ الحَمْدُ بَديعَ السَّمواتِ وَالأرْضِ، ذَا الجَلالِ وَالإكْرامِ، رَبَّ الأرْبابِ، وَإلهَ كُلِّ مَأْ لُوه، وَخالِقَ كُلِّ مَخْلُوق، وَوارِثَ كُلِّ شَيْء، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَلا يَعْزُبُ عَنْهُ عِلْمُ شَيْء، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْء مُحيطٌ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْء رَقيبٌ.

أنْتَ اللّهُ لا إلهَ إلّا أنْتَ الأحَدُ المُتَوَحِّدُ الفَرْدُ المُتَفَرِّدُ، وَأنْتَ اللّهُ لا إلهَ إلّا أنْتَ الكَرِيمُ المُتَكَرِّمُ العَظِيمُ المُتَعَظِّمُ الكَبِيرُ المُتَكَبِّرُ، وَأنْتَ اللّهُ لا إلهَ إلّا أنْتَ العَلِيُّ المُتَعالِ الشَّديدُ المِحالِ، وَأنْتَ اللّهُ لا إلهَ إلّا أنْتَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ العَلِيمُ الحَكِيمُ، وَأنْتَ اللّهُ لا إلهَ إلّا أنْتَ السَّميعُ البَصِيرُ القَدِيمُ الخَبِيرُ، وَأنْتَ اللّهُ لا إلهَ إلّا أنْتَ

207

الكَرِيمُ الأكْرَمُ الدّائِمُ الأدْوَمُ، وَأنْتَ اللّهُ لا إلهَ إلّا أنْتَ الأوَّلُ قَبْلَ كُلِّ أحَد وَالآخِرُ بَعْدَ كُلِّ عَدَد، وَأنْتَ اللّهُ لا إلهَ إلّا أنْتَ الداني في عُلُوهِ والعالي في دُنُوّه، وأنْتَ اللّهُ لا إلهَ إلّا أنْتَ ذو البهاءِ وَالمَجْدِ والكِبرياءِ والحَمدِ، وأنْتَ اللّهُ لا إلهَ إلّا أنْتَ الّذِي أنشأتَ الأشياءَ مِنْ غير سنخ، وصَوّرْتَ ما صوَّرتَ مِنْ غيرِ مِثال، وابَتَدعتَ المُبتدَعاتِ بلا احتذاء.

أنتَ الّذي قدَّرتَ كُلَّ شيء تَقْدِيراً، ويَسّرتَ كُلّ شَيء تيسيراً، ودَبّرتَ ما دُونَكَ تدبيراً، أنتَ الذي لَمْ يُعِنكَ على خَلْقِكَ شَرِيكٌ، وَلَمْ يُوازِرْكَ في أمْرِكَ وزِيرٌ، وَلَمْ يَكُنْ لَك مُشابهٌ ولا نظيرٌ، أنْتَ الذي أرَدْتَ فَكانَ حَتماً ما أرَدْتَ، وقَضيْتَ فكانَ عَدلا ما قضيت، وَحكَمْتَ فكانَ نَصَفاً ما حَكمْتَ، أنْتَ الّذِي لا يَحويكَ مَكانٌ، وَلَم يُقمْ لِسلطانِكَ سُلطانٌ، ولمْ يُعيكِ بُرهانٌ وَلا بَيانٌ، أنْتَ الّذِي أحصَيْتَ كُلَّ شيء عَدداً، وَجَعلْتَ لكل شيء أمداً، وَقدّرْتَ كلّ شيء تقديراً، أنت الّذِي قَصرتْ الأوهامُ عن ذاتيّتِكَ، وعَجزتْ الأفهامُ عن كَيفيّتِك، ولَمْ تُدرِكْ الأبصارُ موضعَ أيْنيّتكَ، أنْتَ الّذِي لا تُحدّ فتكونَ مَحْدُوداً، وَلَمْ تمثّلْ فَتكُونَ موجوداً، وَلَمْ تَلِدْ فتكونَ مولوداً، أنْتَ الَّذي لا ضِدَّ معك فَيُعاندُكَ، ولا عِدلَ فيُكاثِركَ، ولا ندّلكَ فَيُعارضكَ، أنْتَ الذي ابتدأ واخترعَ واستَحَدثَ وابتدَعَ وأحْسَنَ صُنع ما صَنعَ.

سُبحانكَ ما أجلَّ شأنكَ، وأسنى في الأمَاكِنَ مَكانكَ، وأصدعَ بالحقِّ فُرقانكَ، سُبحانكَ مِنْ لَطيف ما ألطَفَك، ورَؤُوف ما أرأفَكَ، وحَكيم ما أعرفَكَ، سُبحانك من مَليك ما أمنعَكَ، وجواد ما أوسَعَك، ورفيع ما أرفعكَ، ذو البهاءِ والمجدِ والكبرياءِ والحمْدِ، سُبحانَكَ بَسطتَ بالخَيراتِ يَدَكَ، وَعُرفتِ الهداية منْ عِنْدكَ، فَمَن التمسَكَ لدين أو دُنْيا وَجدكَ، سُبحانَكَ خَضعَ لَكَ من جرى في علمِكَ، وَخشعَ

