يكون مناط الحكم في الأفراد نفس عنوان المطلق، وأمّا في باب العموم فأداة العموم تتكفّل لإسراء الحكم إلى الأفراد رأساً، فلا يأتي فيه هذا البرهان الفنّيّ كما هو واضح، فلا يبقى في البين إلّا دعوى الاستظهار العرفيّ من العامّ بما هو عامّ لكون الحكم ثابتاً للأفراد بمناط ذلك العنوان فقط، لكن هذا الاستظهار ممنوع عندنا جدّاً. نعم، مقتضى الإطلاق ومقدّمات الحكمة ذلك، ومجيء التخصيص قرينة على خلاف هذا الإطلاق.
الأمر الثاني: أنّه هل التخصيص يوجب تعنون الباقي بعنوان خاصّ أو لا؟ ذهب المحقّق العراقيّ(قدس سره)إلى الثاني والمحقّق النائينيّ(رحمه الله) إلى الأوّل واستدلّ على مدّعاه ـ من تعنون الباقي ـ بأنّ الطبيعة في قوله مثلاً: (أكرم كلّ عالم) إمّا لوحظت مطلقة أو مقيّدة أو مهملة: أمّا الاحتمال الثالث فمنفيّ بعدم معقوليّة الإهمال في عالم الثبوت، وأمّا الاحتمال الأوّل فمنفيّ بأنّها لو كانت لوحظت مطلقة لكان يجب إكرام العادل منهم والفاسق معاً وهو خلف، فيثبت الاحتمال الثاني وهو التقييد والتعنون، وهذا هو المطلوب.
هذا ما أفاده المحقّق النائينيّ(قدس سره)(1). وقد وافق عليه السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ حتّى تعجّب عن ذهاب المحقّق العراقيّ(قدس سره) إلى عدم التعنون وغفلته عن هذا الأمر الواضح(2).
(1) لم أرَ هذا الاستدلال في كلمات المحقّق النائينيّ(رحمه الله) صريحاً، ولعلّ هذا انتزاع لاُستاذنا الشهيد(رحمه الله) من كلماته. نعم، رأيته صريحاً في كلمات السيّد الخوئيّ(رحمه الله) فيما نقل عنه الشيخ الفيّاض في المحاضرات، ج 5، ص 194 بحسب طبعة مطبعة صدر بقم.
(2) راجع المحاضرات، ج 5، ص 194 و210 بحسب الطبعة التي أشرنا إليها.