هذا ليس قرينة على إرادة المعنى الأوّل، فإنّ الأمر والنهي لا يتوقّفان على فرض الولاية ونفوذ الكلمة بمعنى وجوب طاعته، بل يكفي ـ مناسبةً للاستعلاء والتأمّر ـ أنّ الطرف المقابل إنسان منحرف قد نكب عن الطريق الصحيح، فيستعلي عليه المؤمن ويأمره بالمعروف ويزجره عن المنكر.
إلاّ أنّ الظاهر أنّ مشكلة إجمال آية الشورى وعدم وضوح كون المقياس في ولاية الشورى هو الترجيح الكمّي أو الكيفي في نفسها محلولة بلا حاجة إلى مراجعة آية الولاية، وتأكيدنا على هذا الإشكال في كتاب أساس الحكومة الإسلامية في غير محلّه، وذلك لأنّ المفهوم عرفاً من ولاية الشورى لو تمّت إنما هي ولاية الأكثرية، فإنها هي التي تصلح مقياساً منضبطاً عند العرف، أما الترجيح الكيفي فهو لا ينضبط عادة، فكلّ جهة أو فئة من النّاس قد تدعي الترجيح الكيفي لنفسها، فلا معنى لافتراض ترجيح رأي الأقلية بحجة الترجيح الكيفي، فإنّ في الأكثرية من ينكر الترجيح الكيفي في جانب الأقلية أو يدّعيه لنفسه، فالضابط المعقول لحسم النزاع إنما هو الترجيح الكمّي لا الكيفي.
إلاّ أنّ الشأن في أصل دلالة آية الشورى على ولاية الشورى، وتوضيحذلك:
أن الشورى: تارة يُقصد بها تنفيذ رأي الأكثرية، وهذا ما قد نعبّر عنه بولاية الشورى، وأُخرى يُقصد بها مجرّد الاستضاءة بالأفكار والاستنارة بها من دون افتراض تضمّن الحجية ووجوب طاعة رأي الأكثرية، وقد يقال: أنّ قوله تعالى: ﴿ وأمرُهُمْ شُورَى بَينَهُمْ ﴾ ظاهر في المعنى الأوّل بقرينة أنّ الضمير ظاهر في الرجوع إلى كل المؤمنين، ولا يتصوّر معنىً للاستنارة في أمر ما بأفكار الكلّ،