361

ليس تحريم إنشاء الفسخ أو التفوّه بكلمة فسخت لوضوح عدم حرمة ذلك في ذاته وانّما المقصود به تحريم إيجاد الانفساخ حقيقة وتحريمه فرع القدرة عليه اذن يكون الأمر بالوفاء بالعقد دليلاً على قابليته للانفساخ، ونحن نعلم انّه لو كان العقد قابلاً للانفساخ لم يحرم فسخه اذن فحمل الأمر بالوفاء على الحكم التكليفي أمر غير معقول فهو محمول على الإرشاد إلى الحكم الوضعي الذي يناسب ارتباطه بالملكية لا بالالتزام العقدي محضاً والمفروض انّ الملكية بناء على النقل لم تتحقّق بعد فلا موضوع لوجوب الوفاء.

وأمّا فرض وجوب الوفاء في الصرف والسلم قبل القبض رغم عدم الملك ووجوب الإقباض على أساسه فهو أيضاً ليس من المسلمات ونحن نقول إنّه قبل تحقّق القبض وتمامية المعنى الاسم المصدري وهي الملكية لا معنى هناك أيضاً لشمول دليل وجوب الوفاء بالعقد إيّاه لانّه ليس حكماً تكليفياً وانّما هو إرشاد إلى الحكم الوضعي كإرشادية النهي عن بيع الغرر مثلاً إلى الفساد.

وثانياً ـ لو فرضنا كون وجوب الوفاء وجوباً تكليفياً فلا شبهة في أنّه انّما يتم بعد تحقّق العقد وهو بناء على النقل لم يتم بعد إذ ما لم تأت الإجازة من قبل المالك الآخر لم يكن هناك عقد بينهما ولا معنى لافتراض ان العقد تمّ من أحد الطرفين ولم يتم من الطرف الآخر، فان العقد عبارة عن ربط التزام بالتزام فهو متقوّم بكلا الطرفين وهذا بخلاف ما لو بنينا على الكشف فان العقد مبنياً عليه قد تمّ منذ البدء فيشمله دليل وجوب الوفاء بالعقد وكذلك الملكية قد تمّت منذ البدء فإبطالها أكل للمال بالباطل(1).

أقول: قبل ان نناقش صلب حديث المحقّق النائيني والسيد الخوئي في


(1) راجع مصباح الفقاهة 4: 171 ـ 175، والمحاضرات 2: 359 ـ 361.

362

المقام لا بأس بالحديث الجانبي عمّا جاء في أثناء الكلام من القبض في الهبة والصدقة والوقف وفي الصرف والسلم.

فنقول: إنّ مجرّد كون العطاء من الطرفين في الصرف والسلم أو كونه من طرف واحد في الهبة والصدقة والقبض ليس مناسبة ارتكازية لصرف شرط القبض إلى الملك تارة وإلى نفس العقد اُخرى ولا نفهم ما المقصود من رجوعه إلى نفس العقد دون الملك، في حين انّ العقد ليس إلّا ربط قرار بقرار مثلاً أو نحو ذلك ممّا لا علاقة له في هويته بالقبض فإن كان القبض شرطاً فيه فهو دائماً شرط لمملّكيته.

وإن اريد توجيه أثر القبض في الصدقة والهبة عقلائياً فخير ما يمكن أن يقال فيه هو ان يقال: إنّهما ليسا من مقولة العقد كي يجب الوفاء بهما على أساس وجوب الوفاء بالعقد وانّما حقيقتهما انّ المتصدق والواهب يخلّيان بين المال والمتصدّق عليه أو الموهوب له قربة إلى الله، أو بدون قربة كي يمتلك المتصدّق عليه أو الموهوب له المال بالقبض والحيازة فقبل القبض لم تتم حقيقة الصدقة أو الهبة ولعل هذا حاقّ ما كان في ارتكاز المحقّق النائيني (رحمه الله)، وأمّا في باب الوقف فبالإمكان أن يقال: إنّه أيضاً ليس عقداً بل هو إيقاع ولا يحقّق الملكية في الوقف الخاص أو مطلقاً إلّا بعد القبض.

وعلى أيّة حال فهناك روايات في هذه الأبواب تدلّ على جواز التراجع قبل القبض(1) فلو لم نقبل ذلك بمقتضى القاعدة وصلت النوبة إلى قبوله تعبّداً

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1) من قبيل ما ورد في الهبة في الوسائل 13: 336، الباب 4 من أبواب أحكام الهبات، الحديث 6 و 7 و 8، وما ورد في الوقف في 13: 300، الباب 4 من أبواب أحكام الوقوف والصدقات، الحديث 8، وما ورد في التصدّق وهو يشمل الوقف في نفس الباب، الصفحة 288، الحديث 7.

363

بحكم تلك الروايات ان تمّت أسانيدها ورجحت على ما يعارضها وبحث ذلكموكول إلى الفقه.

وأمّا الصرف فروايات القبض فيه دلّت على شرط القبض في المجلس(1)وعندئذ فمن الطبيعي إمكانية التراجع قبل القبض إذ ما دام المجلس ثابتاً فلا أقل من خيار المجلس وأمّا إن كان المجلس منقضياً فقد بطل البيع.

وأمّا السلم فشرط القبض فيه ليس بالروايات وانّما هو بالإجماع المدّعى على شرط القبض في المجلس أيضاً فهنا أيضاً نقول: إنّه من الطبيعي إمكانية التراجع قبل القبض في المجلس ولو لخيار المجلس وأمّا إذا انقضى المجلس من دون قبض فقد بطل البيع اذن لا يبقى معنى أو مورد لما قاله المحقّق النائيني (رحمه الله)من أنّ عدم إمكان الفسخ قبل القبض في الصرف والسلم أمر تسالم عليه.

ويمكن افتراض فرض واحد كمصداق لكلام المحقّق النائيني (رحمه الله) من وجوب الإقباض أو القبض وهو ما إذا فرض ان خيار المجلس كان ساقطاً بالشرط هذا لو قبلنا ان إسقاط خيار المجلس بالشرط جائز، أمّا لو قلنا: إنّه شرط خلاف السنّة لان خيار المجلس في الحقيقة ترخيص اقتضائي وليس ترخيصاً من باب مجرّد عدم المقتضى للإلزام فنفيه بالشرط ينافي مصلحة الترخيص ويخالف السنة فلا يبقى مورد لتصحيح كلام المحقّق النائيني (رحمه الله).

على أنّه لا يبعد ان يقال: إنّه وإن كان من الممكن عقلاً دخل القبض في حصول الملك ووجوب الوفاء بالعقد في نفس الوقت بالقبض والاقباض ولكن


(1) راجع الوسائل 12: 459، الباب 2 من الصرف ففيه عدد من الروايات دالة على ذلك خاصّة الرواية 8، وفي نفس الباب أيضاً روايات معارضة.

364

المفهوم عرفاً من روايات دخل القبض في الملك في بيع الصرف هو عدم وجوب الوفاء بالقبض والإقباض.