208

لِعَظَمتِكَ ما دُونَ عَرشِكَ، وانقادَ لِلتسلِيم لك كُلُّ خَلقِكَ، سُبحانَكَ لا تُحسُّ وَلا تُجسُّ ولا تُمَسّ ولا تُكادُ ولا تُماطُ ولا تُنازعُ ولا تُجارى ولا تُمارى ولا تُخادعُ ولا تُماكر، سُبحانكَ سَبيلُك جَددٌ، وأمرُكَ رَشدٌ، وأنت حيٌّ صَمدٌ، سُبحانكَ قولُكَ حكيمٌ، وقضاؤكَ حَتمٌ، وإرادتُكَ عَزمٌ، سُبحانكَ لارادّ لمشيّتك، ولا مُبدّلَ لكلماتِكَ، سبحانكَ بَاهرَ الآياتِ، فاطِرَ السماواتِ، بارئ النَّسماتِ. لَكَ الحمدُ حَمْداً يَدُومُ بِدوامِكَ، وَلكَ الحمْدُ حَمْداً خالداً بِنعمتِك، ولك الحمد حمداً يُوازي صُنعك، ولَكَ الحمدُ حمداً يزيدُ على رضاك، ولَكَ الحمدُ حَمْداً مع حمدِ كُلّ حامد، وشُكراً يقصرُ عنهُ شُكرُ كلّ شاكِر، حَمْداً لا يَنْبَغي إلّا لَك، ولا يُتقرّبُ به إلّا إليك، حَمْداً يُستدامُ به الأوّلُ، ويستدعى به دَوامُ الآخِر، حمْداً يَتضاعَفُ على كُرُور الأزمِنةِ، ويتزايدُ أضعافاً مترادفةً، حَمْداً يَعجزُ عَنْ إحصائه الحَفَظةُ، ويزيدُ على ما أحصَتْهُ في كِتابِكَ الكَتَبَةُ، حَمْداً يوازنُ عرشَكَ المَجيدَ، ويُعادلُ كُرسيَّك الرَّفيعَ، حَمْداً يَكمُلُ لَدَيكَ ثَوابُهُ، وَيَستغرِقُ كلّ جزاء جزاؤهُ، حَمْداً ظاهِرُه وفقٌ لباطنه، وباطنُهُ وفقٌ لصدق النيّة، حَمْداً لَمْ يَحمَدْكَ خلقٌ مثْلهُ، ولا يَعرفُ أحدٌ سِواك فَضَلَه، حَمْداً يُعانُ من اجتهدَ في تَعديده، وَيُؤيّدُ مَنْ أغرقَ نزعاً في تَوفِيته، حَمْداً يَجْمعُ ما خَلقتَ من الحَمدِ، وينتظمُ ما أنتَ خالقهُ مِنْ بَعدُ، حَمْداً لا حَمْدَ أقربُ إلى قو لِكَ مِنهُ، ولا أحْمدَ مِمَّن يَحمدُكَ به، حَمْداً يُوجبُ بِكرمِكَ المَزيدَ بِوفورِه، وتصلُهُ بِمَزيد بَعدَ مَزيد طَولا منك، حَمْداً يَجبُ لِكرمِ وَجْهِكَ، ويُقابِلُ عزَّ جلالِك.

ربِّ، صَلِّ على مُحمِّد وآلِ مُحمِّد المنتجبِ المُصطفى المُكْرمِ المقرّبِ أفضلَ صلواتِكَ، وباركْ عليهِ أتمَّ بركاتِكَ، وَترحَّمْ عليهِ أمتعَ رحماتِكَ. ربِّ، صَلِّ على مُحمَّد وآله صَلاةً زاكيةً لا تَكُونُ صَلاةٌ أزكى منها، وَصلِّ عليه صَلاةً ناميةً لا تكُونُ صَلاةٌ أنمى مِنها، وَصلِّ عَليْهِ صَلاةً راضيةً لا تكُونُ صلاةٌ فَوقَها. رَبِّ،

209

صلِّ على مُحمَّد وآله صَلاةً تُرضيهِ وتَزيدُ على رِضاهُ، وَصلِّ عليه صَلاةً تُرْضيكَ تَزيدُ على رِضاكَ لهُ، وَصلِّ عليه صَلاةً لا تَرضى لهُ إلّا بها، ولا تَرى غَيْرهُ لها أهلا. رَبِّ، صَلِّ على مُحمَّد وآلهِ صَلاةً تُجاوزُ رِضوانَك، ويَتَّصلُ اتّصالُها بِبقائِكَ، وَلا يَنْفُدُ كما لا تَنْفدُ كلماتكَ. ربِّ، صَلِّ على مُحمَّد وآلهِ صَلاةً تَنتَظِمُ صَلواتِ ملائكَتكَ وأنبيائكَ ورُسُلِكَ وأهلِ طاعَتِكَ، وتَشْتملُ على صَلواتِ عِبادِكَ من جِنّكَ وإنسكَ وأهلِ إجابتِكَ، وَتَجتَمعُ على صَلاةِ كلِّ من ذرأتَ وَبَرأت من أصناف خَلقِكَ. رَبِّ، صَلِّ عليهِ وَآلِهِ صلاةً تُحيط بِكُلِّ صَلاةِ سَالِفة ومُستَأنفة، وَصَلِّ عليه وعلى آلِهِ صَلاةً مُرْضيةً لك ولِمنْ دُونَك، وتُنشئُ معَ ذلِكَ صَلَوات تُضاعفُ مَعها تِلك الصلواتِ عِندها، وتُزيدها على كُرُورِ الأيامِ زِيادَةً في تَضاعِيفَ لا يَعُدُّها غيرُك. رَبِّ، صَلِّ على أطايب أهلِ بيتِهِ الذينَ اختَرتَهُمْ لأمرِكَ، وَجَعلتَهمْ خَزَنةَ عِلمِكَ وحَفَظةَ دِينِكَ وخُلفاءَكَ في أرضِكَ وحُجَجَكَ عَلى عِبادِكَ وَطهّرتَهُم مِنَ الرِجس والدَنس تَطهِيراً بإرادَتِك، وجَعلَتهُمْ الوَسيلَةَ إليكَ والمسلكَ الى جنَّتِك. رَبِّ، صَلِّ على مُحمّد وَآلِهِ صَلاةً تُجزِلُ لهُمْ بها مِنْ نِحَلِك وكَرامتِكَ، وتُكملُ لهُم الأشياء مِنْ عَطاياكَ ونَوافِلك، وَتُوفِّرُ عَلَيهِم الحظّ مِن عوائدك. رَبِّ، صَلِّ عَليه وعَليهِم صَلاةً لا أمَدَ في أوّلِها، ولا غَايَة لأمَدِها، ولا نِهايةَ لآخِرها. رَبِّ، صَلِّ عَليهِم زِنَةَ عَرشِكَ وَما دُونَه، ومِلءَ سَماواتِكَ وَما فَوقَهُنّ، وعدَدَ أرضيكَ وَما تَحَتُهنّ وما بَينَهُنّ صَلاةً تُقرّبُهم مِنَك زُلفىً، وتَكونُ لَكَ وَلَهُمْ رِضىً ومتّصِلةً بنظائِرِهنّ أبداً.

