279

ولكن يبقى لنا ما مضى من مقتضى القاعدة فانّه يشمل هذا القسم من الفضولي.

وتوهّم مبطلية المنع السابق بافتراضه كالردّ المتأخّر أو بالقول بانّ الكراهة مستمرة عادة إلى ما بعد العقد ـ ولو آناً ما ـ وهي كراهة مبرزة فحالها حال الردّ.

يرد عليه: انّه إن كان المقصود عقلائية زوال العقد بالردّ بحيث لا يقبل بعد ذلك عقلائياً لحوق الإجازة فهذا لا يكون إلّا في الردّ بمعنى كسر القرار وإنهائه من النفس بالمعنى الحقيقي، وهذا انّما يعقل من قبل صاحب القرار كالعاقد الأصيل الذي يعدل عن القرار قبل قبول الطرف الآخر للعقد أو قبل قبول المالك الذي كان يملك ما باعه الفضولي مثلاً، ولا يعقل من المالك بالنسبة لعقد وقع على ماله فضولة فلم يكن من قبله قرار حتى نبحث عن كسره وعدوله عنه وانّما وقع العقد بين شخصين غيره ونحن نتكلم في إمضائه لهذا العقد وعدمه واين هذا من ذاك؟!

وأمّا الردّ المعقول من قبل المالك في باب الفضولي بمعنى مجرّد إبراز الكراهة أو بمعنى كسر القرار بالفرض والاعتبار والإنشاء لا بالمعنى الحقيقي للكلمة فلا يوجب عقلائياً عدم إمكانية لحوق الإجازة.

وإن كان المقصود دعوى التمسّك بالإجماع على مبطلية الردّ بالمعنى المعقول من المالك في باب الفضولي وقياس المنع السابق بالردّ إمّا بذاته أو باعتبار استمرارية الكراهة بعد العقد، فلو سلّم إجماع تعبدّي في المقام فاحتمال الفرق موجود فلعلّ قوام الردّ المبطل يكون بالكراهة الثابتة بعد العقد مع إبرازها بعده، وما دامت المسألة تعبّدية بحتة ولا توجد لها جذور عقلائية فنحن نحتمل الفرق.

عقد الفضولي لنفسه:

الثاني ـ ان يعقد الفضولي لنفسه وعندئذ تارة يتكلّم عن وقوعه لنفسه بعد ان

280

يملكه بشراء ونحوه وهذا خلاف روايات «لا تواجبه البيع قبل ان تستوجبه»(1)، ولا تشمله الإطلاقات أيضاً لانّه لم ينتسب العقد إليه حين مالكيته.

واُخرى يتكلّم عن وقوعه للمالك بإجازته وهذا يشتمل على فرعين:

الأوّل ـ فرض إجازة المالك غير الفضولي للعقد.

والثاني ـ فرض تملّك الفضولي للمال بشراء ونحوه ثم إجازته للعقد السابق.

وتوجد هنا إشكالات ثلاثة:

الأوّل ـ ما هو مشترك الورود على كلا الفرعين وهو انّ قصد البيع الحقيقي لم يتم لانّ البيع عبارة عن المبادلة بين المالين وهي دخول كل من المالين في ملك من خرج من ملكه الآخر، في حين انّ الفضولي قصد هنا دخول العوض في ملكه هو وليس هو الذي خرج من ملكه العوض الآخر فلم يقصد إلّا بيعاً صورياً فلا محل للإجازة أصلاً سواء فرضنا المجيز هو المالك الأوّل أو الفضولي بعد ما يملك المال.

والثاني ـ ما يختص بالفرع الأوّل وهو انّ الإجازة لم تطابق الإنشاء فما أنشىء لم يجز وما اجيز لم ينشأ لانّ الفضولي انشأ ملكية نفسه والمالك الأوّل أنشأ ملكية نفسه.

والثالث ـ ما يختص بالفرع الثاني وهو تقدّم العقد على الملك فالعقد انتسب إليه قبل أن يكون مالكاً وهذا الانتساب لا قيمة له وبعد الملك لم ينتسب إليه انتساباً جديداً بالإجازة لانّ الفعل لا ينتسب إلى الشخص مرتين. إذن لم يقترن انتساب العقد إليه بالملك أو رضا المالك أو لم ينشأ الانتساب عن رضا المالك.


(1) راجع الوسائل 12: 375، الباب 8 من أبواب أحكام العقود.

281

والجواب عن الأخير: انّ الانتساب إلى ذات الشخص وان تمّ قبل الملك لكن الانتساب إليه بما هو مالك انتساب جديد حصل بالإجازة، ولا أقصد بذلك انتساب ذات العقد إليه مرة ثانية كي يقال: إنّ الفعل لا ينتسب إلى الشخص مرتين بل أقصد بذلك ان انتحال الفضولي بعد الملك للعقد الأوّل وتبنّيه ايّاه موضوع في نظر العرف والعقلاء في تحقّق الملك من قبله في لوح التشريع العقلائي، وهذا يحقّق موضوع التمسّك بالإطلاقات وبالسيرة.

نعم هذا الإشكال لا جواب عليه لو كنّا نقصد بانتساب العقد للمجيز المصحّح للتمسّك بالإطلاقات ما قصده السيد الخوئي من انتساب ذات العقد إليه(1)، فانّ هذا الانتساب ثابت هنا قبل الإجازة وقبل الملك ولم يتكرّر.

بقي الكلام في الإشكالين الأوّلين:

والموقف تجاه هذين الإشكالين يمكن أن يكون بأحد وجهين:

الأوّل ـ ان لا نهتم بحلّهما بمقتضى القواعد إذ يكفينا التعبّد بصحيحة محمّد بن قيس فانّ الفضولي في تلك الصحيحة كان قد باع الوليدة لنفسه فأعقبته الإجازة من قبل المالك وصحّ البيع فحتى لو لم يتم ذلك بمقتضى القواعد نقول بصحّته بالنص الخاص ويتم التعدّي إلى فرض ما إذا تملّكه الفضولي بالشراء مثلاً فأجاز البيع الأوّل بعدم احتمال الفرق مثلاً.

والثاني ـ ان نبحث الإشكالين وفق مقتضى القواعد وعندئذ نقول:

قد أجاب الشيخ الأنصاري (رحمه الله) على الإشكال الأوّل بانّ الفضولي إن كان يعتقد مالكية نفسه فقد قصد حقيقة البيع، وإن كان غاصباً فهو يدعي ادّعاءً المالكية


(1) راجع المحاضرات 2: 295، ومصباح الفقاهة 4: 19 ـ 21.

282

ومبنياً على هذا الادّعاء يتمشّى أيضاً منه قصد البيع حقيقة وإدخال كل من العوضين في ملك من خرج من ملكه العوض الآخر. نعم لو لم يدّع المالكية ومع ذلك قصد العقد لنفسه التزمنا بالبطلان، لانّه صورة بيع وليس بيعاً حقيقة(1).

