238

وإن كانت قد اُوقفت لامتلاك الموقوف عليهم فللوقف صورتان:

الصورة الاُولى: ما لو كان الوقف وقفاً خاصّاً كالوقف على الأولاد ممّا يعني ملكيّة نفس الموقوف عليهم للعين الموقوفة، فكلّ واحد منهم لو بلغت حصّته النصاب كانت عليه الزكاة.

الصورة الثانية: ما لو كان وقفاً عامّاً كالوقف على الفقراء، فكلّ واحد منهم لو قبض قسماً من النتاج وامتلكه حتّى حان وقت تعلّق الزكاة في ملكه، تعلّقت الزكاة به، أمّا لو ملكه بعد ذلك فلازكاة عليه.

(9) إذا كانت العين الزكويّة بما لها من النصاب موجبةً لاستطاعة المالك للحجّ، في حين أنّه لو اُخرجت منها الزكاة لم يعدّ صاحبها مستطيعاً: فإن كان تعلّقُ الزكاة بها قبل تماميّة الاستطاعة، فوجوب الزكاة هنا مانع من وجوب الحجّ، ولا يعتبر صاحب هذه العين مستطيعاً.

وإن كانت الاستطاعة قد تحقّقت قبل تعلّق الزكاة، فتعلّق الزكاة لا يمنع من وجوب الحجّ؛ لأنّ الحجّ حينما وجب لم تكن الزكاة متعلّقة بالعين.

ولو كان حجّه متوقّفاً على صرف تمام العين للحجّ، كان يجب عليه تبديل العين قبل تعلّق الزكاة بها بمال آخر غير زكويّ حتّى لا تتعلّق به الزكاة.

ما تجب فيه الزكاة

(10) تجب الزكاة في تسعة أشياء: الأنعام الثلاثة، وهي: الإبل، والبقر، والغنم. والنقدان، وهما: الذهب، والفضّة. والغلاّت الأربع، وهي: الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب.

239

أوّلاً: زكاة الأنعام:

(11) تشترط في تعلّق الزكاة بالأنعام زائداً على ما مضت من الشروط العامّة شروط اُخرى:

الشرط الأوّل: النصاب:

(12) لا تجب الزكاة على أيّ واحدة من الأنعام إلّا إذا بلغت مبلغاً معيّناً اصطُلِح عليه في الفقه الإسلاميّ باسم النصاب.

وعلى الرغم من أنّ النصاب يكون شرطاً عامّاً لتمام الأعيان الزكويّة أجّلنا ذكره إلى حين الحديث عن الشروط الخاصّة بنكتة: أنّ لكلّ قسم من تلك الأعيان نصاباً يخصّه.

فللأنعام نُصُبها الخاصّة بها التي نشرحها ـ إن شاء الله ـ في ما يلي:

(13) فالنصاب في الإبل عبارة عن اثني عشَر نصاباً:

الأوّل: الخمس، وفيها شاة.

والثاني: العَشْر، وفيها شاتان.

فالزائد في ما بين النصابين معفوّ عنه، أي: أنّه لو كان يمتلك تسعاً من الإبل لم تجب عليه إلّا شاة واحدة.

والثالث: خمس عشرة، وفيها ثلاث شياه.

والرابع: العشرون، وفيها أربع شياه.

والخامس: خمس وعشرون، وفيها خمس شياه.

ولك أن تعدّ هذه النُصُب الخمسة نصاباً واحداً بأن تقول: في كلّ خمس شاةٌ إلى الخمس والعشرين.

240

والسادس: ستّ وعشرون، وفيها بنت مخاض، وهي: الاُنثى من الإبل الداخلة في السنة الثانية، سُمّيت في العرف الفقهيّ ببنت مخاض لأنّ اُمّها تحمل.

وإذا لم يكن عنده بنت مخاض أجزأ عنها ابن لبون، وهو: الذكر من الإبل الداخل في السنة الثالثة، وسُمّي في المصطلح الفقهيّ بابن لبون لأنّ اُمّه قد تضع وتصبح ذات لبن.

وإذا لم يكن عنده بنت مخاض ولا ابن لبون، تخيّر في شراء أ يّهما شاء، ولو اشتراهما معاً كان عليه أن يدفع بنت مخاض.

والسابع: ستّ وثلاثون، وفيها بنت لبون، وهي: الاُنثى من الإبل الداخلة في السنة الثالثة، وسُمّيت بذلك لأنّ اُمّها قد تضع وتصبح ذات لبن كما مضى.

والثامن: ستّ وأربعون، وفيها حِقّة، وهي: الداخلة في السنة الرابعة، سُمّيت بذلك لأنّها استحقّت أن يحمل عليها.

والتاسع: إحدى وستّون، وفيها جذَعة: وهي التي دخلت في السنة الخامسة، سُمّيت بذلك لأنّها يشتدّ عادة جذعها في هذه السنة.

يبقى الكلام في طريقة التقسيم، فهل تُقسَّم الآبال على الخمسين، فتكون في كلّ خمسين حِقّة، أو على الأربعين، فتكون في كلّ أربعين بنت لبون، أو بالتلفيق، فيكون على بعضها حِقّة وعلى بعضها بنت لبون؟ وعلى تقدير التلفيق قد تُتصوَّر عدّة أشكال للتلفيق، فأيّ منها يتّبع؟

والجواب: يجب أن يُتّبَع أوسع طريق شامل لأعداد الآبال؛ حتّى لا يبقى إلّا أقلّ زيادة ممكنة، فتصبح تلك الزيادة معفوّة عن الزكاة. ولو اتّحد طريقان في نتيجة السعة فلا ترجيح لأحدهما على الآخر.

مثاله: لو كانت له مئتان جاز له أن يعدّها أربعة خمسينات، فيدفع أربع حِقق، أو يعدّها خمسة أربعينات، فيدفع خمس بنات لبون.

241

وبناءً على ما ذكرناه لن يتّفق أن تكون الزيادة المعفوّة عن الزكاة أكثر من تسعة أعداد من الإبل؛ لأنّ الفاصل بين الأربعين والخمسين عَشْرة، والنصابُ الأخير يبدأ ممّا زاد على المئة والعشرين، فلو بلغت الزيادة عشْرة أو أكثر فلا أقلّ من ثلاثة أربعينات مستوعبة للمئة والعشرين، وستضاف العشْرة الاُولى على أحد الأربعينات؛ لكي يكون خمسين، والثانية على الثاني، والثالثة على الثالث، ولو وصلت الزيادة إلى أربع عشرات، شكّلت هي بنفسها أربعين، وهكذا الأمر إلى الأخير، فلن تبقى زيادة خارجة من حكم الزكاة أكثر من تسعة.