اللّهمّ، أيّدتَ دِينَك فِي كلِّ أوان بإِمام أقمْتَهُ عَلماً لِعبادِك ومَناراً في بِلادِك بَعدَ أن وصَلْتَ حَبْلَهُ بِحَبْلِكَ، وجعلته الذريعةَ الى رِضوانِك، وافْتَرضتَ طَاعتَه، وحَذّرتَ مَعِصيَته، وأمرتَ بامتِثالِ أوامِرِه والانتهاءِ عندَ نهيهِ، وألاّ يَتَقدّمَهُ

210

مُتقدّمٌ، ولا يَتأخّرَ عَنهُ متأخِّرٌ، فهو عِصْمَةُ اللائِذينَ وكَهفُ المؤمِنينَ وعروةُ المُتَمسّكِينَ وبَهاءُ العالمينَ. اللّهمّ، فأوزِعْ لِوَليّكَ شُكَرَ ما أنعَمْتَ بِه عَليهِ، وأوزِعنا مِثْلَه فيهِ، وآتِهِ مِنْ لَدُنْكَ سُلطَاناً نَصِيراً، وافْتَحْ لَهُ فَتحاً يَسِيراً، وأعِنهُ بِركُنك الأعزّ، واشددْ أزرَه، وقُوِّ عَضِدَهُ، وراعِهِ بِعينِكَ، واحْمِهِ بحفظك، وانصرْه بملائكتك، وأمْدِدْه بِجُندِك الأغْلَب، وأقمْ به كِتابَك وحُدُودَكَ وشرائِعَك وسُنَنَ رَسُولِك صَلواتُك اللّهمّ عَلِيه وآله، وأحيي به مَا أماتَه الظالِمونَ مِنْ مَعالِمِ دِينِك، واجْلِ بِه صَداءَ الجورِ عَن طَريقِتك، وأبِنْ به الضرّاءَ من سبيلك، وأزل به الناكِبينَ عن صِراطِك، وامْحَقْ به بُغاةَ قصدك عوجاً، وألِنْ جانِبَه لأولِيائك، وابسطْ يَدَه على أعدائِكَ، وهَبْ لَنا رأفَتَه ورَحمَتَه وتَعطُّفَه وتَحنّنَه، واجْعَلنا له سامِعينَ مُطِيعِينَ، وفي رِضاهُ سَاعينَ، وإلى نَصرتِه والمُدافَعةِ عنهُ مكنِفين، وإليكَ وإلى رَسولِكَ صَلواتُك اللّهمّ عليه وآله بذلك مُتقرّبينَ.

اللّهمّ، وَصلِّ على أوليائِهمْ ـ المُعَترِفِينَ بِمَقامِهِم المتّبِعينَ مَنهَجَهُم المقتَفِينَ آثارَهم المُسَتمسِكينَ بِعُروَتِهم المُتمسّكِينَ بِولايتِهم المُؤتّمينَ بإمامَتهم المُسلّمِينَ لأمْرِهم المُجَتهِدِينَ في طَاعتِهم المُنتَظِرينَ أيّامهم المادّينَ إليهم أعيُنَهم ـ الصّلواتِ المُباركَاتِ الزاكِياتِ النامِياتِ الغادِياتِ الرايحاتِ، وسلّم عليهم وعلى أرواحِهم، واجمَعْ على التقوى أمرَهم، وأصلِحْ لَهم شُؤونَهم، وتُبْ عَلِيهم؛ إنّك أنْت التّوابُ الرحيمُ، وخَيرُ الغَافِرينَ واجْعَلْنا مَعَهُم فِي دارِ السّلامِ بِرحمَتِك يَا أرحَمَ الراحِمينَ.

اللّهمّ، و هذا يَومُ عَرَفةَ يَومٌ شَرَّفْتَه وَكرّمتَه وعَظّمتَه، نَشرتَ فِيهِ رَحْمَتك، ومَنَنتَ فيه بِعفْوِك، وأجْزَلت فيه عَطيَّتَك، وتَفضّلتَ بِه على عِبادك. اللّهمَّ، وأنا عَبدُك الذي أنعَمتَ عَليه قَبل خَلقِكَ لَهُ وبَعْدَ خَلْقِكَ إيّاه، فَجَعلتَهُ ممّن هَدَيتَه

211

لِدينِك، ووَفَّقتَه لِحقِّك، وعَصَمتَه بِحَبِلك، وأدخَلْتَه في حِزبِك، وأرشَدتَهُ لِمُوالاةِ أوليائِكَ ومُعاداةِ أعدائِك، ثُمّ أمرَتَهُ فَلمْ يأتَمِرْ، وزَجَرتَهُ فَلمْ يَنْزَجِرْ، ونَهيَتُه عَن مَعصِيَتِك فَخالف أمرَك إلى نَهِيكَ لا معاندةً لَك ولا استِكْباراً عَليكَ، بل دَعاهُ هَواه إلى مازَيّلتَهُ وإلى ما حَذَّرتَه، وأعانَه على ذلكَ عَدوُّك وعَدُّوه، فأقدَمَ عَلَيه عَارِفاً بِوَعيدِكَ، راجِياً لِعَفوِكَ، واثِقاً بِتجاوزك، وكان أحقّ عِبادِك مَعَ ما مَنَنتَ عَليه ألاّ يَفَعلَ.

وها أنا ذا بَينَ يَديكَ صَاغِراً ذَلِيلا خَاضِعاً خاشِعاً خائِفاً مُعترِفاً بِعظِيم من الذُنوب تَحمّلتُه، وجَليل من الخَطايا اجتَرَمتُه، مُستَجِيراً بِصَفْحِكَ، لائِذاً بَرحْمَتِكَ، مُوقِناً أنّه لا يُجِيرُني مِنك مُجيرٌ، ولا يَمنَعُني مِنكَ مانعٌ، فَعُدْ عَليّ بما تَعودُ بِه على من اقتَرفَ من تَغمُّدِك، وجد عَليّ بِما تَجُودُ به على من القى بيدِهِ إليك مِنْ عَفوِك، وامنُنْ عَليّ بِما لا يَتعاظَمُك أن تَمُنّ به على مَن أمَّلك مِن غُفرانِك، واجعَلْ لي في هذا اليومِ نَصيباً أنالُ به حَظّاً من رِضوانِك، ولا تَرُدّني صفراً مِمّا يَنقَلِبُ بِهِ المُتَعبِّدونَ لكَ مِنْ عِبادك، وإني وإنْ لم اُقدِّم ما قَدّمُوهُ مِن الصالِحاتِ فَقَد قدّمتُ تَوحيدَك ونفي الأضداد والاندادِ والأشباهِ عَنك، وأتيتُك مِن الأبوابِ التي أمرت أن تُؤتى منها، وتَقَرّبتُ إليكَ بِما لا يَقرُب أحدٌ مِنكَ إلّا بالتقرّب به، ثُمّ أتبعتُ ذلِكَ بالإنابةِ إلَيكَ، والتذلُلِ والاستِكانَةِ لَكَ، وحُسِن الظن بِكَ، والثِقَةِ بِما عِندَك، وشَفَعتُه بِرجائِك الّذِي قَلّ ما يَخيبُ عَلَيهِ راجيكَ، وسألتك مَسألَة الحقيرِ الذّلِيلِ البائِس الفَقِير الخائف المُسْتَجير ومَع ذلك خيفةً وتَضرُّعاً وتَعوُّذاً وتلوّذاً، لا مُستطيلاً بِتَكَبّر المُتَكبّرينَ، ولا مُتعالِياً بِدالّةِ المُطِيعينَ، ولا مُستطيلاً بِشَفاعَةِ الشّافِعينَ وأنا بعد أقلّ الأقلّينَ وأذلّ الأذلّينَ ومِثلُ الذَّرَّةِ أو دونها.

