أ نّ هذا هو الصحيح، عندئذ فلنتأمّل شيئاً ما لنرى ما هو الذنب الذي صدر عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟ فقد جاء في جملة من الروايات: أنّ عبدالله بن اُمّ مكتوم أتى رسول الله(صلى الله عليه وآله) وهو يُناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعبّاس بن عبد المطّلب واُبيّاً واُميّة ابني خلف ـ وهم صناديد العرب وكانوا مجتمعين عند رسول الله(صلى الله عليه وآله) ـ حيث كان يدعوهم إلى الله ويرجو إسلامهم، وفي تلك الأثناء جاء هذا الرجل ـ ابن اُمّ مكتوم وكان أعمى ولا يدري من كان عند رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وبمن كان الرسول(صلى الله عليه وآله) مشغولاً ـ فقال: يا رسول الله، أقرئني وعلّمني ممّا علّمك الله، فجعل يناديه والرسول(صلى الله عليه وآله) كان مشغولاً بصناديد العرب يريد أن يهديهم، ويكرّر النداء ولا يدري أنّه مشتغل مقبل على غيره، حتّى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله(صلى الله عليه وآله) لقطعه كلامه، وقال في نفسه: هؤلاء الصناديد سيقولون: إنّما أتباعه العميان والعبيد. فأعرض وأقبل على القوم الذين يُكلّمهم، فنزلت الآيات: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءهُ الاَْعْمَى...﴾. فلو كان هذا التفسير هو الصحيح، فما هو ذنب الرسول (صلى الله عليه وآله)؟ لنلقِ نظرةً على طبيعة الذنب المنسوب إليه(صلى الله عليه وآله)، وهل حقّاً هو معصية يستحقّ العقاب عليها؟
كلاّ؛ فإنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) أراد خيراً، أراد هداية جماعة من عَلِيّة القوم ورجا بذلك هداية ناس كثيرين فأعرض عن هذا الرجل. نعم، الله تعالى يُريد أن يُؤدّب رسوله ويُريد أن يجعله في أعلى مستوى من الخُلق، وقد رأى أنّ هذا المستوى لا يليق برسوله(صلى الله عليه وآله)،