وقد تقول: إن هذا الاستظهار مخصوص بالصرف دون السلم لانّ شرط القبض في السلم كان بالإجماع لا بنصّ كي نستظهر من النص ذلك إلّا إذا فرض لمعقد الإجماع ظهور من هذا القبيل.

ولكن الظاهر انّ السبب في هذا الاستظهار ما مضى من أنّ عقد البيع ليس مفاده الالتزام بالتمليك وانّما مفاده ذات التمليك فدليل الوفاء به ينصرف عمّا قبل حصول الملك.

وهذه النكتة ثابتة حتى في السلم الذي كان دليل شرط القبض فيه هو الإجماع لا النص إذ لو ثبت شرط القبض لحصول الملك ولو بالإجماع انصرف دليل الوفاء بالعقد الذي لم يكن مفاده إلّا التمليك دون الالتزام إلى ما بعد حصول الملك.

والآن نأتي إلى مناقشة أصل البحث الذي دار بين المحقّق النائيني والسيد الخوئي فنقول:

انّ ما ذكره السيد الخوئي من أنّ الأمر بالوفاء بالعقد أمر وضعي وليس تكليفياً وإلّا لزم تزلزل العقد وبالتالي لم يجب الوفاء به وإذا كان كذلك فهو راجع إلى الأثر الوضعي للعقد وهو الملكية فلا يمكن ان يأتي قبل حصول الملك أمر غريب، فانّ معنى كونه أمراً وضعياً كونه إرشاداً إلى لزوم العقد وعدم تزلزله وعدم إمكانية فسخه وهذا أمر معقول قبل حصول الملك فلزوم العقد قبل الإجازة رغم عدم حصول الملك معناه ان قابليته للحوق الإجازة لا تنتفي بالفسخ وتزلزله يعني انّها تنتفي بالفسخ فالأثر الوضعي للعقد قبل الإجازة عبارة عن قابليته للحوق الإجازة ومن الممكن وجوب الوفاء به وضعاً بلحاظ هذا الأثر.

365

أمّا هل ان ﴿اوفوا بالعقود﴾ أمر تكليفي أو أمر وضعي؟ فالظاهر انّه أمر تكليفي مستلزم للأمر الوضعي ومعنى الوفاء بالعقد هو العمل بآثار العقد والذي هو أمر مقدور وليس معنى الأمر بالوفاء بالعقد الأمر بعدم الفسخ كي يقال: إنّ هذا يستلزم إمكانية الفسخ وتزلزل العقد والأمر التكليفي بالعمل بآثار العقد يدل على لزوم العقد الذي هو أمر وضعي إذ لو كان متزلزلاً لصحّ فسخه وبالتالي لم يجب العمل بآثاره بعد الفسخ ولا مبرّر هنا للعدول عن الظهور الأوّلي للأمر في كونه تكليفياً.

وعلى أيّة حال فاعتراضنا على السيد الخوئي بإمكانية الأمر الوضعي باللزوم قبل حصول الملك لا يعني قبولنا لكلام المحقّق النائيني (رحمه الله)القائل بشمول دليل الوفاء بالعقد للأصيل حتى على النقل لتمامية العقد من طرف الأصيل فلا أقلّ من أنّ هذا يرد عليه الإشكال الثاني من إشكالي السيد الخوئي وهو انّ العقد متقوّم بالطرفين فكما لم يتحقّق بالنسبة للمالك الآخر كذلك لم يتحقّق بالنسبة للأصيل نعم تحقّق العقد بين الأصيل والفضولي ولكن لا احترام لهذا العقد.

وهذا الكلام يتم حتى على الكشف فنحن لا نساعد السيد الخوئي في اختصاص هذا الكلام بفرض النقل وذلك لما مضى منّا في ردّ الوجه الثالث من وجوه التفصيل بين الكشف والنقل، من انّنا حتى لو فسّرنا الكشف بمعنى الكشف عن تمامية السبب بشروطه لا بمعنى الشرط المتأخّر فانّما ذلك يعني تمامية سبب الملك الشرعي لا حصول العقد فانّ حصول العقد أمر تكويني وهو ربط قرار بقرار وهذا لم يحصل حسّاً بين الأصيل والمالك الآخر.

بقي علينا تحقيق حال الوجه الأوّل من وجوه التفصيل بين الكشف والنقل في المقام وهو التمسّك بغير ﴿اوفوا بالعقود﴾ من مثل قاعدة السلطنة وتجارة

366

عن تراض ولا يحل مال امرء مسلم إلّا بطيبة نفسه ونحو ذلك ممّا يكون مصبّه الملك فيقال انّه بناء على الكشف يكون الملك ثابتاً من أوّل الأمر فتلك الأدلّة تمنع عن فسخه أمّا على النقل فليس الأمر كذلك لعدم ثبوت الملك من أوّل الأمر بل وكذلك الحال في ﴿اوفوا بالعقود﴾ في مثل البيع لو قلنا بشموله للأصيل قبل الإجازة فان هذا الشمول انّما يكون على الكشف دون النقل لان البيع من العقود التمليكية لا من العقود الالتزامية فمفاد العقد ليس عدا التمليك والوفاء وفاء بالتمليك وهو لم يتم قبل الإجازة على النقل وقد تمّ على الكشف.

وتحقيق الحال في المقام: إنّ إسراء هذا البيان على ﴿اوفوا بالعقود﴾ كان متفرّعاً على إمكان شمول ﴿اوفوا بالعقود﴾ لأحد الطرفين دون الطرف الآخر على أساس ان الطرفية للعقد ثبتت لأحدهما دون الآخر وقد مضى انّ هذا غير صحيح لانّ العقد متقوّم بالطرفين والعقد بين الأصيل والمجيز غير موجود قبل الإجازة حسّاً وبين الأصيل والفضولي موجود ولكنّه عقد غير محترم.

يبقى التمسّك بإطلاقات السلطنة وتجارة عن تراض ونحو ذلك مّما يصبّ الاحترام ابتداءً على الملك دون العقد ولكن الصحيح انّ التمسّك بهذه الإطلاقات فرع فرض تعلّق الإجازة ولو متأخّراً وفي المستقبل بالعقد، في حين ان تراجع المالك الأصيل معناه إفناء العقد وإنهاء القرار من نفسه فحينما تأتي الإجازة لا ترى محلاًّ تتعلّق به وهذا معنى انّ الإجازة في المقام من قبيل قبول القابل الذي لو جاء بعد تراجع الموجب لم يلق إيجاباً يتعلّق به وبه يبطل القبول، وكذلك في المقام يُرى انّ العقد لم يبق ثابتاً في نفس الأصيل كي ترتبط به الإجازة فتلغو الإجازة لا محالة لانّ المفهوم عرفاً من دليل نفوذ الإجازة أو كاشفيتها ان النفوذ أو الكشف يكون لإجازة متعلّقة بعقد له طرف آخر بالفعل لا بعقد زائل عن نفس

367

الطرف الآخر سنخ انّ القبول يجب ان يتعلّق بإيجاب ثابت في نفس إنسان آخر لا بإيجاب زائل عن النفس فإذا لم ترتبط الإجازة بعقد ذي طرف آخر لم تكشف عن الملك كي يتمسّك بإطلاقات احترام الملك.