فَيا مَنْ لَمْ يُعاجِل المُسِيئينَ، وَلا يَندَهُ المُترَفينَ، ويا مَن يمُنّ بإقالة العاثرين، ويَتفضّل بإنظار الخاطِئين، أنا المسيءُ المُعَترفُ الخاطئ العاثرُ، أنا الذي أقدَم

212

عَليك مُجترئاً، أنَا الّذِي عَصاكَ مُتَعمِّداً، أنَا الّذِي اسْتَخفى مِنْ عِبادِكَ وبارَزَكَ، أنَا الذِي هَابَ عِبادَكَ وأمِنَكَ، أنَا الّذِي لَمْ يَرْهَبْ سَطْوَتَكَ ولَمْ يخف بَأسَكَ، أنَا الجاني عَلى نَفْسِهِ، أنَا المُرْتَهَنُ بِبَلِيَّتِهِ، أنَا القَلِيلُ الحَياءِ، أنَا الطَّوِيلُ العَناءِ.

بِحَقِّ مَنِ اخْتَرْتَ مِنْ بَرِيَّتِكَ ومَنِ اجْتَبَيْتَ لِشَأْنِكَ، بِحَقِّ مَنِ انْتَجَبْتَ مِنْ خَلْقِكَ وبِمَنِ اصْطَفيْتَهُ لِنَفْسِكَ، بِحَقِّ مَنِ وصَلْتَ طاعَتَهُ بِطاعَتِكَ ومَنْ جَعَلْتَ مَعْصِيَتَهُ كَمَعْصِيَتِكَ، بِحَقِّ مَنْ قَرَنْتَ مُوالاتَهُ بِمُوالاتِكَ ومَنْ نُطْتَ مُعاداتَهُ بِمُعاداتِكَ، تَغَمَّدْنِي في يَوْمِي هذا بِما تَتَغمَّدُ بِهِ مَنْ جَارَ إلَيْكَ مُتَنَصِّلا، وعاذَ بِاسْتِغْفارِكَ تائِباً، وتَوَلَّني بِما تَتَوَلّى بِه أهْلَ طَاعَتِكَ والزُّلفى لَدَيْكَ والمَكانَةِ مِنْكَ، وتَوَحَّدْنِي بِما تَتَوحَّدُ بِه مَنْ وفَى بِعَهْدِكَ وأتْعَبَ نَفْسَهُ في ذاتِكَ وأجْهَدها في مَرضَاتِكَ، ولا تُؤاخِذْنِي بِتَفْرِيطي في جَنْبِكَ وتَعَدّي طَوري في حُدُودِكَ ومُجاوَزَةِ أحْكامِكَ، ولا تَسْتَدْرِجنِي بِإمْلائِكَ لِي اسْتِدْرَاجَ مَنْ مَنَعَنِي خَيْرَ ما عِنْدَهُ ولَمْ يَشْرَكْكَ في حُلُولِ نِعْمَتِهِ بِي، ونَبِّهْنِي مِنْ رَقْدَةِ الغَافِلِينَ وَسِنَةِ المُسْرِفِينَ ونَعْسَةِ المَخْذُولِينَ، وخُذْ بِقَلْبِي إلى ما اسْتَعْمَلْتَ بِه القَانِتِينَ، واسْتَعْبَدْتَ بِهِ المُتَعبِّدِينَ، واسْتَنْقَذْتَ بِهِ المُتَهاوِنِينَ، وأعِذْنِي ممّا يُباعِدُني عَنْكَ، ويَحُولُ بَيْنِي وبَيْنَ حَظّي مِنْكَ، ويَصُدُّني عَمّا اُحاوِلُ لَدَيْكَ، وسَهِّلْ لِي مَسْلَكَ الخَيْرَاتِ إلَيْكَ، والمُسابَقَةَ إلَيْها مِنْ حَيْثُ أمَرْتَ، والمُشَاحَّةَ فِيها عَلى ما أرَدْتَ، ولا تَمْحَقْنِي فيمَنْ تَمْحَقُ مِنَ المُسْتَخِفّينَ بِما أوْعَدْتَ، ولا تُهْلِكْنِي مَعَ مَنْ تُهْلِكُ مِنَ المُتَعَرِّضِينَ لِمَقْتِكَ، ولا تُتَبِّرْنِي فيمَنْ تُتَبِّرُ مِنَ المُنْحَرِفِينَ عَنْ سُبُلِكَ، ونَجِّنِي مِنْ غَمَراتِ الفِتْنَةِ، وخَلِّصْنِي مِنْ لَهَواتِ البَلْوى، وأجِرْنِي مِنْ أخْذِ الإمْلاءِ، وحُلْ بَيْنِي وبَيْنَ عَدُوٍّ يُضِلُّنِي، وهَوىً يُوبِقُنِي، ومَنْقَصَة تُرْهِقُنِي، ولا تُعْرِضْ عَنّي اعْراضَ مَنْ لا تَرْضَى عَنْهُ بَعْدَ غَضَبِكَ، ولا تُؤْيِسْنِي مِنَ الأَمَلِ فِيْكَ، فَيَغْلِبَ عَلَيَّ القُنُوط مِنْ رَحْمَتِكَ، ولا