(14) والنصاب في البقر نصابان:

الأوّل: ثلاثون، يعطى فيها تبيع أو تبيعة. وهذا مصطلح فقهيّ روائيّ يقصد به: ما دخل من البقر في السنة الثانية.

والثاني: أربعون تعطى فيها مسنّة، وهي في المصطلح الفقهيّ والروائيّ: البقرة التي دخلت في السنة الثالثة.

وفي ما زاد يعدّها على ثلاثين أو أربعين أو بالتلفيق، ويراعي دائماً الصورة التي تستوعب أكثر عدد ممكن للتزكية، فإن زاد مع ذلك شيء كان داخلاً تحت عموم العفو عن الزكاة، ولا يكون ذلك إلّا بأقلّ من ثلاثين.

(15) والنصاب في الغنم خمسة نُصب:

الأوّل: الأربعون، وفيها شاة.

والثاني: مئة وإحدى وعشرون، وفيها شاتان.

والثالث: مئتان وواحدة، وفيها ثلاث شياه.

والرابع: ثلاث مئة وواحدة، وفيها أربع شياه.

والخامس: أربع مئة فما زاد، ففي كلّ مئة شاة.

242

وما بين النصابين في الجميع يعفى عن الزكاة، فلا يجب فيه غير ما وجب بالنصاب السابق.

(16) ولا يجوز لدافع زكاة الأنعام أن يختار الفرد الأدنى من المتوسّط بالقياس إلى ما يملك، فلا يجزي إلّا ما كان وسطاً بالقياس إليها، أو كان أعلى وأجود. واختيار الأجود ليس واجباً، ولكن فيه زيادة خير.

ولا يجب أيضاً على دافع الزكاة الدفعُ من العين التي تعلّق بها الزكاة حينما تتّحد الزكاة والعين في الجنس كالشاة من الشياه، أو بنت لبون من آبال فيها بنت لبون، بل يجوز شراء فرد آخر، بل يجوز له دفع القيمة النقديّة.

ولا يجوز له دفع مقدار القيمة من جنس آخر من تلقاء نفسه. نعم، يجوز بإذن حاكم الشرع.

(17) لو كانت الأنعام الزكويّة كلُّها صحيحة أو سليمة أو شابّة، أو كانت مختلطة من الصحيحة والمريضة، أو من السليمة والمعيبة، أو من الشابّة والهرمة، لم يجز لصاحب الزكاة اختيارُ المريضة أو المعيبة أو الهرمة.

الشرط الثاني: السوم:

(18) يشترط في تعلّق الزكاة بالأنعام أن تكون سائمة، والسوم يعني: الرعي، وذلك في مقابل ما يسمّى بالمعلوفة: وهي التي تتغذّى بتهيئة العلف الخاصّ لها لا بالرعيّ.

وقد اشتهر بين الفقهاء المتأخّرين شرط آخر، وهو: أن لا تكون عوامل، وهذا يعني: أن لا تعدّ للركوب عليها ولا لحمل الأثقال للنقل من مكان إلى مكان. وهذا التحميل كان متعارفاً في الإبل والبقر. أمّا الشاة فلا معنىً لفرضها عاملة.

243

فلو اجتمع السوم أي الرعي مع عدم العمل؛ إمّا لأنّها لا يمكن أن تعمل كما في الشاة، أو لأنّ مالكها لم يعدّها للعمل كما في الإبل والبقرة، فلا إشكال في تعلّق الزكاة بها.

ولو كانت سائمة وعاملة في وقت واحد، كما لو كانت تُحمل عليها الأثقالُ للنقل بين بلدين، والنقل كان عن طريق المرعى، وكان المرعى يكفيها فلم تكن بحاجة إلى أن تعلف، فالأحوط تزكيتها.

ولو كانت غير سائمة فلا إشكال في عدم تعلّق الزكاة بها.

(19) سخال الأنعام حينما تسوم مع الاُمّهات تعتبر سائمة ولو فرض اكتفاؤها بلبن الاُمّهات وعدم الارتزاق من علف الصحراء.

الشرط الثالث: مرور الحول عليها:

(20) يُشترَط في تعلّق الزكاة بالأنعام مرورُ الحول عليها في ملك المالك واجدة لشرطي النصاب والسوم ـ اللذين مضى ذكرهما ـ طيلة الحول.

(21) ونقصد بمرور الحول عليها: بزوغ اثني عشر هلالاً عليها، فمثلاً: لو ملك النصاب في أثناء شهر رجب، فببزوغ هلال شهر رجب من السنة الثانية تثبت عليه الزكاة.

(22) إذا اختلّ بعض شروط الزكاة للأنعام في أثناء الحول، بطل الحول، كما إذا نقصت من النصاب، أو لم يتمكّن من التصرّف فيها، أو أبدلها بغير جنسها، أو وهبها لغيره في أثناء الحول.

ولو أبدلها بجنسها فالأحوط استحباباً عدم سقوط الزكاة عنه.

(23) ولو وهبها في أثناء الحول مع شرط إرجاعها إليه بعد ذلك فراراً من الزكاة، وجبت عليه الزكاة.

244

(24) لو ملك في أوّل الحول نصاباً، ثُمّ ملك في أثناء الحول عدداً آخر من نفس الجنس بنتاج أو شراء أو إرث أو غير ذلك، فالفروض التي يمكن أن تفرض في هذه الزيادة أحد أربعة فروض:

الفرض الأوّل: أن يفرض أنّ هذه الزيادة لو كانت في أوّل السنة كانت بمقدار العفو، كما إذا كان عنده أربعون من الغنم، وفي أثناء الحول ولدت أربعين، وقد مضى أنّ ما بعد الأربعين معفوّ عن الزكاة ما لم يبلغ مئة وواحداً وعشرين.

وهذا حكمه: أنّ الذي ملكه في أثناء السنة أيضاً يشمله العفو، ويبدأ في أوّل السنة الثانية بحول جديد.

الفرض الثاني: أن يفرض أنّ هذه الزيادة تكون نصاباً مستقلاًّ، كما إذا كانت عنده خمس من الإبل، فولدت في أثناء الحول خمساً اُخرى.