وهذا يكون كلمة الفصل في المقام ولا يدع مجالاً للثمرة بين الكشف والنقل بإمكان الفسخ قبل الإجازة في الثاني دون الأوّل.

نعم نستثني من ذلك فرضاً واحداً وهو فرض دعوى ان العقد الذي يجب الوفاء به ليس خصوص العقد الواقع بين المالكين ومن في حكمهما بل يجب الوفاء حتى بالعقدي الذي صدر عن الغريب من دون اذن أو توكيل شريطة وجود الرضا الباطني من قبل المالك مع إضافة إلحاق الرضا التقديري بالرضا الفعلي زائداً القول بانّ الإجازة المتأخّرة تكشف عن الرضا التقديري حين العقد فإذا كان التكييف الفنيّ للكشف بهذا البيان صحّ التمسّك بـ ﴿اوفوا بالعقود﴾وبإطلاقات الملك بلا إشكال فانّه لم يكن المقصود بالعقد العقد بين المالكين حتى يقال: لا يعقل تحقّقه من أحد الطرفين فحسب لكونه متقوّماً بالطرفين بل كان المقصود هو العقد بين المالك والفضولي وكان هذا متحقّقاً بلا إشكال، وكذلك لا يرد الإشكال بانّ الإجازة لم تلحق بالعقد الثابت لانّها حينما جاءت كان العقد زائلاً من نفس الأصيل فانّ الإجازة على هذا الفرض انّما يكون دورها دور الكشف عن الرضا التقديري الثابت في وقت كان العقد ثابتاً في نفس الأصيل.

الفرع السابع ـ في تصرّف الأصيل في ماله الذي نقله بالعقد وكان صاحبه فضولياً حيث قد يقال: إنّ هذا التصرّف على النقل والكشف الحكمي جائز لانّه تصرّف في ملكه وعلى الكشف الحقيقي غير جائز لو لحقته الإجازة بعد ذلك لانّه ينكشف عندئذ انّه كان تصرّفاً في ملك الناس.

368

والكلام تارة يقع في التصرّف القانوني كالبيع أو العتق واُخرى يقع في التصرّف الانتفاعي:

أمّا التصرّف القانوني فبناء على النقل أو الكشف الحكمي الأمر فيه واضح فانّه تصرّفٌ في ملكه وقد قلنا: إنّ ﴿اوفوا بالعقود﴾ لم يشمله وهذا التصرّف رافع لموضوع الإجازة فانّ الإجازة وإن كانت تتعلّق بالعقد لا بالعين لكن العقد مقيد بهذه العين التي نفذ فيها تصرّف آخر قبل ان ينفذ فيها ذاك العقد بالإجازة.

وأمّا على الكشف الحقيقي فإن كان قد أوقع العقد الجديد بعد ان تراجع عن العقد السابق أو كان نفس ما فعله دليلاً على التراجع وقد قلنا في ما سبق: إنّ من حقّه هذا التراجع رغم فرض الإيمان بالكشف فأيضاً الأمر واضح فانّه بالتراجع فات محلّ الإجازة فلا يوجد أي مانع عن العقد الجديد.

وأمّا ان فعل ذلك من دون تراجع وقد قلنا في ما سبق: إنّ من حقّه التراجع رغم الإيمان بالكشف فهنا تصل النوبة إلى الوجهين اللذين سبق وأن ذكرناهما في الفرع الأوّل لتصحيح البيع:

الأوّل ـ ان يقال: إنّ هذا البائع يعطي للمشتري الحقّ الذي كان له في العين وهذا الحقّ كان في ذاك الفرع عبارة عن حقّ إبقاء الملك بترك الإجازة وعدم إبقائه بفعل الإجازة وهذا الوجه كما ترى لا يجري في المقام لانّ هذا الشخص أصيل فليس له حقّ الإجازة وانّما له حقّ التراجع وعدمه عن العقد بمعنى إنهاء العقد من نفسه وعدم إنهائه وهذا الحق غير قابل للانتقال إلى المشتري لانّ العقد الأوّل ليس له وجود في نفسه كي ينهيه أو لا ينهيه.

الثاني ـ ان يقال: إنّ إطلاق الصحيحتين لا يشمل المقام لاحتمال الفرق وعدم تعدّى العرف وهذا الوجه ان صحّ هناك لم يلزم من ذلك ان يصح هنا وذلك

369

لانّ التصرّف القانوني الذي صدر منه هناك كان قبل ما يكشف عن تمامية العقد وهو الإجازة فكان يقال: إنّ من المحتمل عرفاً منع ذلك عن لحوق ما يكشف عن تمامية العقد وهو الإجازة لانّ أمر الإجازة بيده فما دام قد اختار هو ما لا يجوز له الجمع في الاستفادة بين حقّه في ذاك وحقّه في الإجازة بطل عنه الحقّ الثاني، امّا هنا فحقّ الإجازة لم يكن بيده بل كان بيد المالك الآخر والذي كان بيده انّما هو حقّ التراجع المزيل للعقد والتصرّف القانوني صدر منه هنا لا قبل ما بيده ممّا يكشف عن تمامية العقد بل قبل ما بيده ممّا يزيل العقد فقد أدخل عقداً في عقد فالمناسب بناء على كاشفية الإجازة عن تمامية العقد السابق هو لغوية العقد اللاحق.

وأمّا ان قلنا بانّ التراجع لا يؤثّر فسواء تراجع قبل البيع الجديد أو لم يتراجع لا يردّ شيء من الوجهين لتصحيح البيع الجديد أمّا الأوّل فلانّه لم يثبت بيده حقّ ينقله إلى المشتري الجديد وأمّا الثاني فلانّ نكتة إنصراف الصحيحتين أو عدم تعدّي العرف من موردهما التي عرفتها غير موجودة هنا، لما قلنا من أنّ الإجازة لم تكن بيده حتى يفترض احتمال العرف مانعية ما فعله عن إعماله لحقّ الإجازة رغم اقتضاء الإجازة في ذاتها للكاشفية.

وأمّا التصرّف الانتفاعي من دون إتلاف فعلى النقل والكشف الحكمي يجوز لانّه تصرّف في ملكه وعلى الكشف الحقيقي ان قلنا في المسألة السابقة بحقّ التراجع وقد تراجع قبل التصرّف أو بنفس التصرّف فقد جاز، وإن قلنا بعدم حقّ التراجع أو لم يتراجع بالفعل فهو تصرّف في ملك الغير فهو حرام واقعاً وإن كان يعلم بلحوق الإجازة فالحرمة منجزة عليه وبه ظهر حكم الاستيلاد.