213

تَمْنَحْنِي بِما لا طَاقَةَ لِي بِهِ، فَتَبْهَظَنِي ممّا تُحَمِّلُنيهِ مِنْ فَضْلِ مَحبَّتِكَ، ولا تُرْسِلْنِي مِنْ يَدِكَ إرْسَالَ مَنْ لا خَيْر فِيْهِ، ولا حَاجَةَ بِكَ إلَيْهِ، ولا إنَابَةَ لَهُ، ولا تَرْمِ بِي رَمْيَ مَنْ سَقَطَ مِنْ عَيْنِ رِعَايَتِكَ، ومَنِ اشْتَمَل عَلَيْهِ الخِزْيُ مِنْ عِنْدِكَ، بَلْ خُذْ بِيَدِي مِنْ سَقْطَةِ المُتَرَدِّينَ، ووَهْلَةِ المُتَعَسِّفِينَ، وزَلَّةِ المَغْرُورِينَ، ووَرْطَةِ الهَالِكينَ، وعَافِنِي مِمَّا ابْتَلَيْتَ بِهِ طَبَقَاتِ عَبِيدِكَ وإمَائِكَ، وبَلِّغْنِي مَبَالِغَ مَنْ عُنِيتَ بِهِ وأنْعَمْتَ عَلَيْهِ، ورَضِيتَ عَنْهُ، فَأعَشْتَهُ حَمِيداً، وتَوَفَّيْتَهُ سَعِيداً، وطَوِّقْنِي طَوْقَ الإقْلاعِ عَمَّا يُحْبِطُ الحَسَناتِ ويَذْهَبُ بِالبَرَكَاتِ، وأشْعِرْ قَلْبِي الازْدِجاَر عَنْ قَبَائِحِ السَّيِّئَاتِ وفَوَاضَحِ الحَوْبَاتِ، ولا تَشْغَلْنِي بِما لا اُدْرِكُهُ إلّا بِكَ عَمّا لا يُرْضِيكَ عَنِّي غَيْرُهُ، وانْزِعْ مِنْ قَلْبِي حُبَّ دُنْيَا دَنِيَّة تَنْهَى عَمّا عِنْدَكَ، وتَصُدُّ عَنِ ابْتِغَاءِ الوَسِيلَةِ إلَيْكَ، وتُذْهِلُ عَنْ التَّقَرُّبِ مِنْكَ، وزَيِّنْ لِي التَّفَرُّدَ بِمُنَاجَاتِكَ بِاللَّيْلِ والنَّهَارِ، وهَبْ لِي عِصْمَةً تُدْنِينِي مِنْ خَشْيَتِكَ، وتَقْطَعُنِي عَنْ ركُوبِ مَحارِمِكَ، وتَفُكُّنِي مِنْ أسْرِ العَظَائِمِ، وهَبْ لِيَ التَّطْهِيرَ مِنْ دَنَسِ العِصْيَانِ، وأذْهِبْ عَنّي دَرَنَ الخَطَايَا، وسَرْبِلْنِي بِسِرْبَالِ عَافِيَتِكَ، ورَدِّنِي رِداءَ مُعَافَاتِكَ، وجَلِّلْنِي سَوَابِغَ نَعْمَائِكَ، وظَاهِرْ لَدَيَّ فَضْلَكَ وطَوْلَكَ، وأيِّدْنِي بِتَوْفِيقِكَ وتَسْدِيدِكَ، وأعِنِّي عَلى صَالِحِ النِّيَةِ ومُرْضِي القَوْلِ ومُسْتَحْسَنِ العَمَلِ، ولا تَكِلْنِي إلى حَوْلِي وقُوَّتِي دُوْنَ حَوْلِكَ وقُوَّتِكَ، ولا تُخْزِنِي يَوْمَ تَبْعَثُنِي لِلِقَائِكَ، ولا تَفْضَحْنِي بَيْنَ يَدَي أوْلِيَائِكَ، ولا تُنْسِنِي ذِكْرَكَ، ولا تُذْهِبْ عَنِّي شُكْرَكَ، بَلْ ألزِمْنِيهِ في أحْوالِ السَّهْوِ عِنْدَ غَفَلاتِ الجَاهِلِينَ لآلائِكَ، وأوْزِعْنِي أنْ اُثْنِيَ بِمَا أوْلَيْتَنِيهِ، وأعْتَرِفَ بِمَا أسْدَيْتَهُ إليَّ، واجْعَلْ رَغْبَتِي إلَيْكَ فَوْقَ رَغْبَةِ الرّاغِبِينَ، وحَمْدِي إيّاكَ فَوْق حَمْدِ الحَامِدِينَ، ولا تَخْذُلنِي عِنْدَ فَاقَتِي إلَيْكَ، ولا تُهْلِكْنِي بِما أسْدَيْتُهُ إلَيْكَ، ولا تَجْبَهْنِي بِمَا جَبَهْتَ بِهِ المُعَاندِينَ لَكَ؛ فَإنِّي لَكَ مُسَلِّمٌ، أعْلَمُ أنَّ الحُجَّةَ لَكَ، وأنَّكَ أوْلى بِالفَضْلِ، وأعْوَدُ بِالإحْسَانَ، وأهْلُ التَّقْوى