وهذا حكمه: أنّ الاُوليات تتنجّز زكاتها في آخر سنتها، والاُخريات أيضاً تتنجّز زكاتها في آخر سنتها التي تحين في أثناء الحول الثاني؛ لأنّها بدأت في أثناء الحول الأوّل.

الفرض الثالث: أن يفرض أنّ هذه الزيادة لو كانت في أوّل السنة لكانت قد نقلت النصاب إلى نصاب جديد، كما إذا كانت عنده ثلاثون من البقر، وفي أثناء الحول ولدت عَشْرة، وقد مضى أنّ الأربعين هو النصاب الثاني للبقر.

وهذا حكمه: أنّ النصاب الأوّل يزكّى في نهاية الحول الأوّل، والزيادة تبقى معفوّاً عنها إلى حين زمان تزكية النصاب الأوّل، وبعد ذلك يلحظ النصاب الثاني للحول الثاني، ففي المثال الذي ذكرناه لو أدّى زكاة النصاب الأوّل من خارج ما كان يملكها من الأبقار، فبقي أربعون إلى نهاية الحول الثاني، وجبت زكاة النصاب الثاني لدى

245

نهاية الحول الثاني، وكذلك لو فرضنا أنّ الزيادة كانت إحدى عَشْرة، فحتّى لو أدّى زكاة النصاب الأوّل من داخل الأبقار المملوكة بقي عنده أربعون، فلو استمرّ الأربعون إلى نهاية الحول الثاني وجبت زكاة النصاب الثاني.

الفرض الرابع: ما يتراءى فيه أنّ الزيادة تصلح نصاباً مستقلاًّ، وتصلح لنقل النصاب الأوّل إلى نصاب جديد، ومثاله: ما لو كان عنده عشرون من الإبل، وفي أثناء حولها ولدت ستّاً، فالزيادة مشتملة على خمس، وهي تصلح نصاباً، كما أنّ الستّ لو كانت اُضيفت إلى العشرين أوّل السنة انتقل العدد إلى نصاب جديد، وهو الستّ والعشرون.

وهذا حكمه حكم الفرض الثالث، أي: أنّ النصاب الأوّل يزكّى في نهاية حوله، وإذا بقي النصاب الثاني إلى نهاية الحول الثاني، فعليه زكاة النصاب الثاني.

ثانياً: زكاة النقدين:

(25) كان النقد الرائج في عصر المعصومين(عليهم السلام) عبارة عن الذهب والفضّة، وقد وضعت الشريعة عليهما الزكاة مشروطة بشروط ثلاثة زيادة على الشروط العامّة الماضية:

الأوّل: النصاب، وهو في الذهب عبارة أوّلاً عن عشرين ديناراً، والدينار ثلاثة أرباع المثقال الصيرفيّ، فإن زاد على هذا المبلغ كان على كلّ أربعة دنانير ـ وهي ثلاثة مثاقيل صيرفيّة ـ زكاة، وكلّ ما يقلّ عن أربعة دنانير يكون معفوّاً عن الزكاة. ولو لم يبلغ كلّ الذهب مقدار عشرين ديناراً، فكلّه يعفى عن الزكاة.

وفي الفضّة عبارة أوّلاً عن مئتي درهم، ثُمّ كلّ أربعين درهماً، وهنا أيضاً كلّما

246

نقص من النصاب كان معفوّاً عنه. والدرهم يساوي  مثقالاً صيرفيّاً.

ومبلغ الزكاة في كلّ هذا عبارة عن  من النصاب.

والثاني: أن يكون منقوشاً بسكّة المعاملة، وكان ذلك استطراقاً لكونه نقداً رائجاً في السوق، فالحُليّ المسبوك الذي لا يكون نقداً رائجاً في السوق لا زكاة عليه.

والثالث: مضيّ الحول عليه واجداً لشرائطه بالمعنى الذي مضى من مضيّ الحول على الأنعام.

ولو احتال أحد في تبديل قسم من ماله من الذهب إلى الفضّة أو بالعكس ليختلّ النصاب فيهرب من الزكاة، وجبت عليه الزكاة.

أمّا لو كان تركّب ماله من الذهب والفضّة مصادفة من غير احتيال فلم يبلغ الذهب ولا الفضّة النصاب، فلا شيء عليه.

(26) أمّا في زماننا هذا فالذهب أو الفضّة المسكوكان بسكّة المعاملة إمّا غير موجود بيد الناس وإمّا نادر الوجود. والنقد الرائج عبارة عن الأوراق الاعتباريّة المألوفة في هذا الزمان. وأمر تعلّق الزكاة بها وعدمه وكذلك أمر تعيين نصابها يكون بيد وليّ أمر المسلمين حيث تقتضيه المصلحة على حسب نظر وليّ الأمر.

 

ثالثاً: زكاة الغلاّت الأربع:

(27) تجب الزكاة في الغلاّت الأربع، وهي: الحنطة والشعير والتمر والزبيب.

(28) وقت تعلّق الزكاة بالغلاّت هو وقت بدوِّ الصلاح، أي: عند اشتداد الحبّ في الحنطة والشعير، وعند الاحمرار والاصفرار في ثمر النخيل، وعند انعقاده حِصْرماً في ثمر الكرم.

 

247

(29) ويشترط في وجوب الزكاة في الغلاّت الأربع زائداً على الشرائط العامّة الماضية شرطان:

الأوّل: النصاب، وهو عبارة عمّا يقارب ـ بحسب وزن الكيلو المتعارف في زماننا ـ ثمان مئة وثمانية وأربعين كيلو غرام تقريباً، وتحديده الدقيق بالكيلو متعذّر علينا. ويستثنى من التمر القسم الرديء الذي لايُرغب فيه عادة، فلاتجب زكاته، ولايدخل في النصاب.

وكذلك يستثنى من ذلك ما يتركه من التمر للحارس من عذق أو عذقين أو نحو ذلك، وذلك حقّ استحبابيّ للحارس.

والثاني: أن يكون مالكاً لتلك الثمار والحبوب وهي قائمة على اُصولها.

وهذا غير شرط الملك الذي يعتبر من الشروط العامّة، فلو ملك إحدى الغلاّت بعد انقطاعها عن اُصولها بشراء أو غيره، وبلغت النصاب، لم يجب عليه شيء على رغم ثبوت الشرط العامّ، وهو الملك، وإنّما تجب عليه الزكاة لو ملكها في حين ارتباطها باُصولها، سواء كان ذلك بسبب ملك الاُصول، أو بشرائه للثمار، أو بعنوان حِصّة المزارعة، أو بأيّ شكل آخر.