وأمّا الإتلاف فعلى النقل والكشف الحكمي فهو جائز ورافع لموضوع

370

الإجازة وعلى الكشف الحقيقي مع فرض التراجع ونفوذه الأمر واضح ومع فرض عدم التراجع أو عدم نفوذه يكون حراماً وموجباً للضمان ولو لم يكن يعلم بلحوق الإجازة حلّ له ظاهراً الإتلاف ولكن يثبت الضمان عليه إذا لحقته الإجازة بعد ذلك.

وقد تقول بجواز الإتلاف لعدم ثبوت الإطلاق في الصحيحتين لفرض تلف المال وعدم تعدّي العرف من موردهما لاحتمال الفرق ولكنّنا لو قلنا بذلك لانتهينا إلى نتيجة غريبة كما ثبّتنا ذلك في الفرع الثاني أيضاً وهي جواز الإتلاف مع عدم جواز التصرّف الذي هو أقل من الإتلاف.

الفرع الثامن ـ لو مات المالك الأصيل قبل إجازة الآخر فقد يقال: إنّه بناء على الكشف الحقيقي تكون الإجازة كاشفة عن سبق الملكية فيكون البيع قد تمّ قبل موت المالك فيصحّ البيع بخلافه على النقل أو الكشف الحكمي لانّ البيع لم يتم قبل موت المالك ولا معنى لتماميته بعد موته وهذا ما نسب إلى كاشف الغطاء رضوان الله عليه.

واعترض عليه صاحب الجواهر (رحمه الله) بدعوى ظهور الأدلّة في اعتبار قابلية التمليك والتملّك حين الإجازة وذلك بأن يكون مالكاً للمال لولا الإجازة بل لا بد أن تكون القابلية مستمرّة من حين العقد إلى حين الإجازة لانّ زمان التملّك مستمر من حين العقد إلى حين الإجازة، نعم قد تشهد صحيحة أبي عبيدة الحذّاء لنفوذ العقد كشفاً رغم تأخّر الإجازة عن موت الطرف الآخر ولكن يمكن الجمود على مورد الصحيحة والرجوع في غيره إلى ما عرفت(1).


(1) راجع الجواهر 22: 291.

371

وأورد الشيخ الأنصاري (رحمه الله) عليه بان مقتضى ظهور بعض روايات صحّة الفضولي وصريح بعضها عدم اعتبار حياة المتعاقدين حال الإجازة وأورد نقضاً أيضاً على كلام صاحب الجواهر وكأنّه نقضٌ على جزء من كلامه وهو قوله: إنّ التملّك مستمر من حين العقد إلى حين الإجازة فيجب ان يستمر شرط القابلية من حين العقد إلى حين الإجازة، والنقض هو انّه لو فرضنا انّه وقع عقد ثان على المال المنتقل إلى أحدهما فضولة بان باعه من انتقل إليه من شخص ثالث فهذا العقد الثاني قد صرّحوا بانّه يصحّ بإجازة العقد الأوّل وهذا يعني على الكشف انّ هذا المال كان قد انتقل إليه بعقد الفضولي ولكن لم يبق على ملكه بل انتقل بعد ذلك إلى غيره بالبيع الجديد فلم يكن الملك مستمراً من حين العقد إلى حين الإجازة.

وفسّر السيد الخوئي دعوى الشيخ لظهور بعض الأخبار في عدم اعتبار استمرار الحياة بانّ الظاهر ان المقصود بذلك إطلاقات روايات الاتجار بمال اليتيم(1) وروايات تخلّف العامل المضارب عن الشرط(2) فانّها تشمل بالإطلاق فرض موت المالك الأصلي وفسّر دعواه لصراحة بعض الأخبار في ذلك بانّ الظاهر انّ المقصود هو رواية ابن اشيم(3) حيث فرض فيها موت الأصيل وردّ العبد إلى الورثة لو أقاموا البينة(4).

أقول: إنّ هذا التفسير الأخير غريب فانّ رواية ابن اشيم لم يفرض فيها


(1) راجع الوسائل 6: 57، الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، و 12: 190، الباب 75 من أبواب ما يكتسب به، و 13: 189، الباب 10 من كتاب المضاربة، و 478، الباب 92 من كتاب الوصايا.

(2) راجع الوسائل 13: 181 ـ 183، الباب 1 من كتاب المضاربة.

(3) راجع الوسائل 13: 53، الباب 25 من أبواب بيع الحيوان.

(4) راجع المحاضرات 2: 367، ومصباح الفقاهة 4: 165 ـ 166.

372

موت أي واحد من الطرفين وانّما الميت في مورد الرواية هو الذي دفع المال إلى العبد ليشتري له عبداً ويعتقه ولو بقي حيّاً لما كانت المعاملة فضولية وانّما أصبحت فضولية لانّه تأخّر الشراء إلى ان مات صاحب المال فانتقل المال إلى الورثة.

فأصبح الشراء فضولياً للورثة والظاهر انّ نظر الشيخ (رحمه الله) إلى صحيحة الحذّاء الواردة في تزويج الصغيرين وأمّا قول الشيخ بعد ذلك: «مضافاً إلى فحوى خبر تزويج الصغيرين الذي يصلح ردّاً لما ذكر في الثمرة الثانية...» فلا يدلّ على أنّ نظر الشيخ سابقاً كان إلى رواية ابن اشيم كي لا يتّحد المضاف والمضاف إليه وذلك لانّ الظاهر ان نظره في هذه الإضافة رفع الإشكال عن الثمرة الثانية يعني بها مورد إنسلاخ العين عن القابلية هذا، وقد التفت السيد الخوئي بعد صفحات إلى اجنبية رواية ابن اشيم عن المقام(1).

وعلى أي حال فقد أجاب السيد الخوئي عن الحل بانّ روايات الاتجار بمال اليتيم وروايات العامل المضارب المتخلّف عن الشرط اجنبية عن بحث الفضولي وذكرها الشيخ في المقام كتأييد(2).

وأمّا النقض فقد أجاب عليه في المحاضرات بانّ قياس ما نحن فيه بفرض ورود البيع على المال قبل الإجازة قياس مع الفارق ففرق بين سقوط قابلية الملك بالموت وسقوطها بنفس الإجازة، فإن كان الأوّل مانعاً عن طروّ الإجازة فهذا لا يعني الالتزام بمانعية الثاني أيضاً عن طروّ الإجازة ففي الثاني يتلقى المشتري الملك من المشتري الأوّل وهكذا وهذا ممّا لا إشكال فيه(3).

 


(1) راجع المحاضرات 2: 371، ومصباح الفقاهة 4: 194.

(2) راجع المحاضرات 2: 367، ومصباح الفقاهة 4: 186.

(3) المحاضرات 2: 367.

373

أقول لو حذف هذا الذيل من ردّه على النقض لكان أفضل لانّ ما ذكره من تلقّي المشتري المال من مالكه السابق ثابت في ما نحن فيه أيضاً فالإجازة لو كشفت فهي تكشف عن أنّ كلّ واحد منهما قد تلقّى المال قبل موت الأصيل من مالكه السابق ولعلّ هذه زيادة في عبارة التقرير غفلة.