أقول: إنّ فرض قصد العاقد لإدخال كل من العوضين في ملك من خرج من ملكه الآخر رغم انّه غاصب وقاصد للعقد لنفسه يمكن ان يتصوّر بأحد أشكال ثلاثة:

الأوّل ـ أن تكون حيثية المالكية عنده حيثية تقييدية وتكون تمام الموضوع أي انّه قصد حقيقة العقد للمالك، وليس معنى قصد العقد لنفسه عدا ادّعاء تطبيق هذا العنوان على نفسه.

والثاني ـ أن تكون حيثية المالكية عنده حيثية تقييدية أيضاً، ولكنّه حصّص الحيثية بالتقييد بنفسه أي انّه أجرى العقد للمالك المقيد بانطباقه عليه هو، وهو مدّع لصدق هذا الادّعاء.

والثالث ـ أن تكون حيثية المالكية عنده حيثية تعليلية فهو قد قصد إجراء العقد لنفسه لانّه ادّعى نفسه مالكاً.

وشبهة المحقّق الايرواني (رحمه الله)(2) لو تمّت فانّما تتم على فرض الثاني والثالث وهي: انّه إذا كانت الملكية ادّعائية وليست حقيقية فكيف يكون البيع المبتنى عليها حقيقية؟!

والجواب: انّه لا يقصد بحقيقية البيع حصول المبادلة في لوح التشريع أو في


(1) راجع المكاسب 1: 128، بحسب الطبعة المشتملة على تعليق الشهيدي.

(2) نقلناها عن مصباح الفقاهة 4: 115، نقلاً عن المحقّق الايرواني.

283

لوح اعتبار العقلاء، وانّما المقصود بذلك حصولها في لوح إنشاء المتعاقدين ويكون ذلك حقيقة كحقيقية الاستعمال القائم على الادّعاء السكاكي.

وهذه الفروض الثلاثة كلها تحل الإشكال الأوّل وهو إشكال عدم إرادة البيع بالمعنى الحقيقي للكلمة، أمّا إذا خرجنا عن كل هذه الفروض الثلاثة بان افترضنا انّ الفضولي قصد العقد لنفسه لا للمالك ومن دون فرض مالكية نفسه فهذا هو الذي حكم الشيخ (رحمه الله) ببطلان البيع فيه.

والفرض الأوّل من هذه الفروض الثلاثة يحل الإشكال الثاني أيضاً فانّه إذا كان العقد في واقعه قد انشىء للمالك وإن كان هناك تطبيق كاذب لعنوان المالك على نفسه فالإجازة قد طابقت الإنشاء.

والظاهر انّ الشيخ (رحمه الله) يختار لحل الإشكال الثاني استظهار الفرض الأوّل من الفروض الثلاثة ثم يستشكل في هذا الاستظهار في خصوص المشتري الفضولي دون البائع وذلك لدعوى ظهور كاف الخطاب في ملّكتك مثلاً أو ظهور كلمة تملّكت لو اجرى القبول بهذا اللفظ في انتساب الملكية إلى شخص المشتري كشخص، وهذا معناه الانتقال إلى الفرض الثاني أو الثالث ثم يؤكّد الشيخ (رحمه الله)ـ على ما يبدو ـ استظهار الفرض الأوّل وأنّه لم تكن نسبة الملك إلى المشتري بكاف الخطاب أو بقوله تملّكت إلّا من باب تطبيق عنوان المالك عليه ولو ادّعاء وإنّ حاقّ الإنشاء انّما كان راجعاً إلى المالك بما هو مالك فالإجازة تطابق الإنشاء.

هذا. وظاهر السيد الخوئي في المصباح(1) أيضاً هو استظهار الفرض الأوّل


(1) راجع مصباح الفقاهة 4: 113 ـ 115.

284

ولكن ظاهره في المحاضرات(1) استظهار الفرض الثالث وهو كون المالكية حيثية تعليلية ويذكر فيه لحل الإشكال وجهين آخرين:

الوجه الأوّل ـ انّ البيع لا يعني إدخال أحد العوضين في ملك من خرج من ملكه العوض الآخر وانّما يعني مجرّد الإعطاء لا عن مجّان(2).

أقول: إن كان المقصود بالإعطاء الإعطاء المادّي فمن الواضح انّ الإعطاء المادّي ليس بيعاً، وإن كان المقصود به التمليك فإمّا أن يقصد بذلك تمليك من يملك العوض الآخر بما هو مالك للعوض الآخر وبغض النظر عن الشخص إلّا من باب مجرّد التطبيق الذي لا ضير في خطأه، أو يقصد بذلك تمليك وتملّك الشخص، فانْ قصد به الأوّل رجع ذلك إلى الفرض الأوّل الذي هو أحد الفروض الثلاثة لمعنى قصد إدخال أحد العوضين في ملك من خرج من ملكه العوض الآخر، وإن قصد به الثاني تسجّل الإشكال الثاني وهو انّ الإجازة لم تطابق الإنشاء لانّ التمليك أو التملّك المنشأ كان محصصاً بخصوص شخص معين والإجازة وردت لشخص آخر.

وبذلك يتضح أيضاً ما في كلام السيد الإمام (رحمه الله) من حلّ الإشكال بانّ البيع عبارة عن مبادلة المال بالمال وهذا لا يتقوّم بإدخال المال في ملك من خرج من ملكه العوض الآخر حتى يلزم عدم مطابقة الإجازة للإنشاء(3).

فانّ هذا يرد عليه: انّ المبادلة لا بد أن تكون مضافة إلى ظرف ما وإلّا لم


(1) راجع المحاضرات 2: 331.

(2) راجع المحاضرات 2: 330.

(3) راجع كتاب البيع 2: 145 ـ 146.

285

تكن مبادلة، فان اضيفت إلى ظرف المكان فمن الواضح كونها اجنبية عن البيع، وإن اضيفت إلى عالم الملكية فهذا هو معنى انّ أحد العوضين يجب إدخاله في ملك من خرج من ملكه الآخر ولا نعني بذلك ضرورة إدخال أحد العوضين في ملك من خرج من ملكه الآخر في لوح التشريع أو في لوح اعتبار العقلاء حتى يقال: إنّ إنشاء البيع ليس متقوّماً بذلك، وانّما نعني إدخال أحد العوضين في ملك من خرج من ملكه الآخر في لوح اعتبار نفس المتعاقدين وإنشائهما وهذا لا بد منه، وإشكال عدم مطابقة الإجازة للإنشاء أيضاً ينظر إلى هذا العالم وليس نظره إلى عالم الملكية الشرعية أو العقلائية فلا محالة تأتي شبهة انّ الفضولي أنشأ الملكية لشخص، والمجيز أجاز الملكية لشخص آخر فلم تكن الإجازة مطابقة للإنشاء، فان اجبنا بانَ الفضولي انّما أنشأ الملكية لمالك العوض الآخر بما هو مالك وإن أخطأ في التطبيق فهذا رجوع إلى جواب الشيخ وإلّا فسلخ المبادلة التي هي معنى البيع عن عالم الملكية ان قصد به سلخها عن هذا العالم بلحاظ لوح إنشاء المتعاقدين فغير معقول، وإن قصد به سلخها عن عالم الملكية الشرعية فهذا اجنبيّ عن إشكال المستشكل.