(30) وعلى أساس ما مضى من أنّ وقت تعلّق الزكاة هو زمان بدوِّ الصلاح ـ أعني: اشتداد الحبّين، وانعقاد الحِصْرم، واصفرار أو احمرار ثمر النخل ـ فالزكاة ستكون على مالكها في هذا الزمان، ولو باعها بعد ذلك بطل البيع في حِصّة الزكاة، إلّا بإمضاء وليّ أمر الزكاة، ولم تكن على المشتري زكاة اُخرى ولو بلغت حِصّته النصاب.

أمّا لو فرضنا عدم وجود مالك لها حين بدوِّ الصلاح؛ لإعراض من قِبَل المالك

248

الأصليّ مثلاً، ثُمّ امتلكها شخص بعد ذلك والثمار قائمة على اُصولها، فقد ثبتت الزكاة على المالك الثاني.

(31) ونحن وإن قلنا: إنّ وقت تعلّق الزكاة هو زمان بدوّ الصلاح، فإنّ المقياس في النصاب إنّما هو اليابس منها، فلو كان الرطب بقدر النصاب لكن ينقُص منه حينما يصبح تمراً، وكذلك العنب كان بمقدار النصاب ولكنّه ينقُص منه حينما يصبح زبيباً، فلا زكاة فيهما.

(32) ومبلغ الزكاة في ما سقاه البشر بمثل الدلو والدلاء والنواضح ونحو ذلك هو نصف العُشْر، وفي ما سقته الطبيعة بنهر أو عين ماء أو مطر أو امتصاص عرُوق الزرع والشجر من الأرض ونحو ذلك هو العُشْر.

أمّا لو اشترك الأمران فسقاه البشر حيناً وسقته الطبيعة اُخرى، فإن غلب أحدهما الآخر بشكل يستند عرفاً السقي إلى أحد الأمرين، فذاك هو المقياس في الأمر، فلو كان سقيُ الطبيعة هو الذي يغطّي عرفاً سقيَ البشر، كان مبلغ الزكاة هو العُشْر، ولو كان العكس فمبلغ الزكاة هو نصف العُشْر، ولو اشتركا من دون مستوىً ملحوظ بهذا الشكل في أحد الجانبين، كانت الزكاة في نصف الغلاّت عُشْراً وفي النصف الآخر نصفَ عُشْر.

(33) ولو زادت الغلّة على النصاب وجب إخراج الزكاة من الزيادة أيضاً، فلا نصاب ثان يعفى ما بينهما إلى حين الوصول إلى النصاب الثاني.

(34) وآخر وقت لوجوب إخراج الزكاة عبارة عن زمان تصفية الحنطة والشعير، واجتذاذ التمر، واقتطاف الزبيب إن لم يُؤخِّر المالك ذلك عن وقته الطبيعيّ.

وهذا في التمر والزبيب يكون لدى افتراض إبقائهما على الشجر إلى حين الجفاف،

249

أمّا لو اقتطفا حينما يكونان رطباً وعنباً، واُريد بهما التشميس والتجفيف بعد الاجتذاذ، فيجوز عندئذ تأخير إخراج الزكاة إلى حين التشميس والتجفيف.

(35) في الأشجار التي تثمر في السنة مرّة واحدة يكون المقياس في كونها تسقى بفعل البشر أو بفعل الطبيعة سنةَ الإثمار، وليست السنين السابقة. أمّا لو كان الشجر يثمر مرّتين ولفصلين فالمقياس له هو فصل الإثمار، وليست الفصول السابقة. نعم، المقياس في النصاب مجموع ما في السنة.

(36) لو أخرج شخص الماء بالدوالي عبثاً أو لغرض آخر كالشرب، فسقى به آخر زرعه، فالأحوط استحباباً إخراج العُشْر.

وكذلك لو بدا له هو بعد إخراجه للماء عبثاً أو لمثل الشرب، فسقى به زرعه.

وكذلك لو أخرجه لزرع ثُمّ بدا له، فسقى به زرعاً آخر، أو زاد فسقى به غيره.

والأقوى في الجميع كفاية نصف العُشْر.

(37) لا تتكرّر الزكاة في الغلاّت بتكرّر السنين، فلو زكّى الحنطة أو أيّ واحدة اُخرى من الغلاّت، ثُمّ احتفظ بالباقي وبمقدار النصاب سنين عديدة، لم تجب عليه زكاة اُخرى.

(38) ما يأخذه السلطان الجائر باسم الحكم الإسلاميّ قد يكون اُجرةً على الأرض، واُخرى بعنوان المزارعة، فهو يدفع إليك الأرض على أن تكون لك حِصّة من الزرع والاُخرى له، وثالثة بعنوان زكاة المال.

ففي القسم الأوّل لا علاقة للاُجرة بالزكاة، فتزكّى الغلاّت الأربع بالشكل الذي مضى.

وفي القسم الثاني لا زكاة على الزارع إلّا في حِصّته لو بلغت النصاب.

وفي القسم الثالث ما يُجبره الظالم على الدفع بعنوان الزكاة يُحسب له من زكاته.

250

(39) المُـؤَن المصروفة على الإثمار قبل أوان تعلّق الزكاة لا تستثنى من الزكاة. أمّا المُؤن المصروفة على مثل القطع والحمل والتجفيف ونحو ذلك، فإن كان مع الاستئذان من حاكم الشرع في الصرف، صحّ توزيعها على الزكاة وصاحب المال على وفق النسبة.

(40) يجوز دفع القيمة عن الزكاة على أن يكون الدفع بالنقود، وليس بجنس آخر، وإنّما الدفع بجنس آخر يتمّ بالتبادل بموافقة صاحب الحقّ، أو بموافقة الوليّ، أعني: الفقيه الجامع للشرائط الملاحِظ لمصلحة الفقير.

(41) لو اختلفت أنواع الغلّة الواحدة من حيث الجودة والرداءة، فالأحوط وجوب دفع العُشْر أو نصف العُشْر بلحاظ مجموع ما في النصاب. والأفضل ـ طبعاً ـ دفع الكلّ من الأجود أو قيمته.

