ودعوى أنّ بناء العقلاء قائم على غضّ النظر عن مثل هذه الأُمور رجوع إلى التمسّك بسيرة العقلاء، وهو غير حكم العقل، وسيأتي الحديث عنها إن شاء اللّه.
أما إذا قيل بأنّ العقل وإن كان يحكم بقبح الحكم بالقهر والغلبة في ذاته على أقليّة لم ترض بمنتخب الأكثرية، ولا بالانتخاب، لكن هذا القبح ينتفي بالتزاحم وبضرورة حفظ المصالح العامّة.
قلنا: إنّ هذا الكلام يأتي حتى في القيام حسبة بإدارة الحكم على الكلّ بالقهر والغلبة مع حفظ المصالح العامّة، وقد يكون هذا القائم بالحكم بالقهر والغلبة أحفظ للمصالح من إنسان انتخبته الأكثرية، وكان حكمه لمن لا يرضى بالانتخاب بالقهر والغلبة، كما قد يتّفق العكس، فليس هذا برهاناً يمكن الاعتماد عليه في المقام.
هذا مضافاً إلى أنّ من اشترك في الانتخاب وانتخب من انتخبته الأكثرية قد يندم على ما فعل، فهنا لا يكون حكم العقل بوجوب بقائه تحت سلطة الدولة المنتخبة، إلاّ بنكتة ضرورة الوفاء بالعقد الذي اشترك فيه سابقاً، وهذا رجوع إلى ما سوف يأتي من الوجه الرابع.
الوجه الثاني: التمسّك بسيرة العقلاء، والمقصود بذلك إن كان دعوى أنّ سيرة العقلاء قائمة على انتخاب الدولة فهو بديهي البطلان، فما أكثر قيام الدولة في ما بين العقلاء بغير الانتخاب؟!
وإن كان المقصود بذلك التمسّك بسيرة العقلاء في القضايا الفردية علىالتوكيل والاستنابة، وكذلك في قضايا مرتبطة بجماعة كلّهم أجمعوا علىتوكيل أحد واستنابته، فهذا كما ترى لا علاقة له بالاستنابة في قضية اجتماعيةمن قبل الأكثرية، ورغم أقليّة لم توافق على هذه الاستنابة، بأن لم ترض بها