وقد ورد في كلام السيد الخوئي (رحمه الله) في المحاضرات(1) وفي كلام السيد الإمام (رحمه الله)(2) بعض النقوض على تقوّم البيع بدخول كل من العوضين في ملك من خرج من ملكه العوض الآخر فورد في كلام السيد الخوئي النقض ببيع الكليّ وبيع الأوقاف والزكوات، وورد في كلام السيد الإمام النقض ببيع الوقف أو بيع وقف


(1) المحاضرات 2: 330.

(2) كتاب البيع 2: 145.

286

بمال وقف بناءً على عدم كون العين الموقوفة ملكاً لأحد، وبمبادلة الزكاة بمثلها من وليين شرعيين.

ويمكن الجواب على كل هذه النقوض ففي بيع الكليّ يدخل الثمن في ملك من خرج من ملكه الكلّي، وملكية كل شيء بحسبه ولا نقصد بملكية الكليّ في الذمّة على امتلاكه لذمّته بالمعنى الثابت لكل شخص بالقياس لذمّته وهو انّ أمر ذمّته بيده وانّها فارغة ولا يحقّ لأحد إشغال ذمّته مجاناً ورغماً عليه ويكفي هذا المقدار من الملكية في صدق التبادل والبيع في المقام وفي بيع الوقف في مورد جواز تملّكه لطارىء ما يتملّكه ثم يبيعه أو يبيعه فيصبح الثمن ملكاً للموقوف عليه ثم يتملّك الثمن.

ولو قلنا بانّ الوقف ليس مملوكاً للموقوف عليه فأيضاً يتملّكه للطارىء المجوّز ثم يبيعه أو يبيعه فيصبح الثمن مكان العين الموقوفة ثم يتملّكه وفي تبادل الوقفين يصبح كل منهما مكان الآخر، ولا نعني بالبيع والمبادلة إلّا ان يتخذ كل من العوضين محل الآخر في عالم الحقوق الذي هو أوسع من الملكية بمعناها الخاص المألوف في الفقه الإسلامي فحينما نقول: يجب ان يدخل كل من العوضين في ملك من خرج من ملكه العوض الآخر نقصد بذلك أن يكون كل منهما للآخر بالشكل الذي كان للأوّل، وكذلك الكلام في بيع العين الزكوية يتملّكها المستحق ثم يبيعها، أو يبيعها ويصبح الثمن لعنوان الفقراء بالشكل الذي كانت الزكاة لهم ثم يتملّكه وفي تبديل المالين الزكويين بين الوليين يصبح كل منهما في اختيار الولي الآخر بالشكل الذي كان في اختيار الولي الأوّل، بل لا بيع حقيقة في هذا الفرض الأخير فانّ تبادلهما شبيه بالتبادل بين مالين لمالك واحد فيما بين وكيلين عنه (أو هو عينه بناء على كون الزكاة ملكاً لعنوان الفقراء مثلاً).

287

والخلاصة انّ الإشكال في بيع الفضولي لنفسه لا يتوقّف على تخصيص البيع بالتبادل في عالم الملكية بمعناها الخاص بل حتى مع توسيعه للتبادل في عالم الحقوق بشكل عام يأتي الإشكال في بيع الفضولي حيث جعل الفضولي نفسه طرفاً للحق بأي معنى من معاني الحق وجعل المجيز نفسه طرفاً للحق ولم يجز طرفية نفس الفضولي له.

وبالإمكان النقض ـ على اشتراط دخول كل من العوضين في ملك من خرج من ملكه العوض الآخر ـ بمسألة شراء العمودين حيث يخرج الثمن من ملك المشتري إلى ملك البائع ولكن المثمن لا يدخل في ملك المشتري ـ ولو آناً ما ـ، بل يتحرّر بالشراء والملكية التقديرية أو الرتبية لا معنى لها فانّ الدخول في عالم الملكية والخروج عنها ليس من أحكام الرتب كي يرفع التضاد بين الدخول في الملك والتحرّر بتعدّد الرتب.

ولا بد من الالتزام في مسألة شراء العمودين بأحد اُمور:

الأوّل ـ أن يقال: إنّ المشتري ينشىء إدخال العمود في ملكه فهو أنشأ المبادلة بالمعنى الحقيقي للكلمة وإن كان الحكم الشرعي الذي يترتّب على ذلك هو تحرّر العمود لا دخوله في ملكه.

والثاني ـ أن يفترض انّ المشتري لا ينشىء ذلك ويخرج هذا عن حقيقة البيع والشراء ويصبح معاملة اُخرى مستقلة حاصلها تحرير العمود في مقابل الثمن.

والثالث ـ ان يقال: يكفي في حقيقة البيع قصد التبادل بينهما بلحاظ حال أحد الشخصين فحسب وقد حصل التبادل هنا بلحاظ حال البائع حيث خرج المثمن من ملكه ودخل الثمن بدلاً عن ذلك في ملكه ولم يحصل بلحاظ حال المشتري، لانّ الثمن خرج من ملكه ولم يدخل بدلاً عن ذلك شيء في ملكه.

288

فلو التزمنا بهذا الأمر الثالث كان هذا جواباً آخر ـ على الإشكال الأوّل على عقد الفضولي لنفسه وهو كونه بيعاً صورياً لا حقيقياً لعدم قصد المبادلة الحقيقية ـ حيث يقال في الجواب انّ التبادل الحقيقي مقصود بلحاظ أحد الشخصين وهو الأصيل حيث ينشأ إدخال مال في ملكه وإخراج عوضه عن ملكه. إلّا انّ هذا الجواب لو تمّ لا يأتي فيما إذا كانا معاً فضوليين.

والرابع ـ أن يقال: إنّ حقيقة البيع وإن كانت هي التبادل بينهما بلحاظ حال كلا الشخصين ولكن ليس المقصود بالتبادل خصوص دخول العوض في ملك من خرج من ملكه المعوض، بل المقصود به صيرورة من خرج من ملكه المعوض أولى الناس بالعوض، وهذه الأولويّة بطبيعتها تنتهي إلى مالكيته للعوض لو لم يطرأ طارىء يحول دون ذلك، وهذا الطارىء ليس عبارة عن إرادة شخص آخر فانّ تدخل إرادة شخص آخر في تحريف مسير ملكية هذا المال خلف صيرورة هذا العاقد أولى الناس بهذا المال، وانّما هذا الطارىء يكون أحد أمرين:

(الأوّل) إرادة الشارع فلو أراد الشارع في المقام تحرّر العمود يتحرّر ولا يدخل في ملكية هذا العاقد وليس هذا منافياً لمفاد العقد من صيرورته أولى الناس به، فانّ هذه الأولوية انّما هي في مقابل الناس لا في مقابل الشارع، فتحريف مسير المال عن دخوله في الملك الفعلي لهذا العاقد من قبل الشارع لا يعني سلب هذه الأولوية، بل هذه الأولويّة هي موضوع لهذا الحكم الشرعي فلولا انّه أصبح أولى بأبيه من غيره من الناس لما تحرّر أبوه.

