الفرق العقليّ بين الأمر والنهي من جهة الامتثال والعصيان:
الجهة الثالثة: أنّه لو فرضنا أنّ النهي كان نهياً واحداً وغضضنا النظر عن قرينة الانحلال، أو فرضنا سقوطها بقرينة اُخرى فأصبح النهي كالأمر في كونه حكماً واحداً، بقي هنا فرق عقليّ بين النهي والأمر من ناحية الامتثال والعصيان، وهو أنّ الأمر يُمتثل بإتيان فرد واحد ولايُعصى إلاّ بترك كلّ الأفراد، والنهي لا يُمتثل إلاّ بترك كلّ الأفراد ويُعصى بالإتيان بفرد واحد، وبه يسقط النهي فيجوز ارتكاب باقي الأفراد، وذلك لما اشتهر بينهم من أنّ الطبيعة توجد بوجود فرد واحد ولا تنعدم إلاّ بانعدام كلّ الافراد.
وهذا فارق عقليّ في مقام الامتثال والعصيان غير الفارق الذي مضى في الجهة الثانية الراجع إلى مسألة الانحلال وعدمه. وبهذا التمييز بين الجهتين اتّضح بعض الأخطاء، من قبيل ما جاء في تقرير المحقّق العراقيّ(رحمه الله) من تعليل سقوط الأمر بالعصيان وعدم سقوط النهي به، بأنّ الطبيعة لا تنعدم إلاّ بانعدام كلّ أفرادها وتوجد بوجود فرد واحد(1).
فقد عرفت أنّ كون الطبيعة لا تنعدم إلاّ بانعدام كلّ الأفراد أجنبيّ عن عدم سقوط النهي بالعصيان، ومرتبط بالجهة الثالثة. ولولا الانحلال لسقط النهي بالعصيان بالفرد الأوّل، ومع الانحلال لا يسقط النهي نهائيّاً بعصيان بعض أفراده؛ لأنّه في الحقيقة نواه عديدة وله امتثالات وعصيانات عديدة وكلّ نهي يسقط بعصيانه هو.
واستشكل المحقّقون المتأخّرون عن صاحب الكفاية فيما كان يقوله المشهور:
(1) راجع نهاية الأفكار مباحث الألفاظ طبعة جماعة المدرّسين بقم، ص 406.