47

(مسألة: 2) إذا اُكرِه أحد الشخصين على بيع داره كما لو قال الظالم: « فليبع زيد أو عمرو داره » فباع أحدهما داره بطل البيع، إلّا إذا علم إقدام الآخر على البيع.

(مسألة: 3) لو اُكره على بيع داره أو فرسه فباع أحدهما بطل، ولو باع الآخر بعد ذلك صحّ، ولو باعهما جميعاً دفعةً بطل فيهما جميعاً(1).

(مسألة: 4) لو أكرهه على بيع دابّته فباعها مع ولدها بطل بيع الدابّة وصحّ بيع الولد.

(مسألة: 5) الظاهر أنّه يعتبر في صدق الإكراه عدم إمكان التفصّي بالتورية(2)، فلو أكرهه على بيع داره فباعها مع قدرته على التورية صحّ البيع. نعم، لوكان غافلا عن التورية أو عن إمكان التفصّي بها فباع بطل البيع.

(مسألة: 6) المراد من الضرر الذي يخافه على تقدير عدم الإتيان بما اُكره عليه ما يعمّ الضرر الواقع على نفسه وماله وشأنه وعلى بعض من يتعلّق به ممّن يهمّه أمره، فلو لم يكن كذلك بل كان على بعض المؤمنين فلا إكراه، فلو باع حينئذ صحّ البيع.

 

البيع الفضوليّ:

الرابع: القدرة على التصرّف لكونه مالكاً، أو وكيلا عنه، أو مأذوناً منه، أو وليّاً عليه، فلو لم يكن العاقد قادراً على التصرّف لم يصحَّ البيع، بل توقّفت صحّته على إجازة القادر على ذلك التصرّف، مالكاً كان، أو وكيلا عنه، أو مأذوناً منه، أو وليّاً عليه، فإن أجاز صحّ، وإن ردّ بطل، ولم تنفع الإجازة بعد ذلك(3)، وهذا هو المسمّى بعقد الفضوليّ.



(1) نعم، إذا كان جمعه في البيع بينهما في حين أنّ الإكراه لم يكن واقعاً إلّا على أحدهما قرينة على رضاه بالبيع، صحّ البيع.

(2) لا فرق في الحكم بين فرض إمكان التفصّي بالتورية وعدمه.

(3) لو سبّب الردّ انتفاء موضوع الإجازة، كما لو أوجب ذلك عدول الأصيل عن أصل المعاملة، فلا معنى لتأثير الإجازة عندئذ، وإلّا فعدم نفع الإجازة ممنوع.

48

(مسألة: 7) لو منع المالك من بيع ماله فباعه الفضوليّ فإن أجاز المالك صحّ ولا أثر للمنع السابق في البطلان.

(مسألة: 8) إذا علم من حال المالك أنّه يرضى بالبيع فباعه لم يصحَّ وتوقّف على الإجازة.

(مسألة: 9) إذا باع الفضوليّ مال غيره عن نفسه لاعتقاده أنّه مالك، أو لبنائه على ذلك كما في الغاصب فأجاز المالك صحّ ويرجع الثمن إلى المالك.

(مسألة: 10) لا يكفي في تحقّق الإجازة الرضى الباطنيّ، بل لا بدّ من الدلالة عليه بالقول، مثل « رضيتُ » و « أجزتُ »، ونحوهما، أو بالفعل، مثل أخذ الثمن أو بيعه أو الإذن في بيعه، أو إجازة العقد الواقع عليه، أو نحو ذلك(1).

(مسألة: 11) الظاهر أنّ الإجازة كاشفة عن صحّة العقد من حين وقوعه كشفاً حكميّاً، فنماء الثمن من حين العقد إلى حين الإجازة ملك مالك المبيع، ونماء المبيع ملك للمشتري.

(مسألة: 12) لو باع باعتقاد كونه وليّاً، أو وكيلا، فتبيّن خلافه، فإن أجاز المالك صحّ، وإن ردّ بطل، ولو باع باعتقاد كونه أجنبيّاً، فتبيّن كونه وليّاً، أو وكيلا صحّ، ولم يحتج إلى الإجازة، ولو تبيّن كونه مالكاً توقّفت صحّة البيع على إجازته(2).

(مسألة: 13) لو باع مال غيره فضولا، ثمّ ملكه قبل إجازة المالك، ففي صحّته بلا حاجة إلى الإجازة، أو توقّفه على الإجازة، أو بطلانه رأساً وجوه، أقواها



(1) وقد يتّفق أن يكون نفس السكوت بعد العلم أمارة على الإمضاء.

(2) أفاد اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) في تعليقه على هذا المورد: «لا يبعد عدم التوقّف إذا كان جادّاً في البيع».

أقول: الظاهر أنّ ما في المتن أقوى؛ لأنّ جدّيّته في البيع مقيّدة ببيع مال الغير ولم تشمل بيع مال نفسه.

49

الأخير(1). نعم، لو ملكه البائع بالإرث ففي الصحّة مع الإجازة إشكال، والبطلان أحوط(2).

(مسألة: 14) لو باع مال غيره فضولا، فباعه المالك من شخص آخر، صحّ بيع المالك، وبطل بيع الفضوليّ، ولا تنفع في صحّته إجازة المالك ولا المشتري(3).

(مسألة: 15) إذا باع الفضوليّ مال غيره ولم تتحقّق الإجازة من المالك فإن كانت العين في يد المالك فلا إشكال، وإن كانت في يد البائع جاز للمالك الرجوع بها عليه، وإن كان البائع قد دفعها إلى المشتري جاز له الرجوع على البائع وعلى المشتري، وإن كانت تالفة رجع على البائع إن لم يدفعها إلى المشتري أو على أحدهما إن دفعها إليه بمثلها إن كانت مثليّةً وبقيمتها إن كانت قيميّة.

(مسألة: 16) المنافع المستوفاة مضمونة، وللمالك الرجوع بها على من استوفاها، وكذا الزيادات العينيّة مثل: اللبن والصوف والشعر والسرجين ونحوها ممّا كان له ماليّة، فإنّها مضمونة على من استولى عليها كالعين، أمّا المنافع غير المستوفاة ففي ضمانها إشكال(4).

(مسألة: 17) المثليّ ما يكثر وجود مثله(5) في الصفات التي تختلف باختلافها الرغبات، والقيميّ ما لا يكون كذلك، فالآلات والظروف والأقمشة المعمولة في



(1) بل الأقوى هو الوسط كما أفاده اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) في المقام.

(2) هنا أيضاً الحقّ ما أفاده اُستاذنا الشهيد من أنّ الأقوى الصحّة مع الإجازة.

(3) بل للمشتري الإجازة.

(4) إن كان المالك يستفيد من تلك المنفعة لولا استيلاء من استولى على العين، فالضمان ثابت، وإلّا فلا.