(والثاني) إرادة نفس هذا العاقد فلو أراد بشراء هذا المال دخوله في ملك من هو وليّ عليه كابنه الصغير مثلاً دخل في ملكه رغم انّ الثمن خرج من ملك العاقد ولم يناف ذلك أولويّته بهذا المال من سائر الناس، فانّ هذه الأولويّة انّما

289

هي أولوية في مقابل إرادة سائر الناس لا في مقابل إرادة نفسه إذ لا معنى لأن يكون أحد أولى من نفسه بشيء ما فهذه الإرادة لا تنافي أولويّته بل هي إعمال لأولويّته، وإن شئت فسمّ هذا بالملكية التقديرية ولعلّ من قال في شراء العمودين بالملكية التقديرية قصد ولو ارتكازاً هذا المعنى، وهذا الوجه الرابع امتيازه عن الوجه الثالث انّه يصلح جواباً آخر عن الإشكال الأوّل على عقد الفضولي لنفسه حتى إذا كانا معاً فضوليين وكذلك يصلح تفسيراً لمبادلة عمود بعمود بان كان زيدٌ مالكاً لوالد عمرو، وعمرو مالكاً لوالد زيد مثلاً فتبادلا في حين انّ التفسير الثالث لا يأتي هنا.

الوجه الثاني ـ من وجهي السيد الخوئي لحل الإشكال في المحاضرات هو انّ الفضولي حتى إذا باع لنفسه بانياً على مالكيته بنحو الحيثية التعليلية لا التقييدية وافترضنا انّ البيع والمبادلة يتقوّم بدخول كل من العوضين في ملك من خرج من ملكه العوض الآخر كان من المعقول لحوق الإجازة من قبل المالك، لانّ إنشاء الفضولي وإن كان يدلّ بالمطابقة على تملّكه للمعوض إذا كان بمثل تملّكت مثلاً ولكنّه يدلّ بالالتزام على المبادلة بالمعنى المذكور، أي دخول العوض في ملك من خرج عنه المعوض فبإمكان المالك أن يجيز المدلول الالتزامي فحسب(1).

أقول: إنّ هذا الوجه من الغرائب فانّ المدلول الالتزامي لكلام الفضولي لم يكن إنشاءً مستقلاً تلحقه الإجازة فانّ الفضولي ليس له إنشاءان كي يقال: إنّ بالإمكان لحوق الإجازة بأحدهما دون الآخر، ولو فرض له إنشاءان فالإنشاء الثاني ليس منصبّاً على تمليك مالك المعوض بعنوانه العام بل هو مقيد بسبب


(1) راجع المحاضرات 2: 331.

290

ارتباطه بالإنشاء الأوّل أي انّه تمليك لمالك المعوّض المقيد بانطباقه عليه هو، والمجيز لا يجيز هذه الحصّة المنشأة فرجع أيضاً إشكال انّ ما انشىء لم يجز وما اجيز لم ينشأ.

والآن نعود إلى الفروض الثلاثة التي افترضناها في إنشاء الفضولي الذي باع لنفسه وهي:

1 ـ إنشاء العقد للمالك بنحو الحيثية التقييدية ومن دون تقييده بالتشخّص في خصوصه هو وعندئذ فليس معنى بيعه لنفسه عدا ضمّ ضميمة اجنبية عن أصل مغزى الإنشاء وهو تطبيق عنوان المالك على نفسه ولو ادّعاءً وكذباً.

2 ـ إنشاء العقد للمالك المطبّق على نفسه بأن يكون هذا التطبيق قيداً في المُنشأ.

3 ـ إنشاء العقد لنفسه مع أخذ عنوان المالكية بنحو الحيثية التعليلية.

والثاني من هذه الفروض الثلاثة ـ وهو الجمع بين خصوصية الشخص وخصوصية المالكية بنحو الحيثية التقييدية ـ خلاف الظاهر العرفي جداً كما مضى منّا سابقاً في بحث تخلّف الوصف في مثل بعتك هذا العبد الكاتب حيث قلنا: إنّ تخلّفه يوجب الخيار ولا يوجب البطلان، لانّ ظاهر هذا الوصف هو كونه شرطاً لا قيداً وذلك لانّه وإن كان الظهور الأولي للتوصيف هو التقييد في ما إذا كان وصفاً للكليّ كما لو قال: بعتك عبداً كاتباً، ولكن التوصيف في باب الجزئي الحقيقي كبعتك هذا العبد الكاتب ينصرف إلى الشرط لا إلى التقييد لانّ الجزئي الحقيقي لا يقبل التحصيص فالتقييد ينحصر أمره في فرض التخلّف في إفراغ المقيد عن جميع الأفراد وكذلك الحال في المقام، فالبيع إلى نسب حقاً بلحاظ عالم الإنشاء إلى شخص معيّن فتوصيفه بالمالكية ينصرف إلى التعليل لا إلى الحيثية التقييدية لانّ الشخص المعين جزئي حقيقي لا يقبل التحصيص بالقيد.

291

وعلى أيّة حال فقد مضى انّ كل هذه الفروض الثلاثة بعيدة عن الإشكال الأوّل وانّما يقع الكلام في الإشكال الثاني وهو عدم مطابقة الإجازة للإنشاء وهذا الإشكال مصبّه هو الفرض الثاني والثالث دون الأوّل كما مضى.

وهذا الإشكال يتجّه بناءً على تصورات السيد الخوئي من أنّ إجازة المالك تجعل العقد مستنداً حقيقة إلى المالك وانّ هذا هو السرّ في صحّة عقد الفضولي بمقتضى القواعد بعد الإجازة، فعندئذ يقال: إنّ الإجازة انّما تسند العقد إلى المالك وتصحّحه إذا كانت مطابقة له، أمّا إذا كانت مخالفة له فلا يتمّ استناده إلى المالك، ولو تمّ استناده إليه فمع إبقاء المنشأ على حاله يلزم وقوع البيع للفضولي وهو غير معقول ومع تحويله إلى المالك يلزم تبدّل الإنشاء إلى إنشاء آخر.