214

وأهْلُ المَغْفِرَةِ، وأنَّكَ بِأنْ تَعْفُوَ أوْلَى مِنْكَ بِأنْ تُعَاقِبَ، وأنَّكَ بِأنْ تَسْتُرَ أقْرَبُ مِنْكَ إلى أنْ تُشْهِرَ، فَأحْينِي حَيَاةً طَيِّبَةً تَنْتَظِمُ بِمَا اُرِيدُ، وتَبْلُغُ بِي ما اُحِبُّ مِنْ حَيْثُ لا آتي ما تَكْرَهُ، ولا أرْتَكِبُ ما نَهَيْتَ عَنْهُ، وأمِتْنِي مِيْتَةَ مَنْ يَسْعى نُورُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وعَنْ يَمِينِهِ، وذَلِّلْنِي بَيْنَ يَدَيْكَ، وأعِزَّنِي عِنْدَ خَلْقِكَ، وضَعْنِي إذا خَلَوْتُ بِكَ، وارْفَعْنِي بَيْنَ عِبَادِكَ، وأغْنِنِي عَمَّنْ هُوَ غَنِيٌّ عَنِّي، وزِدْنِي إلَيْكَ فَاقَةً وفَقْراً، وأعِذْنِي مِنْ شَمَاتَةِ الأَعْدَاء ومِنْ حُلُولِ البَلاءِ ومِنَ الذُّلِّ والعَنَاءِ، تَغَمَّدْنِي فِيمَا اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنِّي بِمَا يَتَغَمَّدُ بِهِ القَادِرُ على البَطْشِ لَوْلا حِلْمُهُ، والآخِذُ عَلى الجَرِيَرةِ لَوْلا أنَاتُهُ، وإذا أرَدْتَ بِقَوْم فِتْنَةً أوْ سُوْءاً فَنَجِّنِي مِنْهَا لِوَاذاً بِكَ، وإذا لَمْ تُقِمْنِي مَقَامَ فَضِيحَة في دُنْيَاكَ فَلا تُقِمْنِي مِثْلَهُ في آخِرَتِكَ، واشْفَعْ لِي أوَائِلَ مِنَنِكَ بِأوَاخِرِهَا وقَدِيمَ فَوائِدِكَ بِحَوَادِثِها، ولا تَمْدُدْ لِي مَدّاً يَقْسُو مَعَهُ قَلْبِي، ولا تَقْرَعنِي قَارَعَةً يَذْهَبُ لَها بهَائِي، ولا تَسُمْنِي خَسِيسَةً يَصْغُرُ لَهَا قَدْرِي، ولا نَقِيصَةً يُجْهَلُ مِنْ أجْلِهَا مَكانِي، ولا تَرُعْنِي رَوْعَةً أبْلِسُ بِهَا، ولا خِيفَةً أوجِسُ دُونَهَا، اجْعَلْ هَيْبَتِي في وعِيدكَ، وحَذَرِي مِنْ إعْذَارِكَ وإنْذَارِكَ، ورَهْبَتِي عِنْدَ تِلاوَةِ آيَاتِكَ، واعْمُرْ لَيْلِي بِإيقَاظِي فِيْهِ لِعِبَادَتِكَ، وتَفَرُّدِي بِالتَّهَجُّدِ لَكَ، وتَجَرُّدِي بِسُكُونِي إلَيْكَ، وإنْزَالِ حَوَائِجِي بِكَ، ومَنَازَلَتِي إيّاكَ في فَكَاكِ رَقَبَتِي مِنْ نَارِكَ، وإجَارَتِي مِمّا فِيْهِ أهْلُهَا مِنْ َعَذابِكَ، ولا تَذَرْنِي في طُغْيَانِي عَامِهاً، ولا في غَمْرَتِي سَاهِياً حَتّى حِيْن، ولا تَجْعَلْنِي عِظَةً لِمَنِ اتَّعَظَ، ولا نَكَالاً لِمَنِ اعْتَبَرَ، ولا فِتْنَةً لِمَنْ نَظَرَ، ولا تَمْكُرْ بِي فيمَنْ تَمْكُر بِهِ، ولا تَسْتَبْدِلْ بِي غَيْرِي، ولا تُغَيِّرْ لِي اسْماً، ولا تُبَدِّلْ لِي جِسْماً، ولا تَتَّخِذْنِي هُزُواً لِخَلْقِكَ ولا سُخْرِيّاً ولا تَبَعاً إلّا لِمَرْضَاتِكَ، ولا مُمْتَهنَاً إلّا بِالانْتِقَامِ لَكَ، وأوْجِدْنِي بَرْدَ عَفْوِكَ وحَلاوَةَ رَحْمَتِكَ ورَيْحَانِكَ وجَنَّةِ نَعِيمِكَ، وأذِقْنِي طَعْمَ الفَراغِ لِمَا تُحِبُّ بِسَعَةً مِنْ سَعَتِكَ والاجْتِهادِ

215

فِيْما يُزْلِفُ لَدَيْكَ وعِنْدَكَ، وأتْحِفْنِي بِتُحْفَة مِنْ تُحَفَاتِكَ، واجْعَلْ تِجَارَتِي رَابِحَةً وكَرَّتِي غَيْرَ خَاسِرَة، وأخِفنِي مَقَامَكَ، وشَوِّقْنِي لِقَاءَكَ، وتُبْ عَليَّ تَوْبَةً نَصُوحاً لا تُبْقي مَعَهَا ذُنُوباً صَغِيرَةً ولا كَبِيرَةً، ولا تَذَرْ مَعَهَا عَلانِيَةً ولا سَرِيرَةً، وانْزَعِ الغِلَّ مِنْ صَدْرِي لِلمُؤْمِنينَ واعْطِفْ بِقَلْبِي عَلى الخَاشِعِينَ، وكُنْ لِي كَمَا تَكُوْنُ لِلصَالِحِينَ، وحَلِّنِي حِلْيَةَ المُتَّقِينَ، واجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْق فِي الغَابِرِينَ وذِكْراً نَامِيَاً في الآخِرِينَ، ووَافِ بِي عَرصَة الأَوَّلِينَ، وتَمِّمْ سُبُوغَ نِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وظَاهِرْ كَرَامَاتِهَا لَدَيَّ، وامْلأ مِنْ فَوائِدِكَ يَديَّ، وسُقْ كَرَائِمَ مَواهِبِكَ إلَيَّ، وجَاوِرْ بِيَ الأَطْيَبِينَ مِنْ أوْليَائِكَ في الجِنَانِ الَّتِي زَيَّنْتَهَا لأَصْفِيَائِكَ، وجَلِّلْنِي شَرَائِفَ نِحَلِكَ في المَقَامَاتِ المُعَدَّةِ لأَحِبَّائِكَ، واجْعَلْ لِي عِنْدَكَ مَقِيلاً آوي إلَيْهِ مُطْمَئِنّاً ومَثَابَةً أتَبوَّؤُهَا وأقَرُّ عَيْناً، ولا تُقَايسْنِي بِعَظِيمَاتِ الجَرَائِرِ، ولا تُهْلِكْنِي يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ، وأزِلْ عَنِّي كُلَّ شَكٍّ وشُبْهَة، واجْعَلْ لِي في الحَقِّ طَرِيقاً مِنْ كُلِّ رَحْمَة، وأجْزِلْ لِي قِسَمَ المَوَاهِبِ مِنْ نَوالِكَ، ووَفِّرْ عَليَّ حُظُوظَ الإحْسَانِ مِنْ إفْضَالِكَ، واجْعَلْ قَلْبِي واثِقاً بِما عِنْدَكَ وهَمِّي مُسْتَفْرَغاً لِمَا هُوَ لَكَ، واسْتَعْمِلْنِي بِمَا تَسْتَعْمِلُ بِهِ خَالِصَتَكَ، وأشْرِبْ قَلْبِي عِنْدَ ذُهُولِ العُقُولِ طَاعَتَكَ، واجْمَعْ لِيَ الغِنى والعَفَافَ والدَّعَةَ والمُعَافَاةَ والصِّحَّةَ والسَّعَة والطُّمَأْنِينَةَ والعَافِيَةَ، ولا تُحْبِطْ حَسَنَاتِي بِمَا يَشُوبُها مِنْ مَعْصِيَتِكَ، ولا خَلَوَاتِي بِما يَعْرِضُ لِي مِنْ نَزَغَاتِ فِتْنَتِكَ، وصُنْ وَجْهِي عَنْ الطَّلَبِ إلى أحَد مِنَ العَالَمِينَ، وذُبِّنِي عَنِ التِمَاسِ ما عِنْدَ الفَاسِقِينَ، ولا تَجْعَلْنِي لِلظّالِمِينَ ظَهِيراً، ولا لَهُمْ عَلى مَحْوِ كِتَابِكَ يداً ونَصِيراً، وحُطْنِي مِنْ حَيْثُ لا أعْلَمُ حِيَاطَةً تَقِينِي بِها، وافْتَحْ لِي أبْوابَ تَوْبَتِكَ ورَحْمَتِكَ ورَأفَتِكَ ورِزْقِكَ الوَاسِعِ، إنِّي إلَيْكَ مِنَ الرَّاغِبِينَ، وأتْمِمْ لِي إنْعَامِكَ؛ إِنَّكَ خَيْرُ المُنْعِمِينَ، واجْعَلْ بَاقِيَ عُمْرِي في الحَجِّ والعُمْرَةِ ابْتِغاءَ وَجْهِكَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ. وصَلَّى اللّهُ على مُحمَّد وآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، والسَّلامُ عَلَيْهِ وعَلَيْهِمْ أبَدَ الآبِدِينَ».