(42) يجوز خَرْصُ العنب والرطب وكذلك زروع الحنطة والشعير بعد بدوّ الصلاح وتعلّق الزكاة بتوافق بين المالك وحاكم الشرع بحدس يحتمل فيه الزيادة والنقصان، فإذا تمّ العقد على ذلك نفذ حتّى إذا تبيّن بعد الجذّ والكيل النقصان أو الزيادة، وبذلك جاز للمالك التصرّف في حِصّته.

ما تستحبّ تزكيته

(43) تستحبّ تزكية مال التجارة بنسبة واحد من أربعين، وبنصاب يساوي أقلّ الأمرين من نصاب النقدين، أعني: العشرين ديناراً، أو مئتي درهم.

(44) تستحبّ تزكية الخيل الاُناث بشرط السوم ومرور الحول، وعلى كلّ واحدة منها ديناران شرعيّان لو كانت من الخيل العتاق، وإلّا فدينار واحد.

251

 

 

مستحقّو الزكاة

(45) موارد صرف الزكاة ثمانية، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾(1).

(46) الأوّل والثاني: الفقراء والمساكين. والفقير: هو الذي لا يوجد له وضع معيشيّ مستقرّ ولو كحرفة أو صناعة أو عمل أو قدرة تكفيه لمؤونته ومؤونة عياله.

وعنوان المسكين حينما يجتمع مع عنوان الفقير يقصد به من هو أشدّ حالاً منه.

(47) ولإعطاء الزكاة للفقير طرق ثلاثة يختار الوالي ما رأى فيه الصلاح:

الطريقة الاُولى: إعطاء المال إيّاه للصرف، وهذا محدّد بمؤونة السنة.

الطريقة الثانية: إغناؤه بمعنى إعطائه ما يوصله إلى الاكتفاء الذاتيّ بحيث يستطيع أن يعيش دوماً على ذاك المال وعلى أرباحه، فيسقط عنه اسم الفقير عرفاً.

الطريقة الثالثة: إبقاؤه على ما يملكه هو من رأس المال الذي لا تكفيه أرباحه، فيكمّل مصرفه من الزكاة بتكفّل نقص الربح، وهذا يحدّد بمقدار تكميل مؤونة السنة؛ لأنّه رجع مرّة اُخرى إلى إعطاء المال للصرف دون إعطائه للاكتفاء الذاتيّ بأرباحه.

(48) ولا يوجد حدّ محدود لأقلّ ما يعطى الفقيرُ والمسكينُ.

(49) طالب العلم لو وجب عليه طلب العلم فمنعه ذلك من التكسّب، أصبح مصداقاً للفقير، وجاز له أخذ الزكاة من سهم الفقراء، وإلّا أشكل أخذه من سهم الفقراء. نعم، لو كان يخدم الإسلام بطلبه للعلم جاز له الأخذ من سهم سبيل الله.

 


(1) التوبة، الآية: 60.
252

(50) الثالث: العاملون عليها: وهم المنصوبون من قِبَل حاكم الشرع لأخذ الزكاة وضبطها وحسابها وإيصالها إلى حاكم الشرع أو مستحقّها.

وليس لما يُعطَى العاملُ حدٌّ مشخّص، وإنّما تحديده بيد حاكم الشرع على حسب ما يرى من المصلحة.

(51) الرابع: المؤلّفة قلوبهم: وهم المسلمون الذين يَضْعُف اعتقادهم بالمعارف الدينيّة وعقائدها، أو يكمن في نفوسهم الشكّ، فيعطيهم حاكم الشرع من الزكاة؛ ليحسن إسلامهم، ويثبتوا على دينهم.

(52) الخامس: في الرقاب. فالرقبة التي عجزت عن دفع مال الكتابة يصحّ دفع ما عليها؛ كي تتحرّر بذلك، كما أنّه يجوز شراء الرقبة من مال الزكاة لغرض إعتاقها.

(53) السادس: الغارمون: وهم الذين ركبتهم الديون، وعجزوا عن أدائها من غير مؤونة سنتهم. ويشترط في جواز أداء دين الغارم من سهم الغارمين أن لا يكون الدين مصروفاً في ترف أو معصية.

(54) ولإعطاء الزكاة للغارم عدّة طرق:

منها: أن يُملَّك مال الزكاة؛ كي يؤدّي بذلك دينه.

ومنها: أن يُعطَى دائنُ الغارمِ الزكاةَ بعنوان وفاء دينه، فيسقط بذلك دينه.

ومنها: ما لو كان على الغارم دين لمن عليه الزكاة، فيجوز للدائن أن يحسب ماله من الدين زكاةً على الغارم، فيسقط بذلك الدين.

أمّا أن يحتسب ما عنده من الزكاة ملكاً للمدين، ثُمّ يأخذها مقاصّة من دون إعطائها إيّاه بعنوان التمليك، فلا يجوز.

(55) ويجوز أداء دين الغارم من قِبَل مَنْ وجبت عليه الزكاة حتّى لو كان الغارم من واجبي نفقته كالأب.

253

(56) السابع: سبيل الله تعالى. ويقصد به سبيل مصلحة الإسلام وتشييد أركانه، ويشمل ذلك المصالح العامّة للمسلمين: من قبيل بناء الجسور، والمعابر، والسدود، وإصلاح الطرق، وما إلى ذلك بقيادة المؤمنين؛ فإنّ في ذلك كلّه شوكة الإسلام والمسلمين، وكذلك يشمل إرسال الناس إلى الحجّ مثلاً حينما تكون المصلحة مقتضية لتكثير الحجّاج، وعلى رأس ما يكون في سبيل مصلحة الإسلام مسألةُ الجهاد.

(57) الثامن: ابن السبيل: وهو الذي انقطع به طريق الرجوع نتيجة عدم امتلاكه نفقة الرجوع، فيعطى من الزكاة ما يكفيه للرجوع بشرطين:

الأوّل: أن لا يكون قادراً على الاستغناء عن ذلك باستدانة أو بيع ماله الذي يمتلكه في بلده من دون حرج.

والثاني: أن لا يكون سفره سفر معصية.