(5) نحن لا نؤمن بانقسام الأمتعة إلى قسمين: مثليّ وقيميّ، بل كلّ شيء يعتبر مثليّاً حتّى ولو انعدم مثله، وبالتالي يدفع في يوم الأداء قيمة يوم الأداء.

50

المعامل في هذا الزمان من المثليّ، والجواهر الأصليّة من الياقوت والزمرّد والألماسوالفيروزج ونحوها من القيميّ.

(مسألة: 18) الظاهر أنّ المدار في القيمة المضمون بها القيميّ قيمة زمان التلف، لا زمان الأداء(1).

(مسألة: 19) إذا رجع المالك على المشتري ببدل العين من المثل أو القيمة، أو بدل نمائها من الصوف واللبن ونحوها، أو بدل المنافع المستوفاة، أو غير ذلك، فإن كان المشتري مغروراً من قبل البائع بأن كان جاهلا بأنّ البائع فضوليّ، فأخبره البائع بأنّه مالك، أو ظهر له منه أنّه مالك، رجع المشتري على البائع بجميع الخسارات التي خسرها للمالك(2)، سواء كان البائع عامداً في تغريره أم غير عامد، وإن لم يكن مغروراً من البائع كما إذا كان عالماً بالحال، لم يرجع عليه بشيء من الخسارات المذكورة، وإذا رجع المالك على البائع بالعين(3): فإن كان المشتري مغروراً من قبل البائع لم يرجع البائع على المشتري(4)، وإن لم يكن



(1) قد عرفت ما فيه، وأنّ العبرة دائماً بيوم الأداء.

(2) كأنّ مقصوده(رحمه الله) فرض أنّ المشتري كان قد دفع إلى البائع القيمة المسمّاة، فله أن يرجع على البائع في أخذ القيمة المسمّاة، وفي أخذ الزيادة لو كانت هناك زيادة على ذلك خسرها للمالك.

أمّا لو لم يكن قد دفع بعدُ إلى البائع القيمة المسمّاة، فمن الواضح أنّه لا يرجع على البائع إلّا بمقدار الزيادة لو كانت.

(3) المقصود هو الرجوع على البائع ببدل العين، ولعلّ النسخة غلط، والصحيح: «ببدل العين».

(4) كأنّ المقصود هو فرض ما لو كان البائع قد أخذ من المشتري المسمّى، وخسر للمالك أكثر من المسمّى، فلا يرجع البائع إلى المشتري في خسران الزيادة، أمّا لو لم يكن قد أخذ منه المسمّى، فمن الواضح أنّه يرجع إليه بمقدار المسمّى؛ بسبب أكله للعين؛ لأنّ التغرير إنّما كان بلحاظ الزيادة ولم يكن تغرير بمقدار المسمّى.

51

مغروراً من قبل البائع، رجع البائع عليه في الخسارة التي خسرها للمالك، وكذا الحال في جميع الموارد التي تعاقبت فيها الأيدي العادية على مال مالك، إن رجع المالك على السابق رجع السابق على اللاحق إن لم يكن مغروراً منه، وإلّا لم يرجع على اللاحق(1)، وإن رجع المالك على اللاحق لم يرجع إلى السابق إلّا مع كونه مغروراً منه(2)، وكذا الحكم في المال غير المملوك، كالزكاة المعزولة، ومال الوقف المجعول مصرفاً في جهة معيّنة أو غير معيّنة، أو في مصلحة شخص أو أشخاص فإنّ الوليّ يرجع على ذي اليد عليه مع وجوده ومع تلفه على النهج المذكور.

(مسألة: 20) لو باع إنسان ملكه وملك غيره صفقةً واحدةً صحّ البيع فيما يملك، وتوقّف صحّة بيع غيره على إجازة المالك، فإن أجاز صحّ، وإلّا فلا، وحينئذ يكون للمشتري خيار تبعّض الصفقة، فله فسخ البيع بالإضافة إلى ما يملكه البائع.

(مسألة: 21) طريق معرفة حصّة كلّ واحد منهما من الثمن أن يقوَّم كلٌّ من المالين بقيمته السوقيّة، فيرجع المشتري بحصّة من الثمن نسبتها إلى الثمن نسبة قيمة مال غير البائع إلى مجموع القيمتين، فإذا كان قيمة ماله عشرةً وقيمة مال غيره خمسةً والثمن ثلاثةً يرجع المشتري بواحد الذي هو ثلث الثمن، ويبقى للبائع اثنان وهما ثلثا الثمن، هذا إذا لم يكن للاجتماع دخل في زيادة القيمة ونقصها، أمّا لو كان الأمر كذلك وجب تقويم كلٍّ منهما في حال الانضمام إلى الآخر، ثمّ تنسب قيمة كلّ واحد منهما إلى مجموع القيمتين فيؤخذ من الثمن بتلك النسبة، مثلا: إذا باع الجارية وابنتها بخمسة وكانت قيمة الجارية في حال الانفراد ستّةً وفي حال الانضمام أربعةً وقيمة ابنتها بالعكس فمجموع القيمتين عشرة، فإن كانت الجارية لغير البائع رجع المشتري بخمسين وهما اثنان من الثمن وبقي للبائع



(1) إلّا بمقدار لم يكن فيه تغرير.

(2) فيرجع بمقدار التغرير.

52

ثلاثة أخماس، وإن كانت البنت لغير البائع رجع المشتري بثلاثة أخماس الثمن وهو ثلاثة وبقي للبائع اثنان.

(مسألة: 22) إذا كانت الدار مشتركةً بين شخصين على السويّة، فباع أحدهما نصف الدار: فإن قامت القرينة على أنّ المراد نصف نفسه، أو نصف غيره، أو نصف في النصفين، عمل على القرينة، وإن لم تقم القرينة على الشيء، حمل على نصف نفسه لا غير(1).

(مسألة: 23) يجوز للأب والجدّ للأب وإن علا التصرّف في مال الصغير بالبيع والشراء والإجارة وغيرها، وكلّ منهما مستقلّ في الولاية، فلا يعتبر الإذن من الآخر، كما لا تعتبر العدالة في ولايتهما، ولا أن تكون مصلحة في تصرّفهما، بل يكفي عدم المفسدة، إلّا أن يكون التصرّف تفريطاً منهما في مصلحة الصغير، كما لو اضطرّ الوليّ إلى بيع مال الصغير وأمكن بيعه بأكثر من قيمة المثل فلا يجوز البيع بقيمة المثل، وكذا لو دار الأمر بين بيعه بزيادة درهم عن قيمة المثل وزيادة درهمين لاختلاف الأماكن أو الدلاّلين أو نحو ذلك لم يجز البيع بالأقلّ وإن كان فيه مصلحة إذا عدّ ذلك مساهلةً عرفاً في مال الصغير، والمدار في كون التصرّف مشتملا على المصلحة أو عدم المفسدة على كونه كذلك في نظر العقلاء، لا بالنظر إلى علم الغيب، فلو تصرّف الوليّ باعتقاد المصلحة فتبيّن أنّه ليس كذلك في نظر العقلاء بطل التصرّف، ولو تبيّن أنّه ليس كذلك بالنظر إلى علم الغيب صحّ إذا كان فيه مصلحة بنظر العقلاء.