وأمّا في المصباح(1) فكأنّه حمل نقض الشيخ على صدر كلام صاحب الجواهر الذي ذكر فيه ضرورة كون المالك الأصيل حين الإجازة باقياً على مالكيته للمال لولا الإجازة كي يكون قابلاً للتمليك والتملّك فأجاب عليه بانّ الملكية اللولائية أي لولا الإجازة ثابتة في مورد النقض بخلاف فرض الموت فلا مورد للنقض وهذا الجواب على تقدير حمل كلام الشيخ على هذا المعنى متين إلّا انّ هذا الحمل بعيد.

أمّا تقييم كلام صاحب الجواهر (رحمه الله) فما ذكره في ذيل كلامه من كون التملّك مستمراً من حين العقد إلى حين الإجازة ان قصد به تقبّل الملك فهو في آن واحد وليس مستمراً فلتكن شرائط التملّك ثابتة في ذاك الآن، وان قصد به ثبوت الملك فاستمراره في فترة من الزمن وعدم استمراره يتبع شرائط الملك لا شرائط التملّك بمعنى شرائط تقبّل الملك ونحن كلامنا في هذا الفرع انّما هو في شرائط التملّك، وآنُ التملك على الكشف انّما هو حين العقد والمفروض انّه كان حيّاً حال العقد نعم بموته يبطل استمرار الملك فيجب ان نعرف لماذا يفترض تأثير ذلك على بطلان التملّك؟

وأمّا ما ذكره في صدر كلامه من دعوى ظهور الأدلّة في اشتراط ثبوت القابلية حين الإجازة فهي أيضاً دعوى لا نعرف لها مستنداً ولا مبرّراً.

 


(1) مصباح الفقاهة 4: 185.

374

ثم انّ السيد الخوئي اختار في المقام(1) بطلان الثمرة لانّنا لو فرضنا انّ صحّة بيع الفضولي على خلاف القاعدة ففرض الموت خارج عن القدر المتيقن والظاهر في مثل رواية عروة البارقي وصريح صحيحة محمّد بن قيس هو حياة المالك فمع الموت لا دليل على صحّة الفضولي سواء قلنا بالكشف أو النقل، ولو فرضنا انّ صحّة بيع الفضولي مطابقة للقاعدة ومستفادة من نفس إطلاقات العقود فالإطلاقات ثابتة في المقام سواء قلنا بالكشف أو النقل غاية الأمر انّه بناء على النقل نكون بحاجة إلى إجازة الورثة أيضاً.

أقول: إنّ هذا الكلام اعتراف بالثمرة في ثوب الإنكار فانّ الذي ينبغي أن يكون هو المقصود لمدّعي الثمرة هو البطلان على النقل بمعنى ان إجازة الطرف الآخر لا تكفي في صحّة البيع لانّ المالك الأصيل الذي كان المفروض أن يكون طرفاً له في المعاملة قد مات وهذا بخلاف فرض الكشف لانّ الكشف يعني تمامية النقل والانتقال في حال حياته، وأمّا قابلية العقد للتصحيح بإدخال إجازة جديدة في الحساب وهي إ جازة الوارث فلا تنفي الثمرة في المقام.

وعلى أيّة حال فلعلّ مقتضى القاعدة في المقام هو البطلان حتى على الكشف لانّ الموت يعدم القرار والعقد من نفس المالك فلا ترتبط الإجازة بعقد موجود كي يصبح المالك الآخر بالإجازة مرتبطاً بواسطة الانتحال بعقد يكون طرفه الآخر المالك الأصيل.

نعم لا نمانع من ان تحصل الإجازة من الورثة أيضاً وترتبط كلتا الإجازتين بالعقد السابق إذ بذلك يصبح كل من الورثة والمالك الآخر طرفين للعقد بالانتحال ويحيى ذلك العقد بهما وقد قلنا إن هذا خارج عن نطاق القول بالبطلان.


(1) راجع المحاضرات 2: 367 ـ 368، ومصباح الفقاهة 4: 186 ـ 187.

375

يبقى ان نرى هل يوجد دليل خاص على الصحّة وعدم مضرّية موت الأصيل أو لا؟

وقد اشير في ثنايا الكلام إلى النصوص التي يمكن ان تجعل دليلاً على ذلك وهي ما يلي:

1 ـ صحيحة أبي عبيدة الحذاء حيث فرض فيها موت الزوج قبل بلوغ الزوجة وإمضائها للعقد.

وقد يبدى فيها احتمال خصوصية المورد لما مضى منّا من أنّه لا ملازمة بين النكاح والعقود المالية في التوسيع أو التضييق فكما لا يدل تصحيح النكاح الفضولي على صحّة العقد المالي الفضولي كذلك لا يدل توسيع نطاق صحّته لما بعد موت أحد الطرفين إلى وجود نفس هذه السعة في العقود المالية.

2 ـ روايات الاتجار بمال اليتيم وروايات تخلف العامل المضارب عن بعض الشروط.

وقد مضى منّا في محله انّ روايات الاتجار بمال اليتيم لا تدلّ على صحّة بيع الفضولي بالإجازة المتأخّرة من قبل اليتيم حينما يكبر أو من قبل وليّه بل من المحتمل فيها انّ الشارع بنفسه تصدّى لتصحيح البيع في صالح اليتيم ولو لم تلحقه الإجازة.

ومضى منّا أيضاً في محله ان روايات العامل المضارب ان تمّت دلالتها على صحّة بيع الفضولي فمن المحتمل اختصاصها بموردها ولا يجوز التعدّي من موردها إلى مطلق الموارد اذن ففي سائر الموارد يكون الدليل على صحّة بيع الفضولي غير هذه الروايات ممّا لا إطلاق لها لفرض موت الأصيل.

الفرع التاسع ـ لو ارتدّ الأصيل فطرياً وكان ما انتقل عنه عيناً لا كلياً في

376

الذمّة فعلى الكشف صحّ العقد وانتقل العوض إلى ورثته وعلى النقل بطل العقد لان العين خرجت عن ملكه قبل تمامية النقل ويختلف هذا الفرع عن الفرع السابق في أنّ القرار لم يزُل قبل الإجازة من نفس الأصيل.

أمّا لو ارتدّ المجيز فطرياً قبل الإجازة فلا يبعد القول ببطلان إجازته حتى على الكشف فانّه وان أمكن القول بالدقّة بان إجازته كشفت من انتقال ماله إلى الأصيل قبل انتقاله إلى الورثة بالارتداد ولكنّه لعلّ العرف يفهم من دليل حجره عن أمواله ورجوعها إلى الورثة حجره عن الإجازة.

وكذلك موارد الحجر الحقيقية فلو سفه الأصيل أو أفلس وحجر على أمواله نفذت إجازة المجيز على الكشف وتمّ الحجر على ما انتقل إلى الأصيل لا على ما انتقل عنه ولكن لو سفه المجيز أو أفلس وحجر على أمواله كان ذلك مانعاً عن نفوذ إجازته ولو كان الحجر بمثل الجنون الذي ينهي أصل القرار من صفحة النفس اتجه البطلان على الإطلاق من دون فرق بين طرف المجيز وطرف الأصيل ومن دون فرق بَين النقل أو الكشف.