(58) وابن السبيل: هو الذي انقطع في سفره بسبب فقدانه لنفقة الرجوع، وقد تنقلب الآية، أي: أنّ سفره كان سبباً في انقطاعه عن ماله من دون أن تكون لفقدان المال علاقةٌ بتحيّره في السبيل، وذلك من قبيل ما اتّفق كثيراً في زماننا من اضطرار المؤمنين إلى ترك أوطانهم هرباً من الحكومات الظالمة، فانقطعوا في مهجرهم عن أموالهم، فمن عجز منهم عن نقل ماله إلى مهجره، فاضطرّ إلى الصدقات، فهذا لا يعتبر ابن السبيل؛ لأنّه لم ينقطع في السبيل بسبب عدم امتلاك مصرف الرجوع، بل يعتبر هذا فقيراً في مهجره، ويصحّ له الأخذ من سهم الفقراء.

(59) ومصارف الزكاة على قسمين:

القسم الأوّل: ما يتمّ صرف الزكاة في محلّها بمجرّد دفعها إلى المورد، من قبيل العاملين عليها، والمؤلّفة قلوبهم، وفي سبيل الله، ولا يبقى في ذلك مورد للاسترجاع.

254

والقسم الثاني: ما لا يكون مجرّد الدفع فيه صرفاً في مورده، وهو في الرقاب والغارمون وابن السبيل، فقد تدفع الزكاة للعبد كي يعتق بها نفسه، ثُمّ ينعتق قبل صرف الزكاة في ذلك، أو تدفع للغارم كي يؤدّي بذلك دينه، فيبرئه الدائن مثلاً قبل أدائه دينه بالزكاة، أو تدفع لابن السبيل، ثُمّ يصل إليه مال وترتفع مشكلته قبل صرف الزكاة، ومن الواضح في هذه الموارد وجوب إرجاع الزكاة؛ لانتفاء مصرفها.

أوصاف المستحقّين للزكاة:

(60) يشترط في استحقاق الزكاة الإيمانُ، فلا تُعطَى الكافرُ ولا المخالفُ بجميع أصنافهم.

(61) نعم، يجوز للوالي إعطاء المخالف من سهم المؤلّفة قلوبهم، وكذلك من سهم الرقاب. أمّا سهم سبيل الله فلو كان إعطاء المخالف خدمةً للمؤمنين وتقويةً لشوكتهم، جاز من باب أنّه أصبح في الحقيقة صرفاً على المؤمنين.

(62) ولو أعطى غيرُ المؤمن زكاتَه أهلَ نحلته، ثُمّ استبصر أعادها، بخلاف الصلاة والصوم والحجّ لو أتى بها على وفق مذهبه.

(63) لا يجوز صرف الزكاة إلّا في مصرفها الصحيح، فلو صرفها في غير مصرفها كان ضامناً، فمثلاً: الفقير الذي اُعطي الزكاة لصرفها في مؤونة سنته، أو للعمل بها كي يستغني لو صرفها لا في هذا ولا في ذاك، بل صرفها في معصية أو سَرَف، ضمن للتخلّف عن المصرف الصحيح.

(64) لا يجوز دفع الزكاة إلى مَنْ تجب عليه نفقته في المقدار الواجب، ويجوز دفعها إليه في التوسعة غير الواجبة على من عليه الزكاة.

(65) يشترط في مستحقّ الزكاة أن لا يكون هاشميّاً في ما إذا كان صاحب الزكاة

255

غير هاشميّ، وأمّا زكاة الهاشميّين بعضهم على بعض فهو جائز.

(66) والهاشميّ: هو الذي ينتسب إلى هاشم بالأب، ولا أثر للانتساب إليه بالاُمّ.

(67) يجوز استفادة الهاشميّين من الأوقاف العامّة إذا كانت من الزكاة، مثل المساجد، والمدارس، والكتب، ونحو ذلك ممّا خرج فعلاً عن كونه زكاة، كما يجوز لهم تلبية دعوة فقير ملك مالاً بالزكاة، ثُمّ دعا هاشميّاً إلى مائدة طعام صنعت من ذاك المال.

بقيّة من أحكام الزكاة

(68) من حقّ حاكم الشرع أن يطالب بجمع الزكوات؛ لصرفها في مصارفها، ويجب عندئذ استجابة الناس له، أمّا لو لم ير حاكم الشرع المصلحة في ذلك؛ لعدم كونه مبسوط اليد، أو لأيّ سبب آخر، كان على نفس المزكّي إيصال الزكاة إلى مصارفها، أمّا لو رأى نفسه قادراً على الأمر، وطلبه على وفق ما رآه من المصلحة، فهذا هو حقّه الأساسيّ الذي لا ريب فيه، ولو خالف المكلّف، فلم يدفعه إلى حاكم الشرع، وصرفه هو في مصارف الزكاة، فالإجزاء مشكل.

(69) لا يجب بسط الزكاة على الأصناف الثمانية، ولا على كلّ أفراد صنف واحد، فحينما يكون حاكم الشرع هو المسيطر على الأمر يصرف الزكاة بالشكل الذي يرى فيه المصلحة، وحينما لا يكون الأمر بيده، بل المكلّف هو الذي يدفع الزكاة إلى المستحقّين، جاز له أن يدفع الزكاة في المورد الذي يرغب فيه.

(70) لو كانت الزكاة بيد حاكم الشرع عمل بما يراه من المصلحة: من صرفها في نفس بلد الزكاة، أو نقلها إلى بلد آخر، أمّا لو كان الصارف نفس صاحب الزكاة فمن الجائز له نقلها إلى بلد آخر مع حفظ شروط الأمانة: من اختيار طريق آمن ونحو ذلك، فلو تلفت صدفة على رغم حفظ شروط الأمانة أو سُرقت فإن كان لها

256

مصرف في بلده يتمكّن من الصرف فيه، فالأحوط ضمانه للمبلغ، وإلّا لم يضمن.

(71) لو نقل الزكاة إلى بلد آخر فالأحوط أن تكون مؤونة النقل عليه.

(72) لا يجوز للمكلّف تأخير دفع الزكاة إلّا في حالتين:

الحالة الاُولى: أن يعزل الزكاة عن ماله، فيجوز له عندئذ أن يؤخّر الدفع حفظاً للقدرة على استجابة من قد يأتيه في المستقبل ويطالبه بالزكاة، أو حفظاً للقدرة على معونة من يحبّ أن يعينهم بالزكاة، وهم غير متواجدين لديه حالاً، أو نحو ذلك من الأغراض العقلائيّة في طريقة إيصال الزكاة.