(مسألة: 24) يجوز للأب والجدّ التصرّف في نفس الصغير بإجارته عاملا في



(1) لا أظنّ أنّ المقصود فرض إجمال الكلام، وإنّما المقصود أنّ الإطلاق ينصرف إلى نصف نفسه.

53

المعامل وفي سائر شؤونه مثل تزويجه. نعم، ليس لهما طلاق زوجته، وهل لهمافسخ نكاحه عند حصول المسوّغ للفسخ وهبة المدّة في عقد المتعة ؟ وجهان.

(مسألة: 25) إذا أوصى الأب أو الجدّ إلى شخص بالولاية بعد موته على القاصرين نفذت الوصيّة وصار الموصى إليه وليّاً عليهم بمنزلة الموصي تنفذ تصرّفاته. نعم، يشكل صحّة تزويجه لهم، كما يأتي إن شاء الله تعالى. ويشترط فيه الرشد والأمانة، ولا يشترط فيه العدالة على الأقوى، كما يشترط في صحّة الوصيّة فقدهما معاً، فلا تصحّ وصيّة الأب بالولاية على الطفل مع وجود الجدّ، ولاوصيّة الجدّ بالولاية على حفيده مع وجود الأب، ولو أوصى أحدهما بالولاية على الطفل بعد فقد الآخر لا في حال وجوده ففي صحّتها إشكال.

(مسألة: 26) ليس لغير الأب والجدّ والوصيّ لأحدهما ولاية على الصغير ولو كان عمّاً أو اُمّاً أو جدّاً لها أو أخاً كبيراً، فلو تصرّف أحد هؤلاء في مال الصغير أو في نفسه أو سائر شؤونه لم يصحَّ وتوقّف على إجازة الوليّ.

(مسألة: 27) تكون الولاية على الطفل للحاكم الشرعيّ(1) مع فقد الأب والجدّ والوصيّ لأحدهما، ومع تعذّر الرجوع للحاكم، فالولاية لعدول المؤمنين(2)، لكنّ الأحوط الاقتصار على صورة لزوم الضرر في ترك التصرّف، كما لو خيف على ماله التلف مثلا، فيبيعه العادل لئلاّ يتلف، ولا يعتبر حينئذ أن يكون التصرّف فيه



(1) على الأحوط استحباباً، والمتيقّن من ولاية الفقيه هي الولاية مع مراعاة المصلحة، وليس مجرّد عدم المفسدة.

(2) ولاية عدول المؤمنين مشروطة بمراعاة المصلحة، لا مجرّد عدم المفسدة(1).


(1) لأنّ صحيحة ابن رئاب شرطت في ولاية غير الوصيّ مراعاة ما يصلحهم. الوسائل،ج 17، ب 15 من عقد البيع وشروطه، الحديث الوحيد في الباب، ص 361 ـ 362.

54

غبطةً وفائدة، بل لو تعذّر وجود العادل حينئذ، لم يبعد جواز ذلك لسائر المؤمنين.ولو اتّفق احتياج المكلّف إلى دخول دار أيتام والجلوس على فراشهم والأكل من طعامهم، وتعذّر الاستئذان من وليِّهم، لم يبعد جواز ذلك إذا عوّضهم عن ذلك بالقيمة، ولم يكن فيه ضرر عليهم(1)، وإن كان الأحوط تركه، وإذا كان التصرّف مصلحةً لهم، جاز من دون حاجة إلى عوض، والله سبحانه العالم.



(1) لو كان المقصود فرض كون دخوله مصلحة لهم، فهذا ما سيبيّن حكمه في الكلام اللاحق في المتن، ولو كان المقصود دخوله لحاجة المكلّف نفسه، فحاجته لا توجب حلّيّة هذا التصرّف.

وعلى أيّ حال، فالظاهر أنّ مقصوده من هذا الفرع هو فرض وصول النوبة إلى ولايتهم بعنوان ولاية عدول المؤمنين، أو ولاية المؤمنين، وإلّا فمن الواضح أنّ هذه الحاجة لا تخلق جواز التصرّف.

55

 

الفصل الثالث

 

في شروط العوضين

وفيه مسائل:

(مسألة: 1) يشترط في المبيع أن يكون عيناً، سواء أكان موجوداً في الخارج أم في الذمّة، وسواء أكانت الذمّة ذمّة البائع أم غيره، كما إذا كان له مال في ذمّة غيره فيبيعه على شخص ثالث. كما يشترط فيه أن يكون مالا بحيث يتنافس عليه العقلاء، فلا يجوز بيع المنفعة كمنفعة الدار، ولا بيع العمل كخياطة الثوب، ولا بيع الحقّ(1) كحقّ الخيار، ولا بيع ما لا يكون مالا كالحشرات(2).

وأمّا الثمن فيشترط فيه أن يكون مالا، سواء أكان عيناً أم منفعةً أم عملا أم حقّاً. نعم، إذا كان الحقّ لا يقبل الانتقال كحقّ الشفعة، أو لا يقبل الانتقال إلى خصوص البائع كحقّ القسم الذي لا يقبل الانتقال إلى غير الضرّة، ففي جواز جعله ثمناً إشكال، وإن كان هو الأظهر(3)، فيسقط بمجرّد وقوع البيع من دون انتقال إلى المشتري.



(1) نفس الحقّ ليس ممّا يباع، ولكن حينما يكون الحقّ قابلاً للانتقال، ومتعلّقاً بالعين، أمكن نقله إلى المشتري ببيع العين، وذلك من قبيل الأرض المحجّرة، فبيعها يوجب انتقال حقّ التحجير إلى المشتري.

(2) أي: بعض الحشرات.

(3) نفس الحقّ لا يجعل ثمناً، فإنّ الحقّ كالملك، فكما لا يجعل الملك ثمناً، وإنّما المملوك يجعل ثمناً، كذلك الحال في الحقّ، فالصحيح ما أفاده اُستاذنا(رحمه الله) هنا من أنّ الحقّ: إن كان قابلاً للانتقال، صحّ جعل متعلّقه ثمناً، وإن لم يكن قابلاً للانتقال، ولكن كان قابلاً

56

(مسألة: 2) يشترط في كلٍّ من العوضين أن يكون معلوماً مقدارُه المتعارف تقديره به عند البيع من كيل أو وزن أو عدٍّ أو مساحة، فلا تكفي المشاهدة، ولا تقديره بغير المتعارف فيه عند البيع، كبيع المكيل بالوزن وبالعكس، وكبيع المعدود بالوزن أو الكيل وبالعكس، وإذا كان الشيء ممّا يباع في حال بالمشاهدة وفي حال اُخرى بالوزن أو الكيل، كالثمر يباع على الشجر بالمشاهدة، وفي المخازن بالوزن، والحطب محمولا على الدابّة بالمشاهدة، وبالمخزن بالوزن، واللبن المخيض يباع في السِقاء بالمشاهدة، وفي المخازن بالكيل، فصحّة بيعه مقدّراً أو مشاهداً تابعة للمتعارف، وكذا إذا كان يباع في حال بالكيل وفي اُخرى بالوزن، كالفحم يباع كثيراً في الأكياس الكبيرة بالكيل، وفي المخازن قليلا قليلا بالوزن، فإنّ المدار في التقدير ما يكون متعارفاً في تلك الحال التي بيع فيها كيلا، أو وزناً، أو عدّاً(1).