ولو ارتدّ الأصيل الذي نقل إليه العبد المسلم أو المصحف قبل الإجازة ارتداداً ملّياً أو كان ارتداداً فطرياً على شرط كون عوض العبد أو المصحف كلّياً في ذمّته كي لا يرد في فرض النقل إشكال الانتقال إلى الورثة فبناء على الكشف صحّ البيع وانتقل العبد والمصحف إلى الورثة في الفطري ويجبر على بيعهما في المليّ وبناء على النقل بطل البيع.

أمّا لو ارتدّ المجيز قبل الإجازة ملّياً أو ارتدّ فطرياً مع كون ما عليه من العوض كليّاً في ذمّته وكان المفروض انتقال المصحف أو العبد المسلم إليه بالعقد الفضولي فلا يبعد القول ببطلان إجازته حتى على الكشف بدعوى انّ دليل حجره

377

عن شراء العبد المسلم والمصحف يفهم منه عرفاً حجره عن هذه الإجازة.

الفرع العاشر ـ لو تلفت العين أو صارت بحكم التالف فعلى النقل بطل العقد وعلى الكشف صحّ العقد ولكن إن كان القبض لم يتم بعد فقد دخل في تلف المبيع قبل قبضه فان قلنا في ذلك ببطلان العقد فقد بطل العقد وإن قلنا فيه بالخيار ثبت الخيار هنا في حالتين: الاُولى إذا كان التالف ما كان المفروض انتقاله إلى الأصيل والثانية ما إذا كان التالف ما كان المفروض انتقاله إلى المجيز والمجيز لم يكن مطلعاً على تلفه. أمّا إذا كان التالف ما كان المفروض انتقاله إلى المجيز والمجيز كان مطلعاً على التلف فهنا لا معنى للخيار لا قبل الإجازة ولا بعد الإجازة، أمّا قبل الإجازة فلانّ له ان لا يجيز ومع عدم الإجازة لا تنكشف صحّة البيع وأمّا بعد الإجازة فلانّ إجازته رضاً بالأمر الواقع.

وبالإمكان ان يقال: إنّه يبطل البيع إذا كان التلف قبل القبض مطلقاً حتى على الكشف لانّه يكون عرفاً أكلاً للمال بالباطل لانّ زمان استقرار البيع هو زمان عدم وجود مقابل للثمن وعدم قبضه وإن كان بالدقّة العقلية ليس كذلك لانّ الإجازة تكشف عن حصول النقل في زمان وجود ما يقابل الثمن.

وقد استشهد الشيخ الأنصاري (رحمه الله) على كون مجرّد التلف غير موجب للبطلان تارة بصحيحة الحذّاء باعتبار انّ الزوجين في النكاح بمنزلة العوضين في البيع فموت أحدهما يكون بمنزلة تلف أحد العوضين واُخرى برواية عروة البارقي باعتبار عدم استفسار النبي (صلى الله عليه وآله)عن حياة الشاة أو موتها أو ذبحها(1).

واعترض عليه السيد الخوئي باحتمال الخصوصية في مورد صحيحة الحذّاء وعدم إمكان التعدّي من النكاح إلى البيع وبان احتمال موت الشاة أو ذبحها في


(1) راجع المكاسب 1: 135، حسب طبعة الشهيدي.

378

تلك الفترة القصيرة بعيد إلى حدّ الاطمئنان بالخلاف ثم هو خلاف الاستصحاب مع أنّ ذبحها لا يسقطها عن الملكية أو المالية(1).

وأمّا الإشكال على الثمرة بانّ التلف قبل القبض يوجب البطلان فلا يبقى فرق بين الكشف والنقل في المقام فقد أجاب عليه السيد الخوئي بإمكانية فرض حصول القبض ببعض الوجوه(2).

ثم انّ الشيخ (رحمه الله) الحق بالتلف عروض النجاسة على العين مع ميعانه بناء على مانعية ذلك عن البيع(3).

واعترض عليه السيد الخوئي بعد حمل كلامه على إرادة ـ انّ النجاسة تبطل الملكية ـ بانّ النجاسة لا تبطل الملكية ويمكن للمالك الاستفادة من النجس بمثل الاستصباح غاية ما هناك افتراض كون النجاسة مانعة عن البيع فينبغي ان يجعل هذا مثال لفقدان بعض شرائط صحّة البيع قبل الإجازة لا مثالاً لسقوط أحد المالين من الملكية(4)، ولكن الواقع انّه لا يوجد في عبارة المكاسب ما يشعر بكون مقصود الشيخ (رحمه الله) السقوط عن الملكية وانّما المقدار المفهوم من العبارة هو السقوط عن القابلية للنقل، وعبارة المصباح هنا(5) أكثر إنصافاً من عبارة المحاضرات حيث ذكر انّه ان أراد الشيخ مجرّد السقوط عن قابلية النقل لا يرد عليه شيء.

 


(1) راجع المحاضرات 2: 372، ومصباح الفقاهة 4: 194 ـ 195.

(2) راجع المحاضرات 2: 370، ومصباح الفقاهة 4: 191 ـ 192.

(3) راجع المكاسب 1: 135، بحسب طبعة الشهيدي.

(4) راجع المحاضرات 2: 371.

(5) راجع مصباح الفقاهة 4: 192 ـ 193.

379

الفرع الحادي عشر ـ لو كانت قابلية التمليك والتملّك منتفية حين العقد وثابتة حين الإجازة كما لو كان سفيهاً فأصبح رشيداً أو كان كافراً اشترى المصحف أو العبد المسلم فأصبح مسلماً أو كان شرط من شروط صحّة العقد منتفياً حينه ثم تحقّق الشرط قبل الإجازة كما لو باع الأثمار قبل بدو صلاحها ثم بدا صلاحها فقد يجعل هذا ثمرة من ثمرات الكشف والنقل، بدعوى انّه بناء على الكشف تبطل المعاملة لانّ الإجازة تريد ان تكشف عن حصول النقل والانتقال في وقت لم تكن القابلية أو لم يكن الشرط موجوداً فيتعيّن البطلان، أمّا بناء على النقل فالأثر انّما يكون في حين ثبوت القابلية أو الشرط فتتجه الصحّة.

وأقل ما يردّ على هذا البيان هو انّه لو كان المقياس لتمامية المعاملة ثبوت الشروط حين حصول النقل والانتقال لتوقّف حصول ذلك على تلك الشروط فانتفاء الشروط في أوّل العقد لا يوجب على الكشف عدم تأثير الإجازة نهائياً وانّما يوجب عجز الإجازة عن نفوذ أثرها في عمود الزمان قهقرائياً إلى حين فقدان الشرائط فتنفذ بقدر ما تستطيع ان تنفذ أي تنفذ قهقرائياً إلى أوّل آنات تواجد الشرائط.