أمّا بناء على ما قلناه من أنّ الإجازة لا تسند العقد الواقع بين المتعاقدين إلى المالك ولكنّها تجعل المجيز طرفاً لحصول التبادل في لوح قانون العقلاء ويصبح بذلك موضوعاً للدليل الشرعي على وجوب الوفاء فهنا لا إشكال ان موضوع حكم العقلاء بحصول التبادل هو المالك بما هو مالك فانّنا لا نقصد بالتبادل عدا التبادل في عالم الملكية، فالتبادل الذي يحصل في لوح القانون العقلائي متقوّم بالمالكية وهذا قانون ثابت بنحو القضية الحقيقية التي يكون موضوعها المالكية لا بنحو الإنشاء الشخصي الذي يتصوّر فيه أخذ الملكية تارة بنحو التقييد، واُخرى بنحو التعليل، ونفس هذا التقوّم أي تقوّم التبادل بالملكية ثابت في لوح إنشاء المتعاقدين أيضاً لكن بما انّ إنشاء المتعاقدين إنشاء شخصي قد يطبّق على معنون خاص ولهذا يتصوّر فيه تخلّف العنوان عن المعنون وكون العنوان مأخوذاً بنحو الحيثية التقييدية تارة والتعليلية اُخرى.

وهنا يجب ان نرى هل العقلاء يرتؤون لدى تخلّف العنوان عن المعنون في

292

إنشاء المتعاقدين إلغاء التطبيق الخاطىء الذي صدر من المتعاقدين وترتيب الأثر للمعنون الحقيقي بذاك العنوان وهو المالك الحقيقي بشرط إجازته ورغم مخالفة الإجازة للإنشاء أو لا؟

وبكلمة اُخرى ان حكم العقلاء بصحّة عقد الفضولي لنفسه بإجازة المالك وعدمه ليس مصيره بالضرورة مرتبطاً بمعرفة ان عنوان المالكية هل كان مأخوذاً في عالم إنشاء المتعاقدين بعنوان الحيثية التقييدية مع كون التطبيق الخاطىء ضميمة اجنبية عن عالم الإنشاء أو انّها حيثية تعليلية مثلاً، بل يجب ان نرى ابتداءً انّ العقلاء هل يصحّحون بيع الفضولي الذي باع لنفسه بتعقّب إجازة المالك ولو فرضت مخالفة الإجازة للإنشاء أو لا؟ والظاهر انّ العقلاء يصحّحون ذلك حتى في فرض المخالفة كما هو الحال فيما إذا كانت المالكية منظوراً إليها بنحو الحيثية التعليلية.

ولا يقال: لازم ذلك انّ الفضولي لو باع كتاب المالك فضولة كان للمالك ان يجيز البيع مطبّقاً ايّاه على ثلاّجته مثلاً رغم مخالفة الإجازة للإنشاء.

فانّه يقال: إنّ المقصود ليس هو صحّة تبديل الأثر لدى العقلاء بإلغاء أي قيد من قيود الإنشاء، وانّما المقصود انّ التطبيق الخاطىء للعنوان الذي كان مقوّماً للتبادل الذي يحصل في لوح قانون العقلاء على معنون ادّعائي أو خيالي هو الذي يلغى من قبل العقلاء، ولو كان البيع متقوّماً عقلائياً بأن يكون على الثلاّجة فطبق العاقد خطأ عنوان الثلاجة على الكتاب فباع الكتاب فلعلّ العقلاء كانوا يصحّحون هنا أيضاً البيع على الثلاّجة بإجازة المالك رغم عدم تطابقها للإنشاء ولكن الأمر ليس كذلك.

وخلاصة المقصود انّه لا تصحّ البرهنة على صحّة أو فساد عقد الفضولي على القاعدة إذا باع لنفسه بمثل كون حيثية الملك لدى المتعاقدين تقييدية أو

293

تعليلية بل يجب أن يقال: إنّ حيثية الملك إن كانت في إنشاء المتعاقدين تقييدية ومن دون خصوصية الشخص في عالم المنشأ فلا إشكال في صحّة العقد بالإجازة فانّه في واقعه رجوع إلى القسم الأوّل من الفضولي وهو الذي يبيع للمالك.

اللهم إلّا في مجرّد تطبيق خاطىء كان ضمّه إلى البيع من قبيل ضمّ الحجر إلى جنب الإنسان وإن لم تكن الحيثية تقييدية أو كانت خصوصية الشخص أيضاً ملحوظة في لبّ الإنشاء فلا بد من مراجعة بناء العقلاء لنرى هل يحكمون هنا بالصحّة بعد تعقّب إجازة المالك أو لا؟ والظاهر انّهم يحكمون بالصحّة.

بقي الكلام في الفرع الذي نقلنا عن الشيخ الأعظم (رحمه الله) القول ببطلان البيع فيه وهو ما لو باع مال غيره لنفسه من دون ادّعاء الملكية وكذلك عكس هذا الفرع وهو ما لو اشترى شيئاً لغيره بمال نفسه.

ولنقدّم الحديث عن الفرع الثاني وبه يتّضح الحال في الفرع الأوّل.

فنقول: لو اشترى شيئاً لغيره بمال نفسه ففيه إشكالات ثلاثة:

الأوّل ـ انّ هذا ليس بيعاً لانّ ما وقع خلاف حقيقة المبادلة فانّ المقصود بالمبادلة هي المبادلة في عالم الملكية وهي لا تكون إلّا بإنشاء إدخال كل من العوضين في ملك من أخرج من ملكه العوض الآخر، في حين انّه قصد في ذلك الفرع خلاف ذلك.

ويمكن الجواب على ذلك إمّا بدعوى انّ البيع متقوّم بالتبادل بلحاظ أحد الشخصين ولا يشترط فيه التبادل بلحاظ كليهما أي يكفي ان يدخل أحد العوضين في ملك من خرج من ملكه العوض الآخر وإن لم يتحقّق ذلك بلحاظ الشخص الآخر، وذلك من قبيل شراء من ينعتق عليه حيث يدخل الثمن في ملك من يخرج من ملكه العبد ولا يدخل العبد في ملك من يخرج من ملكه الثمن، فبناء

294

على فرض كون المشتري لم يقصد إنشاء تملّكه للعبد وتسمية ذلك ـ رغم هذا ـ بالبيع يكون هذا بيعاً بمعنى التبادل بلحاظ ملكية البائع فحسب، نعم لو فرضنا انّ المشتري أيضاً ينشىء التبادل بلحاظ نفسه وإن كان لا يدخل شرعاً العبد في ملكه يخرج مثال شراء من ينعتق عليه عن المصداقية لما فرضناه من إنشاء التبادل بلحاظ أحد الشخصين فحسب.

وإمّا بدعوى انّنا لو أصررنا على أنّ معنى البيع متقوّم بالتبادل من كلا الطرفين فليكن ما نحن فيه خارجاً عن حقيقة البيع وليكن عقداً مستقلاً تشمله إطلاقات ﴿اوفوا بالعقود﴾ فيتمّ بذلك دخول المثمن في ملك الشخص الثالث رغم انّ الثمن يكون على المشتري الذي لم يملك المثمن.