والحالة الثانية: أن يكتب مبلغ الزكاة ويسجّله عنده؛ ليضمن أنّه لو صرف أو تلف شيء من المال يحسب من غير هذا المبلغ، فيكون هذا بحكم العزل. أمّا في غير هاتين الحالتين فلا يجوز التأخير. وفي مورد جواز التأخير لو أخّر مع تمكّنه من الصرف في مصرفها، ثُمّ تلفت الزكاة، فهذا حاله حال النقل إلى بلد آخر مع قدرته على الصرف في بلده، فيشمله نفس الاحتياط الذي أشرنا إليه في تلك المسألة من الضمان.

(73) لا يجوز للمكلّف تقديم مال الزكاة قبل تعلّق الوجوب إلّا بمعنى إقراضه للفقير؛ كي يحتسب زكاة عليه لدى تعلّق الوجوب بشرط بقائه على صفة الاستحقاق.

(74) لا إشكال في وجوب تعيين الزكاة بالنيّة؛ لأنّها عنوان قصدي لا تتميّز من مثيلاتها إلّا بالقصد، فما يعطيه من المال كما يمكن أن يكون زكاة كذلك يمكن أن يكون هبة أو صدقة مستحبّة أو غير ذلك، فلا يتعيّن للزكاة إلّا بنيّة هذا العنوان.

(75) لا إشكال في وجوب قصد القربة والإخلاص لله تعالى في دفع الزكاة، فلو ترك ذلك أثم، وإن كان يحتمل سقوط ما في ذمّته من المال على رغم عصيانه بترك القربة أو الإخلاص، ولا شكّ في أنّ الأحوط عدم الاكتفاء بذلك، فيعيد الزكاة لو كان المال قد صُرف أو تلف.

257

زكاة الفطرة

(1) تجب زكاة الفطرة كما تجب زكاة المال. ولوجوبها شروط ثلاثة: التكليف، والحرّيّة، والغنى. فلو اجتمعت من حين الغروب وجبت عليه الفطرة.

والأقوى: أنّه لا يشترط في وجوبها عدم الإغماء.

والأحوط وجوباً في المكاتب الذي لا يكون تحت عيلولة مولاه أنّ عليه الفطرة.

(2) ويجب على من جمع الشرائط أن يخرجها عن نفسه وعن كلّ من يعول به، وحتّى من انضمّ إلى عياله ولو في وقت يسير، كالضيف الذي نزل عليه قبيل أن يهلّ العيد، فهلّ عليه، وحتّى لو لم يأكل عنده في تلك الليلة شيئاً.

نعم، يشترط في صدق العيلولة نوع من التبعيّة له، كمسافر نزل عليه وأصبح منضمّـاً إلى عياله. أمّا لو دعا شخصاً إلى الإفطار ليلة العيد، فلا تجب عليه فطرته؛ لأنّه ليس من عياله، وكذا لو بذل لغيره مالاً يكفيه في نفقته، لكنّه لم يكن تحت عيلولته وتبعيّته عرفاً.

ولو كان المعيل فقيراً والعيال موسراً، وجبت الفطرة على العيال.

ولو كان المعيل موسراً لكنّه لم يُخرج فطرة العيال عصياناً أو نسياناً، فأيضاً وجبت الفطرة على العيال.

وإذا كان شخص عيالاً لاثنين، وجبت فطرته عليهما على نحو التوزيع، ومع فقر أحدهما تكون تلك الحصّة على نفس العيال لو جمع الشرائط.

(3) والمقياس في جنس الفطرة أن يكون قوتاً متعارفاً في الجملة لأهل البلد، كالحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، وغير ذلك.

258

(4) والمقدار الواجب هو الصاع عن كلّ أحد، وهو ثلاث كيلوات تقريباً.

(5) ودفع زكاة الفطرة قبل الخروج إلى صلاة العيد أفضل.

ويكفي في العمل بهذا الفضل العزل قبل صلاة العيد.

ولو أخّر دفع الفطرة وعزلها حتّى انتهى العيد، فالأحوط وجوباً عدم السقوط.

(6) ولو عجّل دفع الفطرة بيوم جاز، وكذلك دفعها ليلة العيد.

بل لو عجّله خلال أيّام شهر رمضان حتّى في اليوم الأوّل جاز.

(7) ويجوز دفع زكاة الفطرة أو عزلها بالنقود بما يساويها قيمةً.

(8) والزكاة إذا عزلت تعيّنت، فلا يجوز تبديلها.

(9) ولا يجوز نقل الفطرة من أرض إلى أرض وإن جاز دفعها لمن حضر البلد من بلاد اُخرى.

نعم، لا إشكال في نقل الفطرة من بلد إلى بلد إذا كان النقل إلى الإمام أو نائبه، أو كان النقل بواسطة الإمام أو نائبه.

(10) والأحوط وجوباً تخصيص زكاة الفطرة بالفقراء والمساكين دون باقي أقسام المستحقّين لزكاة المال.

(11) ويشترط في من تدفع إليه الفطرة الإيمان.

نعم، لو لم يقدر على المؤمن في البلد جاز إعطاؤها إلى المستضعف غير المؤمن، ولكن لا يجوز إعطاؤها إلى الناصب.

(12) ولا يجوز دفعها إلى الهاشميّ إلّا إذا كان المزكّي أيضاً هاشميّاً.

(13) والظاهر جواز الدفع إلى المستحقّ أقلّ من صاع، بأن يقسّم الصاع الواحد مثلاً على شخصين.

نعم، الأحوط استحباباً أن لا يفعل ذلك.

259

الخمس

(1) تقدّم أنّ الزكاة من الأموال التي تكون مملوكةً لجهة عامّة، وليست لعموم المسلمين ولا للدولة الإسلاميّة.

إلّا أنّه مضى أنّ صرفها بيد الدولة الإسلاميّة لدى بسط اليد للحاكم الشرعيّ، فإذن هي تعتبر من ميزانيّة الدولة بمعنى من المعاني.

أمّا الخمس فهو ممّا يكون ملكاً للدولة الإسلاميّة مباشرةً، أو قل: لمنصب الإمامة، والأقوى عندنا ثبوت هذا الحكم ـ أي: كونه لمنصب الإمامة ـ حتّى في ما يسمّى في المصطلح الفقهيّ عادة بسهم السادة. نعم، لا شكّ في أنّ من مهامّ الأئمّة(عليهم السلام) مراعاة الحاجات الاقتصاديّة لأولاد الرسول(صلى الله عليه وآله).