ويرى الانصاري (رحمه الله): انّ هذه الثمرة بين الكشف والنقل غير تامّة لانّ معنى نفوذ الإجازة على النقل ليس هو الاستغناء عن شروط صحّة العقد أو القابلية حين العقد، وانّما معناه ان النقص الذي كان حين العقد وهو فقدان الرضا والاذن يتدارك بالإجازة المتأخّرة مع الفراغ عن واجدية العقد لباقي الشروط، ففقدان أي شرط من الشروط الاُخرى يؤدّي إلى بطلان العقد سواء قلنا بالكشف أو النقل(1).


(1) راجع المكاسب 1: 135، بحسب طبعة الشهيدي.

380

أقول: الصحيح هو التفصيل في المقام لانّ الشروط ليست على حدّ سواء وعلى كل تقدير لا تصحّ هذه الثمرة فقد يتجّه البطلان مطلقاً وقد تتجّه الصحّة مطلقاً أي سواء على الكشف أو النقل.

وتوضيح التفصيل: انّ الشرط قد يكون مقوّماً لأصل الإيجاب أو القبول كالعقل فلو كان الأصيل الذي كان طرفاً للعقد مجنوناً فمن الواضح ان ذلك يعني عدم تحقّق العقد فيبطل على كل تقدير ولعل من يقول بالثمرة لا ينظر إلى هذا الفرض لانّ سلب الثمرة في هذا الفرض سلب بانتفاء موضوع الكلام وهو عقد الفضولي، وقد يكون وفق الارتكاز مقوّماً لصحّة الرضا لا لأصل العقد كما في الرشد أو في جنون المالك الذي أوقع العقد عنه الفضولي ثم عقل قبل الإجازة فهنا تكون تمامية العقد بحاجة إلى الإجازة من قبل من كان فاقداً للقابلية ثم وجدها وقد يكون الشرط وفق الارتكاز مقوّماً للعين كما في الخمر والخل لو قلنا بانّهما عرفاً متباينان وهنا يبطل العقد ويجب تجديده، لانّ ما وقع عليه العقد غير قابل لنفوذ العقد عليه وما يمكن نفوذ العقد عليه لم يقع عليه عقد ولعل هذا أيضاً خارج من مقصود صاحب الثمرة.

وأمّا ما عدا ذلك من الموانع أو فقدان الشروط أو القابلية كشروط العوضين كالطهارة أو كونه ملكاً طلقاً كما لو كان أحد العوضين وقفاً ثم خرج عن الوقفية بأحد المستثنيات، وكذا لو كانت اُم ولد ثم مات ولدها وكذلك لو كان مشتري المصحف أو العبد المسلم كافراً ثم أسلم وما إلى ذلك فهذا كلّه شرط لتمامية العقد بلحاظ زمان حصول النتيجة وهي النقل والانتقال فيكفي تجدّده على النقل وعلى الكشف وتكشف الإجازة عن حصول النقل والانتقال من حين تجدّده.

ومثّل السيد الخوئي لفقدان شرط الماليّة ثم تجدّدها قبل الإجازة ببيع الثمرة قبل بدو صلاحها مع بدو صلاحها قبل الإجازة وبإنقلاب الخمر خلاّ وجعل

381

الأوّل مثالاً للمالية العرفية والثاني مثالاً للمالية الشرعية وقال فيهما بالبطلان لانّما وقع عليه العقد مباين عرفاً أو شرعاً لما وقعت الإجازة عليه(1).

أقول: لا يخفى ان مجرّد دخل وصف في المالية لا يلازم التغاير بين ما وقع عليه العقد وما وقعت عليه الإجازة، ولو تم ذلك في فرض دخله في المالية عرفاً لم يتم في فرض دخله فيها شرعاً.

على أنّ عدم بدو الصلاح لا يعني عدم مالية الثمرة وانّما يعني عدم وجود المال ولو كان عدم المالية يوجب التغاير فمن الواضح ان عدم وجوده لا يوجب التغاير.

الفرع الثاني عشر ـ قد يقال في أحكام النذر واليمين والالتزام في ضمن عقد لازم وما إلى ذلك بظهور الثمرة على الكشف والنقل.

وفصّل السيد الخوئي بين ما إذا كان الحكم مترتّباً على الملك فقط فهنا تبرز الثمرة فانّ الحكم عندئذ يثبت من حين ثبوت الملك الذي فرض اختلافه بحسب الكشف والنقل، أمّا لو كان الحكم مترتّباً على الملك وجواز التصرّف دون الملك وحده كما في تعلّق الزكاة بالمال فبما انّه قبل الإجازة لا يجوز له التصرّف ظاهراً فلا تتعلّق الزكاة بماله حتى على الكشف نعم لو باع العين الزكوية فعدم تعلّق الزكاة بما باع وخروجه عن حساب النصاب قبل الإجازة يتوقّف على الكشف(2).

الفرع الثالث عشر ـ في الخيار وحقّ الشفعة ومجلس الصرف والسلم فمبدأ خيار الحيوان يختلف باختلاف الكشف والنقل ولا يبعد القول بان ذلك يختص بما إذا كان من انتقل إليه الحيوان هو الأصيل، أمّا إذا كان هو المجيز فحتى على


(1) راجع المحاضرات 2: 374، ومصباح الفقاهة 4: 196 ـ 197.

(2) راجع المحاضرات 2: 375، ومصباح الفقاهة 4: 202.

382

الكشف لا يثبت له خيار الحيوان قبل الإجازة لانّه قبل الإجازة ليس طرفاً لعقد البيع أصلاً فينصرف عنه دليل الخيار بل قد يسري هذا الكلام إلى الأصيل أيضاً لانّه لم يكن قبل الإجازة طرفاً لعقد البيع مع المجيز أو قل انّ العقد لم يكن بعدُ مستقراً له خصوصاً إذا قلنا بان له حق التراجع عن العقد قبل إجازة المجيز.

وأمّا خيار المجلس فهل العبرة فيه بمجلس العقد أو بمجلس الإجازة؟ ذكر المحقّق النائيني (رحمه الله)(1): انّ مجلس العقد لا اعتبار به حتى على الكشف بناء على أنّ الإجازة لها نوع تأثير ولو على نحو الشرط المتأخّر وذلك لانّ العقد اذن لم يتم بعد حتى يثبت خيار المجلس نعم لو فرض القول بانّ الإجازة ليست لها عدا مجرّد الامارية البحتة على تمامية العقد منذ البدء صحّ القول بثبوت خيار المجلس في مجلس ا لعقد، أمّا على سائر الأقوال فللإجازة دخل في تأثير العقد فلا وجه لثبوت الخيار في مجلس العقد وكذلك لا اعتبار بمجلس الإجازة حتى على النقل لانّه ليس هو مجلس العقد فيشكل اذن ثبوت خيار المجلس إلّا إذا اتصل مجلس العقد بمجلس الإجازة.

وأورد عليه السيد الخوئي بانّ خيار المجلس انّما ثبت لعنوان البيع وهذا العنوان انّما يصدق لدى الإجازة فالعبرة بمجلس الإجازة سواء قلنا بالنقل أو الكشف(2) هذا ما ورد في المحاضرات، وأمّا في المصباح ففصّل بين الكشف والنقل بفرض صدق عنوان البيع عليهما من حين العقد على الكشف وعدم صدقه إلّا من حين الإجازة على النقل(3).