216

ج ـ زيارة الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله)

إذا دخل الزائر الروضة الشريفة استقبل القبر، وقال كما جاء في خبر صحيح لمعاوية بن عمّار عن الإمام الصادق(عليه السلام):

«أشْهَدُ أن لا إلهَ إلَّا اللّه وَحْدَهُ لاِ شَرِيكَ لَهُ، وَأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأشْهَدُ أنَّكَ رَسُولُ اللّه(صلى الله عليه وآله)، وَأشْهَدُ أنَّكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْداللّه، وَأشْهَدُ أنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ رِسالاتِ رَبِّكَ، وَنَصَحْتَ لاُِمَّتِكَ، وَجاهَدْتَ فِي سَبِيلِ اللّه، وَعَبَدْتَ اللّه حَتَّى أتاكَ اليَقِينُ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ، وَأدَّيتَ الذِي عَلَيْكَ مِنَ الحَقِّ، وَأنَّكَ قَدْ رَؤُفْتَ بِالمُؤْمِنِينَ، وَغَلُظتَ عَلى الكافِرِينَ، فَبَلغَ اللّه بِكَ أفْضَلَ شَرَفِ مَحَلِّ المُكَرَّمِينَ. الحَمْدُ للّه الذِي اسْتَنْقَذَنَا بِكَ مِنَ الشِّرْكِ وَالضَّلالَةِ. اللّهُمَّ، فَاجْعَلْ صَلَواتِكَ وَصَلَواتِ مَلائِكَتِكَ المُقَرَّبِينَ وَ عِبادِكَ الصّالِحِينَ وَأنْبِيائِكَ المُرْسَلِينَ وَأهْلِ السَّمواتِ وَالأرَضِينَ وَمَنْ سَبَّحَ لَكَ يا رَبَّ العالَمِينَ مِنَ الأوَّ لِينَ وَالآخِرِينَ عَلى مُحَمَّد عَبْدِكَ وَرَسُو لِكَ وَنَبِيِّكَ وَأمِينِكَ وَنَجِيِّكَ وَحَبِيبكَ وَصَفِيِّكَ وَخاصّتِكَ وَصفْوَتِكَ وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ. اللَّهُمَّ، أعْطِهِ الدَّرَجَةَ وَالوَسِيلَةَ مِنَ الجَنَّةِ، وَابْعَثْهُ مَقاماً مَحْمُوداً يَغْبِطُهُ بِهِ الأوّلُونَ وَالآخِرُونَ. اللَّهُمَّ، إنَّكَ قُلْتَ: ﴿وَلَوْ أنَّهُمْ إذْ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ جاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّه وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّه تَوَّاباً رَحِيماً﴾وإنِّي أتَيتُ نَبِيَّكَ مُسْتَغْفِراً تائِباً مِنْ ذُ نُوبِي، وَإنِّي أتَوَجَّهُ بِكَ إلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكَ لِيَغْفِرَ لِي ذُ نُوبِي».

وإذا فرغ من ذلك طلب من الله تعالى قضاء حاجاته، ودعا بما أحبّ.

 

د ـ زيارة الصدّيقة فاطمة الزهراء(عليها السلام)

من المأثور أن تُزار الصدّيقة(عليها السلام) بمايلي:

«السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ رَسُولِ اللّه، السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ نَبِيِّ اللّه، السَّلامُ