(مسألة: 3) يكفي في معرفة التقدير إخبار البائع بالقدر كيلا أو وزناً أو عدّاً، ولا فرق بين عدالة البائع وفسقه، والأحوط اعتبار حصول اطمئنان المشتري بإخباره، ولو تبيّن الخلاف بالنقيصة رجع المشتري على البائع بثمن النقيصة وكان له الخيار في الفسخ والإمضاء في الباقي، ولو تبيّنت الزيادة كانت الزيادة للبائع، وكان المشتري بالخيار بين الفسخ والإمضاء بتمام الثمن.



للإسقاط، صحّ جعل الإسقاط ثمناً، فيملك البائع على المشتري أن يسقط الحقّ، كما يصحّ وضع شيء على الإسقاط على نحو الجعالة.

(1) كلّ تقدير يكتفي فيه العقلاء، ولا يعدّ سفهاً أو تغريراً يكون كافياً في صحّة البيع، سواء كان متعارفاً أو لا، ويأتي نفس الكلام في الفروع الآتية المشابهة.

57

(مسألة: 4) الأحوط في مثل الثوب والأرض ونحوهما ممّا يكون تقديره بالمساحة دخيلا في زيادة القيمة معرفة مقداره، ولا يكتفى في بيعه بالمشاهدة.

(مسألة: 5) إذا اختلف البلدان في تقدير شيء بأن كان موزوناً في بلد ومعدوداً في آخر ومكيلا في ثالث فالظاهر أنّ المدار في التقدير اللازم العلم به في بلد المعاملة.

(مسألة: 6) قد يؤخذ الوزن شرطاً في المكيل أو المعدود أو الكيل شرطاً في الموزون، مثل أن يبيعه عشرة أمنان من الدبس بشرط أن يكون كيلها صاعاً فيتبيّن أنّ كيلها أكثر من ذلك لرقّة الدبس، أو يبيعه عشرة أذرع من قماش بشرط أن يكون وزنها ألف مثقال فيتبيّن أنّ وزنها تسعمئة لعدم إحكام النسج، أويبيعه عشرة أذرع من الكتّان بشرط أن يكون وزنه مئة مثقال فتبيّن أنّ وزنه مئتا مثقال لغلظة خيوطه، ونحو ذلك ممّا كان التقدير فيه ملحوظاً صفة كمال للمبيعلا مقوّماً له، والحكم أنّه مع التخلّف بالزيادة أو النقيصة يكون الخيار للمشتري لتخلّف الوصف، فإن أمضى العقد كان عليه تمام الثمن والزيادة للمشتري على كلّ حال.

(مسألة: 7) يشترط معرفة جنس العوضين وصفاتهما التي تختلف القيمة باختلافها، كالألوان والطعوم، والجودة والرداءة، والرِقّة والغِلظة، والثقل والخفّة، ونحو ذلك ممّا يوجب اختلاف القيمة، أمّا ما لا يوجب اختلاف القيمة منها فلا تجب معرفته وإن كان مرغوباً عند قوم وغير مرغوب عند آخرين، والمعرفة إمّا بالمشاهدة، أو بتوصيف البائع، أو الرؤية السابقة.

(مسألة: 8) يشترط أن يكون كلّ واحد من العوضين ملكاً(1) مثل أكثر البيوع الواقعة بين الناس، أو ما هو بمنزلته ؛ لاختصاصه بجهة من الجهات، مثل بيع



(1) وبإمكانه أن يبيع شيئاً في ذمّته.

58

وليِّ الزكاة بعض أعيان الزكاة، وشرائه العلف لها، وعليه فلا يجوز بيع ما ليس كذلك، مثل بيع السمك في الماء، والطير في الهواء، وشجر البيداء قبل أن يُصطاد أو يُحاز.

(مسألة: 9) يشترط أن يكون كلّ من العوضين طلقاً، يعني لا يكون موضوع حقٍّ لغير البائع، فلا يجوز بيع العين المرهونة(1)، نعم لو أذن الراهن(2)، أو أجاز، أو فكّ الرهن، صحّ. وكذا لا يجوز بيع الوقف إلّا في موارد(3):



(1) إنّما يمنع حقّ الغير عن صحّة البيع إذا كان منافياً للبيع، أمّا حقّ الرهن فليس كذلك، فبإمكانه بيع العين المرهونة بدون إذن المرتهن وإن كانت تبقى تحت حقّ المرتهن إلى أن ينفكّ عن الرهن. نعم، لو لم يكن المشتري مطّلعاً على ذلك، كان له حقّ خيار الفسخ.

(2) كلمة «الراهن» إمّا خطأ في النسخة، أو سهو من قلم الماتن، والمقصود هو (المرتهن).

(3) ومنها ـ كما أفاد اُستاذنا الشهيد ـ: وقوع اختلاف شديد بين الموقوف عليهم بنحو يحتمل أداؤه إلى تلف النفوس والأموال، فيسوغ البيع ولو لم يشترط الواقف ذلك(1).


(1) لمكاتبة عليّ بن مهزيار. الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 6 من الوقوف والصدقات، ح 6، ص 188.

ومنها: ما ورد في المتن، وهو: أن تخرب العين الموقوفة بحيث لا يمكن الانتفاع بها مع بقاء العين كالحيوان المذبوح، والجذع البالي، والحصير المخرَق.

والدليل على جواز البيع في هذا الفرض أنّ وقف الواقف يشمل العين والماليّة، فمقتضى (أنّ الوقوف على ما يقفها أهلها) أن تبقى الماليّة على الوقفيّة لنفس الجهة، فتباع العين وتبدّل بعين اُخرى بقدر الإمكان.

59

منها: أن يخرب بحيث لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه، كالحيوان المذبوح، والجذع البالي، والحصير المخرق.

ومنها: أن يخرب على نحو يسقط عن الانتفاع المعتدِّ به مع كونه ذا منفعة يسيرة ملحقة بالمعدوم عرفاً.

ومنها: ما إذا اشترط الواقف بيعه عند حدوث أمر من قلّة المنفعة، أو كثرة الخراج، أو كون بيعه أنفع، أو لاختلاف بين أرباب الوقف، أو احتياجهم إلى عوضه، أو نحو ذلك.