 


(1) راجع منية الطالب 1: 251 ـ 252، وتقرير الشيخ الآملي 2: 115.

(2) راجع المحاضرات 2: 376.

(3) راجع مصباح الفقاهة 4: 201.

383

أقول: ما في المحاضرات أولى ممّا في المصباح.

وأمّا شرط القبض في مجلس الصرف والسلم فذكر فيه أيضاً حسب ما في منية الطالب: انّه لا يمكن الالتزام بشرط القبض في مجلس العقد حتى على الكشف لعدم تمامية العقد ولا الالتزام بشرط القبض في مجلس الإجازة حتى على النقل لانّه ليس مجلس العقد والالتزام ببطلان الفضولي في الصرف والسلم أشكل(1)، وجاء في تقرير الشيخ الآملي: انّه إن لم يتّحد مجلس العقد والإجازة في الصرف والسلم ففي الحقيقة لم يثبت لنا مجلس العقد ولا دليل عندئذ على شرط القبض لانّ الدليل انّما اقتضى شرط القبض فيهما في مجلس العقد ولما لم يكن مجلس للعقد فمقتضى إطلاق أدلّة العقود صحّة المعاملة بلا اشتراط القبض(2).

أقول: لا يبعد القول بانّ ظاهر ما ورد في الصرف هو مبطلية الافتراق قبل القبض ولعلّ هذا انسب بالعاقدين بمعنى مجريي الإيجاب والقبول ولا علاقة له بالمالكين ولا يختلف الأمر في ذلك بين الكشف والنقل.

وأمّا حقّ الشفعة ففيه فرعان:

الأوّل ـ انّه قد يقال: إنّ حقّ الشفعة يحصل لدى العقد على الكشف ولدى الإجازة على النقل وهنا ذكر أيضاً المحقّق النائيني في منية الطالب: انّ ثبوت حقّ الشفعة بمجرّد العقد مشكل حتى على الكشف لعدم تمامية العقد وثبوته لدى الإجازة أشكل حتى على النقل لانّ الإجازة ليست عقداً(3).


(1) راجع منية الطالب 1: 252.

(2) راجع تقرير الشيخ الآملي 2: 115.

(3) راجع منية الطالب 1: 252.

384

أقول: إنّ حقّ الشفعة من آثار انتقال حصّة الشريك لا من آثار مجرّد العقد فيتّجه التفصيل في زمان بدء حق الشفعة بين الكشف والنقل.

وجاء في تقرير الشيخ الآملي (رحمه الله)(1) بيان الثمرة بشكل آخر وهو انّه بناء على فورية حقّ الشفعة يسقط الحقّ على الكشف حيث لم يعمل حقّه لعدم علمه بانّه سيتمّ البيع بالإجازة فلدى الإجازة لا يبقى له حقّ لسقوطه بالتأخير ولكن على النقل يكون له حقّ الشفعة لدى الإجازة لعدم التأخير ثم أجاب على ذلك بانّ فورية الأخذ بحقّ الشفعة انّما تعني عدم التواني في الأخذ بها بعد العلم بها موضوعاً وحكماً على أساس كاشفية التواني في الأخذ بها عن الرضا أمّا إذا اخّر الأخذ بها لدى العقد من باب عدم علمه بانّه ستلحقه الإجازة فهذا ليس كاشفاً عن الرضا ولا مسقطاً للحق.

الثاني ـ لو باع فضوليّ حصّة أحد الشريكين من زيد ثم باع قبل الإجازة الشريك الآخر حصّته من عمرو ثم أجاز الشريك الأوّل بيع حصّته فقد قالوا إنّه على الكشف يكون حقّ الشفعة لزيد لانّه الشريك مع الشريك الآخر قبل البيع الجديد وعلى النقل يكون حقّ الشفعة لعمرو لانّه اصبح شريكاً مع الشريك الأوّل قبل الإجازة.

تنبيهات:

وفي خاتمة بحث الكشف والنقل ننبّه على اُمور:

الأمر الأوّل ـ لو تخلّل بين العقد والإجازة الردّ فإن كان الردّ من قبل المجيز بان ردّ ثم أجاز فهذا ما مضى منّا بحثه في ذيل صحيحة محمّد بن قيس من روايات صحّة الفضولي، وحاصل الكلام: انّه لا أثر لردّه فانّ الشيء المعقول


(1) راجع تقرير الآملي 2: 116.

385

تأثيره عرفاً هو كون الردّ ماحياً حقيقة للقرار من النفس وهذا يعقل في تراجع الموجب عن إيجابه قبل قبول القابل فيكون ذلك مانعاً عن لحوق القبول بالإيجاب وارتباطه به لانّه انمحى من نفس الموجب ولا يعقل في ردّ القابل قبل قبوله أو المجيز قبل إجازته فانّ الذي وقع انّما وقع في نفس غيره ولا يستطيع هو أن يمحيه حقيقة، ومجرّد إنشاء الردّ أو إظهار الكراهة لا يحتمل العرف بعرفيته تأثيره في المقام.

وأمّا إن كان الردّ من قبل الأصيل بمعنى تراجعه عن إيجابه مثلاً فلا إشكال في تأثيره بمعنى منعه عن لحوق الإجازة بالعقد ما دام هو متراجعاً عن العقد وانّما الكلام في أنّه هل بإمكانه ان يمضي مرة اُخرى ما تراجع عنه أو لا؟

وليس إمضاؤه إيجاباً جديداً لانّنا لا نتكلم في العقد الذي هو عبارة عن مجرّد التعهّد أو عن مجرّد الاذن حتى يكون الإمضاء تعهّداً جديداً أو إذناً جديداً، لانّ إجازة المجيز أيضاً إذا كانت عبارة عن التعهّد في عقد عهدي أو الاذن في عقد اذني فهي إيجاب أو قبول جديد ولا معنى لإدخالها في مشكلة إجازة العقد الفضولي وانّما نتكلّم في العقود التي تكون عبارة عن خلق انتقال المال في عالم الاعتبار لا عن التعهّد بنقله ولا نقول بما يقول الفقه الغربي من أنّ البيع تعهدٌ بالنقل وعندئذ يكون مفهوم الإجازة مغايراً لمفهوم العقد وإمضاءً لما يتحصّل من مجموع الإيجاب والقبول لا إيجاباً أو قبولاً خالقاً للنقل والانتقال في عالم الاعتبار، وما دام العقد متحصّلاً سابقاً بين الأصيل والفضولي ولم يختلّ منه شيء عدا فقدان رضا الأصيل بعد ذلك وتراجعه فليس إمضاؤه لذاك العقد مرة اُخرى بعد ذلك عرفاً إلّا كاجازة المجيز فيحكم بالصحّة، وعلى الكشف تترتّب الآثار من حين العقد لا من حين الإمضاء الجديد من قبل الأصيل.