217

عَلَيْك يا بِنْتَ حَبِيبِ اللّه، السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ خَلِيلِ اللّه، السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ صَفِيِّ اللّه، السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ أمِينِ اللّه، السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ خَيْرِ خَلْقِ اللّه، السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ أفْضَلِ أنْبِياءِ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَمَلاَئِكَتِهِ، السَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ خَيْرِ البَرِيَّةِ، السَّلامُ عَلَيْكِ يا سَيِّدَةَ نِساءِ العالَمِينَ مِنَ الأ وّ لِينَ وَالآخِرِينَ، السَّلامُ عَلَيْكِ يا زَوْجَةَ وَلِيِّ اللّه وَخَيْرِ الخَلْقِ بَعْدَ رَسُولِ اللّه(صلى الله عليه وآله)، السَّلامُ عَلَيْكِ يا اُمَّ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ سَيِّدَيْ شَبابِ أهْلِ الجَنَّةِ، السَّلامُ عَلَيْكِ أيَّتُها الصِّدِّيقَةُ الشَّهِيدَةُ،السَّلامُ عَلَيْكِ أيَّتُها الرَّضِيَّةُ المَرْضِيَّةُ، السَّلامُ عَلَيْكِ أيَّتُها الفاضِلَةُ الزَّكِيَّةُ، السَّلامُ عَلَيْكِ أيَّتُها الحَوْراءُ الإنْسِيَّةُ، السَّلامُ عَلَيْكِ أيَّتُها التَّقِيَّةُ النَّقِيَّةُ، السَّلامُ عَلَيْكِ أيَّتُها الُمحَدَّثَةُ العَلِيمَةُ، السَّلامُ عَلَيْكِ أيَّتُها المَظْلُومَةُ المَغْصُوبَةُ، السَّلامُ عَلَيْكِ أيَّتُها المُضْطَهَدَةُ المَقْهُورَةُ، السَّلامُ عَلَيْكِ يا فاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللّه(صلى الله عليه وآله)وَرَحْمَةُ اللّه وَبَرَكاتُهُ. صَلَّى اللّه عَلَيْكِ وَعَلَى رُوحِكِ وَبَدَنِكِ. أشْهَدُ أنَّكِ مَضَيْتِ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبِّكِ، وَأنَّ مَنْ سَرَّكِ فَقَدْ سَرَّ رَسُولَ اللّه(صلى الله عليه وآله)، وَمَنْ جَفاكِ فَقَدْ جَفا رَسُولَ اللّه(صلى الله عليه وآله)، وَمَنْ آذاكِ فَقَدْ آذَى رَسُولَ اللّه(صلى الله عليه وآله)، وَمَنْ وَصَلَكِ فَقَدْ وَصَلَ رَسُولَ اللّه(صلى الله عليه وآله)، وَمَنْ قَطَعَكِ فَقَدْ قَطَعَ رَسُولَ اللّه(صلى الله عليه وآله)؛ لاِنَّكِ بِضْعَةٌ مِنْهُ وَرُوحُهُ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْهِ، كَما قال(صلى الله عليه وآله). اُشْهِدُ اللّه وَرُسُلَهُ وَمَلاَئِكَتَهُ أ نِّي راض عَمَّنْ رَضِيْتِ عَنْهُ، ساخِطٌ عَلَى مَنْ سَخِطْتِ عَلَيْهِ، مُتَبَرِّىءٌ مِمَّنْ تَبَرَّأتِ مِنْهُ، مُوَال لِمَنْ والَيْتِ، مُعاد لِمَنْ عادَيْتِ، مُبْغِضٌ لِمَنْ أبْغَضْتِ، مُحِبٌّ لِمَنْ أحْبَبْتِ، وَكَفى بِاللّه شَهِيداً وَحَسِيباً وَجازِياً وَمُثِيباً».

ثم يصلّي الزائر على النبيّ(صلى الله عليه وآله) والأئمّة(عليهم السلام).

وأيضاً تُزار الزهراء(عليها السلام) بهذه الزيارة:

«يَا مُمْتَحَنَةُ، اِمْتَحَنَكِ الله الَّذي خَلَقَكِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَكِ، فَوَجَدَكِ لِمَا امْتَحَنَكِ

218

صَابِرَةً، وَزَعَمْنا أَنّا لَكِ أَوْلِيآءٌ وَمُصَدِّقُونَ وَصَابِرونَ لِكُلِّ ما أَتانا بِهِ أَبُوكِ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَتَى بِهِ وَصِيُّهُ، فَإِنّا نَسْئَلُكِ إنْ كُنّا صَدَّقْناكِ إلّا أَلْحَقْتِنا بِتَصْديقِنا لَهُما لِنُبَشِّرَ أَنْفُسَنَا بِأَنّا قَدْ طَهُرْنَا بِوِلايَتِكِ».

 

هـ ـ الزيارة الجامعة لأئمّة البقيع(عليهم السلام)

«السَّلامُ عَلى أوْلِياءِ اللّه وَأصْفِيائِهِ، السَّلامُ عَلى اُمَناءِ اللّه وَأحِبَّائِهِ، السَّلامُ عَلى أنْصارِ اللّه وَخُلَفائِهِ، السَّلامُ عَلى مَحالِّ مَعْرِفَةِ اللّه، السَّلامُ عَلى مَساكِنِ ذِكْرِ اللّه، السَّلامُ عَلى مُظْهِرِي أمْرِ اللّه وَنَهْيِهِ، السَّلامُ عَلى الدُّعاةِ إلَى اللّه، السَّلامُ عَلى المُسْتَقِرِّينَ فِي مَرْضاةِ اللّه، السَّلامُ عَلى المُخْلِصِينَ فِي طاعَةِ اللّه، السَّلامُ عَلَى الأَدِلاَّءِ عَلَى اللّهِ، السَّلامُ عَلَى الَّذِينَ مَنْ وَالاهُمْ فَقَدْ والى اللّهَ، وَمَنْ عاداهُمْ فَقَدْ عادَى اللّهَ، وَمَنْ عَرَفَهُمْ فَقَدْ عَرَفَ اللّهَ، وَمَنْ جَهِلَهُمْ فَقَدْ جَهِلَ اللّه، وَمَنِ اعتَصَمَ بِهِمْ فَقَدِ اعْتَصَمَ بِاللّهِ، وَمَنْ تَخَلَّى مِنْهُمْ فَقَدْ تَخَلَّى مِنَ اللّهِ. وَاُشْهِدُ اللّهَ أ نِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ، مُؤْمِنٌ بِسِرِّكُمْ وَعَلانِيَتِكُمْ، مُفَوِّضٌ فِي ذلِكَ كُلِّهِ إلَيْكُمْ. لَعَنَ اللّهُ عَدُوَّ آلِ مُحَمَّد مِنَ الجِنِّ وَالإنْسِ مِنَ الأَ وَّلِينَ و الآخِرِينَ، وَأبْرَء إلَى اللّهِ مِنْهُمْ. وَصَلَّى اللّه عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ الطّاهِرين».

انتهينا من كتابة هذا الكتاب في مناسك الحجّ

في اليوم الخامس عشر من جمادى الآخرة من سنة

1425 هجريّة قمريّة وأحمد الله على توفيقي لذلك،

وأسأله أن يجعله ذُخراً ليوم فاقتي،

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.