الثاني ـ انّ شراء شيء لغيره بمال نفسه لا يمكن تصحيحه بمثل ﴿اوفوا بالعقود﴾ لانّ أدلّة الوفاء بالعقد تنصرف بمناسبات الحكم والموضوع عن فرض كون النتيجة المثبّتة في العقد لها ارتباط بشخص ثالث خارج عن دائرة العقد مع إغفال قبوله لذلك، فأدلّة وجوب الوفاء بالعقد انّما تعالج المسألة من زاوية المتعاقدين فحسب في حين انّ مفاد العقد في ما نحن فيه له علاقة بشخص ثالث وهو المشترى له، صحيح انّ هذا العقد كان في صالح الشخص الثالث وليس ضدّه لكن هذا لا يشفع لنفوذ هذا العقد بحكم الإطلاقات رغم اجنبية الشخص الثالث عن القبول.

إلّا انّ هذا الإشكال يمكن فصله عن أصل المسألة التي نحن بصددها كما لو افترضنا انّ المشتري كان وليّاً على المشترى له أو وكيلاً عنه في هكذا شراء كي لا يأتي إشكال ارتباط العقد بشخص اجنبي فنبقى نحن والتمسّك بإطلاق أدلّة الوفاء بالعقد لتصحيح شراء شيء لغيره بمال نفسه.

295

الثالث ـ ان يقال: إنّ دليل الوفاء بالعقد مقيد بفرض مشروعية متعلّق العقد في نفسه إمّا لانّه حكم حيثيّ لا يدلّ إلّا على وجوب احترام العقد من حيث ارتباطه بالمتعاقدين ولا ينظر إلى مشروعية المتعلّق وإمّا لانّه حكم ثانوي ورد في إطار الأحكام الأوّليّة فلا إطلاق له لفرض مخالفة متعلّقه للأحكام الأوّليّة ومشروعية تمليك مال لغيره بثمن يخرج من ملكه أوّل الكلام.

والجواب: انّه إن قصد بذلك التشكيك في مشروعية تمليك الشخص الثالث فلا شكّ في مشروعيته بمثل إهداء المال إليه، وإن قصد بذلك التشكيك في تمليك الثمن للشخص البائع فلا إشكال أيضاً في مشروعية ذلك ولو بمثل الإهداء إليه، وان قصد بذلك التشكيك في جعل التقابل بين هذين الأمرين اللذين هما مشروعان في حد انفسهما فمن الواضح انّ هذا التقابل والربط هو عين العقد وإيجاد العقدة بين قرارين وإطلاق الوفاء بالعقد يشمله، ومعنى قولنا: لا بد من إحراز مشروعية متعلّق العقد قبل التمسّك بإطلاق دليل الوفاء بالعقد هو ضرورة إحراز مشروعية ذات القرارين، أمّا مشروعية الربط بين القرارين فانّما هي تستفاد من دليل الوفاء بالعقد.

فإذا صحّ بهذا البيان شراء شيء لغيره بمال نفسه عندما كان من حقّه ذلك بالولاية عليه أو الوكالة عنه أمكن تصحيحه في مورد ما إذا فعل ذلك فضولة بالإجازة المتأخّرة، فلو اشترى شيئاً لغيره بمال نفسه ثمّ أجاز الغير ذلك نفذ العقد إذ لا يوجد في ذلك إشكال غير الإشكالات التي دفعناها إلّا شيء واحد وهو انّه بناء على رأي السيد الخوئي الذي يصحّح عقد الفضول بانتساب ذات العقد إلى المجيز بالإجازة يلزم في المقام ان يصبح العقد ثلاثي الأطراف فهو من ناحية مرتبط بالبائع ومن ناحية اُخرى مرتبط بالمشترى ولا بد في تصحيح العقد من

296

فرض نفوذه حتى بلحاظ هذا الارتباط لانّ المفروض انّ الثمن يخرج من ملكه، ومن ناحية ثالثة مرتبط بالمشترى له والمفروض انّ الإجازة تنسب العقد إليه ولكنّنا نقول: أي بأس في افتراض كون عقد ما ثلاثي الأطراف؟! فمثلاً لو اتفق الثلاثة منذ البدء على عقد من هذا القبيل فأوجب البائع تمليك المثمن للشخص الثالث بثمن على المشتري وقبل المشتري والشخص الثالث كلاهما ذلك فأي مانع من صحّة هذا العقد المتقوّم بإيجاب وقبولين؟!

وبهذا العرض يتضح إمكان تصحيح الفرع الأوّل أيضاً وهو ما لو باع مال الغير لنفسه أو اشترى لنفسه بمال الغير ثم أمضى الغير هذا العقد بهذا النحو أي بان يدخل الثمن أو المثمن في ملك الفضولي.

شراء الشيء بذمّة غيره:

ولنختم الحديث عن عقدالفضولي لنفسه بما لو اشترى شيئاً بثمن في ذمّة غيره.

فإن كان مقصوده بذلك الشراء لذاك الغير فهذا خارج عن عقد الفضولي لنفسه وداخل في القسم الأوّل من عقد الفضولي ولا كلام جديد فيه.

وإن كان مقصوده بذلك الشراء لنفسه فقد يقال: إنّه وقع التهافت بين العنوانين: عنوان كون الشراء لنفسه وعنوان كون الثمن في ذمّة غيره فهل يبطل أحد العنوانين أو يبطل العقد أم ماذا؟ وكذلك الكلام في عكس هذه المسألة وهو الشراء لزيد بثمن في ذمّة نفسه:

والتحقيق في المسألة الاُولى وهي الشراء لنفسه بثمن في ذمّة غيره: إنّه إن كان يقصد بذلك إشغال ذمّة الغير بنفس هذا الشراء فهذا هو الفرض الذي يمكن أن يقال فيه بالتهافت بين العنوانين والواقع انّه يكون من سنخ الشراء لنفسه بمال خاص لغيره، فلو قيل بالبطلان هناك لعدم صدق المبادلة ثبت البطلان هنا.

297

وإن كان يقصد بذلك دعوى مالكيته للثمن على ذمّة الغير كذباً فهو يشتري المثمن بهذا الثمن الذي ادّعى مالكيته دخل ذلك في القسم الثالث من الفضولي الذي عرفت انّه لا يرد عليه الإشكال بكون البيع صورياً، بل قد قصد البيع بالمعنى الحقيقي للكلمة فلو أجاز ذلك الغير هذا العقد لنفسه انشغلت ذمّته بالثمن بنفس هذه الإجازة، أمّا لو لم يجز ذلك فهنا تتجّه ثلاثة أسئلة:

الأوّل ـ هل يقع العقد للفضولي وتنشغل ذمّته بالثمن بلا حاجة إلى إجازته؟

والجواب بالنفي وذلك لفقدان الرضا على الأقل.

والثاني ـ هل يقع العقد للفضولي وتنشغل ذمّته بالثمن إذا أجاز؟

والجواب بالنفي لانّ الثمن الذي يفترض انشغال ذمّة الفضولي به غير الثمن الذي فرض في ذمّة الشخص الثالث فانّ الكليّ يتحصّص بالإضافة إلى الذمم وتصحيح بيع الفضولي بالإجازة مشروط بعدم تبدّل الثمن أو المثمن وإلّا فلا بد من عقد جديد.

