أن عصى أحد النهيين ودخل فالمقتضي لحرمة الخروج أيضاً موجود؛ لأنّه غصب وتصرّف في ملك الغير، لكن بقاء هذا النهي غير معقول باعتبار أنّ النهي استنفد غرضه، فإنّ الغرض من هذا النهي توجيه اختيار المكلّف، وبعد الدخول لا يمكن للمولى أن يوجّه اختياره، فإنّه مضطرّ إلى الخروج. وإن شئت فقل: إنّ النهي إذا بقي بداعي الباعثيّة والمحرّكيّة وكان يهدف إلى أن يضطرّه إلى عدم الخروج فهذا معناه التصرّف الأكثر، وإن لم يبق بداعي الباعثيّة والمحرّكيّة فهذا خلف كون النهي بداعي المحرّكيّة.
وعلى ضوء هذا يُعرف أنّه لا يمكن دعوى بقاء النهي تمسّكاً بقاعدة عقليّة وهي: (أنّ الاضطرار بالاختيار لا ينافي الاختيار). توضيح ذلك: أنّه قد يتصوّر أنّه لا مانع من بقاء النهي؛ فإنّ المانع المتصوّر هو أنّ الخروج ليس اختياريّاً بالنسبة إليه، وهذا المانع مدفوع بأنّ الخروج اختياريّ؛ لأنّ الإيجاب الناشئ من الاختيار لا ينافي الاختيار، ولابدّيّة الخروج نشأت من دخوله باختياره، فإذا ثبت أنّ الخروج اختياريّ فلا بأس بتعلّق النهي به.
وهذا الكلام غير صحيح، فإنّ المقصود بقاعدة (أنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار) مطلب فلسفيّ أجنبيّ عن المقام، وهو: أنّ الاختيار إذا تولّد منه إيجاب أو امتناع وتولّد من الإيجاب أو الامتناع فعل، فمجرّد توسّط الإيجاب أو الامتناع لا ينافي كون الفعل من نتائج ذاك الاختيار، فالمؤثّريّة التكوينيّة للاختيار غير مشروطة بعدم حلقة في الوسط تسمّى بالإيجاب أو الامتناع. وهذا أمر واقعيّ تكوينيّ لا مجال للبحث فيه ولا فائدة في مناقشته، فإنّه لم يدلّ دليل على أنّ النهي يمكن تعلّقه بأيّ فعل يكون مستنداً إلى الاختيار حتّى يقال بأنّ الفعل في المقام يكون مستنداً إلى الاختيار، وإنّما النهي يمكن أن يتعلّق بأيّ فعل يمكن للمولى أن يوجّه اختيار المكلّف بلحاظه.