ومنها: ما لو لاحظ الواقف في قوام الوقف عنواناً خاصّاً في العين الموقوفة،



ومنها: ما ورد في المتن أيضاً، وهو: أن تخرب العين على نحو تسقط عن الانتفاع المعتدّ به مع كونها ذات منفعة يسيرة ملحقة بالمعدوم عرفاً، فإن لحقت المنفعة عرفاً بالمعدوم، التحق هذا الفرع بالفرع السابق.

ومنها: ما ورد في المتن أيضاً، وهو: ما إذا اشترط الواقف بيعه عند حدوث أمر: من قلّة المنفعة، أو كثرة الخراج، أو كون بيعه أنفع، أو لاختلاف بين أرباب الوقف، أو احتياجهم إلى عوضه، أو نحو ذلك. وهذا على طبق القاعدة؛ لأنّ الوقوف حسب ما يوقفها أهلها.

ومنها: ما ورد في المتن أيضاً، وهو: ما إذا طرأ ما يستوجب أن يؤدّي بقاؤه إلى الخراب المسقط له عن المنفعة المعتدّ بها عرفاً، واللازم تأخير البيع إلى آخر أزمنة إمكان البقاء، والدليل على ذلك أنّ المنفعة شملت العين والماليّة، ومقتضى (أنّ الوقوف على ما يقفها أهلها) حفظهما معاً، وهذا ما لا يمكن، فمقتضى تلك القاعدة الحفاظ على أحدهما، فيجوز بيع العين قبل خرابها في آخر أزمنة إمكان بقائها حفاظاً على الماليّة.

ومنها: ما إذا اشترط الواقف جواز تبديله، وهذا على وفق القاعدة؛ لأنّ الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها؛ ولصحيح عبد الرحمن بن الحجّاج الوارد في الوسائل، ج 19 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 10 من الوقوف والصدقات، ح 3، ص 199 ـ 200.

60

مثل كونها بستاناً أو داراً أو حمّاماً، فيزول ذلك العنوان، فإنّه يجوز البيع حينئذ(1)وإن كانت الفائدة باقيةً بحالها أو أكثر.

ومنها: ما إذا طرأ ما يستوجب أن يؤدّي بقاؤه إلى الخراب المسقط له عن المنفعة المعتدِّ بها عرفاً، واللازم تأخير البيع إلى آخر أزمنة إمكان البقاء.

(مسألة: 10) ما ذكرناه من جواز البيع في الصور المذكورة لا يجري في المساجد، فإنّها لا يجوز بيعها على كلّ حال. نعم، يجري في مثل الخانات الموقوفة للمسافرين، وكتب العلم، والمدارس، والرباطات الموقوفة على الجهات الخاصّة.

(مسألة: 11) إذا جاز بيع الوقف فالأحوط مراجعة الحاكم الشرعيّ(2)والاستئذان منه في البيع، كما أنّ الأحوط أن يشتري بثمنه ملكاً ويوقف على النهج الذي كان عليه الوقف الأوّل. نعم، لو خرب بعض الوقف جاز بيع ذلك البعض وصرف ثمنه في مصلحة المقدار العامر، أو في وقف آخر إذا كان موقوفاً على نهج وقف الخراب. وإذا خرب الوقف ولم يمكن الانتفاع به وأمكن بيع بعضه وتعمير الباقي بثمنه جاز، بل وجب على الوليّ بيع بعضه ولم يجزْ بيع جميعه.

(مسألة: 12) لا يجوز بيع الأمة إذا كانت ذات ولد لسيّدها ولو كان حملا غير مولود، وكذا لا يجوز نقلها بسائر النواقل، وإذا مات ولدها جاز بيعها، كمايجوز



(1) هذا ليس من موارد بيع الوقف؛ لأنّ الوقف يبطل بزوال ذاك العنوان، وترجع العين إلى الواقف، أو ورثته.

(2) ولوكان للعين الموقوفة متولٍّ شرعيّ معيّن في صيغة الوقف، فالأحوط الجمع بين توليته ومراجعة الحاكم الشرعيّ، فيتصدّى المتولّي للبيع مع مراجعة الحاكم الشرعيّ، ولو لم يكن له متولٍّ خاصّ، فإن كانت موقوفة على أشخاص، تولّوا البيع بمراجعة الحاكم، ولو كانت موقوفة وقفاً عامّاً، تصدّى الحاكم الشرعيّ لبيعها.

61

بيعها في ثمن رقبتها مع إعسار المولى، وفي هذه المسألة فروع كثيرة لمنتعرّض لها لقلّة الابتلاء.

(مسألة: 13) لا يجوز بيع الأرض الخراجيّة (وهي الأرض المفتوحة عنوة العامرة حين الفتح)، فإنّها ملك للمسلمين مَن وجد ومَن يوجد، ولا فرق بين أن تكون فيها آثار مملوكة للبائع من بناء أو شجر أو غيرهما، وأن لا تكون، بل الظاهر عدم جواز التصرّف فيها إلّا بإذن الحاكم الشرعيّ، إلّا أن تكون تحت سلطة سلطان المدّعي للخلافة العامّة، فيكفي الاستئذان منه، بل في كفاية الاستئذان من الحاكم الشرعيّ حينئذ إشكال(1). ولو ماتت الأرض العامرة حين الفتح فالظاهر أنّها لا تملك بالإحياء، بل هي باقية على ملك المسلمين. أمّا الأرض الميّتة في زمان الفتح فهي ملك للإمام (عليه السلام)، وإذا أحياها أحد ملكها بالإحياء، مسلماً كان المحيي أو كافراً(2)، وليس عليه دفع العوض(3)، وإذا تركها حتّى ماتت فهي على ملكه، فإذا ترك زرعها جاز لغيره زرعها بلا إذن منه ويعطيه خراجها(4)، وإذا أحياها السلطان المدّعي للخلافة على أن تكون للمسلمين لحقها حكم الأرض الخراجيّة(5).



(1) الظاهر كفاية الاستئذان من الحاكم الشرعيّ، ومع تعذّر الاستئذان من الحاكم الشرعيّ يكون الاستئذان من السلطان المذكور احتياطيّاً؛ لأنّ أرض الخراج محلّلة للشيعة في عصر الغيبة في ظلّ الحكومات الجائرة.

(2) بل تبقى الأرض ملكاً للإمام، وللمحيي حقّ الاختصاص.

(3) إلّا إذا طالب الإمام بذلك، وقد ثبت التحليل للمؤمنين.

(4) إذا كان موت الأرض وخرابها بإهمال صاحبها الأوّل، جاز للثاني إحياؤها، وكانت له كما كانت للأوّل، وليس للأوّل عليه شيء، وإذا لم يكن خرابها كذلك، لم يجز للثاني التصرّف في الأرض بدون إذن الأوّل لدى إمكان معرفة صاحب الأرض.

(5) لا أرى وجهاً للحوقها حكم الأرض الخراجيّة.