والثالث ـ لو انّ الفضولي صادف ان ملك بعد هذا العقد الفضولي الذي أوقعه مالاً في ذمّة ذاك الغير يساوي الثمن الذي فرضه في ذاك العقد الفضولي فهل يدخل ذلك في مسألة من باع شيئاً ثم ملكه فبإمكانه ان يجيز الآن ذاك البيع الفضولي أو لا؟

والجواب بالنفي لانّ الثمن هنا أيضاً غير الثمن وقد قلنا: إنّه لا بد في تصحيح بيع الفضولي بالإجازة من وحدة الثمن أو المثمن وإلّا فلا بد من عقد جديد.

وهنا وإن كان الثمنان مضافين إلى ذمّة واحدة لكن الثمن الأوّل كان ذمّياً خيالياً والثمن الثاني ذميّ حقيقي، ولا يتحد الثمن الحقيقي بالثمن الخيالي فليس

298

هذا حاله حال المال الشخصي الذي غصبه أحد فباعه ثم ملكه فالوحدة هناك محفوظة حقيقة بخلاف ما نحن فيه.

وفي المسألة الثانية وهي ما لو اشترى لغيره بثمن في ذمّة نفسه نقول: لو كان المقصود بذلك إشغال ذمّة نفسه بنفس هذا الشراء لحق ذلك بما إذا اشترى لغيره بثمن شخصي من ملكه، فلو قلنا بالبطلان هناك لعدم صدق المبادلة اتّجه البطلان هنا أيضاً.

ولو كان المقصود بذلك دعوى انّ الغير يملك مالاً على ذمّته هو فاشترى له بذاك المال شيئاً فإن كان صادقاً في دعواه دخل ذلك في القسم الأوّل من الفضولي، وإن كان كاذباً في دعواه لم يمكن لحوق الإجازة من قبل الغير لانّ الثمن خيالي لا وجود له ولا لحوق الإجازة من قبل نفس الفضولي بأن يصبح المتاع له وتنشغل ذمّته هو بالثمن حقيقة بسبب الإجازة، وذلك لما قلناه من عدم التوحّد بين الثمن الحقيقي والثمن الخيالي فلا مورد للإجازة.

هذا تمام الكلام في أصل عقد الفضولي.

الإجازة كاشفة أو ناقلة؟:

والآن يقع الكلام في أثر الإجازة هل هو حصول النقل والانتقال منذ بدء العقد أو هو حصول ذلك من حين الإجازة؟ والأوّل يسمى بالكشف والثاني يسمى بالنقل.

وقد يفترض انّ الكشف أو ما في حكمه على ثلاثة أقسام:

الأوّل ـ افتراض اعتبار الملك من حين العقد كشفت عنه الإجازة وهذا كشف حقيقي.

والثاني ـ افتراض انّ الاعتبار يتأخّر إلى حين الإجازة ولكن المعتبر عبارة

299

عن الملك من حين العقد.

والثالث ـ كون الاعتبار والمعتبر كلاهما بلحاظ حين الإجازة لكن ترتّب آثار الملك السابق حين العقد وأحكامه بقدر الإمكان وهذا كشف حكمي.

والثاني في الحقيقة وسط بين الأمرين.

مقتضى القواعد والأدلّة العامّة:

وكلّ هذه الوجوه للكشف خلاف الأصل فانّ مقتضى الأصل عدم الاعتبار السابق وعدم اعتبار المعتبر السابق وعدم تحقّق آثار الملك السابق. اذن فالكشف هو الذي يكون بحاجة إلى الدليل.

والقسم الأوّل من الكشف قد صوّر بوجوه أربعة:

الأوّل ـ فرض الإجازة أمارة بحتة كاشفة عن الملك من دون أيّ تأثير لها.

والثاني ـ فرض الإجازة شرطاً متأخّراً فالإجازة هي التي تؤثر في حصول الملك وليست كاشفة بحتة لكنّها شرطٌ متأخّر للملك قد حصل مشروطها قبلها، واستحالة الشرط المتأخّر انّما هي في التكوينيات لا التشريعيات.

والثالث ـ فرض انّ الشرط هو تعقّب الإجازة وقد كان هذا الوصف ثابتاً منذ البدء.

والرابع ـ فرض انّ الإجازة تكشف عن الرضا التقديري الذي كان ثابتاً حين العقد ويكون الرضا التقديري هو المصحّح للعقد.

وهذا هو المنقول عن المحقّق الرشتي (رحمه الله)(1).

وهذه الوجوه الأربعة يمكن افتراض إرجاع بعضها إلى بعض كأن يقصد


(1) نبذة من كلام المحقّق الرشتي موجودة في كتاب البيع للسيد الإمام (رحمه الله) 2: 163.

300

بالأوّل وهو أمارية الإجازة كونها كاشفة عن وصف التعقّب وهو الوجه الثالث، أوكاشفة عن الرضا التقديري وهو الوجه الرابع، أو يقصد من يقول بالوجه الثاني وهو شرطية الإجازة دخل وصف التعقّب على أساس انّ الشروط كلها ترجع إلى دخل عنوان التعقّب، أو التقدّم، أو التقارن دون دخل نفس الشرط وإلّا رجع إلى الجزء وبذلك يتحد الوجه الثاني والثالث.

ولكنّنا هنا نفترضها وجوهاً متقابلة لاستيعاب مناقشة الصور المتصوّرة في المقام.

وقد ناقش السيد الخوئي كل هذه الوجوه الأربعة(1).

أمّا الوجه الأوّل ـ فناقشه بانّه وإن كان معقولاً ثبوتاً ولكنّه خلاف ظاهر الدليل فانّ ظاهر الأدلّة دخل الإجازة في الحكم لا كاشفيتها البحتة.

أقول: إن لم يقصد بالوجه الأوّل ما يرجع إلى الوجه الثاني أو الثالث ففرض الأمارية البحتة للإجازة من دون دخل لها ولو بمثل عنوان وصف التعقّب مثلاً غير متصوّر ثبوتاً، لانّ حكم عقد الفضولي ليس مجعولاً بنحو القضية الخارجية كي نحتمل انّ الإجازة انّما أخذت كعنوان مشير إلى المصاديق الصحيحة من العقد ولا نتصوّر عنواناً آخر في المقام ملازماً للإجازة يكون هو المصحّح للعقد كي يفترض انّ الإجازة عنوان مشير إلى ذاك الملازم المتقدّم عليه زماناً، ولا نحتمل كون الإجازة ثابتة دائماً في موارد صحّة العقد من باب تكرّر الصدف فينحصر الوجه المحتمل ثبوتاً في المقام دخل الإجازة في الحكم، أو ما يلازمها من مثل وصف التعقّب، أو الرضا التقديري لو قلنا به وهو رجوع إلى الوجهين الآخرين.