ما يتعلّق به الخمس:

وقد جعلوه سبعة:

(2) الأوّل: الغنائم المأخوذة في القتال.

وقد فصّلوا بين القتال بإذن الإمام، فتكون الغنائم عندئذ ملكاً للمقاتلين الذين قاتلوا الكفّار بعد أخذ صفو المال للإمام، وأخذ الخمس من الباقي له، فما يتبقّى يقسّم على المقاتلين بشرح راجع إلى محلّه، وما يكون قتالاً وغزواً لهم ابتداءً من قِبَل المسلمين من دون أمير أمّره الإمام(عليه السلام) وإذن لهم، فيكون عندئذ كلّ ما غنموه للإمام.

260

(3) وهذا الذي ذكرناه إنّما هو في المنقولات. وأمّا مثل الأراضي المفتوحة عَنْوة التي هي ملك للمسلمين عامّة، فلا يتعلّق بها الخمس.

(4) ويشترط في امتلاك المقاتلين أن يكون القتال بإذن الإمام.

(5) وإذن الوليّ الفقيه في عصر الغيبة يحلّ محلّ إذن الإمام في عصر الحضور.

(6) وإذا كانت الحرب في عصر الغيبة مشروعة لكونها دفاعيّة، ولم يوجد الوليّ الفقيه المشرف، فمشروعيّتها تحلّ محلّ إذن الإمام.

(7) أمّا ما يؤخذ غِيلة من الكفّار أو النواصب فيجب تخميسه من دون استثناء مؤونة السنة.

(8) الثاني: المَعْدِن.

(9) وهو الأشياء ذوات القيمة المركّزة في الأرض من غير سنخ الأرض.

(10) والأحوط عدم التقيّد في المَعْدِن بالنصاب، سواء اُريد به نصاب عشرين ديناراً، أو اُريد به نصاب دينار واحد.

(11) ولا تستثنى من المَعْدِن مؤونة الإخراج.

(12) ولا يجب تخميس المخلوط بالتراب، إلّا بمقدار ما يساوي خُمْس المصفّى.

(13) وإذا كان المَعْدِن في الأجواء القريبة من بيت مملوك بحيث يعدّ عرفاً من حريم البيت، اختصّ بصاحب البيت بعد استخراجه وتخميسه.

(14) الثالث: الكنز.

(15) والمقصود بالكنز الذي يخمّس ويملّك الباقي: ما يرجع إلى العهد القديم الذي باد أهله ولو كان إسلاميّاً.

(16) والأحوط ثبوت الخمس حتّى في غير كنز الذهب والفضّة.

261

ويشترط في ثبوت الخمس في الكنز بلوغُه مبلغ نصاب الزكاة، والشرط إنّما هو بلوغ نفس مبلغ الكنز النصابَ من دون استثناء مقدار مؤونة التحصيل والإخراج.

(17) الرابع: الغوص. والظاهر شمول الحكم لما اُخرج عن طريق الغوص، ولما اُخرج عن طريق آلة، وكذلك شموله للبحر وللشطوط والأنهار الكبيرة.

(18) والظاهر أنّ الحكم مخصوص بالمجوهرات المعدنيّة والنباتيّة، ولا يشمل الأسماك.

(19) والأحوط عدم اشتراط خمس الغوص بنصاب دينار، وإن كان الأقوى اشتراطه به.

(20) الخامس: الأرض التي اشتراها الذمّيّ من المسلم. والظاهر أنّ الخمس في هذه الأرض غير ثابت، وعليه فنحن نحذف في المقام فروع المسألة، وإنّما المقصود بالخمس الوارد في النصّ في المقام: الجزية بمقدار العُشرَين على الزراعة، وهذا خارج عن بحثنا.

(21) السادس: المال الحلال المختلط بالحرام إذا لم يميّز ولم يعرف مقداره ولا صاحبه.

أمّا لو علم أنّ الحرام أزيد من الخمس فالأحوط أن يطبّق الحرام على مال مشخّص، ثُمّ صرفه في القاسم المشترك بين مصرف الخمس ومصرف مجهول المالك.

(22) السابع: ما يفضل من مؤونة سنته له ولعياله من فوائد الصناعات، والزراعات، والتجارات، والإجارات، وحيازة المباحات، والفوائد والهدايا والجوائز، ونحو ذلك بعد استثناء المؤونة.

(23) والأحوط وجوباً إلحاق الهدايا والجوائز المهمّة التي تعتبر غنيمة استثنائيّة بمسألة الغنائم، أي: إنّها تخمّس فوراً وجميعاً من دون استثناء مؤونة السنة.

262

(24) أمّا الهبة الاعتياديّة فتلحق بأرباح المكاسب، وتخمّس في آخر السنة لو زادت على المؤونة.

(25) وقد حُلِّل للشيعة في أيّام الغيبة أمران:

أحدهما: الغنائم أو خصوص الجواري المَسْبيّة من قِبَل حكومة إسلاميّة سنّيّة غنمتها من الكفّار بمثل الحرب، ثُمّ انتقلت منها إلى الشيعيّ. والمتيقّن من ذلك هي الجواري لا مطلق الغنائم.

وثانيهما: الخمس المتعلّق بمال مَنْ لا يخمّس حينما ينتقل إلى الشيعيّ بغير الإرث.

(26) ويستثنى من الخمس المهر وعوض الخلع والإرث.

نعم، الميراث الذي لا يحتسب ملحق في الحكم بغنيمة الحرب في تخميسه كلاًّ ومن دون استثناء المؤونة.

(27) والمقصود باستثناء المؤونة: استثناء مؤونة السنة مخيّراً بين اختيار السنة القمريّة والسنة الشمسيّة.

(28) وهناك طريقان لحساب السنة:

أحدهما: أن يحسب سنة كلّ ربح مستقلاًّ، فما لم يصرف في المؤونة إلى آخر سنته كان عليه الخمس.

ولا يجوز استثناء مؤونة متقدّمة على حصول ربح مّا من ذاك الربح المتأخّر.

وثانيهما: أن يحسب سنة مجموعيّة لكلّ الأرباح تبدأ بأوّل ربح، فيجوز له عندئذ أن يستثني مؤونة متقدّمة على حصول ربح مّا من ذاك الربح المتأخّر.

والحساب الأوّل هو الحساب الواقعيّ.

والحساب الثاني حساب ظاهريّ يشترط فيه عدم العلم بخسران الإمام(عليه السلام) في