62

(مسألة: 14) في تعيين أرض الخراج إشكال، وقد ذكر العلماء والمؤرِّخون مواضع كثيرةً منها. وإذا شكّ في أرض أنّها ميّتة أو عامرة حين الفتح يعمل على أنّها ميّتة، فيجوز إحياؤها وتملّكها إن كانت حيّة، كما يجوز بيعها وغيره من التصرّفات الموقوفة على الملك.

(مسألة: 15) يشترط في كلٍّ من العوضين أن يكون مقدوراً على تسليمه، فلا يجوز بيع الجَمل الشارد(1)، أو الطير الطائر، أو السمك المرسل في الماء ولا فرق بين العلم بالحال والجهل بها. ولو باع العين المغصوبة وكان المشتري قادراً على أخذها من الغاصب صحّ، كما أنّه يصحّ بيعها على الغاصب أيضاً وإن كان البائع لا يقدر على أخذها منه ثمّ الدفع إليه، وإذا كان المبيع ممّالايستحقّ المشتري أخذه كما لو باع من ينعتق على المشتري صحّ وإن لم يقدر على تسليمه.

(مسألة: 16) لو علم بالقدرة على التسليم فباع فانكشف الخلاف بطل، ولو علم العجز عنه فانكشف الخلاف فالظاهر الصحّة.

(مسألة: 17) لو انتفت القدرة على التسليم في زمان استحقاقه لكن علم بحصولها بعده فإن كانت المدّة يسيرةً صحّ، وإذا كانت طويلةً لا يتسامح بها: فإن كانت مضبوطةً مثل سنة أو أكثر فالظاهر الصحّة مع علم المشتري بها، وكذا مع جهله بها لكن يثبت الخيار للمشتري، وإن كانت غير مضبوطة فالظاهر البطلان، كما لو باعه دابّةً غائبةً يعلم بحضورها لكن لا يعلم زمانه(2).



(1) كلّ ماكان يجوز جعل الثمن بإزائه ابتداءً يجوز جعله بإزاء المجموع منه ومن غير المقدور على تسليمه ممّا يحتمل قدرة المشتري على تسلّمه، كقدرته على تحصيل الجمل الشارد مثلاً.

(2) إذا كان بشكل تصبح المعاملة سفهيّة، أو غرريّة لا يقدم عليها العقلاء.

63

(مسألة: 18) إذا كان العاقد هو المالك فالاعتبار بقدرته، وإن كان وكيلا في إجراء الصيغة فقط فالاعتبار بقدرة المالك، وإن كان وكيلا في المعاملة كعامل المضاربة فالاعتبار بقدرته أو قدرة المالك فيكفي قدرة أحدهما على التسليم في صحّة المعاملة، فإذا لم يقدرا معاً بطل البيع.

(مسألة: 19) يجوز بيع العبد الآبق مع الضميمة إذا كانت ذات قيمة معتدٍّبها.

64

 

الفصل الرابع

في الخيارات

وفيه مسائل:

(مسألة: 1) الخيار حقّ يقتضي السلطنة على فسخ العقد برفع مضمونه، وهو أقسام:

 

الأوّل: ما يسمّى خيار المجلس:

يعني مجلس البيع، فإنّه إذا وقع البيع كان لكلٍّ من البائع والمشتري الخيار في الفسخ في المجلس ما لم يفترقا، فإذا افترقا ولو بخطوة لزم البيع وانتفى الخيار، ولو كان المباشر للعقد الوكيل كان الخيار للمالك(1)، فإن كان الوكيل وكيلا في



(1) تارةً نفترض: أنّ المالك هو حاضر مجلس العقد حضور تدَخّل وبما هو طرف للمعاملة، والوكيل إنّما هو وكيل في مجرّد إجراء العقد، وهنا يثبت الحكم الذي أفاده في المتن، أي: أنّ الخيار للمالك، فلو كان مع ذلك الوكيل وكيلاً في تمام المعاملة وشؤونها، أمكنه الفسخ عن المالك، وإن كان وكيلاً في إجراء العقد فقط، لم يمكنه ذلك.

واُخرى يفترض: أنّه لا حضور للمالك حضور تدَخّل، وأنّ الوكيل ليس إلّا وكيلاً في إجراء العقد، فهنا يتمّ الحكم الذي أفاده اُستاذنا الشهيد في تعليقه على المتن في هذا المورد من أنّه لا خيار للمالك، ولا للوكيل.

وثالثةً يفترض: أنّه لا حضور للمالك حضور تدَخّل، وأنّ الوكيل وكيل مطلق في تمام المعاملة وشؤونها، وهنا يأتي احتمال الحكم الموجود في المتن من أنّ للوكيل الفسخ عن المالك، ويأتي احتمال الحكم الموجود في تعليق اُستاذنا من منع الخيار، لا للمالك ولا

65

إجراء الصيغة فقط فليس له الفسخ عن المالك، ولو كان وكيلا في تمام المعاملة وشؤونها كان له الفسخ عن المالك، والمدار على اجتماع المباشرين وافتراقهما، لا المالكين، ولو فارقا المجلس مصطحبَين بقي الخيار لهما حتّى يفترقا، ولو كان الموجب والقابل واحداً وكالةً عن المالكَين أو ولايةً عليهما ففي ثبوت الخيار إشكال، بل الأظهر العدم.

(مسألة: 2) هذا الخيار يختصّ بالبيع ولا يجري في غيره من المعاوضات.

(مسألة: 3) يسقط هذا الخيار باشتراط سقوطه في العقد، كما يسقط بإسقاطه بعد العقد.

 

الثاني: خيار الحيوان:

(مسألة: 4) كلّ من اشترى حيواناً إنساناً كان أو غيره ثبت له الخيار ثلاثة أيّام مبدؤها زمان العقد، وإذا كان العقد في أثناء النهار لفّق المنكسر من اليوم الرابع، والليلتان المتوسّطتان داخلتان في مدّة الخيار، وكذا الليلة الثالثة في صورة تلفيق المنكسر. وإذا لم يفترق المتبايعان حتّى مضت ثلاثة أيّام سقط خيار الحيوان وبقي خيار المجلس.

(مسألة: 5) يسقط هذا الخيار باشتراط سقوطه في متن العقد، كما يسقط بإسقاطه بعده، وبالتصرّف في الحيوان تصرّفاً يدلّ على إمضاء العقد واختيار عدم الفسخ(1).



للوكيل، ونحن نحتاط بين الأمرين، فالأحوط للوكيل أن لا يفسخ، كما أنّ الأحوط للطرف المقابل أن يقبل الفسخ لو فسخ الوكيل.

(1) وكذلك لو تصرّف فيه تصرّفاً يصدق عليه أنّه أحدث بالحيوان حدثاً، وإذا كان المباع جارية، اعتبر النظر إلى ما كان يحرم عليه. واللمس بحكم الحدث شرعاً.

66

(مسألة: 6) لا يثبت هذا الخيار للبائع حتّى لو كان الثمن حيواناً(1).