(1) راجع المحاضرات 2: 340 ـ 342، ومصباح الفقاهة 4: 133 ـ 137.

301

وعلى أيّة حال فقد اتضح بهذا العرض بطلان الدليل الأوّل من الدليليناللذين نقلهما الشيخ الأنصاري (رحمه الله)(1) عن المحقّق والشهيد الثانيين على الكشف من أنّ قوله تعالى: ﴿اوفوا بالعقود﴾ دلّ على أنّ العقد هو تمام الموضوع فغاية الأمر انّ تمامه في الفضولي يعلم بالإجازة، لا انّ الإجازة هي جزء المؤثّر وإلّا لكان الوفاء وفاء بمجموع العقد والإجازة لا بالعقد خاصّة.

وهذا الدليل كما ترى في غاية الضعف فانّه لو كان العقد تمام الموضوع للحكم لنفذ عقد الفضولي حتى مع عدم الإجازة، ولا معنى لافتراض انّ الإجازة كشفت عن تمامية الموضوع فليس هذا الوجه إلّا تهافتاً في الكلام، وانّما الدليل المعقول نسبياً للمحقّق والشهيد الثانيين على الكشف هو الدليل الثاني الذي نقله الشيخ (رحمه الله)عنهما(2) وسيأتي في المستقبل بيانه إن شاء الله.

وأمّا الوجه الثاني ـ وهو كون الإجازة شرطاً متأخّراً فقد ناقش السيد الخوئي في ذلك باستحالة الشرط المتأخّر، وافتراض اختصاص استحالته بالتكوينيات دون التشريعيات يشبه افتراض استحالة التناقض مثلاً بالتكوينيات دون التشريعيات، واستحالة تأثير المتأخّر في المتقدّم حكم عقلي لا يقبل التخصيص.

أقول: إنّ نسبة الموضوع إلى فعلية الحكم لو كانت نسبة السبب إلى المسبب أو العلّة إلى المعلول بالمعنى الحقيقي للكلمة صحّ كلام السيد الخوئي في المقام، ولكن الأمر ليس كذلك وانّما الشيء بتمامية شرائط الموضوع فيه يصبح طرفاً للحكم من دون أن يؤثر ذلك في إيجاد شيء اسمه فعلية الحكم على ما هو منقّح


(1) و (2) راجع المكاسب 1: 132، حسب الطبعة المشتملة على تعليق الشهيدي.

302

في محلّه، أمّا بلحاظ عالم ملاكات الأحكام فأخذ شيء ما في عالم الجعل شرطاً متأخّراً لا يعني بالضرورة حصول مصلحة مثلاً قبل تحقّق ما يؤثّر فيها، وشرح الكلام في ذلك موكول إلى محله.

نعم هذا الوجه يكون خلاف ظاهر دليل الوفاء بالعقد لانّه ظاهر في الشرط المقارن دون المتأخّر.

وأمّا الوجه الثالث ـ وهو فرض كون الشرط هو التعقّب فهو في نظر السيد الخوئي أمر معقول ثبوتاً وبه يحلّ إشكال الشرط المتأخّر في مثل غسل المستحاضة، أو شرطية الأجزاء المتأخّرة للصلاة في صحّة الأجزاء السابقة ولكنه يقول: إنّ شرطية تعقّب الإجازة في المقام خلاف ظاهر الدليل والوجه في ذلك على ما يظهر من المحاضرات انّ الدليل ظاهر في شرطية نفس الإجازة والرضا لا عنوان تعقّبه، وأمّا عبارة المصباح فلا تخلو من تشويش ويحتمل أن يكون المقصود من عبارة المصباح كون ذلك خلاف الظاهر لوجهين.

أحدهما ما في المحاضرات: من أنّ ظاهر الدليل شرطية نفس الإجازة والرضا لا شرطية عنوان منتزع تضايفي من قبيل التعقّب.

والثاني: انّه لو صرف الدليل إلى شرطية عنوان متضايف من هذا القبيل فظاهره انّ الشرط هو التقارن لا التعقّب، لانّ الدليل ظاهر في لزوم مقارنة الرضا لحصول النتيجة.

أقول: امّا حلّ إشكال الشرط المتأخّر في مثل غسل المستحاضة بالإرجاع إلى شرط وصف التعقّب بعد فرض تفسيره بمعنى يثبت قبل مجيء الغسل (كعنوان الصوم الذي سيعقبه الغسل) فلعلّنا لا نشك في أنّ الشرط بالمعنى الذي يكون جزء علّة حقيقةً هو نفس الغسل لا عنوان التعقّب فانّه هو الذي يؤثر في تحقّق الملاك لا

303

هذه العناوين الانتزاعية، نعم بمعنى ما يؤخذ في مرحلة الجعل يمكن أن يكون جزء الموضوع هو عنوان التعقّب وقد قلنا إنّه بلحاظ عالم فعلية الجعل لا يوجد تأثير وتأثّر بين الموضوع والحكم.

وأمّا كون الأجزاء المتأخّرة شرطاً في صحّة الأجزاء السابقة فلم نفهم معناه فانّ صحّة الأجزاء السابقة ليست إلّا بمعنى قابليتها للحوق باقي الأجزاء بها وهي ثابتة سواء لحقت باقي الأجزاء بها أو لا، نعم لو لم تلحق باقي الأجزاء بطلت الصلاة بمعنى انّ المركّب الواجب بما هو مركّب لم يحصل.

وأمّا استظهار كون الشرط في ما نحن فيه نفس عنوان الإجازة دون عنوان انتزاعي من قبيل تعقّب الإجازة فنحن لا نشك في أنّ الشرط هو نفس الإجازة دون عنوان انتزاعي من هذا القبيل، ولكن معنى كون الإجازة شرطاً بلحاظ عالم الجعل هو جزئية التقيد بها، والتقيد بها يعني التعقّب أو التقارن مثلاً كما يقال في تعريف الشرط: إنّ التقيد جزء والقيد خارج فلو قبلنا: انّ المستظهر بمناسبات الحكم والموضوع والارتكازات هو كون الإجازة شرطاً في موضوع الحكم المجعول لا جزءً اذن فالدخيل في حصول الملكية هو تعقّب الإجازة أو تقارنها نعم هذا الاستظهار أوّل الكلام.

وعلى أيّة حال فظاهر الدليل كون الإجازة شرطاً مقارناً بحصول النتيجة لا شرطاً متأخّراً كي يستظهر الكشف ولو بالالتجاء إلى دخل وصف التعقّب في الحكم.

وأمّا الوجه الرابع ـ وهو كشف الإجازة عن الرضا التقديري فقد أورد عليه السيد الخوئي: أوّلاً ـ بأنّنا لا نقول بكفاية الرضا الفعلي من دون إبراز فكيف بالرضا التقديري؟ وثانياً ـ بانّ الإجازة لا تكشف دائماً عن الرضا التقديري إذ قد