لا المقتضي للحرمة فلا امتنان في الرفع، فهذا بنفسه دليل على أنّ المقتضي للحرمة ـ وهو الملاك ـ موجود ولكنّ المولى مع ذلك رفع الحكم شفقةً على المكلّفين.
الثاني: أنّه إذا ثبت ملاك الحرمة أوجب ذلك بطلان العمل، ويمكن بيان ذلك بإحدى صيغتين:
الاُولى: أن يقال: ما دمنا أثبتنا ملاك الحرمة في مادّة الاجتماع فلا يمكن التقرّب به إلى المولى. وهذه الصيغة تختصّ بالعبادات.
الثانية: أن يقال: إنّه بعد أن ثبت بحديث الرفع وجود مبادئ الحرمة لا يُعقل ثبوت الأمر؛ وذلك لأنّ نكتة امتناع اجتماع الأمر والنهي لو كانت مبنيّة على مسلك المحقّق النائينيّ(رحمه الله) القائل بأنّ الامتناع إنّما هو باعتبار أنّ إطلاق الأمر يستلزم الترخيص في التطبيق على كلّ فرد وهو ينافي الحرمة، فهذه النكتة تزول بزوال الحرمة وإن كان الملاك موجوداً.
وأمّا إذا افترضنا أنّ نكتة الامتناع إنّما هي التنافي بين الأمر المتعلّق بصِرف وجود الصلاة والنهي المتعلّق بالغصب بلحاظ مبادئهما ـ لأنّ الشيء الواحد لا يُعقل أن يكون مصبّاً للمحبوبيّة والمبغوضيّة معاً ـ فهنا لا ترتفع المانعيّة بارتفاع الحرمة؛ لأنّ مبادئ الحرمة موجودة بحسب الفرض. وهذه الصيغة لو تمّت فلا تختصّ بالعبادات.
وكلا الأمرين قابلان للمناقشة:
أمّا الأمر الأوّل: فلأنّ هذا الذي قالوه قياسٌ للشارع بالنماذج العرفيّة للمولى، فإنّ المولى العرفيّ إنّما يحكم لأجل مصلحة نفسه فيقال: إنّه لو رفع يده عن مصلحة نفسه شفقةً على العبد كان امتناناً، أمّا لو ترك الحكم لعدم مصلحة له فيه فلا امتنان في ذلك. إلاّ أنّ المولى الحقيقيّ ليس كذلك، فإنّ الشارع إنّما يأمر وينهى رعاية لشؤون نفس العبد، ففي مثل ذلك لابدّ وأن يحسب المولى حساب المكلّف