(مسألة: 7) يختصّ هذا الخيار بالبيع ولا يثبت في غيره من المعاوضات.

(مسألة: 8) إذا تلف الحيوان قبل القبض أو بعده في مدّة الخيار كان تلفه من مال البائع، ورجع المشتري عليه بالثمن إذا كان دفعه إليه.

(مسألة: 9) إذا طرأ عيب في الحيوان من غير تفريط من المشتري لميمنع من الفسخ والردّ، وإن كان بتفريط منه سقط خياره.

 

الثالث: خيار الشرط :

والمراد به الخيار المجعول باشتراطه في العقد إمّا لكلٍّ من المتعاقدين، أو لأحدهما بعينه، أو لأجنبيّ.

(مسألة: 10) لا يتقدّر هذا الخيار بمدّة معيّنة، بل يجوز اشتراطه ما يشاء من مدّة قصيرة أو طويلة، متّصلة بالعقد أو منفصلة عنه. نعم، لا بدّ من تقديرها بقدر معيّن وتعيين مبدئها، فلا يجوز جعل الخيار بلا مدّة(2)، ولا جعله مدّةً غيرمحدودة قابلةً للزيادة والنقيصة مثل مجيء الحاجّ(3)، ولا جعله شهراً مردّداً بين الشهور(4)، وإلّا بطل العقد. نعم، إذا أطلق الشهر كان الظاهر منه المتّصل



(1) لا يبعد ثبوت الخيار للبائع حينما يكون الثمن حيواناً.

(2) إذا كان بمعنى جعله إلى الأبد، فإنّ هذا يرجع بروحه إلى كون البيع عقداً متزلزلاً كالهبة مثلاً.

(3) لا يبعد الجواز كما سيأتي منه الإفتاء بذلك في آخر المسألة (63) من هذا الفصل.

(4) إن كان الترديد بمعنى الترديد في لوح الواقع، بأن يرجع الأمر إلى الفرد المردّد صحّ ما في المتن، وإلّا فالظاهر الحكم بثبوت الخيار.

67

بالعقد، وكذا الحكم في غير الشهر من السنة، أو الاُسبوع، أو نحوهما.

(مسألة: 11) لا يجوز اشتراط الخيار في الإيقاعات كالطلاق والعتق، ولا في العقود الجائزة(1) كالوديعة والعارية، ويجوز اشتراطه في العقود اللازمة عدا النكاح(2)، وفي جواز اشتراطه في الصدقة وفي الهبة اللازمة وفي الضمان إشكال، وإن كان الأظهر الجواز في الأخير وعدم الجواز في الأوّلين(3).



(1) هذا الكلام صحيح في العقود الإذنيّة المتقوّم بقاؤها ببقاء الإذن، فإنّه عندئذ لا أثر للخيار، وذلك كالوديعة والعارية، وأمّا في مثل الهبة فهذا الشرط صحيح؛ لترتّب الأثر عليه، من قبيل استحقاق الفسخ فيما إذا سقط الجواز الحكميّ بإحداث الموهوب له تغييراً في العين الموهوبة.

(2) المفهوم من الشريعة الإسلاميّة أنّ بقاء النكاح وزواله ـ بقطع النظر عن تخلّف، أو عيب، أو نحو ذلك ـ يكون بيد الزوج، لا الزوجة، وأنّ طريق إزالته عندئذ إنّما هو الطلاق، فلا معنى إذن لشرط الخيار في النكاح.

نعم، ورد النصّ الصحيح بنفوذ خيار تخلّف الشرط في النكاح(1) فنفتي بذلك.

(3) شرط الخيار في الصدقة محلّ إشكال، وفي الهبة اللازمة جائز، وفي الضمان بقيد إمضاء المضمون عنه يجوز، ومن دون إمضائه لا يجوز.


(1) وهو صحيح الحلبيّ عن أبي عبدالله(عليه السلام): «في رجل يتزوّج المرأة، فيقول لها: أنا من بني فلان. فلا يكون كذلك. فقال: تفسخ النكاح، أو قال: تردّ». الوسائل، ج 21 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 16 من العيوب والتدليس، ح 1، ص 335.

والنصّ وإن اختصّ بالمرأة لدى تخلّف الرجل للشرط ولكن العرف يتعدّى إلى جانب الرجل لدى تخلّف المرأة للشرط بعدم احتمال الفرق، وذلك بنكتة أنّ الزوج أيضاً يتضرّر بترك الفسخ لدى تخلّف الشرط حتّى ولو طلّق؛ لأنّ الطلاق يعني إقرار العقد على حاله، فيكون عليه المهر، أو نصفه.

68

(مسألة: 12) يجوز اشتراط الخيار للبائع في مدّة معيّنة متّصلة بالعقد أو منفصلة عنه على نحو يكون له الخيار في حال ردّ الثمن بنفسه مع وجوده أو ببدله مع تلفه، ويسمّى « بيع الخيار »، فإذا مضت مدّة الخيار لزم البيع وسقط الخيار وامتنع الفسخ، وإذا فسخ في المدّة من دون ردِّ الثمن أو بدله مع تلفه لا يصحّ الفسخ، وكذا لو فسخ قبل المدّة فلا يصحّ الفسخ إلّا في المدّة المعيّنة في حال ردّ الثمن أو ردّ بدله مع تلفه. ثمّ الفسخ إمّا أن يكون بإنشاء مستقلٍّ في حال الردّ مثل: فسختُ ونحوه، أو يكون بنفس الردّ على أن يكون إنشاء الفسخ بالفعل وهو الردّ، لا بقوله: فسختُ، ونحوه.

(مسألة: 13) المراد من ردّ الثمن إحضاره عند المشتري وتمكينه منه، فلو أحضره كذلك جاز له الفسخ وإن امتنع المشتري من قبضه.

(مسألة: 14) الظاهر أنّه يجوز اشتراط الفسخ في تمام المبيع بردّ بعض الثمن، كما يجوز اشتراط الفسخ في بعض المبيع بذلك.

(مسألة: 15) إذا تعذّر تمكين المشتري من الثمن لغيبة أو جنون أو نحوهما ممّا يرجع إلى قصور فيه فالظاهر أنّه يكفي في صحّة الفسخ تمكين وليّه ولو كان الحاكم الشرعيّ أو وكيله، فإذا أحضره كذلك جاز له الفسخ.

(مسألة: 16) نماء المبيع من زمان العقد إلى زمان الفسخ للمشتري، كما أنّ نماء الثمن للبائع.

(مسألة: 17) لا يجوز للمشتري فيما بين العقد إلى زمان مدّة الخيار التصرّف الناقل للعين من هبة أو بيع أو نحوهما، ولو تلف المبيع كان ضمانه على المشتري، ولا يسقط بذلك خيار البائع إلّا إذا كان المقصود من الخيار المشروط خصوص الخيار في حال وجود العين بحيث يكون الفسخ موجباً لرجوعها نفسها إلى البائع، لكن الغالب الأوّل.

69

(مسألة: 18) إذا كان الثمن المشروط ردّه ديناً في ذمّة البائع كما إذا كان للمشتري دين في ذمّة البائع فباعه بذلك الدين واشترط الخيار مشروطاً بردِّه كفىفي ردِّه إعطاء فرد منه، وإذا كان الثمن عيناً في يد البائع فالظاهر ثبوت الخيار في حال دفعها للمشتري(1)، وإذا كان الثمن كلّيّاً في ذمّة المشتري فدفع منه فرداً إلى البائع بعد وقوع البيع فالظاهر اشتراط صحّة الفسخ بردِّ ذلك الفرد مع وجوده، ولا يكفي فيها ردّ فرد آخر(2).

(مسألة: 19) لو اشترى الوليّ شيئاً للمولَّى عليه ببيع الخيار فارتفع حجره قبل انقضاء المدّة كان الفسخ مشروطاً بردِّ الثمن إليه، ولا يكفي الردّ على وليّه، ولواشترى أحد الوليَّين كالأب ببيع الخيار جاز الفسخ بالردِّ إلى الوليّ الآخر كالجدّ، إلّا أن يكون المشروط الردّ إلى خصوص الوليّ المباشر للشراء.

(مسألة: 20) إذا مات البائع قبل إعمال الخيار انتقل الخيار إلى ورثته، فلهم الفسخ بردّهم الثمن إلى المشتري ويشتركون في المبيع على حساب سهامهم، ولو امتنع بعضهم عن الفسخ لم يصحَّ للبعض الآخر الفسخ لا في تمام المبيع ولا في بعضه، ولو مات المشتري كان للبائع الفسخ بردِّ الثمن إلى ورثته.

(مسألة: 21) يجوز اشتراط الخيار في الفسخ للمشتري بردِّ المبيع إلى البائع، والظاهر منه ردّ نفس العين، فلا يكفي ردّ البدل حتّى مع تلفها إلّا أن تقوم قرينة على إرادة مايعمّ ردّ البدل عند التلف، كما يجوز أيضاً اشتراط الخيار لكلٍّ منهما



(1) ولوكان الشرط إرجاع ذاك المبلغ من الثمن ولو في ضمن فرد آخر، تحقّق الخيار بمجرّد إرجاع ذاك المبلغ ولو في ضمن فرد آخر.

(2) هنا أيضاً يمكن أن يكون الشرط إرجاع ذاك المبلغ ولو في ضمن فرد آخر، فينفذ الشرط بالشكل الذي اتّفقا عليه.

70

عند ردِّ ما انتقل إليه بنفسه أو ببدله عند تلفه.

(مسألة: 22) لا يجوز اشتراط الخيار في الفسخ بردِّ البدل مع وجود العين(1)، بلا فرق بين ردِّ الثمن وردِّ المثمن، وفي جواز اشتراطه بردِّ القيمة في المثليّ أو المثل في القيميّ مع التلف إشكال، وأنّ الأظهر أيضاً العدم(2).

(مسألة: 23) يسقط هذا الخيار بانقضاء المدّة المجعولة له مع عدم الردّ، وبإسقاطه بعد العقد.

 

الرابع: خيار الغبن:

(مسألة: 24) إذا باع بأقلّ من قيمة المثل ثبت له الخيار، وكذا إذا اشترى بأكثر من قيمة المثل، ولا يثبت هذا الخيار للمغبون إذا كان عالماً بالحال أو مقدماً على المعاملة على كلّ حال.

(مسألة: 25) يشترط في ثبوت الخيار للمغبون أن يكون التفاوت موجباً للغبن عرفاً بأن يكون مقداراً لا يتسامح به عند غالب الناس، فلو كان جزئيّاً غير معتدٍّ به لقلّته لم يوجب الخيار، وحدّه بعضهم بالثلث، وآخر بالربع، وثالث بالخمس، ولا يبعد اختلاف المعاملات في ذلك، فالمعاملات التجاريّة المبنيّة على المماكسة



(1) يجوز اشتراط الخيار في الفسخ بردّ المبلغ ولو في ضمن فرد آخر، غاية الأمر خروج ذلك عمّا يسمّى بروايات بيع الخيار(1).

(2) بل الأظهر ما ذكرناه من إمكان شرط الخيار بردّ المبلغ ولو في ضمن فرد آخر.


(1) وهي الروايات الواردة في الوسائل، ج 18 بحسب طبعة مؤسّسة آل البيت، ب 7 ـ 8 من أبواب الخيار، ص 18 ـ 20.

71

الشديدة يكفي في صدق الغبن فيها العشر، بل نصف العشر، والمعاملات العاديّة لا يكفي فيها ذلك، والمدار ما عرفت من عدم المسامحة الغالبيّة.

(مسألة: 26) الظاهر كون الخيار المذكور ثابتاً من حين العقد، لامنحين ظهور الغبن، فلو فسخ قبل ظهور الغبن صحّ فسخه مع ثبوت الغبن واقعاً.

(مسألة: 27) ليس للمغبون مطالبة الغابن بالتفاوت وترك الفسخ، ولوبذل له الغابن التفاوت لم يجب عليه القبول، بل يتخيّر بين فسخ البيع من أصله وإمضائه بتمام الثمن المسمّى، نعم، لو تصالحا على إسقاط الخيار بمال صحّ الصلح وسقط الخيار ووجب على الغابن دفع عوض المصالحة.

(مسألة: 28) يسقط الخيار المذكور باُمور:

الأوّل: إسقاطه بعد العقد وإن كان قبل ظهور الغبن، ولو أسقطه بزعم كون التفاوت عشرةً فتبيّن كونه مئةً: فإن كان التفاوت بالأقلّ ملحوظاً قيداً بطل الإسقاط، وإن كان ملحوظاً من قبيل الداعي كما هو الغالب صحّ، وكذا الحال لوصالحه عليه بمال.

الثاني: اشتراط سقوطه في متن العقد، وإذا اشترط سقوطه بزعم كونه عشرةً فتبيّن أنّه مئة جرى فيه التفصيل السابق.

الثالث: تصرّف المغبون بائعاً كان أو مشترياً فيما انتقل إليه تصرّفاً يدلّ على الالتزام بالعقد، هذا إذا كان بعد العلم بالغبن، أمّا لو كان قبله فالمشهور عدمالسقوط به، ولا يخلو من تأمّل، بل البناء على السقوط به لو كان دالّاً على الالتزام بالعقد لا يخلو من وجه. نعم، إذا لم يدلَّ على ذلك كما هو الغالب في التصرّف حال الجهل بالغبن فلا يسقط الخيار به ولو كان متلفاً للعين، أو مخرجاً لها عن الملك، أو مانعاً عن الاسترداد كالاستيلاد.

(مسألة: 29) إذا ظهر الغبن للبائع المغبون ففسخ البيع: فإن كان المبيع موجوداً